ايصال الطالب الي المكاسب المجلد 6

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: الحسيني الشيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان واسم المؤلف: ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

تفاصيل المنشور: تهران : موسسة كتابسراي اعلمي ، 1385.

خصائص المظهر: ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

لسان : العربية

ملحوظة : الفهرسة على أساس المعلومات فيپا

ملحوظة : هذا الكتاب هو وصف"المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" يكون

عنوان آخر: المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف8م702133 1385

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 85-16816

ص: 1

اشارة

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة مقدمة في خصوص ألفاظ البيع]

[مسألة أحكام المقبوض بالعقد الفاسد]

[الأول ضمان المقبوض بالعقد الفاسد]
مسئلة

لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه و كان مضمونا عليه.

اما عدم الملك فلانه مقتضى فرص الفساد و اما الضمان بمعنى كون تلفه عليه و هو احد الامور المتفرعة على القبض بالعقد الفاسد فهو المعروف.

و ادعى الشيخ فى باب الرهن و فى موضع من البيع الاجماع عليه صريحا و تبعه فى ذلك فقيه عصره فى شرح القواعد و فى السرائر أن البيع الفاسد يجرى عند المحصلين مجرى الغصب فى الضمان.

______________________________

(مسئلة: لو قبض ما ابتاعه) بيعا او شراء (بالعقد الفاسد) كما لو كان طرفه حال العقد محجورا عليه- مثلا- (لم يملكه و كان مضمونا عليه) بان وجب رده.

(اما عدم الملك) للأخذ (فلأنه مقتضى فرض الفساد) اذ: معنى الفساد هنا بقاء كل ملك على ملك مالكه الاول (و اما الضمان بمعنى كون تلفه عليه، و هو احد الامور المتفرعة على القبض بالعقد الفاسد) فان القبض بالعقد الفاسد يوجب الرد و الضمان، و حرمة التصرف، و غيرها (فهو المعروف) بين العلماء.

(و ادعى الشيخ فى باب الرهن، و فى موضع من البيع الاجماع عليه صريحا و تبعه فى ذلك) الدعوى للاجماع (فقيه عصره) كاشف الغطاء (فى شرح القواعد و) قال ابن ادريس (فى السرائر: أن البيع الفاسد يجرى- عند المحصلين- مجرى الغصب فى الضمان) فكما ان الغصب موجب للضمان، و ان لم يعلم الغاصب بأنه غصب- كذلك البيع الفاسد، و ان لم يعلما بالفساد، و قوله: عند المحصلين، ظاهر فى الاجماع.

ص: 2

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين، و لعنة الله على اعدائهم اجمعين. الى يوم الدين

و بعد: هذا هو القسم الثانى من البيع، من كتابنا: (ايصال الطالب) فى شرح كتاب (المكاسب) للعالم العامل التقى الزاهد آية الله الحاج الشيخ المرتضى الانصارى قدس الله سره، و اجزل اجره.

كتبته تبصرة للمبتدئين، و اللّه المسئول ان يوفقنى للاتمام، و يجعله مبينا لمنهج الاسلام، و خالصا لوجهه الكريم، و هو المستعان.

كربلاء المقدسة

محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 3

و فى موضع آخر نسبه الى اصحابنا،

[الاستدلال على الضمان]

و يدل عليه النبوى المشهور:

على اليد ما اخذت حتى تؤدّى.

و الخدشة فى دلالته بأن كلمة- على- ظاهرة فى الحكم التكليفى، فلا يدل على الضمان، ضعيفة جدا، فان هذا الظهور انما هو اذا اسند الظرف الى فعل من افعال المكلفين، لا الى مال من الاموال، كما يقال: عليه دين فان لفظة- على- حينئذ لمجرد الاستقرار فى العهدة عينا

______________________________

(و فى موضع آخر) من السرائر (نسبه الى اصحابنا و يدل عليه النبوى المشهور) و ان لم يرد فى كتب الخاصة او لا، و رواية سمرة بن جندب الّذي لا يخفى ما فيه لقصة ضرره بالصحابى، و ضربه ناقة رسول اللّه (ص) حتى شجّها، و كونه من جملة المحرضين على قتل الحسين (ع) حيث انخرط فى سلك شرطة ابن زياد- كما قالوا- ثانيا.

لكن ضعفه سندا مجبور بالعمل به لدى فقهائنا قديما و حديثا مما يجعله من القطعيات (على اليد ما اخذت حتى تؤدّى) و فى بعض الروايات «حتى تؤدّيه» باضافة الضمير.

(و الخدشة فى دلالته بان كلمة على) فى قوله «على اليد» (ظاهرة فى الحكم التكليفى) فمعناه انه واجب عليه الأداء، لا انه ضامن (فلا يدل على الضمان، ضعيفة جدا، فان هذا الظهور انما هو اذا اسند الظرف الى فعل من افعال المكلفين) كما لو قال: عليه صلاة الظهر، او حج البيت او صلة الرحم او ما اشبه ذلك (لا الى مال من الاموال كما يقال عليه دين) او عليه الف دينار لزيد، او ما اشبه (فان لفظة- على- حينئذ لمجرد الاستقرار فى العهدة عينا

ص: 4

كان او دينا.

و من هنا كان المتّجه صحة الاستدلال به على ضمان الصغير، بل المجنون، اذا لم يكن يدهما ضعيفة لعدم التميز و الشعور.

و يدل على الحكم المذكور أيضا قوله عليه السلام فى الامة المبتاعة اذا وجدت مسروقة بعد ان اولدها المشترى، انه يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بالقيمة

______________________________

كان) نحو عليه بيع هذه الدار (او دينا) نحو عليه الف دينار.

و لا يخفى ان العين بذاتها لا تكون فى الذمة و انما العمل، و لذا مثّلناه بقولنا: عليه بيع هذه الدار.

(و من هنا) الّذي ذكرنا ان ظاهر «على اليد» الضمان، لا الحكم التكليفى (كان المتّجه صحة الاستدلال به على ضمان الصغير، بل المجنون اذا لم يكن يدهما ضعيفة لعدم التميز و الشعور) فان الضمانات لا يشترط فيها العقل و البلوغ.

نعم اذا كانت يدهما ضعيفة، لم يضمنا لعدم الاستناد إليهما فلا يشملهما- على اليد- لانه لا يدلهما عرفا.

(و يدل على الحكم المذكور) اى الضمان (أيضا) بالإضافة الى: الاجماع و: على اليد (قوله عليه السلام فى الامة المبتاعة- اذا وجدت مسروقة بعد ان اولدها المشترى- انه يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بالقيمة) و هى رواية جميل عن الصادق عليه السلام قال: الرجل يشترى الجارية من السوق فيولدها، ثم يجئ مستحق الجارية، فقال: يأخذ

ص: 5

فان ضمان الولد بالقيمة مع كونه نماء لم يستوفه المشترى، يستلزم ضمان الاصل بطريق اولى

فليس استيلادها من قبيل اتلاف النماء بل من قبيل احداث انمائها غير قابل للملك فهو كالتالف لا كالمتلف فافهم.

______________________________

الجارية المستحق، و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد، و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التى اخذت منه (فان ضمان) المشترى للمالك (الولد بالقيمة) حيث قال عليه السلام: انه يدفع الى البائع قيمة الولد (مع كونه) اى الولد (نماء لم يستوفه المشترى) اذ الولد انعقد حرا، و مثله ليس بملك، فهو كالنماء غير المستوفات (يستلزم ضمان الاصل) اى الجارية (بطريق اولى) عرفا فيدل الخبر على ضمان اليد.

(ف) ان قلت: الاستيلاد للجارية من قبيل اتلاف النماء فيدخل فى قاعدة: من اتلف مال الغير فهو له ضامن، فلا يدل الخبر على قاعدة:

على اليد ما اخذت.

قلنا: (ليس استيلادها) بجعل الولد فى بطنها (من قبيل اتلاف النماء) حتى يدخل فى قاعدة- من اتلف- (بل من قبيل احداث انمائها غير قابل للملك) لأنه حرّ، و الحرّ غير قابل للملك (فهو) اى النماء (كالتالف) بنفسه (لا كالمتلف) الّذي اتلفه المشترى، فهو كما لو وضع اليد على ضأن و ولده، ثم تلف الولد بتلف سماوى فانه مشمول لقاعدة- على اليد- لا لقاعدة- من اتلف- لان واضع اليد لم يتلف الولد (فافهم) فان الاستيلاد و ان لم يكن باستيفاء منفعة بالدقة العقلية، لكن بالنظر العرفى استيفاء

ص: 6

[قاعدة ما يضمن بصحيحه و عكسها]
[البحث في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده]
اشارة

ثم ان هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة، كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

و هذه القاعدة اصلا و عكسا و ان لم اجدها بهذه العبارة فى كلام من تقدم على العلامة (ره) الّا أنها يظهر من

______________________________

اذ: الولد مربوط بوالده و نفعه للوالد فيشمله دليل- من اتلف- لا دليل- على اليد- فلا يكون الخبر شاهد القاعدة: على اليد.

هذا مضافا الى انه يمكن ان يقال: أن المدعى جريان قاعدة اليد فى كل مورد من الغصب، و تسليط المالك بالعقد الفاسد، و نحوه.

و الرواية انما دلت فى مورد الغصب، فسحب الحكم الى مورد تسليط المالك يحتاج الى القطع بالمناط، و هو غير موجود.

اللّهم الّا أن يقال يفهم من الحديث ان الملاك فى الضمان وضع اليد على مال الغير لا انه للغصب مدخلية.

(ثم ان هذه المسألة) اى مسئلة ضمان ما اخذه بالعقد الفاسد (من جزئيات القاعدة المعروفة، كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و) قاعدة (ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) فان المشترى الّذي يشترى المتاع انما يدخل فى المعاملة بعنوان ضمان قيمة المتاع، فاذا كانت المعاملة صحيحة كان ضامنا لقيمة المتاع، فاذا كان فاسدا لزم ضمانه للقيمة أيضا.

(و هذه القاعدة اصلا) اى ما يضمن (و عكسا) اى ما لا يضمن، و المراد العكس اللغوى، لا العكس المنطقى كما لا يخفى (و ان لم اجدها بهذه العبارة) المتقدمة (فى كلام من تقدم على العلامة- ره- الا انها يظهر من

ص: 7

كلمات الشيخ (ره) فى المبسوط فانه علّل الضمان فى غير واحد من العقود الفاسدة بانه دخل على ان يكون المال مضمونا عليه.

و حاصله: أن قبض المال مقدما على ضمانه بعوض واقعى، او جعلى موجب للضمان.

و هذا المعنى يشمل القبوض بالعقود الفاسدة التى تضمن بصحيحها و ذكر أيضا فى مسئلة عدم الضمان فى الرهن الفاسد أن صحيحه لا يوجب الضمان.

______________________________

كلمات الشيخ- ره- فى المبسوط فانه علّل الضمان فى غير واحد) اى فى كثير (من العقود الفاسدة بانه دخل على ان يكون المال مضمونا عليه) اى أن اخذ المال انما دخل فى هذه المعاملة بعنوان ان يكون المال المأخوذ فى قبال ضمانه.

(و حاصله) اى حاصل تعليل الشيخ (أن قبض المال مقدما على ضمانه)- مقدم- اسم فاعل من: اقدم، باب الافعال (بعوض واقعى) هى قيمته واقعا (او جعلى) هى القيمة المجعولة بينهما سواء كانت اكثر من القيمة الواقعية، او اقل (موجب للضمان) حين قبض المال.

(و هذا المعنى) اى الدخول مقدما على الضمان (يشمل القبوض بالعقود الفاسدة التى تضمن بصحيحها) اى فيها اذا كانت صحيحة كالاجارة، و البيع، و الهبة المعوّضة و نحوها.

(و ذكر) الشيخ (أيضا فى مسئلة عدم الضمان فى الرهن الفاسد أن صحيحه لا يوجب الضمان) فان الانسان اذا اخذ دار زيد رهنا فى مقابل

ص: 8

فكيف يضمن بفاسده.

و هذا يدل على العكس المذكور و لم اجد من تأمل فيها عدا الشهيد فى المسالك فيما لو فسد عقد السبق فهل يستحق السابق اجرة المثل؟ أم لا

و كيف كان فالمهمّ بيان معنى القاعدة اصلا و عكسا ثم بيان المدرك فيها

فنقول و من اللّه الاستعانة: أن المراد بالعقد اعم من الجائز و اللازم بل مما كان فيه شائبة الايقاع

______________________________

قرضه الف دينار، اذا تلفت الدار فى يده من غير تعد، او تفريط، لا يضمن الدار (فكيف يضمن بفاسده) فيما اذا ظهر الرهن فاسدا.

(و هذا) الكلام من الشيخ فى باب الرهن الفاسد (يدل على العكس المذكور) اى على قاعدة- ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده- (و لم اجد من تأمّل فيها) اى استشكل فى قاعدة- ما لا يضمن (عدا الشهيد فى المسالك فيما لو فسد عقد السبق فهل يستحق السابق) من المتسابقين بالخيل و نحوها (اجرة المثل؟ أم لا) مع ان مقتضى القاعدة الاستحقاق لانه من مصاديق: ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

(و كيف كان) سواء ذكر هذه القاعدة الفقهاء قبل العلامة أم لا؟ (فالمهمّ بيان معنى القاعدة اصلا، و عكسا) و تشخيص مواردها و خصوصياتها (ثم بيان المدرك فيها) لان القاعدة بهذا اللفظ لم يرد فى خبر، او نحوه.

(فنقول و من اللّه الاستعانة ان المراد بالعقد) اذ: مصداق- ما- فى ما يضمن، او ما لا يضمن- هو- العقد- (اعم من الجائز) كالهبة (و اللازم) كالبيع (بل) اعم (مما كان فيه شائبة الايقاع) بان كان عقدا مثل الايقاع فى

ص: 9

او كان اقرب إليه فيشمل الجعالة و الخلع.

و المراد بالضمان فى الجملتين هو كون درك المضمون عليه بمعنى كون خسارته و دركه فى ماله الاصلى فاذا تلف وقع نقصان فيه لوجوب تداركه منه

و اما مجرد كون تلفه فى ملكه بحيث يتلف مملوكا له كما يتوهم فليس هذا معنى للضمان اصلا، فلا يقال: ان الانسان ضامن لامواله

______________________________

كونه متقدما بطرف واحد، فلا يشترط فيه شروط العقد فان الجعالة مثلا لا يشترط فيها معرفة الجاعل للطرف، و لا معرفة الطرف لمقدار المال، و هكذا (او كان اقرب إليه) اى عقدا اقرب الى الايقاع كالخلع، فانه طلاق، و الطلاق ايقاع (فيشمل) كل- ما يضمن- و- ما لا يضمن- (الجعالة و الخلع) أيضا.

(و المراد بالضمان فى الجملتين) الاصل، و العكس (هو كون درك) اى خسارة (المضمون عليه)- عليه- خبر- كون- اى خسارة المتاع على الاختلاف (بمعنى كون خسارته و دركه فى ماله الاصلى فاذا تلف) المتاع عند المشترى- مثلا- (وقع نقصان فيه) اى فى مال المشترى (لوجوب تداركه) اى تدارك التلف (منه) اى من ماله الاصلى، فلم تقع الخسارة فى مال البائع، و انما وقعت فى مال المشترى.

(و اما مجرد كون تلفه) اى المتاع (فى ملكه) اى المشترى- مثلا- (بحيث يتلف مملوكا له) بان يكون معنى: الضمان، ان المتاع تلف فى ملك المشترى. (كما يتوهم) من لفظ: ما يضمن بصحيحه. (فليس هذا معنى للضمان اصلا، فلا يقال ان الانسان ضامن لامواله) فالمراد بالضمان:

الخسارة، لا: ان المال يتلف مملوكا للمشترى، فالمراد ب: يضمن،

ص: 10

ثم تداركه من ماله تارة يكون باداء عوضه الجعلى الّذي تراضى هو و المالك على كونه عوضا و أمضاه الشارع كما فى المضمون بسبب العقد الصحيح و اخرى باداء عوضه الواقعى و هو المثل او القيمة و ان لم يتراضيا عليه و ثالثة باداء اقل الامرين من العوض الواقعى، و الجعلى كما ذكره بعضهم فى بعض المقامات مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض

______________________________

فى الجملتين: يغرم، لا ان المراد: يتلف

و لا يخفى ان هذا الكلام لاجل تفسير العبارة فى- القاعدة- خلافا، لصاحب الرياض- كما نسب إليه التوهم المذكور فى معنى العبارة- (ثم تداركه) المستفاد من- يضمن- (من ماله تارة يكون باداء عوضه الجعلى) اى الّذي جعلاه، كما لو جعلا فى مقابل المتاع دينارا (الّذي تراضى هو) الّذي تلف عنده المتاع (و المالك) الاصلى- كالبائع، مثلا- (على كونه عوضا و أمضاه الشارع) بقوله:- احل اللّه البيع- (كما فى المضمون بسبب العقد الصحيح) حيث ان تلف المتاع، يكون مضمونا على المشترى، بعوضه المجعول، و هو الدينار- فى المثال- (و اخرى باداء عوضه الواقعى و هو المثل) فى المثلى (او القيمة) فى القيمى (و ان لم يتراضيا عليه) فيما اذا ظهر العقد فاسدا (و ثالثة باداء اقل الامرين من العوض الواقعى، و الجعلى) فأيّهما كان اقل كان آخذ المتاع ضامنا لذلك الاقل (كما ذكره) اى اقل الامرين (بعضهم فى بعض المقامات مثل تلف الموهوب بشرط التعويض) اى الهبة المعوضة (قبل دفع العوض) فان آخذ الهبة يضمن اقل الامرين من العوض الّذي جعلاه، و من قيمة الموهوب واقعا، و ذلك لان القيمة اذا كانت اقل،

ص: 11

فاذا ثبت هذا فالمراد بالضمان بقول مطلق هو لزوم تداركه بعوضه الواقعى لأن هذا هو التدارك حقيقة.

و لذا لو اشترط ضمان العارية لزم غرامة مثلها او قيمتها و لم يرد فى اخبار ضمان المضمونات من المغصوبات و عيرها عدا لفظ الضمان بقول مطلق

______________________________

كان الآخذ انما اتلف هذا المقدار من الواهب فيضمنه، و ان كان المجعول اقل كان الواهب اهدر احترام الزائد من ماله بتسليمه للآخذ بهذا المقدار فقط، و لذا كان الضمان لاقل الامرين.

(فاذا ثبت هذا) الّذي ذكرناه: من ان المراد بالضمان التدارك الصادق تارة على الجعلى، و اخرى على الواقعى، و ثالثة على اقل الامرين، (فالمراد بالضمان بقول مطلق) فى قولهم: يضمن، بدون تعيين اىّ قسم من الاقسام الثلاثة (هو لزوم تداركه) اى التالف (بعوضه الواقعى) لا الجعلى، و لا اقل الامرين، اذ هو المنصرف من لفظ: الضمان، (لأن هذا) الّذي ذكرناه من: العوض الواقعى، (هو التدارك حقيقة) و ما عداه من: الجعلى و: اقل الامرين، يحتاج الى القرينة.

(و لذا) الّذي ذكرناه من ان: التدارك حقيقة هو العوض الواقعى فقط، (لو اشترط ضمان العارية لزم غرامة مثلها او قيمتها) لانه التدارك حقيقة، دون سواه.

(و لم يرد فى اخبار ضمان المضمونات من المغصوبات، و غيرها) التى بيّن الشارع ضمانها (عدا لفظ: الضمان، بقول مطلق) بدون تقييد بشي ء، فلا بد و ان نقول: ان المراد بالضمان، هو المتبادر منه من قيمته الواقعية،

ص: 12

و اما تداركه بغيره فلا بد من ثبوته من طريق آخر، مثل تواطئهما عليه بعقد صحيح يمضيه الشارع.

فاحتمال ان يكون المراد بالضمان فى قولهم: يضمن بفاسده هو وجوب اداء العوض المسمّى نظير الضمان فى العقد الصحيح

ضعيف فى الغاية لا لان ضمانه بالمسمّى يخرجه من فرض الفساد.

______________________________

لا الجعلية، و لا اقل الامرين، لأن المطلق يحمل على الفرد المنصرف منه.

(و اما تداركه بغيره) اى غير عوضه الواقعى (فلا بد من ثبوته من طريق آخر مثل تواطئهما) اى تبانى المتعاقدين (عليه) اى على ذلك العوض الّذي هو مخالف للعوض الواقعى (بعقد صحيح يمضيه الشارع) و الّا فلو لم يمضه الشارع لم يكن التواطى موجبا بتغير القيمة الواقعية الى القيمة الجعلية

و على هذا الّذي ذكرناه من ان الاصل فى الضمان القيمة الواقعية (فاحتمال ان يكون المراد بالضمان، فى قولهم) فى القاعدة المتقدمة (يضمن بفاسده، هو وجوب اداء العوض المسمى) فى العقد الفاسد (نظير الضمان فى العقد الصحيح) الّذي يراد به المسمّى

فهذا الاحتمال (ضعيف فى الغاية).

و (لا) نقول بأنه ضعيف (لأن ضمانه بالمسمّى يخرجه من فرض الفساد)

حتى يقال: لا تلازم بين الضمان بالمسمّى، و بين عدم الفساد فانه من الممكن، الفساد، و ضمان المسمّى.

ص: 13

اذ يكفى فى تحقق فرض الفساد بقاء كل من العوضين على ملك مالكه، و ان كان عند تلف احدهما يتعين الآخر للعوضية،

نظير المعاطاة على القول بالإباحة.

بل لأجل ما عرفت من معنى الضمان، و ان التدارك بالمسمى فى الصحيح لامضاء الشارع ما تواطيا على عوضيته، لا لأنّ معنى الضمان فى الصحيح مغاير لمعناه فى الفاسد حتى يوجب ذلك تفكيكا فى العبارة

______________________________

(اذ يكفى فى تحقق فرض الفساد بقاء كل من العوضين على ملك مالكه، و ان كان عند تلف احدهما يتعين الآخر للعوضية) فالعقد فاسد، و انما المسمى يكون عند التلف.

(نظير المعاطاة على القول بالإباحة) حيث ان العوضين يبقيان على ملك مالكهما، فاذا تلف احدهما تعين الآخر للعوضية.

(بل) نقول: بانه ضعيف (لأجل ما عرفت من معنى الضمان) و انه منصرف الى القيمة الواقعية، لا الجعلية (و ان التدارك بالمسمى فى) العقد (الصحيح) انما خرج بالدليل (لامضاء الشارع ما تواطيا على عوضيته لا لأنّ معنى الضمان فى الصحيح مغاير لمعناه فى الفاسد حتى يوجب ذلك) التغاير (تفكيكا فى العبارة) اى فى قولهم: ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده حتى يقال: كيف يمكن ان يراد من: يضمن بصحيحه، ضمان القيمة الجعلية و من: يضمن بفاسده، ضمان القيمة الواقعية؟.

و الحاصل ان معنى: الضمان، التدارك، و ظاهره التدارك بالقيمة الواقعية، لكن الشارع امضى القيمة الجعلية، فى الصحيح فذلك خارج بدليل

ص: 14

فافهم.

ثم العموم فى العقود، ليس باعتبار خصوص الانواع، ليكون افراده مثل البيع، و الاجارة، و الصلح و نحوها، لجواز كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان، و انما المقتضى له بعض اصنافه.

فالفرد الفاسد من ذلك الصنف يضمن به دون الفرد الفاسد من غير ذلك الصنف.

______________________________

خاص (فافهم) فان التفكيك موجود على كل تغاير، منتهى الامر، ان التفكيك انما حصل من دال آخر، و هو حكم الشارع، لا ان التفكيك ليس بموجود، كما ادعيتم بقولكم: حتى يوجب ذلك تفكيكا فى العبارة،

(ثم) بعد تمام الكلام فى لفظة: يضمن، فى القاعدة المذكورة نتكلم حول لفظة: ما، من حيث ان مصداقه العقود، و هى عام،

فنقول: (العموم فى العقود ليس باعتبار خصوص الانواع، ليكون افراده) اى افراد العام (مثل: البيع، و الاجارة، و الصلح و نحوها) بدون تعرض للافراد من كل واحد من هذه الكليات، بل المراد بالعام كل صنف من البيع، و كل صنف من الاجارة، و هكذا.

و ذلك (لجواز كون نوع) من العقود (لا يقتضي بنوعه الضمان، و انما المقتضى له بعض اصنافه) فقط.

(فالفرد الفاسد من ذلك الصنف) المقتضى للضمان (يضمن به) فاسدا و صحيحا (دون الفرد الفاسد من غير ذلك الصنف) فانه لا يضمن بفاسده، كما لا يضمن بصحيحه.

ص: 15

مثلا الصلح بنفسه، لا يوجب الضمان، لانه قد لا يفيد الّا فائدة الهبة غير المعوضة، او الابراء.

فالموجب للضمان، هو المشتمل على المعاوضة.

فالفرد الفاسد من هذا القسم موجب للضمان أيضا.

و لا يلتفت الى ان نوع الصلح الصحيح- من حيث هو- لا يوجب ضمانا، فلا يضمن بفاسده.

______________________________

(مثلا الصلح بنفسه) بقول مطلق (لا يوجب الضمان، لانه) اى الصلح (قد لا يفيد الّا فائدة الهبة غير المعوضة) لما تحقق فى محله من ان الصلح يفيد فائدة غالب العقود حسب اختلاف متعلقاته (او) فائدة (الابراء) كما لو كان له على زيد دين، فقال لزيد: صالحتك عن دينى مجانا، فقال قبلت- مثلا-

(ف) الصلح (الموجب للضمان، هو المشتمل على المعاوضة) سواء كان صحيحا او فاسدا، كما لو اريد بالصلح فائدة البيع، او الاجارة او الهبة المعوضة- مثلا-

(فالفرد الفاسد من هذا القسم) من الصلح، اى القسم المعاوض (موجب للضمان أيضا) اذا صار الصلح صنفان: صنف يضمن بصحيحه و فاسده، و صنف لا يضمن لا بصحيحه و لا بفاسده.

(و) على هذا (لا يلتفت الى ان نوع الصلح الصحيح- من حيث هو- لا يوجب ضمانا، فلا يضمن بفاسده) بان يؤخذ الصحيح من صنف: غير المعاوض، و الفاسد من صنف: المعاوض بل اللازم ملاحظة كل صنف بنفسه.

ص: 16

و كذا الكلام فى الهبة المعوضة.

و كذا عارية الذهب و الفضة.

نعم ذكروا فى وجه عدم ضمان الصيد الّذي استعاره المحرم، ان صحيح العارية لا يوجب الضمان، فينبغى ان لا يضمن بفاسدها.

و لعل المراد عارية غير الذهب و الفضة و غير المشروط ضمانها.

ثم المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان

______________________________

(و كذا الكلام فى الهبة المعوضة) فان الهبة بقول مطلق، و ان لم توجب الضمان، لكن الفاسد من الهبة المعوضة توجب الضمان.

(و كذا عارية الذهب و الفضة) فان فاسدها و صحيحها توجب الضمان و ان كانت العارية بقول مطلق، لا توجب الضمان.

(نعم ذكروا فى وجه عدم ضمان الصيد الّذي استعاره المحرم) فاتلفه- مثلا- (ان صحيح العارية لا يوجب الضمان، فينبغى ان لا يضمن بفاسدها)

و هذا خلاف ما ذكرناه، من ان اللازم ملاحظة كل صنف صنف، لانهم لم يلاحظوا حينئذ الّا: العارية بقول مطلق.

(و) لكن يمكن الجواب عن ذلك بأنه (لعل المراد) من قولهم:

العارية لا توجب الضمان، الصنف أيضا ك (عارية غير الذهب و الفضة، و غير المشروط ضمانها) و حيث ان الصيد غيرهما، فهو داخل فى الصنف الّذي لا يضمن من اصناف العارية.

(ثم المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان) فان قولهم: ما يضمن،

ص: 17

اقتضائه له بنفسه فلو اقتضاه الشرط المتحقق فى ضمن العقد الصحيح ففى الضمان بالفاسد، من هذا الفرد المشروط فيه الضمان تمسكا بهذه القاعدة اشكال، كما لو استأجر اجارة فاسدة، و اشترط فيها ضمان العين، و قلنا بصحة هذا الشرط، فهل يضمن بهذا الفاسد؟ لان صحيحه يضمن به و لو لأجل الشرط، أم لا؟

و كذا الكلام فى الفرد الفاسد من العارية المضمونة

______________________________

اى ما يقتضي الضمان (اقتضائه) اى الصحيح (له) اى للضمان (بنفسه فلو اقتضاه) اى الضمان (الشرط المتحقق فى ضمن العقد الصحيح) حيث لا يقتضي الصحيح بدون الشرط الضمان (ففى الضمان بالفاسد من هذا الفرد المشروط فيه الضمان)- المشروط- صفة: الفرد- (تمسكا بهذه القاعدة) اى قاعدة ما يضمن بصحيحه (اشكال).

اما لو كان مدرك القاعدة: الاقدام، لزم الضمان فى الفاسدة اذا شرط لانه اقدم على الضمان (كما لو استأجر اجارة فاسدة و اشترط فيها ضمان العين، و قلنا بصحة هذا الشرط) ببيان ان عدم الضمان ليس مقتضى العقد حتى يكون هذا الشرط خلاف مقتضى العقد، و حينئذ فيشمله عموم المؤمنون عند شروطهم (فهل يضمن بهذا) الشرط (الفاسد) من الإجارة المشروط فيها هذا الشرط- (لان صحيحه يضمن به و لو) كان الضمان (لاجل الشرط- أم لا) يضمن، لان اصل الاجارة لا ضمان فيها، احتمالان

(و كذا الكلام فى الفرد الفاسد من العارية المضمونة) فهل يضمنها لان صحيحها مع الشرط مضمونة، أم لا يضمنها باعتبار اصل العارية احتمالان.

ص: 18

و يظهر من الرياض: اختيار الضمان بفاسدها مطلقا، تبعا لظاهر المسالك، و يمكن جعل الهبة المعوضة من هذا القبيل، بناء على انها هبة مشروطة، لا معاوضة.

و ربما يحتمل فى العبارة ان يكون معناه ان كل شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا، يضمن به مع الفساد

______________________________

(و يظهر من الرياض: اختيار الضمان بفاسدها) اى فاسد العارية (مطلقا) اى و لو كان الضمان لاجل الشرط (تبعا لظاهر المسالك) حيث قال: بالضمان أيضا (و يمكن جعل الهبة المعوضة، من هذا القبيل) فان الهبة بلا عوض، و ان لم توجب الضمان اذا ظهرت فاسدة، لكن المعوضة توجبه اذا ظهرت فاسدة، لأن هذا الفرد من صحيح الهبة مضمونة، فكذا فاسدها (بناء على انها هبة مشروطة، لا معاوضة) اذ لو كانت معاوضة كان الضمان باقتضاء نفس العقد، لا باقتضاء الشرط، و كلامنا الآن فيما كان باقتضاء الشرط.

(و ربما يحتمل فى العبارة) اى فى عبارة: كلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، (أن يكون معناه أن كل شخص من العقود، يضمن به لو كان صحيحا، يضمن به مع الفساد) بان يكون المراد بالقاعدة: الفرد الواحد، لا: الفردان، و الفرق انه قد نقول: أن المراد بالقاعدة:

ما كان له فردان، فرد صحيح و فرد فاسد، يكون فرد فاسده فى الضمان و عدمه، تابعا لفرده الصحيح فاذا كان ضمان فى الفرد الصحيح، كان ضمان فى الفرد الفاسد، و اذا لم يكن ضمان فى الفرد الصحيح، لم يكن

ص: 19

و رتب عليه عدم الضمان فيما لو استأجر بشرط أن لا اجرة- كما اختاره الشهيدان-، او باع بلا ثمن كما هو احد وجهى العلامة، فى القواعد و يضعف بان الموضوع هو العقد الّذي وجد له بالفعل، صحيح و فاسد لا ما

______________________________

ضمان فى الفرد الفاسد- و هذا هو المعنى الاول للقاعدة، و قد سبق الكلام فيه- و قد نقول أن المراد بالقاعدة: الفرد الّذي ان كان صحيحا كان له ضمان يكون له ضمان ان كان فاسدا، و ذلك فيما اذا لم يكن للعقد الّا فرد واحد فاسد، فانه يقدر و يفرض انه ان كان هذا الفرد بنفسه صحيحا، ما ذا كان حاله من الضمان و عدمه؟ فليكن كذلك فى حال كونه فاسدا.

و هذا هو المعنى الثانى للقاعدة الّذي اشار إليه بقوله: ان يكون معناه اه.

(و رتب عليه) اى على هذا المعنى الثانى للقاعدة (عدم الضمان فيما لو استأجر بشرط أن لا اجرة- كما اختاره) اى عدم الضمان (الشهيدان) فى هذه المسألة، و ذلك لأنه- و ان كان مثل هذه الاجارة باطلا اذ شرط عدم الاجرة خلاف مقتضى العقد- الا انه لو فرض صحتها كانت بلا ضمان، فكذلك فى حالة فسادها.

(او باع بلا ثمن) فانه باطل، لكنه لا ضمان، اذ لو فرض هذا الفرد صحيحا لم يكن ضمان، فكذلك حالة فساده (كما هو) اى عدم الضمان، فى مسئلة البيع بلا ثمن (احد وجهى العلامة فى القواعد و) لكن هذا المعنى الثانى للقاعدة (يضعف بان الموضوع) لقاعدة: ما يضمن، (هو العقد الّذي وجد له بالفعل، صحيح و فاسد لا ما) اى العقد الّذي

ص: 20

يفرض تارة صحيحا، و اخرى فاسدا فالمتعين بمقتضى هذه القاعدة:

الضمان فى مسئلة البيع، لان البيع الصحيح يضمن به.

نعم ما ذكره بعضهم: من التعليل لهذه القاعدة، بانه اقدم على العين مضمونة عليه، لا يجرى فى هذا الفرع.

لكن الكلام فى معنى القاعدة لا فى مدركها

______________________________

(يفرض تارة صحيحا، و اخرى فاسدا) بان كان له فرد واحد فقط (فالمتعين بمقتضى هذه القاعدة) اى قاعدة: ما يضمن، (الضمان فى مسئلة البيع) بلا ثمن (لأن البيع الصحيح يضمن به) اى بالصحيح، فيضمن بالفاسد، و كذلك الضمان فى مسئلة الاجارة، لأن البيع و الاجارة لكل واحد منهما فردان، صحيح و فاسد، و يضمن بالصحيح منهما فاللازم الضمان بالفاسد منهما أيضا.

(نعم ما ذكره بعضهم من: التعليل لهذه القاعدة) اى قاعدة ما يضمن (بأنه) انما يضمن فيما اذا (اقدم على العين) فى حال كونها (مضمونة عليه) فان المشترى يقدم على العين مضمونة عليه بالثمن، و المستأجر يقدم على العين مضمونة عليه بالايجار (لا يجرى) هذا التعليل (فى هذا الفرع) و هو البيع بلا ثمن، و الاجارة بلا اجرة، لان المشترى، و المستأجر- حينئذ- لم يقد ما على العين مضمونة، بل اقدما عليه بلا ضمان.

(لكن الكلام) الآن (فى معنى القاعدة) و ها أن معناها ماله فردان فرد صحيح، و فرد فاسد، او فرد واحد يفرض تارة صحيحا، و تارة فاسدا (لا فى مدركها) حتى يقال انه لو كان مدركها كذا، لزم الضمان، و لو كان مدركها

ص: 21

ثم ان لفظة الباء فى: بصحيحه، و: بفاسده، اما بمعنى: فى بأن يراد كلما تحقق الضمان فى صحيحه، تحقق فى فاسده.

و اما لمطلق السببية الشامل للناقصة، لا العلة التامة

______________________________

كذا لم يلزم الضمان.

(ثم ان لفظة الباء فى: بصحيحه، و: بفاسده، اما بمعنى: فى) فالباء بمعنى السببية التامة (بان يراد: كلما تحقق الضمان فى صحيحه تحقق) الضمان (فى فاسده) اى أن العقد الّذي هو علة تامة للضمان، اذا كان صحيحا، هو علة تامة للضمان، اذا كان فاسدا.

(و اما لمطلق السببية الشامل للناقصة، لا) أن المراد: بالباء، (العلة التامة) اى أن العقد الّذي هو علة ناقصة للضمان، اذا كان صحيحا، هو علة ناقصة للضمان، اذا كان فاسدا.

و هذا الكلام انما ذكره المصنف (ره) دفعا لاشكال، ربما يرد على المعنى الاول- اى كون: الباء، بمعنى: فى، و علة تامة-.

و حاصل الاشكال انه لا يمكن أن يكون: الباء، بمعنى العلة التامة، اذ يفسد معنى: القاعدة، فان معناها حينئذ: كل عقد هو علة تامة للضمان اذا كان صحيحا، يكون علة تامة للضمان اذا كان فاسدا،

و هذا باطل اذ العقد الفاسد، لا يكون علة تامة للضمان و انما القبض فى العقد الفاسد يكون علة تامة للضمان.

الا ترى انك اذا اشتريت مال الطفل من غير وليه، لا تكون ضامنا بمجرد العقد، و انما تضمن اذا قبضت المال.

ص: 22

فان العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان، الّا بعد القبض، كما فى السلم و الصرف بل مطلق البيع حيث أن المبيع قبل القبض مضمون على البائع بمعنى: ان دركه عليه

______________________________

و حاصل جواب المصنف- ره- عن هذا الاشكال: أن كون العقد الفاسد علة تامة للضمان، معناه: أن العقد هو المنشأ للقبض الموجب للضمان، او أن العقد سبب حكمنا بالضمان، فيما اذا قبض، فمعنى القاعدة:

كل عقد صحيح هو منشأ للضمان، او سبب لحكمنا بالضمان، يكون فاسده أيضا كذلك.

(ف) ان قلت: قولكم: الباء فى بصحيحه، معناها: العلة الناقصة للضمان يستلزم ان يكون الضمان متوقفا على شي ء آخر غير العقد، فما هو ذلك الشي ء الآخر؟.

قلت: ذلك الشي ء الآخر، هو القبض ف (ان العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان، الا بعد القبض، كما فى: السلم) و هو مقابل النسيئة، بان يعطى الثمن مقدما و يؤخر المثمن، و النسيئة أن يعطى المثمن حالا، و يكون الثمن مؤجلا (و الصرف) و هو بيع النقدين، فان فيه يشترط القبض فى المجلس، و الا بطل البيع،

و عليه يكون الضمان متوقفا على القبض، فالعقد بدون القبض، لا ضمان فيه (بل) الضمان فى (مطلق البيع) متوقف على القبض (حيث أن المبيع قبل القبض، مضمون على البائع، بمعنى: ان دركه) اى درك المبيع و خسارته (عليه) اى على البائع، لما ثبت فى محله من ان التلف

ص: 23

و يتداركه برد الثمن فتأمل.

و كذا الاجارة، و النكاح، و الخلع، فان المال فى ذلك كله مضمون على من انتقل عنه الى أن يتسلمه من انتقل إليه

______________________________

قبل القبض من مال مالكه (و يتداركه) اى المبيع المتلف، البائع- اذا تلف قبل القبض- (برد الثمن) و هذا البيان ان المراد، بالدرك:

المسمى، لا القيمة.

فاذا باع داره بالف، ثم خربت الدار قبل القبض، ارجع البائع الألف، لا انه يعطى المشترى قيمة الدار الفا كانت او اقل او اكثر (فتأمل) لعله اشارة الى ان كون: الباء، فى بصحيحه، بمعنى: العلة التامة، لا ينافى توقف الضمان فى الصرف، و السلم على القبض، و ذلك لان صحة العقد فيهما متوقفة على القبض، فالعقد فيهما سبب تام للضمان، اذ لو لا القبض، لا عقد اصلا.

(و كذا) العقد، و الايقاع علة ناقصة- لا تامة- كما أن فى مطلق البيع- خصوصا الصرف و السلم- العقد علة ناقصة فى باب (الاجارة، و النكاح، و الخلع) و ذلك (فان المال فى ذلك كله) الاجرة، و المهر، و عوض الخلع (مضمون على من انتقل عنه) اى المستأجر، و الزوج، و الزوجة (الى ان يتسلمه من انتقل إليه) فاذا اخذ الاجرة الموجر، و اخذ المهر الزوجة، و اخذ عوض الخلع الزوج، انتهى ضمان المنتقل عنه

و الحاصل: ان العقد فى هذه الموارد الثلاثة، علة ناقصة للضمان لا علة تامة.

ص: 24

و اما العقد الفاسد، فلا يكون علة تامة ابدا بل يفتقر فى ثبوت الضمان الى القبض، فقبله لا ضمان، فجعل الفاسد سببا، اما لانه المنشأ للقبض، على وجه الضمان الّذي هو سبب للضمان.

و اما لانّه سبب الحكم بالضمان بشرط القبض

______________________________

و على هذا فقد ظهر: أن العقد الصحيح قد يكون علة تامة للضمان و قد يكون علة ناقصة، فيصح ان نقول: الباء، فى: بصحيحه، تارة بمعنى: فى، اى العلة التامة، و تارة بمعنى: مطلق السببية، الشامل للعلة الناقصة أيضا.

(و اما العقد الفاسد، فلا يكون علة تامة) للضمان (ابدا، بل يفتقر فى ثبوت الضمان الى القبض) حتى يضمن القابض ما اخذه بسبب العقد الفاسد (فقبله، لا ضمان) للعاقد، عقدا فاسدا

و على هذا فالباء فى: بفاسده، لا يمكن ان يكون بمعنى: العلة التامة، (فجعل الفاسد سببا) اى علة تامة، حتى ينسجم الباء فى:

بصحيحه، و: بفاسده، فيما اذا اخذ: بصحيحه، بمعنى العلة التامة

(اما لانه المنشأ للقبض على وجه الضمان)- على- متعلق ب: القبض اى القبض الموجب للضمان (الّذي) صفة: قبض (هو سبب للضمان) فالعقد الفاسد علة تامة للضمان، بمعنى كونه سببا للقبض الّذي هو علة تامة

(و اما لانه سبب الحكم بالضمان بشرط القبض) فالعقد الفاسد سبب لحكمنا بالضمان فيما اذا قبض.

ص: 25

و لذا علّل الضمان الشيخ و غيره، بدخوله على ان يكون العين، مضمونة عليه، و لا ريب ان دخوله على الضمان، انما هو بانشاء العقد الفاسد، فهو سبب لضمان ما يقبضه

و الغرض من ذلك كله دفع ما يتوهم: ان سبب الضمان فى الفاسد، هو القبض، لا العقد الفاسد فكيف يقاس الفاسد، على الصحيح فى سببية الضمان، و يقال: كلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

______________________________

(و لذا) الّذي ذكرنا من: ان العقد الفاسد علة تامة، باعتبار كونه سببا للقبض الّذي هو علة الضمان (علّل الضمان) فى العقد الفاسد (الشيخ و غيره بدخوله) اى القابض بالعقد الفاسد (على ان يكون العين مضمونة عليه).

و وجه الاستدلال بكلام الشيخ على: كون العقد الفاسد علة تامة، ما ذكره بقوله (و لا ريب ان دخوله على الضمان) اى دخول الآخذ على أن يضمن ما يأخذه (انما هو بانشاء العقد الفاسد فهو) اى العقد الفاسد (سبب لضمان ما يقبضه) فيصح ان يطلق على: العقد الفاسد، كونه سببا تاما باعتبار انه سبب القبض، و القبض سبب تام للضمان.

(و الغرض من ذلك) الكلام من قولنا: ثم ان لفظة الباء، الى هنا (كله دفع ما يتوهم ان سبب الضمان فى) العقد (الفاسد هو القبض، لا العقد الفاسد ف) يستشكل بانه (كيف يقاس الفاسد على الصحيح فى سببية الضمان و يقال: كلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) مع ان الصحيح سبب تام، و الفاسد سبب ناقص، قوله: و يقال، اى: كيف يقال، عطف على:

يقاس.

ص: 26

و قد ظهر من ذلك أيضا فساد توهم ان ظاهر القاعدة عدم توقف الضمان فى الفاسد الى القبض، فلا بد من تخصيص القاعدة باجماع، و نحوه

[الكلام في مدرك القاعدة]

ثم ان المدرك لهذه الكلية على ما ذكره فى المسالك فى مسئلة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الاجل، هو اقدام الاخذ على الضمان

______________________________

(و قد ظهر من ذلك) الّذي بينّاه من ان: العقد الفاسد سبب تام للضمان، (أيضا) اى كما ظهر صحة القياس فى: بصحيحه و بفاسده ظهر (فساد توهم ان ظاهر القاعدة) اى قاعدة: ما يضمن، (عدم توقف الضمان فى الفاسد على القبض)

وجه التوهم: ان معنى القاعدة: كما ان العقد الصحيح علة تامة للضمان، العقد الفاسد أيضا علة للضمان، و الحال ان الفاسد ليس علة تامة (ف) قال المتوهم: (لا بدّ من تخصيص القاعدة باجماع، و نحوه) بان يقال الفاسد- المخصوص بالمقبوض- علة تامة، بان نخصّص اطلاق: بفاسده ب: المقبوض، فالمعنى «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده المقبوض»

وجه: ظهور دفع هذا التوهم، انه لا حاجة الى هذا التخصيص اذ الفاسد علة تامة باعتبار كونه المنشأ للقبض الّذي هو علة.

اقول: الانصاف ان ما ذكره الشيخ هنا تكلف، و ان كان لا يبعد ظهور كلمات من ذكر «القاعدة» فى ذلك التكلف فتأمل.

(ثم ان المدرك لهذه الكلية): ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده (على ما ذكره فى المسالك، فى مسئلة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الاجل) اى ان بيع الرهن بعد انقضاء اجل الرهن و مدته (هو اقدام الاخذ على الضمان) فان الاخذ

ص: 27

ثم اضاف الى ذلك: قوله (ص) على اليد ما اخذت حتى تؤدى، و الظاهر انه تبع فى استدلاله بالاقدام، الشيخ فى المبسوط حيث علل الضمان فى موارد كثيرة، من: البيع، و الاجارة الفاسدين بدخوله على ان يكون المال مضمونا عليه بالمسمّى، فاذا لم يسلم له المسمى رجع الى المثل، او القيمة و هذا الوجه لا يخلو عن تأمل لانهما انما اقدما، و تراضيا، و تواطئا بالعقد الفاسد على ضمان خاص لا الضمان بالمثل و القيمة، و

______________________________

للسلعة بالعقد الفاسد، انما اخذها لا مجانا بل فى مقابل المال الّذي يبذله عوضا.

(ثم اضاف) المسالك (الى ذلك) الدليل «الاقدام» (قوله عليه السلام على اليد ما اخذت حتى تؤدى) فان القابض وضع يده على السلعة فعليه ادائها بالمثل او القيمة- بعد ان ظهر فساد العوض المجعول لفساد العقد (و الظاهر انه) اى المسالك (تبع فى استدلاله بالاقدام، الشيخ فى المبسوط حيث علل الضمان فى موارد كثيرة من: البيع، و الاجارة الفاسدين) فالاخذ للمال انما يضمن (ب) سبب (دخوله) و اخذه للمال (على ان يكون المال) المبيع و الموجر (مضمونا عليه بالمسمى، فاذا لم يسلم له المسمى) لفساد العقد (رجع الى المثل) فى المثلى (او القيمة) فى القيمى (و هذا الوجه) و هو ما اذا لم يسلمه المسمى رجع الى المثل، او القيمة (لا يخلو عن تأمل، لانهما) اى المتعاقدان (انما اقدما، و تراضيا، و تواطئا بالعقد الفاسد على ضمان خاص) و هو ضمان المسمى (لا الضمان بالمثل و القيمة).

(و) لكن دليل: الاقدام، الّذي ذكره الشيخ، و المسالك لا يخلو من

ص: 28

المفروض عدم امضاء الشارع لذلك الضمان الخاص، و مطلق الضمان لا يبقى بعد انتفاء الخصوصية حتى يتقوم بخصوصية اخرى، فالضمان بالمثل او القيمة ان ثبت فحكم شرعى تابع لدليله و ليس مما اقدم عليه المتعاقدان.

هذا كله مع ان مورد هذا التعليل اعمّ من وجه من المطلب، اذ قد يكون الاقدام موجودا و لا ضمان كما قبل القبض،

______________________________

اشكال اذ: (المفروض عدم امضاء الشارع لذلك الضمان الخاص) الّذي قرره المتعاقدان (و مطلق الضمان) الشامل للمثل و القيمة (لا يبقى بعد انتفاء الخصوصية حتى يتقوم بخصوصية اخرى) فانتفاء خصوصية المسمى موجب لنفى اصل الضمان، لا لنفى خصوص المسمى ليتقوم الضمان حينئذ بالمثل، او القيمة، اذ الجنس يرتفع بارتفاع فصله المقوم له (فالضمان بالمثل او القيمة ان ثبت فحكم شرعى تابع لدليله) ان كان هناك دليل يدل على انه عند انتفاء المسمى يبقى المثل او القيمة (و ليس) الضمان الجديد (مما اقدم عليه المتعاقدان)

و الحاصل: ان ما اقدما عليه انتفى، و ما يريد اثباته ليس مما اقدما عليه فالاستدلال بالاقدام على اثبات المثل، او القيمة محل نظر.

(هذا كله) الاشكال الاول على دليل الشيخ، و المسالك (مع ان مورد هذا التعليل) اى تعليل الضمان بانه اقدم (اعمّ من وجه من المطلب) اذ بين الاقدام، و الضمان عموم من وجه، فلا يصح ان يكون الاقدام دليلا على الضمان فهو كالاستدلال بوجود الانسان فى الدار، بدليل انه يوجد فيه شي ء ابيض (اذ قد يكون الاقدام موجودا، و لا ضمان، كما قبل القبض) فان

ص: 29

و قد لا يكون اقدام فى العقد الفاسد مع تحقق الضمان، كما اذا شرط فى عقد البيع ضمان المبيع على البائع اذا تلف فى يد المشترى، و كما اذا قال بعتك بلا ثمن، او آجرتك بلا اجرة.

نعم قوى الشهيدان فى الاخير عدم الضمان، و استشكل العلامة فى مثال البيع فى باب السلم.

______________________________

المشترى اقدم على ضمان السلعة، و الحال انه ان تلفت لا ضمان عليه،

اللهم الّا ان يقال: انه لم يقدم مطلقا، بل بشرط القبض، مما لا قبض لا اقدام، او يقال: ان ذلك خارج بدليل شرعى يقول: التلف قبل القبض من مال مالكه (و قد لا يكون اقدام فى العقد الفاسد، مع تحقق الضمان، كما اذا شرط فى عقد البيع ضمان المبيع على البائع اذا تلف فى يد المشترى) فان المبيع حينئذ فاسد (و) اذا تلف المبيع كان ضمانه على المشترى مع انه لم يقدم على الضمان، بل اقدم على المجانية (كما اذا قال:

بعتك بلا ثمن، او آجرتك بلا اجرة) فان البيع، و الاجارة فاسدان، لانهما لا يتحققان بدون الثمن، و الاجرة اذ هما كالبيع بدون الثمن، او الاجارة بدون العين الموجرة، و مع ذلك يضمن الآخذ الاعمال، و الحال انه لم يقدم على الضمان.

(نعم) هذا الاشكال لا يرد على من يقول: بعدم الضمان فى الموردين المذكورين- اى البيع بلا ثمن، و الاجارة بدون الاجرة- فانه (قوى الشهيدان فى الاخير) اى الاجارة بلا اجرة (عدم الضمان، و استشكل العلامة فى مثال البيع) بلا ثمن (فى باب السلم) و هل انه يوجب الضمان

ص: 30

و بالجملة فدليل الاقدام مع انه مطلب يحتاج الى دليل لم نحصله، منقوض طردا و عكسا.

و اما خبر: اليد، فدلالته و ان كانت ظاهرة و سنده منجبرا، الّا ان مورده مختص بالاعيان، فلا يشمل المنافع، و الاعمال المضمونة فى الاجارة الفاسدة.

______________________________

أم لا؟ فقولنا: و قد لا يكون اقدام فى العقد الفاسد الخ، ليس بتام على رأيهما.

(و بالجملة فدليل الاقدام) لاثبات الضمان فى العقد الفاسد (مع انه مطلب يحتاج الى دليل لم نحصله، منقوض طردا) دفعا للاغيار بان هناك ليس باقدام و مع ذلك، الضمان موجود كالاجارة بلا اجرة (و عكسا) اى جمعا للافراد بان هناك اقدام و ليس بضمان كما فى البيع قبل القبض. و لا يخفى ان: الطرد، عبارة عن قضية: كلما لم يصدق الحدّ لم يصدق المحدود، و عكسه: كلما صدق الحدّ صدق المحدود،- و لهذا سمى بالعكس-

هذا تمام الكلام فى الاستدلال للقاعدة بدليل: الاقدام،

(و اما خبر اليد) و الاستدلال به على القاعدة (فدلالته و ان كانت ظاهرة) كما تقدم فى افادة: على، الوضع، لا التكليف المجرد (و سنده منجبرا) كما عرفت أيضا لعمل العلماء به قديما و حديثا (الّا ان مورده مختص بالاعيان فلا يشمل المنافع و الاعمال المضمونة فى الاجارة الفاسدة) سواء كانت اجارة عين، كما لو استأجر الدار، او اجارة شخص للعمل، كما لو استأجر لخياطة ثوبه، و انما لا يشمل الخبر المنافع و الاعمال لان ظاهر: ما اخذت، العين،

ص: 31

اللهم الا ان يستدل على الضمان فيها: بما دلّ على احترام مال المسلم و انه لا يحل الا عن طيب نفسه، و ان حرمة ماله كحرمة دمه، و انه لا يصلح ذهاب حق احد.

مضافا الى ادلة: نفى الضرر، فكل عمل وقع من عامل لاحد بحيث يقع بامره، و تحصيلا لغرضه، فلا بد من اداء

______________________________

فالمنفعة و العمل ليسا بمأخوذين.

(اللهم) الّا ان يقال: انهما أيضا مأخوذان، فانه يصدق عرفا ان زيدا اخذ منافع دار عمرو، او اخذ منافع العبد، اذ اخذ كل شي ء بحسبه او (الا ان يستدل على الضمان فيها) اى الاعمال و المنافع (بما دل على احترام مال المسلم، و انه لا يحل الا عن طيب نفسه، و ان حرمة ماله كحرمة دمه، و انه لا يصلح ذهاب حق احد) كقوله (ع): لا يقوى حق امرئ مسلم، و قوله (ع):

لا يصلح ذهاب حق احد، و قوله (ع): لا يصلح ذهاب حق امرئ مسلم، فان المنافع و الاعمال لا شك فى كونها مالا و حقا، و معنى احترامه: اعطائه بنفسه، او بدله الى مالكه و صاحبه.

(مضافا الى ادلة نفى الضرر) فانه لا يجوز ضرر صاحب المنفعة، و صاحب العمل باستيفاء عمله، و منفعته بدون اعطاء مثله له (فكل عمل وقع من عامل لاحد بحيث يقع) ذلك العمل (بامره) اى بامر ذلك الاحد (و تحصيلا لغرضه) اذ لو لم يكن تحصيلا لغرضه، كان عبثا بالنسبة إليه، فلا شي ء عليه، كما لو امر بصب ماء النهر فى مكان آخر من نفس النهر الجارى، فان العمل و ان وقع بامره، لكنه ليس تحصيلا لغرضه العقلائى فتأمل (فلا بد من اداء

ص: 32

عوضه لقاعدتى: الاحترام، و نفى الضرار.

ثم انه لا يبعد ان يكون مراد الشيخ، و من تبعه من الاستدلال على الضمان: بالاقدام و الدخول عليه، بيان ان العين و المنفعة اللذين تسلمهما الشخص، لم يتسلمهما مجانا و تبرعا حتى لا يقضى احترامهما بتداركهما بالعوض، كما فى العمل المتبرع به، و العين المدفوعة مجانا او امانة فليس دليل الاقدام دليلا مستقلا، بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضى اليد

______________________________

عوضه لقاعدتى الاحترام و نفى الضرار)

و على هذا فيقام: قاعدة كلما يضمن، فى جميع مواردها، الاعيان، و الاعمال، و المنافع.

(ثم انه لا يبعد ان يكون مراد الشيخ و من تبعه من الاستدلال على الضمان بالاقدام و) ب (الدخول عليه) اى دخل على ان يكون ضامنا، فالضمير المجرور راجع الى: على الضمان (بيان ان العين و المنفعة اللذين تسلمهما الشخص لم يتسلمهما مجانا و متبرعا حتى لا يقضى احترامهما) الثابت لهما بالأدلّة (بتداركهما بالعوض) فان الاحترام قاض بالتدارك فيما اذا لم يكن المالك اذهب الاحترام بالاعطاء مجانا، فيكون اخذ الآخذ دخولا فيما احترام فيه، فلا ضمان (كما فى العمل المتبرع به، و العين المدفوعة، مجانا او امانة) فان المعطى و المعامل اذهبا احترام عملهما و مالهما، فلذا لا ضمان على من عمل له، او اعطى له اعمال (فليس دليل الاقدام) الّذي ذكره الشيخ- دليلا على عدم الضمان- (دليلا مستقلا، بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضى) دليل (اليد) اذ: اليد، تقتضى الضمان، و تبرع العامل و اعطائه

ص: 33

فى الاموال، و احترام الاعمال.

نعم فى المسالك ذكر كلا من: الاقدام و اليد، دليلا مستقلا فيبقى عليه ما ذكر سابقا من النقض و الاعتراض.

و يبقى الكلام حينئذ فى بعض الاعمال المضمونة التى لا يرجع نفعها الى الضامن، و لم يقع بامره، كالسبق فى المسابقة الفاسدة، حيث حكم الشيخ، و المحقق و غيرهما بعدم استحقاق السابق اجرة المثل خلافا لآخرين

______________________________

المال مجانا، يمنع عن الضمان، فكان الشيخ اراد ان يقول: المقتضى للضمان- و هو: اليد- موجود، و: المانع من الضمان- و هو اعطاء المال مجانا و التبرع بالعمل- مفقود، فاللازم الضمان- فيما اذا كان الشي ء مضمونا بصحيحه- فمقتضى اليد (فى الاموال، و احترام الاعمال) اذا لم يمنع عنهما مانع اثّر اثرهما، و هذا تامّ فى كلام الشيخ الّذي لم يذكر: اليد، و: الاقدام، دليلين مستقلين.

(نعم فى المسالك ذكر كلا من: الاقدام و اليد، دليلا مستقلا، فيبقى عليه) اى على المسالك (ما ذكر سابقا من: النقض و الاعتراض) على دليل:

الاقدام، و انّ بينه و بين: ما يضمن، عموما من وجه.

(و) اذ تمّ كلام الشيخ فى استدلاله: بالاقدام، للضمان (يبقى الكلام حينئذ فى بعض الاعمال المضمونة التى لا يرجع نفعها الى الضامن و لم يقع بامره) فان على اليد لا يشمله، و كذا دليل: احترام عمل المسلم و ماله، و مع ذلك ربما قيل فى الضمان فيه (كالسبق فى المسابقة الفاسدة حيث حكم الشيخ و المحقق و غيرهما بعدم استحقاق السابق اجرة المثل خلافا لآخرين) الذين

ص: 34

و وجهه ان عمل العامل لم يعد نفعه الى الآخر، و لم يقع بامره أيضا.

فاحترام الاموال التى منها الاعمال لا يقضى بضمان الشخص له، و وجوب عوضه عليه، لانه ليس كالمستوفى له، و لذا كانت شرعيته على خلاف القاعدة حيث انه بذل مال فى مقابل عمل لا ينفع الباذل

______________________________

قالوا باستحقاقه الاجرة.

(و وجهه) اى وجه كلام الشيخ و غيره بعدم الاستحقاق (ان عمل العامل لم يعد نفعه الى الآخر، و لم يقع بامره أيضا) فان الباذل للمال لمن سبق- لا ينتفع بالسابق- و لم يأمر بالمسابقة، و انما قرر على نفسه اعطاء مال للسابق منهما.

(فاحترام الاموال التى منها الاعمال) و منها عمل السابق- فى المسابقة الفاسدة- (لا يقضى بضمان الشخص له) اى شخص الباذل، لذلك العمل الّذي اتى به السابق (و) لا يقضى ب (وجوب عوضه عليه، لانه) اى العمل (لبس كالمستوفى له) اى للباذل، فان الباذل لا ينتفع بالعمل المسابقى (و لذا) الّذي ذكرناه من انه ليس استيفاء للباذل (كانت شرعيته) اى المسابقة (على خلاف القاعدة) و لا يجوز الّا فى الخف و النصال و الحافى- بدليل خاص- (حيث انه بذل مال فى مقابل عمل لا ينفع الباذل) فيخرج المال من كيس من لا يدخل العوض فى كيسه.

هذا كله وجه كلام الشيخ بعدم الضمان فى المسابقة الفاسدة.

اما وجه كلام القائل: بالضمان، هو: ان العوض يدخل فى كيس الباذل حيث يحصل على المدح و التحسين بالبذل فى مثل هذا الامر المهمّ الّذي تتوقف الغلبة على العدو عليه، و هذا من اهم الاغراض العقلائية

ص: 35

و تمام الكلام فى بابه.

ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان فى الفاسد بين جهل الدافع بالفساد، و بين علمه مع جهل القابض.

و توهم ان الدافع فى هذه الصورة هو الّذي سلطه عليه، و المفروض ان القابض جاهل،

مدفوع بإطلاق النص و الفتوى، و ليس الجاهل مغرورا لانه اقدم

______________________________

التى يبذلون المال لاجلها، بالإضافة الى انه يمكن المناقشة فى لزوم دخول العوض فى كيس الباذل فان العقلاء يعطون الاجرة لمن بنى بيت الفقير، او خاط ثوب المجاهد او ما اشبه ذلك (و) يأتى (تمام الكلام فى بابه، ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان فى الفاسد) فيما يضمن بصحيحه (بين جهل الدافع بالفساد، و بين علمه مع جعل القابض) كما لو سلمه الدار الموجرة بالاجارة الفاسدة، و كان الدافع جاهلا بالفساد، او عالما به لكن القابض كان جاهلا بالفساد، فان الصور اربع، جهلهما، و علمهما، و علم الدافع لا القابض، و العكس.

(و توهم) عدم الضمان فى صورة علم الدافع بالفساد و جهل القابض اذ: (ان الدافع فى هذه الصورة هو الّذي سلطه عليه، و المفروض: أن القابض جاهل) فكان الدافع اذهب احترام ماله.

(مدفوع: بإطلاق النص و الفتوى) على الضمان فى صورة عدم قصد المجانية (و ليس الجاهل مغرورا) حتى يقال: المغرور يرجع الى من غرّه فيرجع الى الدافع، و لا يدفع له المال (لانه اقدم

ص: 36

على الضمان قاصدا، و تسليط الدافع العالم لا يجعلها امانة مالكية، لأنه دفعه على انه ملك المدفوع إليه، لا انه امانة عنده، او عارية.

و لذا لا يجوز له التصرف فيه و الانتفاع به

و سيأتى تتمة ذلك فى مسئلة بيع الغاصب مع علم المشترى

هذا كله فى اصل الكلية المذكورة.

______________________________

على الضمان قاصدا) و ليس من قبيل من قدم طعام الغير الى زيد فاكله بعنوان المجانية بل من قبيل من قدم طعام الغير الى زيد فاكله بعنوان اعطاء الثمن (و تسليط الدافع العالم) بالفساد (لا يجعلها) اى العين (امانة مالكية) حتى يقال ان الامانة لا ضمان فى تلفها بدون تعدّ أو تفريط، و انما: لا يجعلها (لانه) اى الدافع (دفعه على انه ملك المدفوع إليه، لا انه امانة عنده او عارية) حتى يقال: ما لا يضمن بصحيحه، لا يضمن بفاسده.

(و لذا) الّذي كان امانة او عارية (لا يجوز له التصرف فيه) اذ الامانة لا يجوز التصرف فيها (و الانتفاع به) اذ العارية لا يجوز الانتفاع بها انتفاعا مالكيا.

و قوله: و لذا، معناه: هذا بعنوان الملك، لا بعنوان الامانة و العارية حتى لا يجوز التصرّف، فجواز التصرف دليل انه ليس بامانة و عارية بل ملك و لا يخفى عدم بلاغة العبارة- و يمكن ان يكون: لا، زائدة، فتستقيم العبارة لان المعنى حينئذ: انه ملك و لذا جاز التصرف فيه و الانتفاع به و الله العالم

(و سيأتى تتمة ذلك فى مسئلة بيع الغاصب مع علم المشترى) إن شاء الله

(هذا كله فى اصل الكلية المذكورة) و هى: ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

ص: 37

و اما عكسها و هو: ان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده

فمعناه أن كل عقد لا يفيد صحيحه ضمان مورده، ففاسده لا يفيد ضمانا كما فى عقد الرهن و الوكالة و المضاربة، و العارية غير المضمونة، بل المضمونة، بناء على انّ المراد بافادة الصحيح للضمان، افادته بنفسه لا بامر خارج عنه كالشرط الواقع فى متنه و غير ذلك من العقود اللازمة و الجائزة.

______________________________

(و اما عكسها، و هو: ان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، فمعناه ان كل عقد لا يفيد صحيحه ضمان مورده) اى مورد الصحيح، كالامانة مثلا التى لا يفيد صحيحها ضمان مورد الامانة (ففاسده لا يفيد ضمانا) فاذا كانت الامانة فاسدة لم يضمن الامين اذا تلفت تحت يده بدون تعدّ او تفريط (كما فى عقد الرهن، و الوكالة، و المضاربة، و العارية غير المضمونة) اذ: لو يشترط فى العارية الضمان لم تكن مضمونة (بل) العارية (المضمونة) أيضا لا توجب الضمان لدى التلف، و لكن عدم الضمان هنا (بناء على ان المراد بافادة الصحيح للضمان افادته بنفسه لا بامر خارج عنه، كالشرط الواقع فى متنه) كما تقدم الالماع الى ذلك فان طبيعة العارية بنفسها لا تقتضى الضمان و لذا فاسدها أيضا لا تقتضى الضمان، اما شرط الضمان الموجب للضمان فى صحيحها فانه امر خارج عن الطبيعة.

نعم لو قلنا: ان العبرة بشخص الصحيح لا بطبيعته، فحيث ان العارية الصحيحة المشروطة بالضمان توجب الضمان، كان اللازم القول بايجاب فاسدها أيضا الضمان (و غير ذلك من العقود اللازمة و الجائزة) فان كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، سواء كان ذلك العقد لازما او جائزا.

ص: 38

ثم ان مقتضى ذلك عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا، لان صحيح الاجارة غير مفيد لضمانها كما صرح به فى القواعد و السرائر و حكى عن التذكرة و اطلاق الباقى، الّا ان صريح الرياض الحكم بالضمان، و حكى فيها عن بعض نسبته الى المفهوم من كلمات الاصحاب، و الظاهر ان المحكى عنه هو المحقق الاردبيلى فى مجمع الفائدة

______________________________

(ثم ان مقتضى ذلك) اى: ما لا يضمن، (عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا) اى استيجارا فاسدا (لان صحيح الاجارة غير مفيد لضمانها) اى لضمان العين، فان الانسان اذا استأجر دارا بمائة- مثلا- فتلفت الدار بدون التعدّى و التفريط لا يكون ضامنا للدار التالفة، و انما التلف من كيس صاحب الدار، فكذلك اذا كانت الاجارة فاسدة لقاعدة: ما لا يضمن، (كما صرح به فى القواعد و السرائر، و حكى عن التذكرة و) عن (اطلاق الباقى) اى باقى الفقهاء، فان اطلاق كلماتهم يدل على عدم الضمان.

(الّا ان صريح الرياض الحكم بالضمان) للعين المستأجرة استيجارا فاسدا (و حكى فيها) اى فى الرياض (عن بعض نسبته) اى الضمان (الى المفهوم من كلمات الاصحاب، و الظاهر ان المحكى عنه) اى المراد بكلمات الاصحاب (هو المحقق الاردبيلى فى مجمع الفائدة) و لا يخفى انه لا يضر كون «الاردبيلى» واحدا فى النسبة الى كلمات الاصحاب، فلا يقال: ان كلام الرياض خلاف الواقع، اذ قد يقال: الجمع و يراد به: الجنس، كما لو قلت ان الاطباء وصفوا لى هذا العلاج، او المؤرخون يذكرون واقعة كذا، او اهل العربية كذا قالوا، فان المراد جنس المنسوب إليه الشامل للواحد أيضا.

ص: 39

و ما ابعد ما بينه و بين ما عن جامع المقاصد، حيث قال فى باب الغصب ان الّذي يلوح من كلامهم هو عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا باستيفاء المنفعة، و الّذي ينساق إليه النظر، هو: الضمان، لان التصرف فيه حرام، لانه غصب فيضمنه.

ثم قال: الّا ان كون الاجارة الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بصحيحها مناف لذلك.

فيقال: انه دخل على عدم الضمان بهذا الاستيلاء و ان لم يكن مستحقا

______________________________

(و ما ابعد ما بينه) اى بين الرياض (و بين ما عن جامع المقاصد، حيث قال- فى باب الغصب-: ان الّذي يلوح) و يظهر (من كلامهم، هو: عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا باستيفاء المنفعة) «باستيفاء» متعلق ب «عدم ضمان» اى ان استيفاء المنفعة لا يوجب ضمانه.

ثم قال المحقق: (و الّذي ينساق) و ينتهى (إليه النظر، هو:

الضمان) للعين المستأجرة فاسدا (لان التصرف فيه حرام، لانه غصب فيضمنه) لان الغاصب ضامن.

(ثم قال) المحقق: (الا) ان الضمان مناف لقاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، ف (ان كون الإجارة الفاسدة، لا يضمن بها) اى بسبب هذه الاجارة (كما لا يضمن بصحيحها مناف لذلك) الّذي ذكرنا من ضمان العين

(فيقال) فى وجه عدم الضمان (انه) اى المستأجر (دخل) فى الاجارة (على عدم الضمان بهذا الاستيلاء) على العين (و ان لم يكن مستحقا)

ص: 40

و الاصل براءة الذمة من الضمان، فلا يكون العين بذلك مضمونة، و لو لا ذلك لكان المرتهن ضامنا مع فساد الرهن، لان استيلائه بغير حق و هو باطل انتهى.

و لعل الحكم بالضمان فى المسألة، اما لخروجها عن قاعدة: ما لا يضمن لان المراد بالمضمون مورد العقد، و مورد العقد فى الاجارة: المنفعة، فالعين يرجع فى حكمها الى القواعد، و حيث كانت فى صحيح الاجارة امانة

______________________________

للاستيلاء، لغرض كون الاجارة فاسدة.

(و الاصل براءة الذمة من الضمان) اذ الضمان خلاف الاصل، فاذا شك فيه كان الاصل البراءة (فلا يكون العين بذلك) الاستيلاء فاسدا (مضمونة و لو لا ذلك) اى عدم الضمان فى الاجارة الفاسدة (لكان) اللازم القول بكون (المرتهن ضامنا مع فساد الرهن، لأن استيلائه) على العين المرهونة (بغير حق) لفرض فساد الرهن (و هو) اى الضمان للعين المرهونة (باطل) قطعا، فاللازم ان الاجارة أيضا كذلك (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(و لعل الحكم بالضمان فى المسألة) اى لعل حكم جامع المقاصد:

بالضمان فى مسئلة الاجارة الفاسدة: (اما لخروجها عن قاعدة: ما لا يضمن لان المراد بالمضمون) فى: ما يضمن، و: ما لا يضمن، (مورد العقد، و مورد العقد فى الاجارة المنفعة) لان الاجارة عقدت للمنافع، و لا ترتبط بالاعيان الا ارتباطا توصليا (فالعين) المستأجرة (يرجع فى حكمها) اى فى حكم انها مضمونة أم لا؟ (الى القواعد) غير قاعدة: ما لا يضمن، (و) القاعدة هى الضمان، فانه (حيث كانت) العين (فى صحيح الاجارة امانة

ص: 41

مأذونا فيها شرعا، و من طرف المالك لم يكن فيه ضمان.

و اما فى فاسدها فدفع الموجر للعين انما هو للبناء على استحقاق المستأجر لها، لحق الانتفاع فيه، و المفروض عدم الاستحقاق، فيده عليه يد عدوان موجبة للضمان.

و اما لان قاعدة ما لا يضمن معارضة هنا بقاعدة اليد، و الاقوى عدم الضمان، فالقاعدة المذكورة غير مخصّصة

______________________________

مأذونا فيها شرعا و) اما (من طرف المالك، لم يكن فيها ضمان) لمقتضى قاعدة الامانة.

(و اما فى فاسدها فدفع الموجر للعين انما هو للبناء على استحقاق المستأجر لها) لانه يظن: ان الاجارة صحيحة، فيستحق المستأجر للعين لان ينتفع بها (لحق الانتفاع فيه) اللام متعلق ب: الاستحقاق (و المفروض عدم الاستحقاق) لبطلان الاجارة (فيده) اى المستأجر (عليه) اى على الشي ء المستأجر- بالفتح- (يد عدوان) بلا امانة مالكية، و لا امانة شرعية (موجبة للضمان) فالضمان الّذي ذكر فى جامع المقاصد اما من هذه الجهة.

(و اما لان قاعدة ما لا يضمن معارضة هنا بقاعدة اليد) اى على اليد ما اخذت، و تقدم قاعدة اليد لانها قاعدة منصوصة، و قاعدة ما لا يضمن مصطيدة (و) لكن (الاقوى عدم الضمان) للعين، فى الاجارة الفاسدة اذ قاعدة ما لا يضمن، مقدمة على قاعدة اليد، كما ان العين امانة بيد الآخذ، و ليست يده عدوانية.

(فالقاعدة المذكورة) اى: ما لا يضمن، (غير مخصّصة)- بالفتح-

ص: 42

بالعين المستأجرة، و لا متخصصة.

ثم انه يشكل اطراد القاعدة فى موارد.

منها: الصيد الّذي استعاره المحرم من المحل، بناء على فساد العارية فانهم حكموا بضمان المحرم له بالقيمة، مع ان صحيح العارية لا يضمن به، و لذا ناقش الشهيد الثانى فى الضمان على تقديرى الصحة و الفساد

______________________________

(بالعين المستأجرة، و لا متخصصة) بان تكون قاعدة: ما لا يضمن، بحيث لا تشمل مورد العين المستأجرة، و التخصص اشارة الى قوله: اما لخروجها عن قاعدة الخ، و التخصيص اشارة الى قوله: و اما لأن قاعدة ما لا يضمن.

(ثم انه يشكل اطراد القاعدة) اى جريان قاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، (فى موارد، منها: الصيد الّذي استعاره المحرم من المحل) فان الصيد حرام للمحرم (بناء على فساد العارية) اذ: الصيد، لا يكون فى حوزة المحرم اصلا ملكا، او عارية او ما اشبه (فانهم حكموا بضمان المحرم له) اى للصيد (بالقيمة) فيدفع القيمة الى المحل الّذي استعاره منه (مع ان صحيح العارية لا يضمن به) اى لا يضمن بصحيح العارية- فالباء اشارة الى القاعدة-

(و لذا ناقش الشهيد الثانى فى الضمان على تقديرى) القول ب (الصحة و) القول ب (الفساد) للعارية، اذ كيف يمكن: لا يضمن بصحيحه و يضمن بفاسده، فيما اذا قلنا بفساد العارية.

اما لو قلنا: بصحة العارية، يمكن، فعدم الضمان اوضح.

ص: 43

الّا ان يقال: ان وجه ضمانه- بعد البناء على انه يجب على المحرم ارساله و اداء قيمته- ان المستقر عليه قهرا بعد العارية هى القيمة، لا العين، فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الاتلاف الّذي هو سبب لضمان ملك الغير فى كل عقد، لا بسبب التلف.

و يشكل اطراد القاعدة أيضا فى البيع فاسدا بالنسبة الى المنافع التى لم يستوفها، فان هذه المنافع غير مضمونة فى العقد الصحيح

______________________________

(الّا ان يقال: ان وجه ضمانه) اى الصيد (- بعد البناء على انه يجب على المحرم ارساله) و اطلاقه (و اداء قيمته-) الى صاحب الصيد (ان المستقر عليه) اى على المحرم (قهرا بعد العارية هى القيمة، لا العين) لان الشارع امر بالقيمة.

(فوجوب دفع القيمة، ثابت قبل التلف) للعين (بسبب وجوب الاتلاف) اى الاطلاق للصيد الّذي هو كالاتلاف (الّذي هو سبب لضمان ملك الغير فى كل عقد، لا) ان الضمان (بسبب التلف) فعارية الصيد أيضا، لا يضمن بفاسدها، كما لا يضمن بصحيحها، و انما الضمان هنا لامر خارجى هو حكم الشارع بالضمان حتى قبل التلف.

(و يشكل اطراد) و شمول (القاعدة) و هى: ما لا يضمن، (أيضا) كالاشكال فى عارية المحرم للصيد (فى البيع فاسدا بالنسبة الى المنافع التى لم يستوفها، فان هذه المنافع غير مضمونة فى العقد الصحيح) فان الانسان اذا اشترى شاة و لم يشرب حليبها، لم يكن ضامنا لشي ء فى مقابل الحليب، فان الثمن الّذي اعطاه انما هو فى مقابل عين الشاة، لا فى

ص: 44

مع انها مضمونة فى العقد الفاسد.

الّا ان يقال: ان ضمان العين، يستتبع ضمان المنافع، فى العقد الصحيح و الفاسد.

و فيه نظر لان نفس المنفعة غير مضمونة بشي ء فى العقد الصحيح، لان الثمن انما هو بإزاء العين دون المنافع.

و يمكن نقض القاعدة أيضا، بحمل المبيع فاسدا

______________________________

مقابل الحليب (مع انها مضمونة فى العقد الفاسد) لانه تلف الحليب الّذي هو ملك للبائع على يده، فيشمله: على اليد ما اخذت.

(الا ان يقال: ان ضمان العين، يستتبع ضمان المنافع فى العقد الصحيح و الفاسد) فمعنى: ضمان العين بالثمن فى العقد الصحيح، ضمانها و ضمان منافعها، فالحليب مضمون فى العقد الصحيح تبعا للعين، و كذلك مضمون فى العقد الفاسد تبعا للعين.

(و فيه نظر) اذ لا نسلم تبعية المنافع للعين، فى الضمان (لان نفس المنفعة غير مضمونة بشي ء فى العقد الصحيح) اذ: الثمن انما يقع بإزاء نفس العين، لا بإزاء العين و المنافع معا (لان الثمن انما هو بإزاء العين دون المنافع) عرفا.

و يدل عليه ان الشاة لو لم تعط الحليب- مثلا- لم يكن للمشترى استرجاع بعض الثمن من البائع

(و يمكن نقض القاعدة) اى قاعدة: ما لا يضمن، (أيضا بحمل المبيع) اى ولد الحيوان المبيع الّذي فى بطنه فيما كان البيع (فاسدا) فانه

ص: 45

على ما صرح به فى المبسوط و الشرائع و التذكرة و التحرير: من كونه مضمونا على المشترى، خلافا للشهيدين، و المحقق الثانى، و بعض آخر، تبعا للعلامة فى القواعد، مع ان الحمل غير مضمون فى البيع الصحيح بناء على انه للبائع، و عن الدروس توجيه كلام العلامة بما اذا اشترط الدخول فى البيع، و حينئذ لا نقض على القاعدة

و يمكن النقض أيضا بالشركة الفاسدة، بناء على انه لا يجوز التصرف بها

______________________________

مضمون على المشترى، فيلزم عليه اعطاء عوض الحمل اذا تلف بناء (على ما صرح به فى المبسوط، و الشرائع، و التذكرة، و التحرير: من كونه مضمونا على المشترى خلافا للشهيدين و المحقق الثانى و بعض آخر) حيث قالوا بعدم الضمان للحمل (تبعا للعلامة فى القواعد) القائل بعدم الضمان (مع ان الحمل غير مضمون فى البيع الصحيح) اذ الثمن بإزاء الامّ، لا بإزاء الشاة و الحمل معا (بناء على انه للبائع) اما على البناء بانه ليس للبائع اصلا، فعدم ضمانه للثمن فى الصحيح اوضح.

(و عن الدروس توجيه كلام العلامة) فى التذكرة القائل: بالضمان للحمل فى العقد الفاسد (بما اذا اشترط الدخول) للحمل (فى البيع) بان قال المشترى: اشترى منك هذه الشاة بشرط حملها بمائة (و حينئذ) اى حين الاشتراط (لا نقض على القاعدة) اذ كان الحمل فى مقابل الثمن صحيحا، فكان يضمن بصحيحه، و عليه فيضمن بفاسده أيضا.

(و يمكن النقض) لقاعدة ما لا يضمن (أيضا بالشركة الفاسدة بناء على انه لا يجوز التصرف بها) اى بسبب الشركة الفاسدة، اذ الاذن للتصرف

ص: 46

فاخذ المال المشترك حينئذ عدوانا موجب للضمان.

[مبنى عدم الضمان في عكس القاعدة هو الأولوية و المناقشة فيها]

ثم ان مبنى هذه القضية السالبة- على ما تقدم من كلام الشيخ فى المبسوط- هى الاولوية.

و حاصلها: ان الرهن لا يضمن بصحيحه، فكيف بفاسده.

و توضيحه: ان الصحيح من العقد اذا لم يقتض الضمان- مع امضاء الشارع له- فالفاسد الّذي هو بمنزلة

______________________________

فى المال المشترك كان خاصا بصورة الشركة، و المفروض انتفاء الشركة.

(فاخذ المال المشترك حينئذ) اى حين بطلان الشركة (عدوانا) اى ليس امانة شرعية، و لا مالكية، فهو: (موجب للضمان) مع ان صحيح الشركة لا يوجب الضمان.

ثم ان قوله: بناء على انه لا يجوز، هو فى مقابل البناء على جواز التصرف فى المال، و ان بطلت الشركة، لان الاذن باق و ان بطلت الشركة و انما كان الضمان: بناء على انه لا يجوز التصرف، لان مع جواز التصرف الناشئ من الاذن يكون المال امانة مالكية، فلا ضمان.

(ثم ان مبنى هذه القضية السالبة) و هى: كلما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده (- على ما تقدم من كلام الشيخ فى المبسوط- هى الاولوية) فى عدم الضمان.

(و حاصلها: ان الرهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده) و هذه الاولوية ليست استحسانا، بل قد استفيدت من الادلة.

(و توضيحه: ان الصحيح من العقد) اىّ عقد كان (اذا لم يقتض.

الضمان- مع امضاء الشارع له-) قيد توضيحى (فالفاسد الّذي هو بمنزلة

ص: 47

العدم لا يؤثر فى الضمان، لان اثر الضمان، اما من: الاقدام على الضمان و المفروض عدمه، و الّا لضمن بصحيحه، و اما من حكم الشارع بالضمان- بواسطة هذه المعاملة الفاسدة- و المفروض انها لا تؤثر شيئا.

و وجه الاولوية ان الصحيح اذا كان مفيدا للضمان، امكن ان يقال ان الضمان من مقتضيات الصحيح فلا يجرى فى الفاسد، لكونه لغوا غير مؤثر، على ما سبق تقريبه: من انه اقدم على ضمان خاص، و الشارع لم يمضه فيرتفع اصل الضمان

______________________________

العدم، لا يؤثر فى الضمان) بطريق اولى (لان اثر الضمان) اى الاثر الّذي هو الضمان (اما من: الاقدام) اى اقدام الآخذ (على الضمان، و المفروض عدمه) اذ الآخذ اقدم على المجانية، لا على الضمان (و الّا لضمن بصحيحه) الّذي اقدم عليه (و اما من حكم الشارع بالضمان- بواسطة هذه المعاملة الفاسدة- و المفروض انها) اى المعاملة الفاسدة (لا تؤثر شيئا) لانها بمنزلة العدم، و اما لقاعدة: اليد، و سيأتى عدم افادتها:

الضمان، فى المقام.

(و وجه الاولوية) دون المساوات (ان الصحيح، اذا كان مفيدا للضمان، امكن ان يقال: ان الضمان من مقتضيات الصحيح، فلا يجرى) الضمان (فى الفاسد، لكونه) اى العقد الفاسد (لغوا غير مؤثر، على ما سبق تقريبه) اى تقريب عدم الضمان فى الفاسد (من انه: اقدم على ضمان خاص) بمقابل المال (و الشارع لم يمضه) لفرض فساد العقد (فيرتفع اصل الضمان) و عليه فوجه الاولوية، انه إن كان الصحيح موجبا للضمان

ص: 48

لكن يخدشها: انه يجوز ان يكون صحة الرهن، و الاجارة- المستلزمة لتسلط المرتهن و المستأجر على العين شرعا- مؤثرة فى رفع الضمان، بخلاف الفاسد الّذي لا يوجب تسلطا لهما على العين، فلا اولوية.

فان قلت: ان الفاسد و ان لم يكن له دخل فى الضمان، الا ان مقتضى

______________________________

امكن ان يقال: بعدم الضمان فى الفاسد، فكيف اذا كان الصحيح لا يوجب الضمان؟

(لكن يخدشها) اى الاولوية التى كانت مستندة لعدم الضمان فى الفاسد فيما اذا كان الصحيح غير موجب للضمان.

و وجه الخدشة عكس الاولوية، بان يقال: يمكن ان يكون الصحيح بدون الضمان، و يكون الفاسد مع الضمان ف (انه يجوز ان يكون صحة الرهن و الاجارة-) مثلا (المستلزمة) تلك الصحة (لتسلط المرتهن و المستأجر على العين) تسلطا (شرعا- مؤثرة فى رفع الضمان) ف: مؤثرة، خبر: صحة، (بخلاف الفاسد الّذي لا يوجب تسلطا لهما) اى للمرتهن، و المستأجر، (على العين، فلا اولوية) اذ الشارع، و المالك، لما سلطا على العين، رفعا الضمان، و فى الفاسد لا تسليط من الشارع، و لا المالك و لذا فلا رفع للضمان، بل يبقى الضمان على حاله.

(فان قلت:) كيف تقولون بان: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده من باب انه لا عقد، فلا اثر فى الضمان، و الحال ان قاعدة: اليد، قاضية بالضمان ف (ان الفاسد و ان لم يكن له دخل فى الضمان، الّا ان مقتضى

ص: 49

عموم: على اليد هو الضمان، خرج منه المقبوض بصحاح العقود التى يكون مواردها غير مضمونة على القابض، و بقى الباقى.

قلت: ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود، يخرج به المقبوض بفاسدها و هى: عموم ما دل على ان من لم يضمنه المالك، سواء ملكه اياه بغير عوض او سلطه على الانتفاع به او استأمنه عليه لحفظه، او دفعه إليه لاستيفاء حقه، او العمل فيه بلا اجرة، او معها، او غير ذلك، فهو غير ضامن

______________________________

عموم: على اليد، هو الضمان) لما وقع فى يد الشخص من اموال غيره و (خرج منه) اى من العموم (المقبوض بصحاح العقود) اى بالعقد الصحيح فى العقود التى لا يضمن بصحيحها- اى (التى يكون مواردها غير مضمونة على القابض) كالهبة غير المعوضة، و العارية، و ما اشبه (و يبقى الباقى) تحت عموم: اليد.

(قلت: ما) اى الدليل الّذي (خرج به) اى بسبب ذلك الدليل (المقبوض بصحاح تلك العقود، يخرج به) اى بنفس ذلك الدليل (المقبوض بفاسدها) اى فاسد العقود، فالدليل فى المقامين واحد (و هى عموم ما دل على ان من لم يضمنه المالك سواء ملكه) المالك (اياه) المال (بغير عوض) كالهبة (او سلطه على الانتفاع به) كالعارية (او استأمنه عليه لحفظه) كالوديعة (او دفعه إليه لاستيفاء حقه) كالاجارة (او العمل فيه بلا اجرة) كما لو تبرع بخياطة ثوبه، فدفعه إليه لخياطته مجانا (او معها) بان استأجره لخياطة ثوبه (او غير ذلك فهو غير ضامن) للعين اذا تلفت.

ص: 50

اما فى غير التمليك بلا عوض اعنى الهبة، فالدليل المخصص لقاعدة الضمان، عموم ما دلّ على: انّ من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن بل ليس لك ان تتهمه.

اما فى الهبة الفاسدة، فيمكن الاستدلال على خروجها من عموم:

اليد، بفحوى ما دل على خروج مورد الاستيمان، فان استيمان المالك لغيره على ملكه اذا اقتضى عدم ضمانه له، اقتضى التسليط المطلق عليه مجانا عدم ضمانه بطريق اولى،

و التقييد بالمجانية لخروج التسليط المطلق بالعوض كما فى المعاوضات

______________________________

(اما) عدم الضمان (فى غير التمليك بلا عوض اعنى) بالتمليك بلا عوض (الهبة، فالدليل المخصص لقاعدة الضمان) اى قاعدة: على اليد ما اخذت (عموم ما دلّ على ان من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن) نحو ليس على الامين الّا اليمين (بل ليس لك ان تتهمه) لان الامين مؤتمن و (اما فى الهبة الفاسدة) فانها ليست بأمانة (فيمكن الاستدلال على خروجها من عموم: اليد، بفحوى ما دل على خروج مورد الاستيمان) اى بالاولوية من الاستيمان الّذي لا يوجب فساده ضمان من فى يده الامانة (فان استيمان المالك لغيره على ملكه اذا اقتضى عدم ضمانه له) فيما فسدت الامانة و تلف المال، مع انه لم يهب المال للآخذ (اقتضى التسليط المطلق) بتجويز كل انواع التصرف (عليه) اى على المال (مجانا) و بلا عوض (عدم ضمانه بطريق اولى) اذ هذا اقل من الامانة التى يراد استردادها (و التقييد) فى كلامنا (بالمجانية) انما هو (لخروج التسليط المطلق بالعوض، كما فى المعاوضات)

ص: 51

فانه عين التضمين.

فحاصل ادلة: عدم ضمان المستأمن، ان من دفع المالك إليه ملكه على وجه لا يضمنه بعوض واقعى، اعنى المثل و القيمة، و لا جعلى فليس عليه ضمان.

«الثانى» من الأمور المتفرعة على عدم تملك المقبوض بالبيع الفاسد وجوب رده فورا الى المالك.

______________________________

فان البائع يسلط المشترى على ماله تسليطا مطلقا، و لكنه بمقابل العوض (فانه) اى هذا القسم من التسليط (عين التضمين) لانه فى مقابل العوض

(فحاصل ادلة عدم ضمان المستأمن) بالفتح- اى من اخذ المال امانة- (انّ من دفع المالك إليه ملكه على وجه لا يضمنه بعوض واقعى) اى القيمة الواقعية (اعنى المثل، و القيمة، و لا جعلى) فانهما لم يجعلا فى مقابل المال عوضا (فليس عليه ضمان)

هذا و لكن الاولى الاستدلال فى كل مورد للضمان او عدم الضمان بأدلتهما لا بدليل: ما يضمن، او: ما لا يضمن، لأنهما قاعدتان مصطيدتان و من المعلوم ان القاعدة المصطيدة لا تصلح دليلا.

(فى وجوب فورية الرد الى المالك)-

(الثانى: من الامور المتفرعة على عدم تملك المقبوض بالبيع الفاسد) فان الكلام كان فى ذلك و انما استطرد الكلام حول قاعدة: ما يضمن، و:

ما لا يضمن، لارتباط لها بالمسألة- كما عرفت- (وجوب رده فورا الى المالك) و المراد الفور العرفى، لا الدقى العقلى، لان الأدلة لا تدل على

ص: 52

و الظاهر انه مما لا خلاف فيه على تقدير عدم جواز التصرف فيه، كما يلوح من مجمع الفائدة، بل صرح فى التذكرة، كما عن جامع المقاصد: ان مئونة الرد على المشترى، لوجوب ما لا يتم الردّ الّا به.

و اطلاقه يشمل: ما لو كان فى ردّه مئونة كثيرة، الّا ان يقيد بغيرها بادلة نفى الضرر.

______________________________

اكثر من العرفى، فان الدليل اذا قال: إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا، استفاد العرف منه كون الرد فورا عرفيا، لادقيا عقليا.

(و الظاهر انه) وجوب الرد فورا (مما لا خلاف فيه على تقدير عدم جواز التصرف فيه) اذ لا مجال لحفظه، فان الابقاء أيضا نوع من التصرف المنهى عنه (كما يلوح من مجمع الفائدة) كما يظهر منه وجوب الرد فورا (بل صرح فى التذكرة، كما عن جامع المقاصد: انّ مئونة الرد على المشترى) و هذا امر زائد على اصل الرد لامكان كون الرد واجبا، و لكن المئونة لا تكون على المشترى بان لزم على المالك او غيره (لوجوب ما لا يتم الرد الّا به) و مقدمة الواجب واجبة.

(و اطلاقه) اى اطلاق كلام التذكرة (يشمل: ما لو كان فى ردّه مئونة كثيرة) كما لو كانت المئونة مائة دينار- مثلا- (الّا ان يقيد) الوجوب المستفاد من كونه مقدمة الواجب (بغيرها) اى بغير المئونة الكثيرة (بادلة نفى الضرر) فانه لا ضرر و لا ضرار، فلا وجه لتضرر اخذ المتاع بالعقد الفاسد بهذا القدر الكبير من الضرر.

و الفرق بينه و بين الضرر اليسير- و ان كان هو ضررا واقعا أيضا-

ص: 53

و يدل عليه ان الامساك آنا مّا، تصرف فى مال الغير بغير اذنه، فلا يجوز، لقوله عجل الله تعالى فرجه لا يجوز لاحد ان يتصرف فى مال غيره الّا باذنه.

و لو نوقش فى كون الامساك تصرفا، كفى عموم قوله (ص): لا يحل مال امرئ مسلم لاخيه الّا عن طيب نفسه، حيث يدل على تحريم جميع الافعال المتعلقة به التى منها: كونه فى يده.

______________________________

ان اليسير لا يسمى ضررا عرفا، فلا يشمله دليل: نفى الضرر، فيشمله دليل مقدمة الواجب بدون مزاحم.

(و يدل عليه) اى على وجوب الرد فورا مطلقا- اى سواء احتاج الى المال أم لا- (ان الامساك آنا مّا، تصرف فى مال الغير بغير اذنه، فلا يجوز) هذا التصرف.

اما كونه تصرفا فلوضوح ان التصرف اعم من الامساك.

و اما كونه لا يجوز ف (لقوله عجل الله تعالى فرجه: لا يجوز لاحد ان يتصرف فى مال غيره الّا باذنه) و حيث انتفى الاذن، لفساد المعاملة و الاذن كان مقيدا بالمعاملة، اذ لا اذن مطلق فى المقام- حرم التصرف

(و لو نوقش فى كون: الامساك تصرفا) بدعوى ان المنصرف من التصرف: التقليب و الحمل فى الشي ء (كفى) فى الحرمة (عموم قوله (ص):

لا يحل مال امرئ مسلم لاخيه الّا عن طيب نفسه) فان: لا يحل، شامل للامساك قطعا (حيث يدل على تحريم جميع الافعال المتعلقة به التى منها) اى من تلك الافعال (كونه فى يده) و لو بدون تقليب، و عمل فيه.

ص: 54

و اما توهم: ان هذا باذنه، حيث انه دفعه باختياره، فمندفع بانه انما ملكه اياه عوضا، فاذا انتفت صفة العوضية باعتبار عدم سلامة العوض له شرعا و المفروض ان كونه على وجه الملكية المجانية مما لم ينشأها المالك.

و كونه مالا للمالك و امانة فى يده أيضا، مما لم يؤذن فيه، و لو اذن له، فهو استيداع جديد، كما انه لو ملكه مجانا كانت هبة جديدة.

______________________________

(و اما توهم ان هذا) الامساك (باذنه) فهو داخل فى المستثنى لا المستثنى منه (حيث انه) اى صاحب المال (دفعه باختياره، فمندفع بانه انما) اذن اذنا معامليا، فاذا انتفت المعاملة، لفسادها، لم يكن اذن، فان البائع دفعه و (ملكه اياه عوضا، فاذا انتفت صفة العوضية باعتبار) متعلق بانتفت (عدم سلامة العوض له شرعا) لحكم الشارع بفساد المعاملة، انتفى الاذن، هذا هو جواب: فاذا انتفت، و كانه ساقط فى عبارة المصنف او عبارة الناسخ، و يمكن ان يكون: فاذا، بالتنوين و لكنه تكلف فلا يحتاج الى الجواب (و المفروض ان كونه على وجه الملكية المجانية مما لم ينشأها المالك) حتى يكون هناك اذن وراء الاذن المعاوضى.

(و كونه مالا للمالك و امانة فى يده) اى فى يد الآخذ حتى يكون امانة مالكية، و اذنا (أيضا، مما لم يؤذن فيه، و لو) فرض انه (اذن له،) امانة (فهو استيداع جديد،) لا ربط له بالاذن المعاوضى السابق

و كلامنا نحن فى جواز الامساك بالاذن المعاوضى السابق الّذي كان فاسدا (كما انه لو ملكه مجانا كانت هبة جديدة) و يكون خارجا عن محل الكلام.

ص: 55

هذا و لكن الّذي يظهر من المبسوط: عدم الاثم فى قبضه، معللا بانه: قبضه باذن مالكه.

و قد تقدم أيضا من التحرير: التصريح بعدم الاثم فى امساكه، و كذا السرائر ناسبا له الى الاصحاب، و هو ضعيف، و النسبة غير ثابتة، و لا يبعد إرادة صورة الجهل لانه لا يعاقب.

«الثالث»: انه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشترى

______________________________

و الحاصل ان قوله عليه السلام: الا باذنه، منتف اذ الاذن المعاوضى انتفى، و الاذن الهبى او الامانى لم يكن، فلا اذن.

(هذا و لكن الّذي يظهر من المبسوط: عدم الاثم فى قبضه معللا بانه قبضه باذن مالكه) و هذا مناف لما ذكرناه من انه لا اذن.

(و قد تقدم أيضا من التحرير التصريح بعدم الاثم فى امساكه و كذا السرائر ناسبا له الى الاصحاب و) كانهم قالوا بانحلال الاذن المعاوضى الى جنس الاذن، و فصل خاص هو المعاوضة، فاذا انتفى الخاص لم يعلم انتفاء الاذن الّذي هو جنس.

لكن (هو ضعيف) فان بانتفاء الفصل ينتفى الجنس (و النسبة) الى الاصحاب (غير ثابتة و لا يبعد إرادة) الشيخ و العلامة و ابن ادريس (صورة الجهل) من الآخذ بفساد المعاملة (لانه لا يعاقب) حينئذ على امساكه المال لا ان مرادهم الاذن المالكى.

(الثالث) من الامور المتفرعة على عدم تملك المقبوض بالبيع الفاسد (انه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشترى

ص: 56

قبل الرد كان عليه عوضها على المشهور، بل ظاهر ما تقدم من السرائر- من كونه بمنزلة المغصوب- الاتفاق على الحكم.

و يدل عليه عموم قوله: (ع) لا يحل مال امرئ مسلم لاخيه الا عن طيب نفسه بناء على صدق المال على المنفعة.

و لذا يجعل ثمنا فى البيع و صداقا فى النكاح خلافا للوسيلة، فنفى الضمان محتجا: بان الخراج بالضمان.

______________________________

قبل الرد) كما لو شرب لبن الشاة المبتاعة بيعا فاسدا (كان عليه عوضها على المشهور بل ظاهر ما تقدم من السرائر- من كونه) اى المبيع بالبيع الفاسد (بمنزلة المغصوب-) لان كليهما مال انسان آخر فى يد شخص لم يأذنا بكونه فى يده (الاتفاق على الحكم) اى ضمان المنفعة المستوفاة.

(و يدل عليه عموم قوله (ع): لا يحل مال امرئ مسلم لاخيه الا عن طيب نفسه بناء على صدق المال على المنفعة) فان الحليب المستوفى من الشاة مال لمالك الشاة، و لا طيب نفس للمالك فى استيفاء الآخذ له، و لا يخفى ان مثل الحليب مال قطعا.

نعم: يمكن الشك فى صدق المال على مثل الاستنفاع بالدار بالجلوس فيها- مثلا-

(و لذا) الّذي يصدق المال على المنفعة (يجعل) المنفعة (ثمنا فى البيع) مع انه مبادلة مال بمال (و صداقا فى النكاح) و المهر يلزم ان يكون مالا (خلافا للوسيلة فنفى الضمان) للمنفعة المستوفاة (محتجا: بان الخراج بالضمان) اى ان الفائدة فى مقابل الضمان فحيث كان المشترى بالعقد الفاسد

ص: 57

كما فى النبوى المرسل، و تفسيره: ان من ضمن شيئا و تقبله لنفسه فخراجه له، فالباء للسببية، او المقابلة، فالمشترى لما اقدم على ضمان المبيع، و تقبله على نفسه بتقبيل البائع و تضمينه اياه على ان يكون الخراج له مجانا كان اللازم من ذلك ان خراجه له على تقدير الفساد، كما ان الضمان عليه على هذا التقدير أيضا.

و الحاصل: ان ضمان العين لا يجتمع مع ضمان الخراج، و مرجعه الى: ان الغنيمة، و الفائدة

______________________________

ضامنا، كانت الفائدة له (كما فى النبوى المرسل) روى عن النبي (ص) فى غوالى اللئالى (و تفسيره: ان من ضمن شيئا و تقبله لنفسه، فخراجه له) فكما انه يضمنه، كذلك ارباحه للضامن (فالباء) فى: بالضمان، (للسببية) اى: الخراج بسبب الضمان، لكن على هذا فالجملة ناقصة تحتاج الى التقدير (او) ان الباء ل (المقابلة) اى: الخراج فى مقابل الضمان (فالمشترى لما اقدم على ضمان المبيع) لأن معنى اعطائه المال فى عوض المبيع: انه ضمنه بعوض (و تقبله) اى الضمان (على نفسه) و ذلك (بتقبيل البائع، و تضمينه اياه، على ان يكون الخراج له مجانا) «على» متعلق ب: اقدم، اى اقدم بناء منه على ان تكون الفائدة له (كان اللازم من ذلك) الاقدام (ان خراجه له على تقدير الفساد، كما ان الضمان عليه على هذا التقدير أيضا) هذا هو معنى الحديث.

(و الحاصل) منه (ان ضمان العين لا يجتمع مع ضمان الخراج) و الفائدة فمن ضمن العين لا يضمن الخراج (و مرجعه الى ان الغنيمة، و الفائدة)

ص: 58

بإزاء الغرامة.

و هذا المعنى مستنبط من اخبار كثيرة متفرقة مثل قوله (ع)- فى مقام الاستشهاد على كون منفعة المبيع فى زمان الخيار للمشترى- الا ترى انها لو احترقت كانت من مال المشترى، و نحوه فى الرهن و غيره

______________________________

عطف بيان (بإزاء الغرامة) و لو التقديرية منها، بان كان ضامنا للعين

(و هذا المعنى مستنبط من اخبار كثيرة متفرقة، مثل قوله (ع)- فى مقام الاستشهاد على كون منفعة المبيع فى زمان الخيار للمشترى- الا ترى انها لو احترقت كانت من مال المشترى) فى موثقة اسحاق بن عمار، قال سمعت من يسأل أبا عبد الله (ع) يقول: و قد سأله عن رجل مسلم احتاج الى بيع داره، فمشى الى اخيه فقال له ابيعك دارى هذه، و يكون لك احبّ إليّ من ان يكون لغيرك، على ان تشترط لى انى اذا جئتك بثمنها الى سنة تردها عليّ، قال (ع): لا بأس بهذا ان جاء بثمنها، و هما عليه قلت: أ رأيت لو كان للدار غلة لمن يكون؟ قال (ع): للمشترى الا ترى انها لو احترقت كان من ماله، و قريب منها رواية معاوية عنه (ع) فان ظاهر الرواية: ان فائدة الدار للمشترى حيث ان خسارتها- فيما لو احترقت- تكون عليه، فالخراج بالضمان (و نحوه فى الرهن و غيره) ففى خبر اسحاق بن عمار، قلت لابى ابراهيم (ع)، عن الرجل يرهن الغلام و الدار فتصيبه الآفة على من يكون؟ قال (ع): على مولاه، ثم قال:

أ رأيت لو قتل قتيلا على من يكون؟ قلت: هو فى عنق العبد، قال (ع) الا ترى فلم يذهب مال هذا، ثم قال (ع): أ رأيت لو كان ثمنه مائة دينار

ص: 59

و فيه: ان هذا الضمان، ليس هو ما اقدم عليه المتبايعان، حتى يكون الخراج بإزائه، و انما هو امر قهرىّ حكم به الشارع كما حكم بضمان المقبوض بالسوم، و المغصوب.

فالمراد بالضمان الّذي بإزائه الخراج، التزام الشي ء على نفسه، و تقبله له مع امضاء الشارع له.

______________________________

فزاد و بلغ مائتي دينار، لمن كان يكون؟ قلت: لمولاه، قال (ع) كذلك يكون عليه، ما يكون له.

(و فيه) اى فى استدلال ابن حمزة (ان هذا الضمان) للخراج (ليس هو ما اقدم عليه المتبايعان حتى يكون الخراج بإزائه) و قد عرفت ان الضمان الّذي اقدم عليه المتبايعان يكون بإزائه الخراج (و انما هو امر قهرى حكم به الشارع، كما حكم بضمان المقبوض بالسوم) و هو ما يأخذه المشترى من المتاع لارادة اشترائه فيتلف فى يده، فان المشترى لم يقدم على الضمان فيه، و انما حكم الشارع بالضمان.

(و) كذا (المغصوب) فان ضمانه على الغاصب بحكم الشارع، اذ الغاصب لم يقدم على الضمان.

(فالمراد بالضمان) فى مرسلة: الخراج بالضمان، (الّذي بإزائه الخراج) هو (التزام الشي ء على نفسه، و تقبله له) اى للشي ء (مع امضاء الشارع له) كالبيع، فان خراجه فى مقابل ضمانه الحاصل ذلك الضمان بسبب تقبل المشترى للمبيع، و امضاء الشارع لهذا التقبل، فلا تشمل القاعدة ما نحن فيه مما قبضه بظن صحة المعاملة، فظهر فسادها، اذ

ص: 60

و ربما ينتقض ما ذكرنا فى معنى الرواية بالعارية المضمونة، حيث انه اقدم على ضمانها، مع ان خراجها ليس له، لعدم تملكه للمنفعة، و انما تملك الانتفاع الّذي عينه المالك فتأمل.

و الحاصل ان دلالة الرواية لا تقصر عن سندها فى الوهن، فلا يترك، لاجلها قاعدة ضمان: مال المسلم و احترامه، و عدم حلّه الّا عن طيب النفس،

______________________________

التقبل من المشترى و ان كان موجودا، لكن الشارع لم يمضه.

(و ربما ينتقض ما ذكرنا فى معنى الرواية) اى قولنا: فالمراد بالضمان الّذي بإزائه الخراج الخ، فى ذيل ردّ ابن حمزة (بالعارية المضمونة) بان استعار شيئا، و ضمن ان يكون تلفها عليه (حيث انه اقدم على ضمانها) و الشارع امضى ذلك (مع ان خراجها ليس له لعدم تملكه للمنفعة) فان الشاة العارية، اذا ولدت لم يكن الولد للمستعير، و انما هو للمعير (و انما تملك) باخذ العارية (الانتفاع الّذي عينه المالك) له فان المعروف فى باب العارية، انها تملك الانتفاع لا تملك المنفعة (فتأمل) اذ: أولا على تقدير تسليم ان العارية تملك انتفاع، لا تملك منفعة نقول: انها تخصيص فى قاعدة: الخراج بالضمان، و ثانيا: لا نسلم كون العارية تملك انتفاع فقط، بل نقول: بانها تملك منفعة، فالهبة تملك العين، و العارية تملك الانتفاع.

(و الحاصل) من هذه المعانى المحتملة فى رواية الخراج بالضمان (ان دلالة الرواية لا تقصر عن سندها فى الوهن) فكلاهما موهونان (فلا يترك لاجلها، قاعدة ضمان مال المسلم و احترامه، و عدم حلّه الّا عن طيب النفس)

ص: 61

و ربما يرد هذا القول بما ورد: فى شراء الجارية المسروقة من ضمان قيمة الولد، و عوض اللبن، بل عوض كل ما انتفع.

و فيه ان الكلام فى البيع الفاسد الحاصل بين مالكى العوضين، من جهة ان مالك العين جعل خراجها له بإزاء ضمانها بالثمن

______________________________

مما قد عرفت ورود الاخبار بهذه المضامين الثلاثة، و على هذا فلو اخذ شيئا بالعقد الفاسد، كانت الفوائد لذلك الشي ء للبائع.

(و ربما يرد هذا القول) اى عدم وجوب رد الفوائد المستوفاة الى البائع، فيما ظهر فساد المعاملة (بما ورد: فى شراء الجارية المسروقة من ضمان) المشترى (قيمة الولد، و عوض اللبن، بل عوض كل ما انتفع) فان الولد حيث يصبح حرّا، يكون ذلك تفويتا على مالك الجارية، و كذا لبن الجارية الّذي شربه الولد، و قيمة البضع الّذي استعمله، الى غيرها من الفوائد المستوفاة، كالخدمة و ما اشبه.

(و فيه) ان هذا لا يصلح ردّا اذ الكلام فى كون: الخراج فى مقابل الضمان المعاوضى، و الردّ انما هو: وجوب الرد فى ما كان الضمان يدويا اذ مفروض الكلام: كون الجارية مسروقة، ف (ان الكلام) لابن حمزة (فى البيع الفاسد) فانه يقول: لا ضمان فى منافعه المستوفاة (الحاصل) ذلك البيع (بين مالكى العوضين، من جهة ان مالك العين جعل خراجها) اى خراج العين (له) اى للمشترى (بإزاء ضمانها) اى ضمان العين (بالثمن) الّذي دفعه المشترى.

ص: 62

لا ما كان فساده من جهة التصرف فى مال الغير

و اضعف من ذلك ردّه بصحيحة ابى ولّاد، المتضمنة لضمان منفعة المغصوب المستوفاة، ردّا على ابى حنيفة القائل: بانه اذا تحقق ضمان العين و لو بالغصب، سقط كراها كما يظهر من تلك الصحيحة

______________________________

(لا) ان الكلام فى (ما كان فساده من جهة التصرف فى مال الغير) فابن حمزة يقول: الخراج بالضمان، فيما كان هناك معاوضة، و الرادّ يقول: لا ضمان فيما لم يكن هناك معاوضة، و من المعلوم ان هذا الردّ لا يلائم كلام ابن حمزة.

اللهم الا ان يقال: مقتضى اطلاق: الخراج بالضمان، الّذي يستدل به ابن حمزة: عدم ضمان فوائد الجارية المسروقة فضمانها- كما استفيد من الرواية- مناف لقاعدة: الخراج بالضمان،

(و اضعف من ذلك) الردّ (ردّه) اى ابن حمزة (بصحيحة ابى ولّاد، المتضمنة لضمان منفعة المغصوب المستوفاة) تلك المنفعة (ردا على ابى حنيفة القائل: بانه اذا تحقق ضمان العين) بان ضمن الشخص العين المغصوبة (و لو) كان الضمان (بالغصب، سقط كراها) اى كرى العين، و اجرتها (كما يظهر) قول ابى حنيفة بعدم الضمان (من تلك الصحيحة).

و وجه كون هذا الردّ اضعف من الردّ السابق، ان فى المقام: غصب بدون البيع- اصلا- و الردّ السابق كان فى مورد: الغصب مع البيع، و كلام ابن حمزة فى: البيع المجرد

ص: 63

نعم: لو كان القول المذكور موافقا لقول ابى حنيفة، فى اطلاق القول: بان الخراج بالضمان، انتهضت الصحيحة و ما قبلها ردّا عليه

هذا كله فى المنفعة المستوفاة.

و اما المنفعة الفائتة بغير استيفاء فالمشهور فيها أيضا الضمان و قد عرفت عبارة السرائر المتقدمة.

و لعله لكون المنافع اموالا فى يد من بيده العين فهى مقبوضة فى يده

______________________________

(نعم: لو كان القول المذكور) اى قول ابن حمزة (موافقا لقول ابى حنيفة، فى اطلاق القول: بان الخراج بالضمان) سواء: فى البيع الفاسد، او الغصب و البيع، او الغصب فقط (انتهضت الصحيحة) لابى ولّاد (و ما قبلها) من رواية الجارية (ردّا عليه) اى على قول ابن حمزة، اذ الصحيحة ترد الثالث، و رواية الجارية ترد الثانى

(هذا كله) تمام الكلام (فى المنفعة المستوفاة) من المبيع بالبيع الفاسد (و اما المنفعة الفائتة بغير استيفاء) كما لو لم يحلب الشاة المشتراة، شراء فاسدا، او لم يستعمل الدار فذهبت منفعتها هباء، او ما اشبه ذلك (فالمشهور فيها أيضا الضمان) اى ضمان المشترى (و قد عرفت عبارة السرائر المتقدمة) الّذي حكم بكونه كالمغصوب.

(و لعله) اى الضمان (لكون المنافع اموالا فى يد من بيده العين) فكما ان عين الدار بيده، كذلك اجرتها (فهى مقبوضة فى يده) فيشمل المنافع، قاعدة: على اليد ما اخذت.

ص: 64

و لذا يجرى على المنفعة، حكم المقبوض اذا قبض العين فتدخل المنفعة فى ضمان المستأجر، و يتحقق قبض الثمن فى السلم، بقبض الجارية المجعول خدمتها ثمنا.

و كذا الدار المجعول سكناها ثمنا

مضافا الى انه مقتضى: احترام مال المسلم اذ كونه فى يد

______________________________

(و لذا) الّذي تعتبر المنافع اموالا فى يد من فى يده العين (يجرى على المنفعة حكم المقبوض اذا قبض العين فتدخل المنفعة) للدار (فى ضمان المستأجر) و لو لم تكن المنافع مقبوضة لم يكن وجه لدخولها فى ضمان المستأجر (و) لذا أيضا (يتحقق قبض الثمن فى) بيع (السلم) و هو:

تقديم الثمن، و تأخير المثمن مقابل النسيئة- التى هى تقديم المثمن، و تأخير الثمن (بقبض الجارية المجعول خدمتها ثمنا) فاذا اشترى زيد وزنة من الحنطة عن خالد ليسلمها له بعد ستة اشهر، و جعل ثمنها خدمة جاريته هند، ثم سلم خالد البائع هندا ليستوفى خدمتها صح سلما، لأن الثمن قد قبضه البائع، و لو لم تكن المنفعة قابلة للقبض، لزم فساد البيع اذ: السلم يحتاج الى القبض فى المجلس، و الّا فلا- كما قرر فى محله-.

(و كذا الدار المجعول سكناها ثمنا)، لبيع السلف، فانه يقبض بتسليم الدار.

(مضافا الى انه) اى ضمان المنافع غير المستوفاة (مقتضى: احترام مال المسلم) و هذا غير دليل: على اليد ما اخذت، فانه مستفاد من قوله (ص): و حرمة ماله كحرمة دمه، (اذ كونه) اى المبيع بالبيع الفاسد (فى يد

ص: 65

غير مالكه، مدة طويلة، من غير اجرة، مناف للاحترام

لكن يشكل الحكم- بعد تسليم كون المنافع اموالا حقيقة- بان مجرد ذلك لا يكفى فى تحقق الضمان، الّا ان يندرج فى عموم: على اليد ما اخذت، فلا اشكال فى عدم شمول الموصول للمنافع و حصولها فى اليد بقبض العين، لا يوجب صدق الاخذ

و دعوى انه: كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل

______________________________

غير مالكه، مدة طويلة) بل او قصيرة (من غير اجرة، مناف للاحترام) فاللازم ان نقول: يجب اعطاء المشترى- فى البيع الفاسد- اجرة الدار الى المالك، و ان لم يستوفها المشترى.

(لكن يشكل الحكم) بضمان المشترى للمنافع غير المستوفاة (- بعد تسليم كون المنافع اموالا حقيقة-) و عدم المناقشة فى انها ليست اموالا، فلا تشملها على اليد، و: حرمة ماله، (بان مجرد ذلك) اى كونها اموالا حقيقة (لا يكفى فى تحقق الضمان، الا ان يندرج فى عموم: على اليد ما اخذت) اذ: لا دليل لنا على ضمان المال المأخوذ، بل الدليل: على اليد، (فلا اشكال فى عدم شمول الموصول) اى: ما، فى: على اليد ما اخذت، (للمنافع) فان الظاهر من الموصول: الاعيان الخارجية (و حصولها): مبتدأ، خبره:

لا يوجب، اى حصول المنافع (فى اليد ب) سبب (قبض العين لا يوجب صدق الاخذ) حتى يقال: فيشمله: ما اخذت.

(و دعوى انه) اى: ما اخذت، (كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل)

ص: 66

فى المنافع بقبض الاعيان، مشكلة.

و اما احترام مال المسلم فانما يقتضي عدم حلّ التصرف فيه و اتلافه بلا عوض و انما يتحقق ذلك فى الاستيفاء فالحكم بعدم الضمان مطلقا، كما عن الايضاح، او مع علم البائع بالفساد كما عن بعض آخر موافق للاصل السليم

مضافا الى انه قد يدعى شمول قاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن

______________________________

ذلك الاستيلاء (فى المنافع بقبض الاعيان) فيشمل: ما اخذت، للمنافع أيضا

فهذه الدعوى (مشكلة) اذ: الظاهر، الاخذ، لا مطلق الاستيلاء

لكن الانصاف ان المستفاد عرفا من: الاخذ، الاستيلاء، و لذا يشمل لبس الخف، و ركوب الدابة، و بعث من يمنع المالك من ملكه، بقطع استيلائه، و هكذا.

(و اما احترام مال المسلم ف) لا يقتضي بضمان من تلفت المنافع تحت يده بدون استيفاء لها، لان الاحترام (انما يقتضي عدم حل التصرف فيه و) عدم (اتلافه بلا عوض، و انما يتحقق ذلك) الاتلاف بلا عوض (فى الاستيفاء) و لا استيفاء فى المقام، و التصرف هنا غير محرم فعلى، لعدم العلم بكونه مال الغير (فالحكم بعدم الضمان) فى المنافع غير المستوفاة (مطلقا) سواء مع علم البائع بالفساد، او جهله، (كما عن الايضاح، او مع علم البائع بالفساد) لانه اقدم على عدم احترام ماله (كما عن بعض آخر موافق للاصل السليم) عن دليل وارد عليه.

(مضافا الى انه قد يدعى شمول قاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن

ص: 67

بفاسده، و من المعلوم ان صحيح البيع لا يوجب ضمانا للمشترى للمنفعة لانها له مجانا، و لا يتقسط الثمن عليها.

و ضمانها مع الاستيفاء لاجل الاتلاف، فلا ينافي القاعدة المذكورة، لانها بالنسبة الى التلف، لا الاتلاف.

مضافا الى الاخبار الواردة فى ضمان المنافع المستوفاة من الجارية

______________________________

بفاسده) للمقام (و) ذلك، لانه لو كان البيع صحيحا، لم يضمن المشترى للمنافع غير المستوفاة، فكذلك لا يضمن فى صورة فساد البيع، فانه (من المعلوم ان صحيح البيع لا يوجب ضمانا للمشترى للمنفعة) غير المستوفاة (لانها) اى المنفعة (له) اى للمشترى (مجانا، و لا يتقسط الثمن عليها) اى على المنفعة، اذ الثمن فى مقابل العين فقط.

(و) ان قلت على هذا يلزم عدم ضمان المنافع المستوفاة اذ المستوفاة أيضا لا يضمن فى صورة صحة البيع.

قلت (ضمانها) اى المنافع (مع الاستيفاء) انما هو (لاجل) ما ذكرنا من (الاتلاف فلا ينافى) الضمان (القاعدة المذكورة) اى قاعدة ما لا يضمن (لانها) اى القاعدة (بالنسبة الى التلف، لا الاتلاف)

فكل: ما لا يضمن بصحيحه فى صورة التلف، لا يضمن بفاسده اما ما لا يضمن بصحيحه فى صورة الاتلاف فيضمن بفاسده، لما عرفت من قاعدة: اليد، و غيرها المخصصة، او الحاكمة على قاعدة: ما لا يضمن.

(مضافا) على ان القاعدة لا تشمل الاتلاف انظر (الى الاخبار الواردة فى ضمان المنافع المستوفاة من الجارية

ص: 68

المسروقة المبيعة الساكتة من ضمان غيرها فى مقام البيان.

و كذا صحيحة محمد بن قيس الواردة: فيمن باع وليدة ابيه بغير اذنه، فقال (ع): الحكم ان يأخذ الوليدة و ابنها و سكت عن: المنافع الفائتة، فان عدم الضمان فى هذه الموارد مع كون العين لغير البائع يوجب عدم الضمان هنا بطريق اولى

______________________________

المسروقة المبيعة الساكتة من ضمان غيرها) اى غير المستوفاة (فى مقام البيان) فانما تدل نصّا على ضمان المستوفاة، و سكوتا على عدم ضمان غير المستوفاة.

(و كذا صحيحة محمد بن قيس الواردة: فيمن باع وليدة ابيه) اى أمّ ولده (بغير اذنه) اى اذن الأب (فقال عليه السلام: الحكم ان يأخذ) اى الأب (الوليدة و ابنها) لان البيع باطل، فالمال يرد على صاحبه (و سكت) عليه السلام (عن: المنافع الفائتة) فلم يقل: انه يجب اعطاء المنافع الفائتة للاب، مع وضوح فوت منافع الجارية، حال كونها فى يد المشترى،

(فان عدم الضمان) للمنافع غير المستوفاة (فى هذه الموارد) الجارية المسروقة، و الجارية المباعة بغير اذن صاحبها (مع كون العين لغير البائع) اذ: الاول سارق، و الثانى غاصب لجارية ابيه (يوجب عدم الضمان هنا) فيما لو كان البائع هو المالك، لكنه ظهر بعد ذلك فساد البيع (بطريق اولى) اذ يستند تلف المنافع غير المستوفاة هنا الى المالك، فكأنه هو الّذي اتلف منافعه، خصوصا فى صورة علمه بالفساد و جهل المشترى بان البيع فاسد، فهو كالغارّ الّذي يرجع المغرور إليه

ص: 69

و الانصاف ان للتوقف فى المسألة كما فى المسالك تبعا للدروس، و التنقيح، مجالا،

و ربما يظهر من القواعد، فى باب الغصب عند التعرض لاحكام البيع الفاسد، اختصاص الاشكال و التوقف بصورة علم البائع، على ما استظهره السيد العميد، و المحقق الثانى، من عبارة الكتاب، و عن الفخر حمل الاشكال فى العبارة على مطلق صورة عدم الاستيفاء.

فتحصل من ذلك كله ان الاقوال فى: ضمان المنافع غير المستوفاة خمسة، الاول: الضمان و كأنه للاكثر.

______________________________

(و الانصاف ان للتوقف فى المسألة) و ان المشترى هل يضمن المنافع غير المستوفاة، او لا يضمنها (كما فى المسالك، تبعا للدروس، و التنقيح) فانهم توقفوا فى الضمان و عدمه (مجالا) لما عرفت من عدم تمامية ادلة امر الطرفين.

(و ربما يظهر من القواعد، فى باب الغصب عند التعرض لاحكام البيع الفاسد، اختصاص الاشكال و التوقف) فى الضمان، و عدمه، للمنافع غير المستوفاة. (بصورة علم البائع على ما استظهره) من كلام العلامة (السيد العميد، و المحقق الثانى، من عبارة الكتاب) اى القواعد (و عن الفخر حمل الاشكال) فى الضمان (فى العبارة) اى عبارة القواعد (على مطلق صورة عدم الاستيفاء) سواء علم البائع بالفساد، أم لا.

(فتحصل من ذلك كله) الّذي ذكرناه من اقوالهم فى: ضمان المنافع غير المستوفاة (ان الاقوال فى ضمان المنافع غير المستوفاة خمسة الاول الضمان) مطلقا (و كانه للاكثر)

ص: 70

الثانى: عدم الضمان كما عن الايضاح، الثالث: الضمان الّا مع علم البائع كما عن بعض من كتب على الشرائع، الرابع: التوقف فى هذه الصورة، كما استظهره جامع المقاصد، و السيد العميد، من عبارة القواعد، الخامس:

التوقف مطلقا كما عن الدروس، و التنقيح، و المسالك، و محتمل القواعد كما يظهر من فخر الدين.

و قد عرفت ان التوقف اقرب الى الانصاف، الّا ان المحكى عن التذكرة ان منافع الاموال من: العبد، و الثياب و العقار و غيرها، مضمونة بالتفويت.

______________________________

فهم قائلون بالضمان (الثانى عدم الضمان) مطلقا (كما عن الايضاح، الثالث الضمان الّا مع علم البائع) فاذا علم البائع، بفساد المعاملة، فلا ضمان على المشترى (كما عن بعض من كتب) حاشية (على الشرائع، الرابع: التوقف) بانه هل يضمن، أم لا (فى هذه الصورة) اى صورة علم البائع (كما استظهره جامع المقاصد، و السيد العميد، من عبارة القواعد) على ما عرفت و القول الاخير و هو: (الخامس التوقف) فى الضمان (مطلقا) حتى فى صورة جهل البائع بالفساد (كما عن الدروس، و التنقيح، و المسالك، و محتمل القواعد، كما يظهر من فخر الدين) فى انه حمل عبارة القواعد على الاطلاق، لا على التقييد كما صنع غيره.

(و قد عرفت ان التوقف) مطلقا (اقرب الى الانصاف، الا ان المحكى عن التذكرة) ما لفظه: (ان منافع الاموال من: العبد، و الثياب، و العقار و غيرها) كالاراضى، و البساتين، و الدور، و ما اشبه (مضمونة بالتفويت

ص: 71

و الفوات تحت اليد العادية. فلو غصب عبدا، او جارية، او عقارا، او حيوانا مملوكا، ضمن منافعه، سواء اتلفها، بان استعملها او فاتت تحت يده، بان بقيت مدة فى يده لا يستعملها، عند علمائنا اجمع.

و لا يبعد ان يراد باليد العادية مقابل اليد الحقة، فيشمل يد المشترى فيما نحن فيه خصوصا مع علمه، سيما مع جهل البائع به.

و اظهر منه، ما فى السرائر فى آخر باب الاجارة من: الاتفاق أيضا على ضمان منافع المغصوب الفائتة، مع قوله فى باب البيع: ان البيع

______________________________

و الفوات تحت اليد العادية) اى سواء فوّتها، او فاتت هى بنفسها.

(فلو غصب) شخص (عبدا، او جارية، او عقارا، او حيوانا مملوكا ضمن) الغاصب (منافعه، سواء اتلفها بان استعملها، او فاتت تحت يده، بان بقيت مدة فى يده لا يستعملها عند علمائنا اجمع) انتهى كلام التذكرة.

(و لا يبعد ان يراد باليد العادية، مقابل اليد الحقة، فيشمل يد المشترى فيما نحن فيه) من البيع الفاسد (خصوصا مع علمه) اى المشترى بالفساد (سيّما مع جهل البائع به) اى بالفساد.

كما انه يحتمل ان يراد باليد العادية من يده، يد تعد و ظلم كالغاصب اذ لا تسمى يد المشترى يدا عاديه و ان كان البيع فاسدا، فلا يكون كلام التذكرة شاهد الضمان المنافع غير المستوفاة فيما نحن فيه.

(و اظهر منه) اى من كلام التذكرة، ظهورا فى الضمان لغير المستوفاة (ما فى السرائر فى آخر باب الاجارة من: الاتفاق أيضا على ضمان منافع المغصوب الفائتة) فانه اذا ضم قوله هذا (مع قوله فى باب البيع: ان البيع

ص: 72

الفاسد عند اصحابنا، بمنزلة الشي ء المغصوب الّا فى ارتفاع الاثم عن امساكه انتهى.

و على هذا: فالقول بالضمان لا يخلو عن قوة، و ان كان المترائى من ظاهر صحيحة ابى ولّاد: اختصاص الضمان فى المغصوب بالمنافع المستوفاة من البغل المتجاوز به الى غير محل الرخصة.

الّا انّا لم نجد بذلك عاملا فى المغصوب الّذي هو موردها

«الرابع»: اذا تلف المبيع [فإن كان مثليا وجب مثله]

______________________________

الفاسد عند اصحابنا، بمنزلة الشي ء المغصوب، الّا فى ارتفاع الاثم عن امساكه، انتهى) فانه لا اثم فى البيع الفاسد و انما الاثم خاص بالغصب، فهم من القولين: ضمان المنافع غير المستوفاة فى باب البيع الفاسد.

(و على هذا) الّذي عرفت كلامى التذكرة، و السرائر (فالقول بالضمان) للمنافع غير المستوفاة (لا يخلو عن قوة، و ان كان المترائى من ظاهر صحيحة ابى ولاد: اختصاص الضمان فى المغصوب بالمنافع المستوفاة)

فالاختصاص فى المقام الّذي هو ادون من الغصب بطريق اولى فالمضمون هى المنافع المستوفاة (من: البغل المتجاوز به الى غير محل الرخصة) لا سائر منافعه التى لم يستوفها.

(الّا انّا لم نجد بذلك) اى باختصاص الضمان بالمنافع المستوفاة (عاملا فى المغصوب الّذي هو موردها) اى مورد الصحيحة فكيف يمكن ان يستند الى الصحيحة فى غير موردها؟.

( «الرابع») من الامور المترتبة على البيع الفاسد (اذا تلف المبيع)

ص: 73

فان كان مثليا، وجب مثله بلا خلاف، الا ما يحكى عن ظاهر الاسكافى.

و قد اختلف كلمات اصحابنا فى تعريف المثلى، فالشيخ، و ابن زهرة و ابن ادريس، و المحقق، و تلميذه، و العلامة، و غيرهم قدس الله ارواحهم، بل المشهور- على ما حكى-: انه ما يتساوى اجزائه من حيث القيمة، و المراد: باجزائه، ما يصدق عليه اسم الحقيقة، و المراد: بتساويها من حيث القيمة، تساويها بالنسبة، بمعنى: كون قيمة كل بعض بالنسبة الى قيمة البعض الآخر، كنسبة نفس البعضين من حيث المقدار.

______________________________

بالبيع الفاسد (فان كان مثليا) كالحنطة (وجب مثله بلا خلاف، الا ما يحكى عن ظاهر الاسكافى) مما يظهر منه صحة دفع القيمة أيضا.

(و قد اختلف كلمات اصحابنا فى تعريف المثلى، فالشيخ و ابن زهرة، و ابن ادريس، و المحقق، و تلميذه، و العلامة، و غيرهم قدس الله ارواحهم بل المشهور- على ما حكى-) عنهم: (انه ما يتساوى اجزائه من حيث القيمة) فاذا كان قيمة هذا الربع منه دينارا كان قيمة ذلك الربع منه أيضا دينارا (و المراد: باجزائه، ما يصدق عليه اسم الحقيقة) كاسم الحنطة فى المثال (و المراد: بتساويها من حيث القيمة تساويها بالنسبة) اى نسبة البعض الى البعض (بمعنى: كون قيمة كل بعض بالنسبة الى قيمة البعض الآخر) كهذا الربع بالنسبة الى ذلك الربع (كنسبة نفس البعضين من حيث المقدار)

فكما ان الربع، يساوى مقداره ربع الآخر، كذلك قيمة هذا الربع،

ص: 74

و لذا قيل فى توضيحه: ان المقدار منه اذا كان يسوى قيمة، فنصفه يسوى نصف تلك القيمة.

و من هنا رجّح الشهيد الثانى: كون المصوغ من النقدين قيميا قال:

اذ لو انفصلت، نقصت قيمتها.

قلت: و هذا يوجب ان لا يكون الدرهم الواحد مثليا، اذ: لو

______________________________

تساوى قيمة الربع الآخر، فقولهم: ما يتساوى اجزائه من حيث القيمة، فى مقابل: الشاة، مثلا، اذ لو فرضنا رأسها: حقة، و يدها: حقة، لم تتساو قيمتهما، بل تختلف

(و لذا قيل فى توضيحه: ان المقدار منه) اى المثلى (اذا كان يسوى قيمة) كالحقة منه تسوى دينارا (فنصفه يسوى نصف تلك القيمة) كنصف الحقة، يسوى نصف دينار، و ربع الحقة ربع دينار، و الحقتين دينارين و هكذا صاعدا، و نازلا.

(و من هنا) اى عدم صدق هذا التعريف (رجّح الشهيد الثانى:

كون المصوغ من النقدين) الذهب و الفضة (قيميا) لا مثليا (قال: اذ لو انفصلت، نقصت قيمتها) فالآنية الذهبية التى تسوى مائة دينار، لا يسوى نصفها خمسين دينارا

(قلت و) فى هذا الكلام الّذي ذكره الشهيد نظر، اذ (هذا) المعيار، و هو نقص القيمة اذا انكسر (يوجب ان لا يكون الدرهم الواحد مثليا) فاذا اتلفه انسان، وجب عليه دفع قيمته لا مثله، و هو خلاف البديهة (اذ: لو

ص: 75

انكسر نصفين نقص قيمة نصفه عن نصف قيمة المجموع.

الّا ان يقال: ان الدرهم مثلى بالنسبة الى نوعه، و هو الصحيح و لذا لا يعد الجريش مثلا للحنطة، و لا الدقاقة مثلا للارز

و من هنا يظهر: ان كل نوع من انواع الجنس الواحد، بل كل صنف من اصناف نوع واحد مثلىّ، بالنسبة الى افراد ذلك النوع، او الصنف فلا يرد ما قيل من

______________________________

انكسر نصفين نقص قيمة نصفه عن نصف قيمة المجموع) حين الاتصال.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 6، ص: 76

(الّا ان يقال: ان الدرهم مثلىّ، بالنسبة الى نوعه) لا بالنسبة الى اجزائه (و هو) اى ان المراد بنوعه (الصحيح) من الدراهم مقابل المكسور منها (و لذا لا يعدّ الجريش) المدقوق (مثلا للحنطة) فالحنطة مثلىّ، بالنسبة الى مثلها، لا بالنسبة الى مثلها الى الجريش (و لا الدقاقة مثلا للارز) فمن الممكن: ان يكون شي ء واحد مثليا بالنسبة الى مثله و قيميا بالنسبة الى اجزائه، فالآنية النقدية مثلية، بالنسبة الى سائر الاوانى و قيمية بالنسبة الى اجزائها

(و من هنا) الّذي عرفت معيار المثلى (يظهر: ان كل نوع من انواع الجنس الواحد) كأنواع الحنطة (بل كل صنف من اصناف نوع واحد) كاصناف الحنطة الكربلائية (مثلىّ بالنسبة الى افراد ذلك النوع او الصنف) فكل افراد الحنطة مثلىّ، و كل اصناف الحنطة الكربلائية مثلىّ، و ذلك لانطباق المعيار المتقدم، و هو تساوى الاجزاء بالنسبة الى القيمة

(فلا يرد) على تعريف المثلى (ما قيل: من) ان هذا التعريف غير

ص: 76

انه ان اريد التساوى بالكلية، فالظاهر عدم صدقه على شي ء من المعرّف اذ ما من مثلىّ الّا و اجزائه مختلفة فى القيمة، كالحنطة فان قفيزا من حنطة تساوى عشرة، و من اخرى تساوى عشرين، و ان اريد التساوى فى الجملة؟

فهو فى القيمى موجود كالثوب و الارض، انتهى.

و قد لوّح هذا المورد فى آخر كلامه الى رفع ايراده بما ذكرنا: من

______________________________

مستقيم اذ: (انه ان اريد التساوى بالكلية) اى تساويا كليّا (فالظاهر:

عدم صدقه على شي ء من المعرف) بالفتح، و المراد بالعرف: المثلى، اى هذا التعريف لا يصدق على ما هو مثلى عند الفقهاء (اذ ما من مثلى، الّا و اجزائه مختلفة فى القيمة، كالحنطة) مثلا، فانها مثلىّ مع عدم صدق التعريف المذكور (فان قفيزا من حنطة تساوى عشرة) دراهم (و من) حنطة (اخرى تساوى عشرين) درهما، فلم يتساو قيمة اجزاء كلى الحنطة (و ان اريد التساوى فى الجملة؟) فالقفيز من الحنطة الكربلائية تساوى عشرة، و قفيز اخرى أيضا منها- لا من مطلق الحنطة- أيضا تساوى عشرة (فهو) اى التساوى فى الجملة (فى القيمى) أيضا (موجود) و لا اختصاص له بالمثلى (كالثوب و الارض) فهما قيميان، مع ان بعض الثياب يساوى بعضها الآخر فى القيمة، و كذلك بعض الاراضى (انتهى) كلام المستشكل على تعريف القيمى.

(و قد لوّح) و اشار (هذا المورد فى آخر كلامه الى رفع ايراده بما ذكرنا):

من اعتبار النوعية، او الصنفية فى المثلى، لا مطلق التساوى، و لو فى الجملة (من

ص: 77

ان كون الحنطة مثلية، معناه: ان كل صنف منها متماثل الاجزاء، و متساو فى القيمة، لا بمعنى ان جميع ابعاض هذا النوع متساوية فى القيمة، فاذا كان المضمون بعضا من صنف، فالواجب دفع مساويه من هذا الصنف، لا القيمة، و لا بعض من صنف آخر

لكن الانصاف: ان هذا خلاف ظاهر كلماتهم، فانهم يطلقون المثلى.

على جنس الحنطة و الشعير، و نحوهما، مع عدم صدق التعريف عليه

______________________________

ان كون الحنطة مثلية، معناه: ان كل صنف منها متماثل الاجزاء، و متساو فى القيمة) فالحنطة الكربلائية، الصنف الخاص منها متماثلة، لا مطلق الحنطة، و لا مطلق الكربلائية (لا بمعنى ان جميع ابعاض هذا النوع متساوية فى القيمة) حتى يقال: ان الكربلائية بعشرة، و البغدادية بخمسة- مثلا-.

و على هذا (فاذا كان المضمون بعضا من صنف) كالكربلائية (فالواجب دفع مساويه من هذا الصنف) الكربلائى أيضا (لا القيمة، و لا بعض من صنف آخر) كالبغدادى- مثلا-.

(لكن الانصاف ان هذا) التقييد للمثلى باعتبار الصنف، لا مطلق النوع (خلاف ظاهر كلماتهم، فانهم) لا يعتبرون الصنف اذ (يطلقون المثلى على جنس الحنطة و الشعير، و نحوهما، مع عدم صدق التعريف) المتقدم، و هو تساوى الاجزاء بالنسبة الى القيمة (عليه) اى على مثل الحنطة و الشعير، اذ: الكربلائية لا تماثل البغدادية، بل لا يماثل صنف من الكربلائية، صنف آخر منها.

ص: 78

و اطلاق المثلى على الجنس باعتبار مثلية انواعه، او اصنافه، و ان لم يكن بعيدا، الّا انّ انطباق التعريف على الجنس بهذا الاعتبار بعيد جدا

الّا ان يهملوا خصوصيات الاصناف الموجبة لزيادة القيمة، و نقصانها كما التزمه بعضهم

غاية الامر وجوب رعاية الخصوصيات عند اداء المثل، عوضا عن

______________________________

(و) ان قلت: انهم يطلقون المثلية على الجنس باعتبار مثلية اصنافه قلت: (اطلاق المثلى على الجنس باعتبار مثلية انواعه، او اصنافه، و ان لم يكن بعيدا) اذ كثيرا ما يطلق الجنس و يراد النوع (الا ان انطباق التعريف على الجنس بهذا الاعتبار) بان يراد بالتعريف للمثلى: إرادة النوع، و الصنف- من الجنس- لا الجنس نفسه (بعيد جدّا) اذ: المعيار فى التعاريف ظاهر الالفاظ، لا المراد منها غيرها، و الا لم يكن التعريف تعريفا صحيحا، فهو كما لو يعرف الانسان بانه حيوان، ثم يقال بان العرف اراد قسما خاصا من الحيوان، و هو: الناطق.

(الّا ان) يلتزم من عرف المثلى بالتعريف السابق، بان الحنطة بعضها مثل بعض- اطلاقا- حتى الكربلائية و البغدادية ف (يهملوا خصوصيات الاصناف الموجبة لزيادة القيمة، و نقصانها) فالحنطة مهما كانت قيمتها راقية، مثل الحنطة مهما كانت قيمتها نازلة (كما التزمه بعضهم) فلم يبال باختلاف القيمة.

(غاية الامر) هذا المهمل قال ب (وجوب رعاية الخصوصيات) الموجبة لاختلاف القيمة (عند اداء المثل، عوضا عن

ص: 79

التالف او القرض.

و هذا ابعد، هذا مضافا الى انه يشكل اطراد التعريف، بناء على هذا بانه، ان اريد تساوى الاجزاء من صنف واحد من حيث القيمة تساويا حقيقيّا، فقلّ ما يتفق ذلك فى الصنف الواحد من النوع، لان اشخاص

______________________________

التالف) كما لو اتلف الحنطة لزيد، ثم يريد ادائها (او) عوضا عن (القرض) كما لو اقترض من زيد حنطة ثم اراد أدائها.

(و هذا) الالتزام بان الحنطة مثل الحنطة مهما اختلف قيمتها (ابعد) من الالتزام السابق، و هو اطلاق الجنس و إرادة الصنف.

و الحاصل ان قولهم: ان الحنطة مثلى، اما يراد: صنف الحنطة مثلى، و هذا هو الالتزام السابق، و اما يراد: مطلق الحنطة مثلى، الّا انه دل الدليل على وجوب مراعات الخصوصيات عند الأداء للتالف و الّذي اقترضه، و هذا هو الالتزام الثانى (هذا مضافا الى انه يشكل اطراد) و عموم (التعريف بناء على هذا) بان يراد الصنف من الجنس.

فقولهم: المثلى ما تساوى اجزائه، يراد به: صنف الحنطة، لا مطلق الحنطة، و المراد: بهذا هو، ما لوّح المورد فى آخر كلامه (بانه ان اريد تساوى الاجزاء من صنف واحد) بعد ان قيّد الجنس: بالصنف، (من حيث القيمة تساويا حقيقيا) بان تكون الكربلائية مثلا متساوية الاجزاء تساويا حقيقيا، (ف) فيه انه (قل ما يتفق ذلك) التساوى الحقيقى (فى الصنف الواحد من النوع) و يعود المحذور الموجود فى الجنس هنا أيضا (لان اشخاص

ص: 80

ذلك الصنف لا يكاد يتساوى فى القيمة، لتفاوتها بالخصوصيات الموجبة لزيادة الرغبة، و نقصانها كما لا يخفى.

و ان اريد تقارب اجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة، و ان لم يتساو حقيقة، تحقق ذلك فى اكثر القيميات.

فان لنوع الجارية اصنافا متقاربة فى الصفات الموجبة لتساوى القيمة، و بهذا الاعتبار يصح السلم فيها.

______________________________

ذلك الصنف) أيضا كأشخاص الجنس (لا يكاد يتساوى فى القيمة، لتفاوتها بالخصوصيات الموجبة لزيادة الرغبة، و نقصانها) اى نقصان الرغبة (كما لا يخفى) اذ تختلف الحنطة الكربلائية مثلا: من حيث قطع الارض، و زيادة الماء، و موسم الزرع، و محله من الشمس، و بعض الآفات الجزئية الى غير ذلك من المزايا و الخصوصيات.

(و ان اريد تقارب اجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة، و ان لم يتساو) الاجزاء (حقيقة) فان العرف يرون تساوى الحنطة الكربلائية من حيث ان كل قفيز منها بمائة مثلا، و ان تفاوتت فى الجملة (تحقق ذلك) التساوى القيمى- و ان لم يتساو حقيقة- (فى اكثر القيميات) أيضا، و لا يكون تعريف المثلى مانعا للاغيار.

(ف) مثلا (ان لنوع الجارية اصنافا متقاربة فى الصفات الموجبة لتساوى القيمة) و كذلك لنوع الشاة، و الابل، و البقر، و غيرها (و بهذا الاعتبار) اى التقارب فى الصفات (يصح السلم فيها) و السلم: عبارة عن اعطاء الثمن مقدما لاخذ المثمن بعد مدة، و يشترط فى هذا القسم من البيع

ص: 81

و لذا اختار العلامة فى باب القرض من التذكرة، على انّ ما يصح فيه السلم من القيميات، مضمون فى القرض بمثله.

و قد عدّ الشيخ فى المبسوط الرطب و الفواكه من القيميات، مع أن كل نوع منها مشتمل على اصناف متقاربة فى القيمة، بل متساوية عرفا.

ثم لو فرض ان الصنف المتساوى من حيث

______________________________

ذكر المزايا، و الخصوصيات التى تختلف الرغبات فى الجنس باعتبارها فصحة السلم فى الجارية دليل على تقارب الصفات و الا لم يصح السلم، للجهالة.

(و لذا) الّذي ذكرنا من تقارب الصفات الموجب لدخوله فى باب المثلى (اختار العلامة فى باب القرض من التذكرة، على) ما حكى عنه (ان ما يصح فيه) بيع (السلم من القيميات، مضمون فى القرض بمثله) لا بقيمته.

و هذا الكلام دليل على ان بعض القيميات، أيضا تقابل بالمثل.

(و) كذلك يدل على شمول تعريف: المثل، بما تقدم للقيمى ما ذكره الشيخ، فانه (قد عدّ الشيخ فى المبسوط الرطب، و الفواكه، من القيميات مع ان كل نوع منها مشتمل على اصناف متقاربة فى القيمة، بل متساوية عرفا) فاذا عرّفنا المثلى بانه ما تساوى اجزائه بالنسبة الى القيمة شمل بعض القيميات أيضا.

(ثم) ربما يراد اصلاح تعريف المثلى- المتقدم- حتى لا يرد عليه بانه يشمل القيميات أيضا، بالفرق بين المثلى المتساوى الاجزاء، و القيمى المتساوى الاجزاء، اذ الاول: كثير الوجود، و الثانى: قليل الوجود.

و لا يخفى ما فى هذا الاصلاح اذ (لو فرض ان الصنف المتساوى من حيث

ص: 82

القيمة فى الانواع القيمية، عزيز الوجود، بخلاف الانواع المثلية لم يوجب ذلك اصلاح طرد التعريف.

نعم يوجب ذلك، الفرق بين النوعين فى حكمة الحكم بضمان المثلى بالمثل، و القيمى بالقيمة

ثم انه قد عرف المثلى: بتعاريف اخر، اعم من التعريف المتقدم او اخص، فعن السرائر: انه ما تماثلت اجزائه و تقاربت صفاته، و عن

______________________________

القيمة فى الانواع القيمية) كالجارية- مثلا- (عزيز الوجود) اى نادر الوجود اذ الغالب تفاوت افراد القيميات- (بخلاف الانواع المثلية) لكثرة تساوى اصنافها (لم يوجب ذلك) الفرق (اصلاح طرد) و مانعية (التعريف) للمثل، اذ يشمل تعريف المثلى حينئذ بعض القيميات، و التعريف الشامل للاغيار غير تام.

(نعم يوجب ذلك الفرق) بندرة التساوى فى القيمى، و كثرة التساوى فى المثلى (بين النوعين) المثلى و القيمى (فى حكمة الحكم بضمان المثلى بالمثل، و القيمى بالقيمة).

فيقال: ان المثل لما كان نادرا فى القيميات، اوجب الشارع القيمة، و لما كان كثيرا فى المثليات، اوجب الشارع المثل.

(ثم انه قد عرف المثلى: بتعاريف اخر) و هذه التعاريف (اعم من التعريف المتقدم، او اخص) منه (فعن السرائر: انه ما تماثلت اجزائه، و تقاربت صفاته) فالحنطة كذلك بخلاف الجارية- مثلا- (و عن

ص: 83

الدروس و الروضة: انه: المتساوى الاجزاء و المنفعة، المتقارب الصفات، و عن المسالك و الكفاية: انه اقرب التعريفات الى السلامة، و عن غاية المراد: ما تساوى اجزائه فى الحقيقة النوعية، و عن بعض العامة: انه ما قدّر بالكيل او الوزن، و عن آخر منهم: زيادة جواز بيعه سلما، و عن ثالث منهم: زيادة جواز بيع بعضه ببعض

______________________________

الدروس و الروضة) تعريف المثلى ب (انه المتساوى الاجزاء و المنفعة، المتقارب الصفات) فان منفعة بعض اجزاء الحنطة مثل منفعة بعض اجزائها الاخر، و ليست منفعة هذه الجارية متساوية لمنفعة جارية اخرى (و عن المسالك و الكفاية: انه) اى التعريف السابق عن الدروس و الروضة (اقرب التعريفات الى السلامة) عن الاشكال بطرده، او عكسه (و عن غاية المراد: ما تساوى اجزائه فى الحقيقة النوعية) مقابل ما تختلف اجزائه فى الحقيقة النوعية فهذه الجارية تختلف عن الجارية الاخرى فى النوعية- بخلاف القسمين من الحنطة- و لا يخفى انه ليس مراده من النوع المنطقى، بل النوع العرفى (و عن بعض العامة: انه ما قدر بالكيل او الوزن) كالحنطة و اللبن (و عن آخر منهم) اى من العامة (زيادة:

جواز بيعه سلما) على التعريف المتقدم، و انما زاد ذلك، لان السلم لا يجوز الّا فى متقارب الصفات (و عن ثالث منهم) اى من العامة (زيادة:

جواز بيع بعضه ببعض) على التعريف المتقدم، و كان مراده بذلك ان معرفة البعض كافية فى معرفة بعضه الاخر لتساوى اجزائه، فيعطى: حقة من الحنطة، فى قبال حقة اخرى، و ان لم يشاهد الثانى، بخلاف القيميات

ص: 84

الى غير ذلك مما حكاه فى التذكرة عن العامة، ثم لا يخفى انه ليس للفظ المثلى حقيقة شرعية، و لا متشرعة، و ليس المراد معناه اللغوى، اذ المراد بالمثل، لغة المماثل.

فان اريد من جميع الجهات، فغير منعكس

و ان اريد من بعضها، فغير مطرد و ليس فى النصوص حكم يتعلق بهذا العنوان حتى يبحث عنه

______________________________

فانه لا يجوز بيع ما لم يشاهد، و لم يوصف و صفا رافعا للضرر منه اذا كان غير مشاهد (الى غير ذلك) من التعريفات (مما حكاه) العلامة (فى التذكرة عن العامة، ثم لا يخفى انه ليس للفظ المثلى حقيقة شرعية) بان يكون الشارع نقله من معناه اللغوى الى معنى آخر، (و لا متشرعة) بان يكون المتشرعة نقلوه الى معنى خاص (و ليس المراد) فى كلام الفقهاء (معناه اللغوى، اذ المراد بالمثل لغة المماثل) و هذا غير مراد للفقهاء.

(فان اريد) المماثل (من جميع الجهات فغير منعكس) اى غير جامع للافراد، فالفقهاء يذكرون- مثلا- ان الحنطة مثلى مع ان بعض الحنطة ليس مثلا- من جميع الجهات- لبعضها الآخر.

(و ان اريد) المماثل (من بعضها) اى بعض الجهات (فغير مطرد) اى غير مانع للاغيار، اذ الجارية- و هى ليست مثلية فى عرف الفقهاء- بعض افرادها تماثل بعضها الآخر فى بعض الجهات (و ليس فى النصوص حكم يتعلق بهذا العنوان) اى بعنوان ان: المثلى حكمه كذا، (حتى يبحث عنه) للزوم تنقيح موضوعات الاحكام

ص: 85

نعم وقع هذا العنوان فى معقد اجماعهم على ان المثلى يضمن بالمثل و غيره بالقيمة.

و من المعلوم انه لا يجوز الاتكال فى تعيين معقد الاجماع على قول بعض المجمعين مع مخالفة الباقين.

و حينئذ فينبغى ان يقال: كلما كان مثليا باتفاق المجمعين فلا اشكال فى ضمانه بالمثل، للاجماع

______________________________

(نعم وقع هذا العنوان فى معقد اجماعهم) و المراد بمعقد الاجماع اللفظ الّذي انصب كلماتهم عليه، مثلا كلهم قالوا: المثلى يضمن بالمثل، مقابل الاجماع الّذي لا معقد له، كما لو قال بعض: الحنطة تضمن بالمثل و آخر: الشعير يضمن بالمثل، و ثالث: الارز يضمن بالمثل، و هكذا حتى استنبطنا من كلامهم ان المراد بهذه الا مثلة المذكورة: المثلى، فمن كلامهم معقد فى المقام لانهم ذهبوا (على ان المثلى يضمن بالمثل و غيره بالقيمة، و) حينئذ فاللازم ان نفهم مرادهم من لفظ: المثلى، حتى نأخذ بذلك المراد فى مورد الاجماع.

و (من المعلوم انه لا يجوز الاتكال فى تعيين معقد الاجماع) عن لفظ: المثلى، فى المقام (على قول بعض المجمعين مع مخالفة الباقين) كما عرفت من اختلاف تفاسيرهم للمثلى اختلافا كثيرا.

(و حينئذ فينبغى ان يقال: كلما كان مثليا باتفاق المجمعين) اى قال كلهم بانه مثلى (فلا اشكال فى ضمانه بالمثل، للاجماع) على ذلك.

ص: 86

و يبقى ما كان مختلفا فيه بينهم كالذهب و الفضة غير المسكوكين، فان صريح الشيخ فى المبسوط: كونهما من القيميات، و ظاهر غيره كونهما مثليين، و كذا الحديد و النحاس و الرصاص، فان ظواهر عبائر المبسوط و الغنية، و السرائر: كونها قيمية، و عبارة التحرير صريحة فى: كون اصولها مثلية، و ان كان المصوغ منها قيميا، و قد صرح الشيخ فى المبسوط بكون الرطب، و العنب قيميا، و التمر و الزبيب مثليا، و قال فى محكى المختلف: ان فى الفرق اشكالا، بل صرح بعض من قارب عصرنا بكون الرطب و العنب مثليين.

______________________________

(و يبقى ما كان مختلفا فيه بينهم كالذهب و الفضة غير المسكوكين ف) انه مختلف فيه اذ: (ان صريح الشيخ فى المبسوط: كونهما ممن القيميات، و ظاهر غيره كونهما مثليين، و كذا) اختلفوا فى (الحديد و النحاس و الرصاص، فان ظواهر عبائر المبسوط، و الغنية، و السرائر كونها قيمية، و عبارة التحرير صريحة فى: كون اصولها) قبل طرو حالة الصب و التقليب (مثلية، و ان كان المصوغ منها قيميا، و) كذا اختلفوا فى بعض الثمار ف (قد صرّح الشيخ فى المبسوط بكون الرطب و العنب قيميا، و التمر و الزبيب مثليا، و قال فى محكى المختلف: ان فى الفرق اشكالا) اذ: الرطب كالتمر، و العنب كالزبيب، فما الفارق فى كون الاولين قيميا و الآخرين مثليا؟ (بل صرح بعض من قارب عصرنا: بكون الرطب و العنب مثليين) خلافا للشيخ

ص: 87

و قد حكى عن موضع من جامع المقاصد: ان الثوب مثلى و المشهور خلافه، و أيضا فقد مثلوا للمثلى بالحنطة و الشعير، و لم يعلم ان المراد، نوعهما او كل صنف، و ما المعيار فى الصنف؟ و كذا التمر

و الحاصل: ان موارد عدم تحقق الاجماع على المثلية فيها كثيرة فلا بد من ملاحظة ان الاصل الّذي يرجع إليه عند الشك، هو الضمان بالمثل او بالقيمة، او تخيير المالك، او الضامن بين المثل و القيمة، و لا يبعدان يقال: ان الاصل هو تخيير الضامن، لاصالة براءة

______________________________

(و قد حكى عن موضع من جامع المقاصد: ان الثوب مثلى و المشهور خلافه) و انه قيمىّ (و أيضا) هناك تأمل فيما اتفقوا فى كونه مثليا (فقد مثلوا للمثلى: بالحنطة و الشعير، و لم يعلم ان المراد نوعهما، او كل صنف) فعلى الاول: الكربلائية مثل للبغدادية، بخلاف الثانى، فانهما ليسا بمثلين (و) لو كان المراد الصنف ف (ما المعيار فى الصنف؟) هل البلد، كالكربلائية و البغدادية، او اللون كالسمراء الفاتح و السمراء الشديدة، او الطعم، او الحجم، او الديمية، او ما اشبه (و كذا التمر) هل المثلية فى نوعه او صنفه كالخستاوى، و البربن.

(و الحاصل: ان موارد عدم تحقق الاجماع على المثلية فيها) اى فى مسألة القيمة (كثيرة) و اذا وقع الشك (فلا بد من ملاحظة ان الاصل الّذي يرجع إليه عند الشك، هو الضمان بالمثل، او بالقيمة، او تخيير المالك) بين ان يأخذ المثل او القيمة (او الضامن بين) ان يعطى (المثل و القيمة، و لا يبعد ان يقال: ان الاصل هو تخيير الضامن، لاصالة براءة

ص: 88

ذمته عما زاد على ما يختاره.

فان فرض اجماع على خلافه، فالاصل تخيير المالك، لاصالة عدم براءة ذمته، بدفع ما لا يرضى به المالك.

مضافا الى: عموم على اليد ما اخذت حتى تؤدى، فان مقتضاه عدم ارتفاع الضمان بغير اداء العين، خرج ما اذا رضى المالك بشي ء آخر.

و الاقوى تخيير المالك من اوّل الامر، لاصالة الاشتغال

______________________________

ذمته عما زاد على ما يختاره).

فاذا اراد اعطاء المثل كان الاصل، و اذا اراد اعطاء القيمة كانت الاصل أيضا، فالواجب عليه هو القادر الجامع بين الامرين، و الاصل عدم وجوب الخصوصية الزائدة سواء كانت تلك الخصوصية مثلا، او قيمة

(فان فرض اجماع على خلافه) بان ثبت انه لا تخيير للضامن قطعا (فالاصل تخيير المالك) ان يأخذ المثل، او القيمة (لاصالة عدم براءة ذمته) اى الضامن (بدفع ما لا يرضى به المالك) فانه حق للمالك، فاذا لم يرض بشي ء كان حقه لم يصل إليه.

(مضافا الى: عموم على اليد ما اخذت حتى تؤدى) فانه يدل على تخيير المالك (فان مقتضاه عدم ارتفاع الضمان بغير اداء العين، خرج) من هذا العموم (ما اذا رضى المالك بشي ء آخر) مثلا كان، او قيمة، فاذا لم يرض كان مقتضى العموم بقاء الضمان على الضامن

(و الاقوى تخيير المالك من اوّل الامر) فلا تخيير للضامن اصلا، حتى يسقط بالاجماع، و نحوه (لاصالة الاشتغال) فان ذمة الضامن مشغولة

ص: 89

و التمسك باصالة البراءة لا يخلو من منع.

نعم يمكن ان يقال:- بعد عدم الدليل لترجيح احد الاقوال، و الاجماع على عدم تخيير المالك- التخيير فى الاداء من جهة دوران الامر بين المحذورين اعنى تعين المثل، بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة و لا للضامن الامتناع، و تعين القيمة كذلك، فلا متيقن فى البين

و لا يمكن البراءة اليقينية عند التشاح

______________________________

ما لم يرض المالك بما يريد: من المثل او القيمة.

(و) ان قلت: ان البراءة مقدمة على الاشتغال، لانا نشك فى تكليف الضامن بازيد من القدر الجامع بين المثل و القيمة.

قلت: (التمسك باصالة البراءة، لا يخلو من منع) لان المقام من المتباينين، لا: الاقل و الاكثر، و فى المتباينين، المرجع: الاشتغال، فانما علمنا بتكليف الضامن، و لم نعلم انه: المثل او القيمة، فاللازم الخروج عن هذا التكليف، و لا يتحقق الخروج القطعى الّا بارضاء المالك

(نعم يمكن ان يقال:- بعد عدم الدليل لترجيح احد الاقوال) المتقدمة (و الاجماع على عدم تخيير المالك-) يكون (التخيير) للضامن (فى الاداء، من جهة دوران الامر بين المحذورين اعنى: تعين) دفع (المثل بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة، و لا للضامن الامتناع و:) بين (تعين) دفع (القيمة كذلك) بحيث لا يكون للمالك مطالبة المثل، و لا للضامن الامتناع (فلا متيقن فى البين) حتى يؤخذ به (و لا يمكن البراءة اليقينية عند التشاح) و التنازع بين المالك و الضامن، اذا اراد كل منهما غير ما اراده

ص: 90

فهو من باب تخيير المجتهد فى الفتوى فتأمل.

هذا، و لكن يمكن ان يقال: ان القاعدة المستفادة من: اطلاقات الضمان فى المغصوبات، و الامانات المفرط فيها و غير ذلك هو الضمان بالمثل، لانه اقرب الى التالف من حيث المالية و الصفات، ثم بعده قيمة التالف من النقدين و شبههما، لانهما اقرب من حيث المالية، لان

______________________________

الآخر (فهو من باب تخيير المجتهد فى الفتوى) فيتخير الضامن، بين دفع المثل او القيمة (فتأمل) لعله اشارة الى: ان هذا التخيير العقلى متوقف على عدم دليل ترجيح احد الاقوال الاربعة، و عدم الدليل محل اشكال لان مقتضى القاعدة: ترجيح تخيير الضامن، لان المسألة من: الاقل و الاكثر، لا من المتباينين، كما تقدم تقريبه.

و لا يخفى ان نتيجة المبحثين، و ان كان تخيير الضمان، الا انه فى السابق من باب التخيير الشرعى، و هنا من باب التخيير العقلى

(هذا: و لكن يمكن ان يقال:) بضمان المثل فقط (ان القاعدة المستفادة من: اطلاقات الضمان فى) باب (المغصوبات، و الامانات المفرط فيها) مما يضمنها الغاصب، و الأمين (و غير ذلك) من سائر اقسام الضمان (هو: الضمان بالمثل، لانه) اى المثل (اقرب الى) الشي ء (التالف من حيث المالية، و الصفات) و ان لم يكن مساويا للتالف من جميع الجهات (ثم بعده) اى بعد المثل (قيمة التالف من النقدين) الذهب و الفضة (و شبههما) من النقود المتعارفة، و رقية كانت او فلزية، او ما اشبه (لانهما اقرب من حيث المالية) الى التالف (لان

ص: 91

ما عداهما يلاحظ مساواته للتالف بعد ارجاعه إليهما.

و لاجل الاتكال على هذا الظهور لا تكاد تظفر على مورد واحد من هذه الموارد- على كثرتها- قد نصّ الشارع فيه على ذكر المضمون به بل كلها، الّا ما شذ و ندر، قد اطلق فيها الضمان، فلو لا الاعتماد على ما هو المتعارف، لم يحسن من الشارع اهماله فى موارد البيان

فقد استدل فى المبسوط و الخلاف، على: ضمان المثلى بالمثل، و

______________________________

ما عداهما) من سائر الاجناس (يلاحظ مساواته للتالف بعد ارجاعه إليهما) فمثلا اذا تلف ثوب زيد، و اراد تعويضه بالسكر، قوم الثوب بدينار و اعطى بمقدار الدينار من السكر، و هكذا

(و لاجل الاتكال على هذا الظهور) اى ظهور: على اليد ما اخذت فى لزوم كون المعطى بدلا اقرب الى التالف، اما وصفا و قيمة، او قيمة فقط (لا تكاد تظفر على مورد واحد من هذه الموارد) اى موارد الضمانات و نحوها (- على كثرتها-) فى الاحاديث (قد نص الشارع فيه على ذكر المضمون به) اى المال الّذي يقع فى مقابل التالف (بل كلها، الّا ما شذ و ندر، قد اطلق فيها الضمان) مما يدل على: ان للضمان معنى عرفيا، اعتمد إليه الشارع بدون حاجة له الى مزيد البيان (فلو لا الاعتماد على ما هو المتعارف) فى فهم معنى الضمان (لم يحسن من الشارع اهماله فى موارد البيان) و الّذي يفهم العرف هو القيمة ان لم يتيسر المثل.

(فقد استدل فى المبسوط و الخلاف على: ضمان المثلى بالمثل، و

ص: 92

القيمى بالقيمة، بقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ» بتقريب: ان مماثل ما اعتدى، هو المثل فى المثلى، و القيمة فى غيره، و اختصاص الحكم بالمتلف عدوانا لا يقدح بعد عدم القول بالفصل.

و ربما يناقش فى الآية، بان مدلولها: اعتبار المماثلة فى مقدار الاعتداء، لا المعتدى به.

______________________________

القيمى بالقيمة، بقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ: مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ».) بعد فهم الاطلاقات، و انه يشمل الاعتداءات الجسمية و المالية، و فهم ان: الاعتداء عليكم، اعم من ما يصدق عليه الاعتداء عرفا، كالغصب او لا كالقرض، اما بالمناط، او بالفهم العرفى، من جهة كون المذكور من باب المثال، و على كل فالاستدلال بالآية (بتقريب ان مماثل ما اعتدى هو المثل فى المثلى، و القيمة فى غيره، و) قد عرفت ان (اختصاص الحكم) فى الآية (بالمتلف عدوانا) حتى يصدق الاعتداء (لا يقدح) فى تعميمنا الكلام للتعرض و نحوه (بعد عدم القول بالفصل) فى وجوب المثل فى المثلى، و القيمة فى القيمى، بين المتلف عدوانا، او بغير عدوان.

(و ربما يناقش فى) دلالة (الآية) على ما ذكره الشيخ (بان مدلولها اعتبار المماثلة فى مقدار الاعتداء لا المعتمدى به) اى تدل على الكمية، لا الكيفية، فاذا اضرّ بك بمقدار دينار جاز التقابل بمقدار دينار، و لا دلالة على المتقابل بكيفية المعتدى به، كما لو كان اضرارا بسلب: الملح

ص: 93

و فيه نظر

نعم الانصاف عدم وفاء الآية كالدليل السابق عليه بالقول المشهور لان مقتضاهما وجوب المماثلة العرفية فى الحقيقة و المالية، و هذا يقتضي اعتبار المثل حتى فى القيميات، سواء وجد المثل فيها، أم لا اما مع وجود المثل فيها، كما لو اتلف دراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا متساوية من جميع الجهات، فان مقتضى العرف، و الآية: الزام الضامن بتحصيل ذراع آخر من ذلك و لو باضعاف

______________________________

كان لك اخذ: الملح، و هكذا (و فيه نظر) اذ: ظاهر الآية اعتبار المماثلة من جميع الجهات.

(نعم الانصاف عدم وفاء الآية كالدليل السابق عليه) و هو اطلاق ادلة الضمان اتكالا على الفهم العرفى (بالقول المشهور) و هو المثل فى المثلى، و القيمة فى القيمى (لان مقتضاهما وجوب المماثلة العرفية فى الحقيقة) بان تكون حقيقة التالف، و البدل واحدة (و المالية) بان يكونا متساويين أيضا من حيث المالية (و هذا) المعنى (يقتضي اعتبار المثل حتى فى القيميات سواء وجد المثل فيها، أم لا)

و حيث هذا ليس بمراد قطعا، لزم ان نقول: بعدم الدلالة فى الآية و الدليل السابق على كلام المشهور (اما مع وجود المثل فيها) اى فى القيميات (كما لو اتلف ذراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا متساوية من جميع الجهات) مع ان باقى الكرباس موجود فى الخارج (فان مقتضى العرف و الآية الزام الضامن بتحصيل ذراع اخر من ذلك) الكرباس (و لو باضعاف

ص: 94

قيمته، و دفعه الى مالك الذراع المتلف، مع ان القائل بقيمية الثوب لا يقول به.

و كذا لو اتلف عليه عبدا، و له فى ذمة المالك بسبب القرض، او السلم عبد موصوف بصفات التالف، فانهم لا يحكمون بالتهاتر القهرى كما يشهد به ملاحظة كلماتهم: فى بيع عبد من عبدين.

نعم ذهب جماعة، منهم: الشهيدان فى الدروس، و المسالك

______________________________

قيمته، و دفعه الى مالك الذراع المتلف) لانه مثله حقيقة، و قيمة.

(مع ان القائل بقيمية الثوب لا يقول به) لانهم يقولون بوجوب القيمة فى القيميات و ان وجد المثل.

(و كذا لو اتلف عليه عبدا و له فى ذمة المالك بسبب القرض او السلم) بان اقترض مالك العبد التالف من المتلف- سابقا- عبدا، او اشترى منه سلعة فى مقابل (عبد موصوف بصفات التالف، فانهم لا يحكمون بالتهاتر القهرى)

مع ان مقتضى الآية، و العرف، التهاتر القهرى للمماثلة بين العبدين حقيقة، و قيمة (كما يشهد به) اى بعدم حكمهم بالتهاتر القهرى (ملاحظة كلماتهم فى بيع عبد من عبدين).

لكن ربما يقال ان الظاهر من كلماتهم ما هو المتعارف من عدم تساوى العبدين من جميع الجهات، و كذلك عدم تساوى الاقمشة فى الزمان السابق الّذي كان بالنسج اليدوى.

(نعم ذهب جماعة منهم: الشهيدان فى الدروس، و المسالك

ص: 95

الى جواز رد العين المقترضة، اذا كانت قيمية، لكن لعله من جهة صدق اداء القرض باداء العين، لا من جهة ضمان القيمى بالمثل، و لذا اتفقوا على عدم وجوب قبول غيرها، و إن كان مماثلا لها من جميع الجهات، و اما مع عدم وجود المثل للقيمى التالف، فمقتضى الدليلين عدم سقوط المثل من الذمة بالتعذر، كما لو تعذر المثل فى المثلى، فيضمن بقيمته يوم الدفع كالمثلى

______________________________

الى جواز رد العين المقترضة، اذا كانت قيمية) و هذا يدل على تقديمهم المثل فى القيمى، اذا وجد المثل له (لكن) لا يمكن ان يعتمد على هذه الفتوى فى جواز ان المثل فى القيمى جائز و (لعله) افتى الشهيدان بذلك لا من جهة اعطاء المثل مكان القيمى، بل (من جهة صدق اداء القرض باداء العين) اى اداء عينه التى اقترضها من المالك (لا من جهة ضمان القيمى بالمثل، و لذا) الّذي ذكرنا من ان القيمى انما يعطى القيمة بدلا له، لا المثل، و إن كان المثل يماثله من جميع الجهات (اتفقوا على عدم وجوب قبول غيرها) اى غير القيمة (و إن كان) ذلك العين (مماثلا لها) اى للقيمى (من جميع الجهات)

هذا مع وجود المثل للقيمى (و اما مع عدم وجود المثل للقيمى التالف) كما هو الغالب (فمقتضى الدليلين) السابقين: على اليد ما اخذت، المستفاد منه عرفا المثل، و آية: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ (عدم سقوط المثل من الذمة بالتعذر) بل المثل فى الذمة حتى اذا أراد اعطائه ابد له بالثمن فى نفس وقت الاعطاء (كما لو تعذر المثل فى المثلى فيضمن بقيمته يوم الدفع) لا يوم التلف (كالمثلى) الّذي هو كذلك مضمون بقيمة

ص: 96

و لا يقولون به، و أيضا فلو فرض نقصان المثل عن التالف، من حيث القيمة نقصانا فاحشا، فمقتضى ذلك عدم وجوب الزام المالك بالمثل لاقتضائها اعتبار المماثلة فى الحقيقة و المالية.

مع ان المشهور- كما يظهر من بعض- الزامه به، و ان قوى خلافه بعض

______________________________

يوم الدفع لو تعذر المثل (و) الحال انهم (لا يقولون به) اذ بنائهم على الانتقال الى القيمة بمجرد التلف (و أيضا) يرد على استفادة المثل فى المثلى، و القيمة فى القيمى، من آية: الاعتداء، و اطلاق: دليل الضمان، اشكال آخر- و هذا عطف على قوله: نعم الانصاف- (فلو فرض نقصان المثل عن التالف، من حيث القيمة، نقصانا فاحشا) بان كان التالف من الحنطة يسوى الف دينار، ثم رخصت فصارت مائة دينار (فمقتضى ذلك) الّذي تقدم من: اعتبار المماثلة جنسا و قيمة- لانه المثل حقيقة- (عدم وجوب الزام) المتلف (المالك بالمثل) بل للمالك الحق فى ان يأخذ المثل باعتبار المماثلة فى الجنس، او يأخذ القيمة للمماثلة فى القيمة (لاقتضائها) علة عدم وجوب- و الضمير عائد الى الآية، او: لاقتضائهما، فالضمير عائد الى الآية و العرف، (اعتبار المماثلة فى الحقيقة) اى الجنس (و المالية) فاذا لم يجتمعا جاز للمالك اختيار احدهما، فلا يحق للمتلف جبره بالمثل.

(مع ان المشهور- كما يظهر من بعض- الزامه به) اى بالمثل، و ان كان انقص مالا، نقصانا فاحشا (و ان قوى خلافه) اى خلاف ذلك بان يكون للمالك حق اخذ القيمة (بعض) الفقهاء.

ص: 97

بل ربما احتمل جواز دفع المثل، و لو سقط من القيمة بالكلية، و ان كان الحق خلافه.

فتبين ان النسبة بين مذهب المشهور، و مقتضى العرف و الآية عموم من وجه، فقد يضمن بالمثل بمقتضى الدليلين، و لا يضمن به عند المشهور، كما فى المثالين المتقدمين

______________________________

(بل ربما احتمل جواز دفع المثل، و لو سقط من القيمة بالكلية) كالجمد فى الشتاء، و الورقة النقدية الساقطة عن الاعتبار (و ان كان الحق خلافه) و انه حين السقوط عن القيمة لا يكفى فى كونه اداء للدين، و رفعا للضمان، لعدم صدق: حتى تؤدى، عليه فانه ليس اداء لما اخذه- عرفا-

(فتبين ان النسبة بين مذهب المشهور) القائلين: بالمثل فى المثلى و القيمة فى القيمى (و مقتضى العرف) الّذي استفاده من اطلاقات ادلة الضمان (و الآية) اى قوله سبحانه: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، (عموم من وجه)

فكيف يمكن ان يجعل العرف و الآية، دليلا على مذهب المشهور (فقد يضمن بالمثل بمقتضى الدليلين) العرف و الآية (و لا يضمن به عند المشهور) اى المشهور لا يقولون: بضمانه بمثله (كما فى المثالين المتقدمين) اى مثال الكرباس، و مثال: اتلف له عبدا، و له فى ذمة المالك عبد مثله فان فى المثالين حسب العرف و الآية، يلزم ان نقول بانه ضامن لمثله، مع ان المشهور لا يقولون بالمثل، و انما بالقيمة.

ص: 98

و قد ينعكس الحكم كما فى المثال الثالث.

و قد يجتمعان فى المضمون به، كما فى اكثر الامثلة.

ثم ان الاجماع على ضمان القيمى بالقيمة- على تقدير تحققه- لا يجدى بالنسبة الى ما لم يجمعوا على كونه قيميا، ففى موارد الشك يجب الرجوع الى المثل، بمقتضى الدليل السابق

______________________________

(و قد ينعكس الحكم) بان يضمن بالمثل، و الحال ان مفاد الدليلين عدم الضمان بالمثل (كما فى المثال الثالث) و هو ما اذا نقصت قيمة المثل نقصانا فاحشا، او سقط عن القيمة اصلا- على قول بعض- فانه لا يضمن بالمثل حسب الآية و العرف، لان الباقى ليس مثل التالف- اذ العرف و الآية حسب ظاهرها، تعتبر المالية و الجنسية، و هذا ليس بمثل التالف قيمة- مع ان المشهور يقولون بانه ضامن بمثله، و إن كان انقص قيمة.

(و قد يجتمعان) اى المشهور، و الآية، و العرف (فى المضمون به) اى ما يضمنه الضامن (كما فى اكثر الامثلة) كما لو اتلف الحنطة و كانت قيمتها وقت الاداء مساوية لقيمتها وقت التلف، فان المشهور يقولون: بوجوب اعطاء المثل، و كذلك هو مفاد الآية و العرف

(ثم ان الاجماع على ضمان القيمى بالقيمة- على تقدير تحققه-) اى تحقق الاجماع (لا يجدى بالنسبة الى ما لم يجمعوا على كونه قيميا) بان اختلفوا فى انه هل هو قيمى او مثلى- كما عرفت فى بعض الامثلة السابقة- (ففى موارد الشك) فى انه مثلى، او قيمى (يجب الرجوع الى المثل، بمقتضى الدليل السابق) و هو اطلاق ادلة الضمان الظاهر، فى المثل- بمعونة فهم

ص: 99

و عموم الآية، بناء على ما هو الحق المحقق من ان: العام المخصص بالمجمل مفهوما، المتردد بين الاقل و الاكثر، لا يخرج عن الحجية بالنسبة الى موارد الشك.

فحاصل الكلام: ان ما اجمع على كونه مثليا، يضمن

______________________________

العرف- (و) بمقتضى (عموم الآية) اى قوله سبحانه: بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ، اذ الظاهر منها: المثل، الا ما خرج بالدليل.

فان قلت: كيف يتمسك بالعموم فى الشبهة المصداقية، اذ نشك فى ان: الشي ء الفلانى، مثلى أم لا؟، فكيف يقال: بوجوب اعطاء المثل بدليل آية: بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ.

قلت: هذا (بناء على ما هو الحق المحقق) فى الاصول (من ان العام المخصص بالمجمل مفهوما، المتردد) ذلك المجمل (بين الاقل و الاكثر) لا بين المتباينين (لا يخرج عن الحجية بالنسبة الى موارد الشك) مثلا لو قال: اكرم العلماء، ثم قال: لا تكرم الفساق، و كان لفظ الفاسق: مجملا مفهوما و انه هل المراد به مرتكب الكبيرة فقط، او الاعم من مرتكب الكبيرة و الصغيرة، فان حجية العام بالنسبة الى مرتكب الصغيرة باقية لان مرتكب الصغيرة داخل فى العام و لم يعلم بخروجه منه، و المقام هكذا، الا أن:

المثل، عام شامل للمثلى و القيمى، خرج منه: القيمى، فاذا شك فى شي ء انه قيمى أم لا كان اللازم التمسك بعموم الآية.

(فحاصل الكلام) فى باب الضمان (ان ما اجمع على كونه مثليا يضمن

ص: 100

بالمثل مع مراعاة الصفات التى يختلف بها الرغبات، و ان فرض نقصان قيمته فى زمان الدفع، او مكانه عن قيمة التالف، بناء على تحقق الاجماع على اهمال هذا التفاوت.

مضافا الى الخبر الوارد: فى ان اللازم على من عليه دراهم الثابت فى ذمة من اقترض دراهم، و اسقطها السلطان، و روج غيرها، هى الدراهم الاولى

و ما اجمع على كونه قيميا يضمن بالقيمة، بناء على ما سيجي ء

______________________________

بالمثل) فيما اذا اتلفه متلف، او نحو ذلك (مع مراعات الصفات التى يختلف بها الرغبات) فى باب الامثال، مثلا اذا كانت صفة الكربلائية و البغدادية فى الحنطة تختلف بها الرغبات، كان اللازم ضمان الكربلائية بالكربلائية و البغدادية بالبغدادية و هكذا (و ان فرض نقصان قيمته) اى قيمة المثل (فى زمان الدفع، او مكانه عن قيمة التالف) كما لو كانت قيمة التالف عشرة، و قيمة المثل خمسة مثلا (بناء على تحقق الاجماع على اهمال هذا التفاوت) فان الفقهاء اجمعوا على انه لا اعتبار بالتفاوت القيمى فى الامثال فالمثل مضمون بمثله سواء كان اكثر قيمة، او اقل، او مساويا،

و (مضافا الى) الاجماع، يدل على اهمال التفاوت (الخبر الوارد فى ان اللازم على من عليه دراهم الثابت فى ذمة من اقترض دراهم، و اسقطها السلطان، و روّج غيرها، هى الدراهم الاولى) مع وضوح ان الدراهم الاولى باسقاط السلطان لها تقل قيمتها، فان للسكة و اعتبار السلطان قسطا من المالية كما لا يخفى.

(و ما اجمع على كونه قيميا يضمن بالقيمة) لا المثل (بناء على ما سيجي ء)

ص: 101

من الاتفاق على ذلك، و ان وجد مثله، او كان مثله فى ذمة المالك

و ما شك فى كونه قيميا، او مثليا، يلحق بالمثلى، مع عدم اختلاف قيمتى المدفوع، و التالف، مع الاختلاف، الحق بالقيمى، فتأمل.

«الخامس»: ذكر فى القواعد: انه لو لم يوجد المثل الّا بأكثر من ثمن المثل

______________________________

فى الامر السابع (من الاتفاق على ذلك) اى ضمانه بالقيمة (و ان وجد مثله) كالكرباس فى المثال المتقدم (او كان مثله فى ذمة المالك) بان اتلف زيد مترا من كرباس عمرو، و كان لزيد فى ذمة عمرو كرباسا مثله، فانه لا يتهاتر المتران تهاترا قهريا، كما فى المثلى الّذي نقول بالتهاتر فيه (و ما شك فى كونه قيميا، او مثليا يلحق بالمثلى) لما عرفت من قاعدة التمسك بالعام فى مورد الشك فى دخول شي ء فى المخصص (مع عدم اختلاف قيمتى المدفوع و التالف) كما لو شك فى ان الرطب مثلى، او قيمى، لاختلاف الفقهاء فيه فانه مع عدم الاختلاف فى القيمة يقال انه مثلى، و (مع الاختلاف)- بان كان التالف عشرة و المدفوع خمسة- (الحق بالقيمى) فيدفع قيمته لا مثله، اذ قد عرفت ان العرف يرى المماثلة فى الجنس و القيمة، فاذا اختلفا كان المعيار القيمة، لان القصد الاول للناس الماليات، لا الشكيات (فتأمل) اذ مع الاختلاف أيضا يجب ان يلحق بالمثلى لما عرفت من: قاعدة التمسك بالعام فى المشكوك خروجه.

( «الخامس») من فروع ما ابتاعه بالعقد الفاسد (ذكر فى القواعد انه لو لم يوجد المثل الا باكثر من ثمن المثل) مثلا: اتلف حقة من الحنطة و

ص: 102

ففى وجوب الشراء تردد انتهى.

اقول: كثرة الثمن ان كانت لزيادة القيمة السوقية للمثل بان صارت قيمته اضعاف قيمة التالف يوم تلفه، فالظاهر انه: لا اشكال فى وجوب الشراء، و لا خلاف، كما صرح به فى الخلاف حيث قال: اذا غصب ماله مثل، كالحبوب «كاللحوم خ ل» و الادهان، فعليه مثل ما تلف فى يده، يشتريه باىّ ثمن كان، بلا خلاف، و فى المبسوط: يشتريه باى ثمن كان اجماعا انتهى، و وجهه: عموم النص و الفتوى بوجوب المثل فى المثلى

______________________________

قيمتها المتعارفة الآن خمسة دراهم، لكنها لم يوجد الآن بعشرة دراهم (ففى وجوب الشراء تردد انتهى) و كأنه لقاعدة: الضمان، المقتضية للشراء، و لقاعدة: لا ضرر، خصوصا فيما اذا لم يكن التلف بمثل الغصب و نحوه

(اقول: كثرة الثمن إن كانت لزيادة القيمة السوقية للمثل بان صارت قيمته اضعاف قيمة التالف يوم تلفه، فالظاهر انه: لا اشكال فى وجوب الشراء، و لا خلاف) بين الفقهاء فى ذلك (كما صرح به فى الخلاف، حيث قال: اذا غصب ماله مثل، كالحبوب و الادهان، فعليه مثل ما تلف فى يده يشتريه باى ثمن كان، بلا خلاف) انتهى كلام الشيخ (و فى المبسوط:

يشتريه باى ثمن كان اجماعا انتهى) كلامه (و وجهه: عموم النص) و هو:

على اليد ما اخذت (و الفتوى: بوجوب المثل فى المثلى) و عموم الفتوى مؤيد اذ يظهر منه فهم الفقهاء من الادلة، ففهمهم دليل انّى للحكم اذ:

مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلّٰا بِلِسٰانِ قَوْمِهِ.

ص: 103

و يؤيده: فحوى حكمهم بان تنزل قيمة المثل حين الدفع عن يوم التلف لا يوجب الانتقال الى القيمة، بل ربما احتمل بعضهم ذلك، مع سقوط المثل فى زمان الدفع عن المالية كالماء على الشاطئ، و الثلج فى الشتاء.

و اما ان كان لاجل تعذر المثل، و عدم وجدانه الّا عند من يعطيه بازيد مما يرغب فيه الناس، مع وصف الاعواز بحيث يعدّ بذل ما يريد مالكه بإزائه ضررا

______________________________

(و يؤيده) وجوب الشراء و لو باضعاف القيمة (فحوى) و المفهوم من (حكمهم بان تنزل قيمة المثل حين الدفع عن يوم التلف، لا يوجب الانتقال الى القيمة) مثلا كانت الحنطة عشرة، فصارت خمسة.

و وجه الفحوى انه اذا كان المعيار المثل، فى حال التنزل كان المثل معيارا فى حال الترقى، و الّا لم يصح المثل فى حال التنزل أيضا (بل ربما احتمل بعضهم ذلك) المثل (مع سقوط المثل فى زمان الدفع عن المالية كالماء على الشاطئ و الثلج فى الشتاء)

لكن ربما يقال: بان هذا ليس بمثل، فلا يصدق عليه: ما اخذت، و قد تقدم فى الامر السابق الاشارة إليه.

(و اما إن كان) غلاء المثل (لاجل تعذر المثل و عدم وجدانه الا عند من يعطيه بازيد مما يرغب فيه الناس) فمثلا الناس يرغبون فى الصيف فى الثلج بقيمة درهم، و الّذي عنده يعطيه بدينار (مع وصف الاعواز) و العدم فى الخارج (بحيث يعد بذل ما يريد مالكه) من القيمة (بإزائه ضررا

ص: 104

عرفا و الظاهر: ان هذا هو المراد بعبارة القواعد، لان الثمن فى الصورة الاولى ليس بازيد من ثمن المثل، بل هو ثمن المثل، و انما زاد على ثمن التالف يوم التلف، و حينئذ فيمكن التردد فى الصورة الثانية، كما قيل:

من ان الموجود باكثر من ثمن المثل كالمعدوم كالرقبة فى الكفارة و الهدى و انه يمكن معاندة البائع، و طلب اضعاف القيمة، و هو ضرر

______________________________

عرفا) و يأتى جواب: اما، عند قوله: فحينئذ، اما قوله: و الظاهر، الخ فى الجملة معترضة (و الظاهر ان هذا) المعنى و هو زيادة القيمة لاجل تعذر المثل فى مقابل زيادة القيمة السوقية (هو المراد بعبارة القواعد) المذكورة فى اوّل: الخامس، (لان الثمن فى الصورة الاولى) و هى صورة زيادة القيمة السوقية (ليس بازيد من ثمن المثل، بل هو ثمن المثل و انما زاد) ثمن المثل (على ثمن التالف يوم التلف) فقول القواعد، و الا باكثر من ثمن: المثل، لا ينطبق على الصورة الاولى و انما ينطبق على الصورة الثانية (و حينئذ) اى حين كان الزيادة لاجل التعذر (فيمكن التردد فى الصورة الثانية) و هو صورة الزيادة لاجل التعذر (كما قيل من ان الموجود باكثر من ثمن المثل كالمعدوم، كالرقبة فى الكفارة و الهدى) فانه فى صورة العدم او صورة كونها اكثر الملحق بالمعدوم تنتقل الكفارة الى المرتبة الثانية- فيما لو كانت الكفارة مرتبة- و كذلك الهدى فى باب الحج لو كان معدوما او ملحقا بالمعدوم انتقل التكليف الى الصيام الّذي هو بدل الهدى (و انه يمكن معاندة البائع) للمثل (و طلب اضعاف القيمة، و هو ضرر) على المكلف بالمثل، و لا ضرر فى الاسلام، و هذان الوجهان اى: من ان الموجود

ص: 105

و لكن الاقوى مع ذلك وجوب الشراء وفاقا للتحرير كما عن الايضاح، و الدروس، و جامع المقاصد، بل اطلاق السرائر و نفى الخلاف المتقدم عن الخلاف، لعين ما ذكر فى الصورة الاولى ثم انه لا فرق فى جواز مطالبة المالك بالمثل بين كونه فى مكان التلف، او غيره و لا بين كون قيمته فى مكان المطالبة ازيد من قيمته فى مكان التلف أم لا؟ وفاقا لظاهر المحكى عن السرائر و التذكرة، و الايضاح و الدروس، و جامع لمقاصد، و فى السرائر انه الّذي يقتضيه عدل الاسلام

______________________________

و: انه يمكن، كلاهما وجه الانتقال الى القيمة، اما وجه عدم الانتقال فهو ما ذكره بقوله:

(و لكن الاقوى مع ذلك وجوب الشراء) للمثل و لو بالازيد (وفاقا للتحرير كما عن الايضاح، و الدروس، و جامع المقاصد، بل اطلاق السرائر) يشمله أيضا (و نفى الخلاف المتقدم عن الخلاف) أيضا يشمل ما نحن فيه من صورة زيادة القيمة، و انه يجب اعطاء المثل و إن كان ضررا للمشترى (لعين ما ذكر فى الصورة الاولى) اى صورة زيادة القيمة السوقية، اى عموم النص و الفتوى بلزوم دفع المثل فى المثلى.

(ثم انه لا فرق فى جواز مطالبة المالك) الضامن (بالمثل بين كونه فى مكان التلف، او غيره) لاطلاق الادلة (و لا بين كون قيمته فى مكان المطالبة ازيد من قيمته فى مكان التلف، أم لا؟) كما لو اتلفه فى كربلاء، و طلب منه فى بغداد، و كانت قيمته فى بغداد ضعف قيمته فى كربلاء (وفاقا لظاهر المحكى عن السرائر و التذكرة، و الايضاح، و الدروس، و جامع المقاصد و فى السرائر انه) اى حق المطالبة مطلقا (الّذي يقتضيه عدل الاسلام

ص: 106

و الادلة، و اصول المذهب، و هو كذلك لعموم: الناس مسلطون على اموالهم، هذا مع وجود المثل فى بلد المطالبة، و اما مع تعذره فسيأتى حكمه فى المسألة السادسة

«السادس»: لو تعذر المثل فى المثلى، فمقتضى القاعدة: وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك،
اشارة

لان منع المالك ظلم، و الزام الضامن بالمثل منفى بالتعذر فوجب القيمة جمعا بين الحقين

______________________________

و الادلة، و اصول المذهب) فان العدل يقتضي تسليط المالك على الضامن مطلقا، و الادلة مثل: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، و اصول المذهب الواردة عن الائمة الطاهرين مما دل على اطلاق الضمان مثل: على اليد، (و هو كذلك) له الحق فى المطالبة مطلقا (لعموم: الناس مسلطون على اموالهم) فان السلطة المطلقة قاضية بجواز الاستيلاء عليه فى كل مكان، و بكل صورة، صورة الزيادة و عدم الزيادة (هذا مع وجود المثل فى بلد المطالبة و اما مع تعذره) فى بلد المطالبة (فسيأتى حكمه فى المسألة السادسة) إن شاء الله تعالى

( «السادس» لو تعذر المثل فى المثلى، فمقتضى القاعدة: وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك) اما مع عدم المطالبة، فلا اشكال فى جواز بقاء الضمان، و هل يجب للمالك اخذ القيمة لو اراد الضامن افراغ ذمته أم لا؟

احتمالان (لان منع المالك) حتى يجد المثل و لو بعد سنوات (ظلم، و الزام الضامن: بالمثل منفى بالتعذر) لأن التكليف بالممتنع محال، و إن كان الشخص، هو الّذي سبب هذا الامتناع (فوجب القيمة، جمعا بين الحقين) حق المالك و حق الغاصب.

ص: 107

مضافا الى قوله تعالى: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، فان الضامن اذا الزم بالقيمة مع تعذر المثل، لم يعتد عليه ازيد مما اعتدى و اما مع عدم مطالبة المالك فلا دليل على الزامه بقبول القيمة لأن المتيقن ان دفع القيمة علاج لمطالبة المالك و جمع بين حق المالك بتسليطه على المطالبة، و حق الضامن بعدم تكليفه بالمعذور، او المعسور اما مع عدم المطالبة فلا دليل على سقوط حقه عن المثل.

و ما ذكرنا يظهر من المحكى عن التذكرة و الايضاح حيث ذكرا فى رد

______________________________

(مضافا الى قوله تعالى: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، فان الضامن اذا الزم بالقيمة مع تعذر المثل، لم يعتد عليه ازيد مما اعتدى) بل هو بمثل اعتدائه.

هذا مع مطالبة المالك (و اما مع عدم مطالبة المالك) للقيمة فى صورة تعذر المثل (فلا دليل على الزامه بقبول القيمة) ان اراد الضامن ابراء ذمته (لان المتيقن ان دفع القيمة علاج لمطالبة المالك) فى صورة تعذر المثل (و جمع بين حق المالك بتسليطه) الشارع (على المطالبة، و حق الضامن) الّذي لا يجد المثل (بعدم تكليفه بالمعذور، او المعسور) لعموم ادلة:

رفع العسر (اما مع عدم المطالبة) اى مطالبة المالك (فلا دليل) على الزامه باخذ القيمة و (على سقوط حقه عن المثل) الّذي هو الواجب الاولى على الضامن.

(و ما ذكرنا) من عدم الزام المالك باخذ القيمة فى صورة تعذر المثل (يظهر من المحكى عن: التذكرة، و الايضاح حيث ذكرا فى ردّ

ص: 108

بعض الاحتمالات الآتية- فى حكم تعذر المثل- ما لفظه أن المثل لا يسقط بالاعواز، الا ترى ان المغصوب منه لو صبر الى زمان وجدان المثل ملك المطالبة به و انما المصير الى القيمة وقت تغريمها، انتهى، لكن اطلق كثير منهم الحكم بالقيمة عند تعذر المثل، و لعلهم يريدون صورة المطالبة و الا فلا دليل على الاطلاق.

و يؤيد ما ذكرنا أن المحكى عن الاكثر- فى باب القرض- ان المعتبر فى المثل المتعذر قيمته يوم المطالبة.

______________________________

بعض الاحتمالات الآتية- فى حكم تعذر المثل- ما لفظه) الدال على عدم الالزام فى صورة التعذر (ان المثل لا يسقط بالاعواز، الا ترى أنّ المغصوب منه لو صبر الى زمان وجد ان المثل ملك المطالبة به) و لو كان المثل يسقط بالاعواز، لم يكن وجه لمطالبة المالك بالمثل، زمان وجوده بعد أن فقد، لانه تبدل الى القيمة (و انما المصير الى القيمة وقت تغريمها) اى إرادة المالك اخذ القيمة من الضامن (انتهى، لكن اطلق كثير منهم الحكم بالقيمة عند تعذر المثل) بدون فرق بين المطالبة و عدمها (و لعلهم يريدون صورة المطالبة) من المالك عن الضامن (و الّا فلا دليل على الاطلاق) المذكور اى لصورة عدم المطالبة أيضا.

(و يؤيد ما ذكرنا) من اختصاص القيمة بصورة المطالبة (ان المحكى عن الاكثر- فى باب القرض- ان المعتبر فى المثل المتعذر قيمته يوم المطالبة) فالتحول الى القيمة انما هو لدى المطالبة، و لو كان التحول

ص: 109

نعم: عبر بعضهم بيوم الدفع، فليتأمل.

و كيف كان: فلنرجع الى حكم المسألة، فنقول: ان المشهور انّ العبرة فى قيمة المثل المتعذر بقيمته يوم الدفع، لان المثل، ثابت فى الذمة الى ذلك الزمان، و لا دليل على سقوطه بتعذره كما لا يسقط الدين بتعذر ادائه و قد صرح بما ذكرنا المحقق الثانى، و قد عرفت من التذكرة، و الايضاح: ما يدل عليه و يحتمل اعتبار وقت تعذر المثل، و هو للحلى، فى البيع الفاسد، و للتحرير فى باب

______________________________

عند التعذر لكان اللازم ان يقولوا: قيمة يوم التعذر.

(نعم: عبر بعضهم بيوم الدفع) الظاهر فى صحة اعطاء القيمة يوم يريد المقترض الدفع، لا يوم المطالبة (فليتأمل) اذ من الممكن ان يكون مراده بيوم الدفع، هو يوم المطالبة.

(و كيف كان: فلنرجع الى حكم المسألة) فيما لو تعذر المثل فى المثلى (فنقول: ان المشهور انّ العبرة فى قيمة المثل المتعذر) ذلك المثل (بقيمته يوم الدفع) بقيمة، متعلق: بالعبرة، (لان المثل، ثابت فى الذمة الى ذلك الزمان) الّذي هو زمان الدفع (و لا دليل على سقوطه) اى سقوط المثل (بتعذره) اى فيما لو تعذر المثل (كما لا يسقط الدين بتعذر ادائه) اذ لا وجه للسقوط مع امكان ادائه بعدا (و قد صرح بما ذكرنا) من عدم السقوط بالتعذر (المحقق الثانى، و قد عرفت من التذكرة، و الايضاح:

ما يدل عليه) و ان العبرة بيوم الدفع (و يحتمل اعتبار وقت تعذر المثل و هو) اى هذا الاحتمال (للحلى، فى البيع الفاسد، و للتحرير فى باب

ص: 110

القرض، و محكى عن المسالك، لانه وقت الانتقال الى القيمة

و يضعفه: انه ان اريد بالانتقال انقلاب ما فى الذمة الى القيمة فى ذلك الوقت، فلا دليل عليه، و ان: اريد عدم وجوب اسقاط ما فى الذمة الا بالقيمة فوجوب الاسقاط بها و ان حدث يوم التعذر مع المطالبة الا انه لو اخر الاسقاط بقى المثل فى الذمة الى تحقق الاسقاط، و اسقاطه فى كل زمان باداء قيمته فى ذلك الزمان، و ليس فى الزمان الثانى مكلفا بما

______________________________

القرض، و محكى عن المسالك) أيضا (لانه) اى وقت تعذر المثل (وقت الانتقال الى القيمة) اذ المتعذر لا يعقل ان يكلف به، و السقوط لا وجه له، فلا يبقى الا القيمة.

(و يضعفه: انه ان اريد بالانتقال انقلاب ما فى الذمة الى القيمة فى ذلك الوقت، فلا دليل عليه) اذ الانقلاب خلاف الاصل، و لا يكون الا بقلب المالك بمعاوضة و نحوها، او قلب الشارع، و الاول لم يكن، و الثانى لا دليل عليه (و ان: اريد عدم وجوب اسقاط ما فى الذمة الا بالقيمة) يعنى ان الواجب اسقاط الضامن لما فى ذمته، بدفع قيمته الشي ء الى المالك (فوجوب الاسقاط بها) اى بالقيمة (و ان حدث يوم التعذر مع المطالبة) لان المالك اذا طالب، و لم يمكن المثل وجب ابقاء حقه باعطاء القيمة (الا انه لو اخر الاسقاط) عصيانا، كما لو لم يعطه مع المطالبة او من دون عصيان (بقى المثل فى الذمة الى تحقق الاسقاط، و) من المعلوم ان (اسقاطه فى كل زمان) انما هو (باداء قيمته فى ذلك الزمان) سواء كانت القيمة فى ذلك الزمان اقل، او اكثر (و ليس فى الزمان الثانى مكلفا بما

ص: 111

صدق عليه الاسقاط فى الزمان الاول.

هذا و لكن لو استندنا فى لزوم القيمة فى المسألة الى ما تقدم سابقا من الآية و من: ان المتبادر من اطلاقات الضمان، هو وجوب الرجوع الى اقرب الاموال الى التالف، بعد تعذر المثل، توجه القول بصيرورة التالف قيميا، بمجرد تعذر المثل، اذ لا فرق فى تعذر المثل بين تحققه ابتداءً، كما فى القيميات

______________________________

صدق عليه الاسقاط فى الزمان الاول) فلو كان فى الزمان الاول عشرة، و فى الزمان الثانى خمسة، لم يكن مكلفا بعشرة، لان المثل لم ينقلب الى القيمة فى الزمان الاول، و انما ينقلب حين الاعطاء

(هذا) تمام الكلام فى عدم اعتبار يوم التعذر (و لكن لو استندنا فى لزوم القيمة فى المسألة) اى مسألة تعذر المثل (الى ما تقدم سابقا من الآية) اى آية: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ (و من: ان المتبادر من اطلاقات الضمان هو وجوب الرجوع الى اقرب الاموال الى التالف) و اقرب الاموال الى التالف المثل حين وجوده ف (بعد تعذر المثل، توجه القول بصيرورة التالف قيميا، بمجرد تعذر المثل) فالاعتبار بالقيمة يوم التعذر لا يوم الوفاء، فكانه اذا تلف المال يقول الشارع: اعط اقرب الاموال الى التالف ففى زمان المثل اقرب الاموال هو المثل، و فى زمان تعذره اقرب الاموال هو القيمة، و اذا انتقل الضمان الى القيمة، بقيت القيمة فى الذمة، سواء ارتفعت قيمة المثل بعد ذلك أم لا؟. (اذ لا فرق فى تعذر المثل) الموجب للانتقال الى القيمة (بين تحققه ابتداءً، كما فى القيميات) فانه بمجرد

ص: 112

و بين طروّه بعد التمكن، كما فى ما نحن فيه.

و دعوى اختصاص الآية و اطلاقات الضمان بالحكم بالقيمة بتعذر المثل ابتداءً، لا يخلو عن تحكم.

ثم ان فى المسألة احتمالات آخر ذكر اكثرها فى القواعد، و قوى بعضها فى الايضاح، و بعضها بعض الشافعية، و حاصل جميع الاحتمالات

______________________________

التلف، تجب قيمته، اذ لا مثل له (و بين طروه) اى عروض التعذر (بعد التمكن) من المثل (كما فى ما نحن فيه) حيث كان المثل موجودا حين التلف، و انما تعذر المثل بعد ذلك

(و دعوى) الفرق بين التعذر الابتدائى، و التعذر الطارئ بسبب (اختصاص الآية): فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ (و اطلاقات الضمان) المنصرف الى ما يفهم العرف من المثل فى المثلى، و القيمة فى القيمى (بالحكم بالقيمة ب) سبب (تعذر المثل ابتداءً) لا عروضا بعد ذلك (لا يخلو عن تحكم).

فاللازم: اما القول بانتقال التالف الى الذمة، فان اراد الاعطاء لزم اعطاء قيمة ذلك اليوم فى كليهما.

و اما القول بالتبدل الى القيمة يوم التعذر، سواء فى القيمى او فى المثلى، اما التفكيك بينهما فلا وجه له.

(ثم ان فى المسألة) اى مسألة تعذر المثل (احتمالات اخر) بعد الاحتمالين الاولين، و هما: احتمال اعتبار قيمة يوم التعذر، و احتمال اعتبار قيمة يوم الاداء (ذكر اكثرها فى القواعد، و قوى بعضها فى الايضاح، و بعضها بعض الشافعية، و حاصل جميع الاحتمالات) المتقدمة و الآتية

ص: 113

فى المسألة مع مبانيها انه اما: ان نقول: باستقرار المثل فى الذمة الى او ان الفراغ منه بدفع القيمة و هو الّذي اخترناه تبعا للاكثر من اعتبار القيمة عند الاقباض، و ذكره فى القواعد: خامس الاحتمالات و اما أن نقول: بصيرورته قيميا عند الاعواز فاذا صار كذلك فاما ان نقول: ان المثل المستقر فى الذمة قيمى، فيكون القيمة صفة للمثل، بمعنى انه لو تلف، و جبت قيمته و اما ان نقول: ان المغصوب انقلب قيميا بعد إن كان مثليا

______________________________

(فى المسألة مع مبانيها انه اما: ان نقول: باستقرار المثل فى الذمة الى اوان الفراغ منه بدفع القيمة) اى قيمة يوم الدفع (و هو الّذي اخترناه تبعا للاكثر من اعتبار القيمة عند الاقباض، و ذكره فى القواعد خامس الاحتمالات) فى المسألة (و اما ان نقول: بصيرورته قيميا عند الاعواز) و الفقد للمثل (فاذا صار كذلك) اى قيميا (فاما ان نقول: ان المثل المستقر فى الذمة قيمى، فيكون القيمة صفة للمثل) اى مثله فى القيمة (بمعنى انه لو تلف، وجبت قيمته) لا بمعنى ما لا يتساوى اجزائه.

و الحاصل انه قد يقال: الشي ء الفلانى قيمى، و يراد به ما لا يتساوى اجزائه فى القيمة، و قد يقال: الشي ء الفلانى قيمى، و يراد به انه لو تلف وجبت قيمته، و المراد هنا المعنى الثانى (و اما ان نقول: ان المغصوب انقلب قيميا) بالاعواز (بعد إن كان مثليا).

و الفرق انه بناء على قول الشيخ: باستقرار المثل، ان الحنطة باقية فى الذمة الى يوم اعطاء قيمتها.

و بناء على القول الثانى: المثل المستقر، ان الحنطة عند التلف انقلبت الى

ص: 114

فان قلنا: بالاول، فان جعلنا الاعتبار فى القيمى بيوم التلف، كما هو احد الاقوال، كان المتعين قيمة المثل يوم الاعواز كما صرح به فى السرائر: فى البيع الفاسد، و التحرير فى باب القرض لانه يوم تلف القيمى و ان جعلنا الاعتبار فيه بزمان الضمان كما هو القول الآخر فى القيمى كان المتجه اعتبار زمان تلف العين، لانه

______________________________

قيمة المثل، فالقيمة واجبة، و فى الذمة، لا المثل، لكن قيمة المثل فالمثل ان ترقى وجبت القيمة المترقية و ان تنزل وجبت القيمة المتنزلة.

و بناء على القول الثالث: ان المغصوب، ان الحنطة بمجرد التلف انقلبت الى قيمة جامدة، فسواء ترقى المثل او تنزل تكون فى ذمة التالف قيمة ثابتة هى قيمة يوم التلف (فان قلنا: بالاول) اى ما اشار إليه بقوله:

فاما ان نقول ان المثل المستقر فى الذمة، (فان جعلنا الاعتبار فى القيمى بيوم التلف، كما هو احد الاقوال) و ان الشي ء القيمى اذا تلف لزم على الضامن اعطاء قيمته يوم التلف (كان المتعين قيمة المثل يوم الاعواز) لان حاله حال القيمى حينئذ (كما صرح به فى السرائر: فى البيع الفاسد، و التحرير فى باب القرض لانه يوم تلف القيمى) و حال تعلق القيمة بذمة التالف (و ان جعلنا الاعتبار فيه) اى فى القيمى (بزمان الضمان) لا يوم التلف، كما لو سرق عبد زيد يوم الجمعة، و كان يسوى الفا، و تلف يوم السبت و كان يسوى خمسمائة- مثلا- فان القول الاول، يقول: بضمان الخمسمائة، و القول الثانى يقول: بضمان الألف (كما هو) اى زمان الضمان (القول الآخر فى القيمى كان المتجه) فى المثلى أيضا (اعتبار زمان تلف العين، لانه

ص: 115

اوّل ازمنة وجوب المثل فى الذمة المستلزم لضمانه بقيمته عند تلفه و هذا مبنى على القول بالاعتبار فى القيمى بوقت الغصب، كما عن الاكثر، و ان جعلنا الاعتبار فيه باعلى القيم من زمان الضمان الى زمان التلف، كما حكى عن جماعة من القدماء فى الغصب، كان المتجه، الاعتبار باعلى القيم من يوم تلف العين الى زمان الاعواز

و ذكر هذا الوجه فى القواعد ثانى الاحتمالات و ان قلنا: ان التالف انقلب قيميا

______________________________

اوّل ازمنة وجوب المثل فى الذمة المستلزم) وجوب المثل (لضمانه) اى المثل (بقيمته عند تلفه) و الضميران المجروران يرجعان الى: المثل، و: عند، ظرف للضمان (و هذا: مبنى على القول بالاعتبار فى القيمى بوقت الغصب، كما عن الاكثر) لانه وقت الضمان (و ان جعلنا الاعتبار فيه) اى فى القيمى (باعلى القيم من زمان الضمان الى زمان التلف) سواء كان اعلى القيم حين الضمان، او حين التلف، او فى الوسط؟ (كما حكى عن جماعة من القدماء فى الغصب) فاذا غصب شاة فترقت، و تنزلت، كان اللازم اعطائه لا على القيم، قالوا لأن الغاصب يؤخذ باشقّ الاحوال (كان المتجه) فى المثلى (الاعتبار باعلى القيم، من يوم تلف العين الى زمان الاعواز) فاذا كان يوم التلف عشرة و يوم الاعواز للمثل عشرين، كان اللازم دفع العشرين، و كذلك اذا انعكس الامر، بان كان أولا عشرين، ثم عشرة.

(و ذكر هذا الوجه) اى اعلى القيم (فى القواعد ثانى الاحتمالات) الخمسة التى ذكرها (و ان قلنا: ان التالف انقلب قيميا) بعد ان كان مثليا- و هذا هو

ص: 116

احتمل الاعتبار بيوم الغصب، كما فى القيمى المغصوب، و الاعتبار بالأعلى منه الى يوم التلف، و ذكر هذا اوّل الاحتمالات فى القواعد.

و ان قلنا: ان المشترك بين العين و المثل صار قيميا جاء احتمال الاعتبار بالأعلى من يوم الضمان الى يوم تعذر المثل.

______________________________

الشق الثانى من شقى القول بصيرورته قيميا عند الاعواز- فان الشق الاول مكان ذا احتمالات ثلاثة (احتمل الاعتبار بيوم الغصب كما فى القيمى المغصوب، و) احتمل (الاعتبار بالاعلى منه) اى يوم الغصب (الى يوم التلف، و ذكر هذا) القول اى اعلى القيم (اوّل الاحتمالات فى القواعد) فصارت الاحتمالات المذكورة الى هنا ستة.

الاول استقرار المثل، الثانى استقرار القيمة و له شعبتان: الشعبة الاولى المثل القيمى الشعبة الثانية القيمى المحض، و الشعبة الاولى فيها ثلاث احتمالات:

اشار إليها بقوله: فان جعلنا، و ان جعلنا، و الشعبة الثانية فيها احتمالان اشار إليهما بقوله: احتمل الاعتبار، و الاعتبار، اذا صارت الاحتمالات ستة و هنا احتمالان آخران اشار إليهما بقوله: (و ان قلنا: ان المشترك بين العين و المثل صار قيميا) لا يخفى ان للاشياء المتماثلة جهة مشتركة من حيث المزايا و المالية و الصفات النوعية مثلا الحنطة و الحنطة تشتركان فى صفة كونهما حنطة، و فى المالية، و فى بعض المزايا الاخر، فاذا تعذر المثل و العين صار المشترك بينهما قيميا (جاء احتمال الاعتبار بالأعلى) اى اعلى القيم (من يوم الضمان الى يوم تعذر المثل) مثلا يوم الضمان كانت القيمة عشرة و يوم تعذر المثل صارت عشرين، و انما نقول: باعلى

ص: 117

لاستمرار الضمان فيما قبله، من الزمان، اما للعين و اما للمثل فهو مناسب لضمان الاعلى، من حين الغصب الى التلف.

و هذا ذكره فى القواعد ثالث الاحتمالات، و احتمل الاعتبار بالاعلى من يوم الغصب الى دفع المثل، و وجّهه فى محكى التذكرة و الايضاح بان المثل لا يسقط بالاعواز.

قال الا ترى انه لو صبر المالك الى وجدان المثل استحقه

______________________________

القيم (لاستمرار الضمان فيما قبله) اى قبل تعذر المثل (من الزمان) بيان:

ما، (اما)- بالكسر- اى ان الضمان كان اما (للعين) فيما كان العين موجودا (و اما للمثل) بعد تلف العين (فهو) اى اعلى القيم (مناسب لضمان الاعلى، من حين الغصب الى التلف) اذ: وقت ترقى القيمة صار الآخذ ضامنا لتلك القيمة فتبقى تلك القيمة فى ذمته سواء تنزلت بعد ذلك أم لا؟

(و هذا) اى الاعلى (ذكره فى القواعد ثالث الاحتمالات، و احتمل الاعتبار بالاعلى) اى اعلى القيم (من يوم الغصب الى دفع المثل) لا الى تعذر المثل (و وجهه فى محكى التذكرة و الايضاح، بان المثل لا يسقط) عن ذمة الضامن (بالاعواز) و الفقد، بل يبقى المثل فى ذمة الغاصب، فاذا ترقى المثل- و لو بعد تعذر المثل- كان على الغاصب ان يعطى قيمة المترقى.

(قال) فى الاستدلال على عدم سقوط المثل بسبب الاعواز (الا- ترى انه لو صبر المالك الى وجدان المثل استحقه) و هذا يدل على عدم سقوطه، اذ لو سقط و تبدل بالقيمة لم يكن وجه لعوده، بل الاصل عدم

ص: 118

فالمصير الى القيمة عند تغريمها، و القيمة الواجبة على الغاصب اعلى القيم.

و حاصله: ان وجوب دفع قيمة المثل يعتبر من زمن وجوبه الى وجوب مبدله، اعنى العين، فيجب اعلى القيم منها، فافهم.

اذا عرفت هذا فاعلم: ان المناسب لاطلاق كلامهم لضمان المثل فى المثلى، هو انه مع تعذر المثل لا يسقط المثل عن الذمة.

______________________________

عوده، و عليه (فالمصير الى القيمة) انما هو (عند تغريمها) اى تغريم الغاصب بالقيمة، و هو يوم اعطاء الضامن، فانه فى ذلك اليوم يتبدل المثل الى القيمة (و) حيث ان (القيمة الواجبة على الغاصب اعلى القيم) وجب اعطاء اعلى القيم، و لو كانت اعلى القيم صارت بعد تعذر المثل.

(و حاصله) اى حاصل قوله: احتمل الاعتبار بالاعلى الى دفع القيمة، (ان وجوب دفع قيمة المثل معتبر من زمن وجوبه) اى وجوب المثل (الى وجوب مبدله)- بالفتح- (اعنى العين) فان العين مبدل عن المثل (فيجب اعلى القيم منها) اى من القيم (فافهم) فان القول: ببقاء المثل فى الذمة بعد تعذره لا وجه له، فكما ان العين بالتلف تسقط و تتبدل بالمثل، كذلك المثل بالتعذر يسقط و يتبدل بالقيمة، فان قيل باعلى القيم، فاللازم ان يكون من حين الضمان الى حين تعذر المثل.

(اذا عرفت هذا) الّذي ذكرناه من الاحتمالات فى صورة تعذر المثل (فاعلم: ان المناسب لاطلاق كلامهم لضمان المثل فى) الشي ء (المثلى هو انه مع تعذر المثل لا يسقط المثل عن الذمة) فان كلامهم: المثلى يضمن

ص: 119

غاية الامر: يجب اسقاطه مع مطالبة المالك، فالعبرة بما هو اسقاط حين الفعل فلا عبرة بالقيمة الا يوم الاسقاط، و تفريغ الذمة

و اما بناء على ما ذكرنا من: ان المتبادر من ادلة الضمان، التغريم، بالاقرب الى التالف، فالاقرب كان المثل مقدما مع تيسره، و مع تعذره ابتداءً كما فى القيمى، او بعد التمكن كما فى ما نحن فيه كان المتعين هو القيمة. فالقيمة قيمة للمغصوب من حين صار قيميا، و هو حال الاعواز

______________________________

بالمثل، شامل لصورتى امكان المثل، و تعذر المثل.

(غاية الامر) فى صورة التعذر (يجب اسقاطه) اى المثل (مع مطالبة المالك) له (فالعبرة بما هو اسقاط) للضمان (حين الفعل) اى فعل الاسقاط (فلا عبرة بالقيمة الا يوم الاسقاط) سواء ترقت القيمة، او تنزلت؟

اذ: المثل هو الّذي فى الذمة، و لذا اذا وجد المثل بعد التعذر، و قبل الاسقاط، وجب اعطاء المثل، و لو كان المثل حين التعذر انقلب الى القيمة، لم يكن وجه لرجوع المثل (و) عليه فالعبرة بالقيمة يوم (تفريغ الذمة) عن المضمون هذا بناء على اطلاق كلماتهم.

(و اما بناء على ما ذكرنا من: ان المتبادر من ادلة الضمان) نحو: على اليد ما اخذت (التغريم بالاقرب الى التالف، فالاقرب) حتى يصدق: ما اخذت، فان مصداق: ما، العين، فاذا تعذرت رجع الى الاقرب، فالاقرب (كان المثل مقدما مع تيسره، و مع تعذره) تعذرا (ابتداءً) بان لم يكن الشي ء مثليا (كما فى القيمى، او) التعذر (بعد التمكن كما فى ما نحن فيه) مما صار المثل فيه متعذرا (كان المتعين هو القيمة) و على هذا (فالقيمة قيمة للمغصوب من حين صار قيميا، و هو حال الاعواز) لان فى هذا الحال

ص: 120

فحال الاعواز معتبر من حيث انه اوّل ازمنة صيرورة التالف قيميا، لا من حيث ملاحظة القيمة، قيمة للمثل دون العين.

فعلى القول باعتبار يوم التلف فى القيمى، توجه ما اختاره الحلى (ره) و لو قلنا: بضمان القيمى باعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف كما عليه جماعة من القدماء، توجه ضمانه فى ما نحن فيه باعلى القيم من حين الغصب الى زمان الاعواز، اذ: كما ان ارتفاع القيمة مع بقاء العين

______________________________

يتوجه الخطاب الى الغاصب باعطاء القيمة- التى هى الاقرب الى التالف-

(فحال الاعواز معتبر من حيث انه اوّل ازمنة صيرورة التالف قيميا) كما ان حال التلف معتبر فى القيميات، لانه اوّل زمان الانتقال الى القيمة- بعد ان كان الواجب رد العين ما دامت العين موجودة- (لا من حيث ملاحظة القيمة قيمة للمثل، دون العين) فالقيمة فى مقابل العين لا فى مقابل المثل حتى يمكن ان يقال: بترقى القيمة و تنزلها تبعا لترقى المثل و تنزله.

(فعلى القول باعتبار يوم التلف) لا يوم الغصب (فى القيمى) فلو سرق دابة قيمتها عشرة، و فى يوم التلف قيمتها عشرون، وجب دفع العشرين (توجه ما اختاره الحلى (ره)) من انه يوم اعواز المثل تعتبر القيمة، لانه يوم الانتقال الى القيمة (و لو قلنا: بضمان القيمى باعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف كما عليه جماعة من القدماء، توجه ضمانه فى ما نحن فيه باعلى القيم من حين الغصب الى زمان الاعواز) كما قاله جماعة و انما نقول: بقيمة يوم تعذر المثل (اذ: كما ان ارتفاع القيمة مع بقاء العين

ص: 121

مضمون بشرط تعذر ادائه المتدارك لارتفاع القيم، كذلك بشرط تعذر المثل فى المثلى، اذ مع رد المثل يرتفع ضمان القيمة السوقية. و

______________________________

مضمون بشرط تعذر ادائه المتدارك) ذلك الاداء (لارتفاع القيم) فانه لو ادّى العين التى ترقت قيمتها لم يكن عليه ضمان ارتفاع القيمة انما هو بشرط عدم اداء العين (كذلك بشرط تعذر المثل فى المثلى) فى ضمان اعلى القيم، اذ لو ترقى المثل، و لكنه ادى نفس المثل، لم يكن ضامنا للترقى، فارتفاع القيمة مع بقاء المثل مضمون بشرط تعذر اداء المثل،

و اعلم ان قوله: و لو، وصلية، و قوله: اذ كما، علة لعدم القول باعلى القيم من زمان الغصب الى زمان تعذر المثل، و انما المعتبر قيمة زمان تعذر المثل.

و حاصل الدليل: ان الانسان الغاصب اذا غصب شيئا ثم ارتفعت قيمته كانت القيمة مضمونة، لكن اذا رد العين سقطت القيمة، و لو تنزلت العين حين الرد، و كذلك اذا غصب الشي ء و تلف، و كان مثليا فانه بارتفاع قيمة المثل لا يضمن الا المثل سواء ارتفعت قيمة المثل أم لا؟ فاذا تعذر المثل كان يوم التعذر يوم الانتقال الى القيمة (اذ مع رد المثل يرتفع ضمان) الغاصب (القيمة السوقية) فانه ما دام المثل موجودا كان المكلف به رد المثل.

(و) ان قلت: فرق بين رد العين و بين رد المثل، اذ الاول غير الشي ء المغصوب، بخلاف ما اذا اراد ردّ مثله او قيمة المثل، فانه ليس عين المال المغصوب، فمن الممكن وجوب قيمة العين فى القيمى و وجوب

ص: 122

حيث كانت العين فيما نحن فيه مثليا، كان اداء مثلها عند تلفها، كردّ عينها فى الغاء ارتفاع القيم، فاستقرار ارتفاع القيم انما يحصل بتلف العين و المثل.

فان قلنا: انّ تعذر المثل يسقط المثل، كما ان تلف العين يسقط العين، توجّه القول بضمان القيمة من زمان الغصب الى زمان الاعواز.

______________________________

اعلى القيم فى المثلى، لا قيمة المثل فى يوم تعذر المثل- كما ذكرتم- قلت: لا فرق بين المقامين، فانه (حيث كانت العين فيما نحن فيه مثليا، كان اداء مثلها عند تلفها، كردّ عينها فى الغاء ارتفاع القيم) اى الغاء اعلى القيم، فكما انه لو ردّ العين لم يكلف باعلى القيم كذلك اذا ردّ المثل (فاستقرار ارتفاع القيم) اى اعلى القيم (انما يحصل بتلف العين) فى القيمى (و المثل) فى المثلى.

(فان قلنا: ان تعذر المثل يسقط المثل كما ان تلف العين) فى القيمى (يسقط العين، توجه القول بضمان القيمة من زمان الغصب الى زمان الاعواز) اذ لما اتلف المثلى ضمن مثله، فلما اعوز مثله انتقل الى القيمة- من يوم تلف المغصوب لا القيمة حين تعذر المثل- و ذلك لان المثل انما يجب حال وجود المثل اما حال عدم المثل «سواء كان العدم من الاول كما فى القيمى، او بعد ذلك، بان كان مثليا ثم اعوز المثل» فهو كالقيمى.

فكما نقول فى القيمى باعلى القيم من حال التلف الى حين الاداء

ص: 123

و هو اصح الاحتمالات فى المسألة عند الشافعية- على ما قيل-.

و ان قلنا: ان تعذر المثل لا يسقط المثل، و ليس كتلف العين كان ارتفاع القيمة فيما بعد تعذر المثل- أيضا- مضمونا، فيتوجّه ضمان القيمة من حين الغصب الى حين دفع القيمة، و هو المحكى عن الايضاح و هو اوجه الاحتمالات على القول بضمان ارتفاع القيمة مراعى بعدم ردّ،

______________________________

كذلك نقول فى المثلى باعلى القيم من حين الغصب الى زمان الاعواز (و) هذا (هو اصح الاحتمالات فى المسألة عند الشافعية- على ما قيل- و ان قلنا ان تعذر المثل لا يسقط المثل، و ليس) تعذر المثل (كتلف العين) فى القيمى و ذلك لاستصحاب كونه مكلفا باعطاء المثل.

نعم حين الاعطاء حيث لا يمكن المثل ينتقل الى القيمة (كان ارتفاع القيمة) للمثل (فيما بعد تعذر المثل- أيضا-) كما قبل تعذر المثل (مضمونا فيتوجه) على هذا القول (ضمان القيمة) للمثلى (من حين الغصب الى حين دفع القيمة، و هو المحكى عن الايضاح) فتحصل: ان الاحتمالات فى المثلى الّذي تعذر مثله بعد مدة: أربعة الاول قيمة يوم التلف الثانى قيمة يوم التعذر للمثل، الثالث اعلى القيم من يوم الغصب الى يوم التعذر، الرابع اعلى القيم من يوم الغصب الى يوم الدفع، و اشار الى الاحتمال الثالث، بقوله: فان قلنا، و الى الاحتمال الرابع، بقوله: و ان قلنا، (و هو) اى اعلى القيم من حين الغصب الى حين اعطاء القيمة- فى المثلى الّذي تعذر مثله- (اوجه الاحتمالات على القول بضمان ارتفاع القيمة مراعى) ذلك الضمان (بعدم ردّ

ص: 124

العين او المثل.

ثم اعلم ان العلامة ذكر فى عنوان هذه الاحتمالات انه لو تلف المثلى، و المثل موجود، ثم اعوز، و ظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما اذا طرأ تعذر المثل بعد تيسره فى بعض ازمنة التلف، لا ما تعذر فيه المثل ابتداءً، و عن جامع المقاصد انه يتعين حينئذ قيمة يوم التلف، و لعلّه لعدم تنجز التكليف

______________________________

فكلما ترقى المغصوب ضمن الغاصب ذلك الترقى الا اذا رد العين فى القيمى- و رد المثل- فى المثلى- هذا.

و لا يخفى ان عبارة المصنف من قوله: فعلى القول باعتبار يوم التلف، الى هنا فيها غموض و اجمال و لعلّ هناك سقطا منها

(ثم اعلم ان العلامة (ره) ذكر فى عنوان هذه الاحتمالات انه لو تلف المثلى و) الحال ان (المثل موجود، ثم اعوز) المثل- ثم فرع ذلك الاحتمالات- (و ظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما اذا طرأ تعذر المثل بعد تيسره فى بعض ازمنة التلف) اى كون تعذر المثل بعد ان تلف المغصوب- و كان التلف فى صورة وجود المثل- (لا ما تعذر فيه المثل ابتداءً) بان كان الشي ء مثليا، ثم تلف فى حال لم يكن له مثل فى الخارج (و عن جامع المقاصد: انه يتعين حينئذ) اى حين تلف المغصوب حال الاعواز امثاله (قيمة يوم التلف) لانه كالقيمى حينئذ (و لعله) اى كلام جامع المقاصد (لعدم تنجز التكليف

ص: 125

بالمثل عليه فى وقت من الاوقات.

و يمكن ان يخدش فيه: بان التمكن من المثل ليس بشرط لحدوثه فى الذمة ابتداءً، كما لا يشترط فى استقراره استدامة على ما اعترف به مع طرو التعذر بعد التلف.

______________________________

بالمثل عليه) اى على الغاصب (فى وقت من الاوقات) اذ: التكليف بالمثل انما هو فيما اذا تلف الشي ء و له مثل فى الخارج، اما اذا لم يكن له مثل، فالعين تنتقل الى القيمة راسا (و يمكن ان يخدش فيه) اى فى كلام جامع المقاصد الحاكم بعدم المثل اصلا (بان التمكن من المثل ليس بشرط لحدوثه) اى المثل (فى الذمة) فالمثل يحدث فى الذمة سواء كان- حين تلف المغصوب- المثل موجودا، أم لا (ابتداءً) متعلق ب «التمكن» اى التمكن الابتدائى للمثل ليس بشرط لضمان المثل (كما لا يشترط) التمكن من المثل (فى استقراره) اى المثل (استدامة) فاذا تعذر المثل بعد مدة مضت على تلفا لمغصوب، يكون ما فى ذمة الضامن هو المثل- و ان تعذر- (على ما اعترف) جامع المقاصد (به) اى باستقرار المثل، حتى بعد تعذره، و عليه فاذا استقر المثل (مع طروّ التعذر) للمثل (بعد التلف) للمغصوب، كذلك ليستقر المثل اذا كان التعذر للمثل حال تلف المغصوب أيضا، اذ لا فرق بين التعذرين.

ص: 126

و لذا لم يذكر احد هذا التفصيل فى باب القرض.

و بالجملة فاشتغال الذمة بالمثل، ان قيد بالتمكن، لزم الحكم بارتفاعه بطرو التعذر، و إلا لزم الحكم بحدوثه مع التعذر من اوّل الامر، الا ان يقال:

______________________________

(و لذا) الّذي ذكرنا من عدم الفرق بين التعذر الابتدائى و التعذر الطارئ (لم يذكر احد هذا التفصيل) بين التعذرين فى وجوب المثل- (فى باب القرض) فاذا اقترض المثلى قالوا بانه استقر فى ذمته المثل و ان تعذر المثل طارئا، او كان المثل متعذرا ابتداءً، اى حين القرض، و من المعلوم ان باب القرض و الضمان، واحد، من هذه الجهة.

(و بالجملة ف) نقول: فى رد التفصيل بين التعذر الطارئ للمثل، و التعذر الابتدائى- حيث يقول جامع المقاصد بالمثل فى الطارئ و لا يقول بالمثل فى الابتدائى- ان (اشتغال الذمة بالمثل، ان قيد بالتمكن) و ان الغاصب انما يشتغل ذمته بالمثل اذا كان متمكنا من المثل (لزم الحكم بارتفاعه) اى المثل (بطرو التعذر) اذ لا تمكن حال التعذر، و ان كان التعذر طارئا (و الا) يقيد المثل بالتمكن، بل قلنا المثلى يضمن بالمثل سواء كان المثل موجودا أم لا (لزم الحكم بحدوثه) اى المثل (مع التعذر) عن المثل (من اوّل الامر) اى حال التلف للمغصوب المثلى (الا ان يقال:)- القائل هو جامع المقاصد- فى الفرق بين التعذر

ص: 127

ان ادلة وجوب المثل ظاهرة فى صورة التمكن، و ان لم يكن مشروطا به عقلا، فلا تعم صورة العجز.

نعم اذا طرأ العجز فلا دليل على سقوط المثل و انقلابه قيميا.

و قد يقال: على المحقق المذكور ان اللازم مما ذكره انه لو ظفر المالك بالمثل قبل اخذ القيمة لم يكن له المطالبة، و لا اظن احدا يلتزمه

______________________________

الطارئ و التعذر البدوى (ان ادلة وجوب المثل ظاهرة) فى الوجوب (فى صورة التمكن) عن المثل (و ان لم يكن مشروطا به) اى بالمثل (عقلا، فلا تعمّ) ادلة وجوب المثل (صورة العجز) الابتدائى عن المثل.

(نعم اذا طرأ العجز) عن المثل (فلا دليل على سقوط المثل، و انقلابه) اى المثل (قيميا).

و الحاصل: ان ادلة المثل، تقول بالمثل فى صورة وجود المثل، لكن الاستصحاب يقتضي المثل فيما اذا كان مقدورا ثم تعذر، فالفارق وجود استصحاب المثل فى صورة التعذر الطارئ، و ليس هذا الاستصحاب موجودا فى صورة التعذر الابتدائى.

(و قد يقال:) و يستشكل (على المحقق المذكور) صاحب جامع المقاصد الفرق بين التعذر الابتدائى للمثل- فلا يجب المثل- و بين التعذر الطارئ- فيجب المثل- ب (ان اللازم مما ذكره) من التفصيل (انه لو ظفر المالك بالمثل قبل اخذ القيمة لم يكن له المطالبة) بالمثل لانه على مبنى المحقق لم يضمن الغاصب المثل- فيما اذا كان متعذرا ابتداءً- (و لا اظن احدا يلتزمه). اى يلتزم بعدم حق للمالك فى مطالبة المثل اذا

ص: 128

و فيه تامل.

ثم ان المحكى عن التذكرة: ان المراد باعواز المثل، ان لا يوجد فى البلد و ما حوله، و زاد فى المسالك قوله مما ينقل عادة منه إليه، كما ذكروا فى انقطاع المسلم فيه، و عن جامع المقاصد: الرجوع فيه الى العرف

و يمكن ان يقال: ان مقتضى عموم وجوب اداء مال الناس

______________________________

كان حين التلف متعذرا، ثم وجد (و فيه) اى فى هذا الاشكال على المحقق (تامل) اذ: المحقق لا يقول: بعدم وجوب المثل حتى فيما اذا وجد المثل، و انما يقول: بعدم وجوب المثل فيما اذا لم يمكن المثل حين التلف، و استمر عدم الامكان الى حال اعطاء القيمة.

(ثم ان المحكى عن التذكرة) فى ميزان اعواز المثل (ان المراد باعواز المثل ان لا يوجد فى البلد و ما حوله) و ان وجد فى سائر البلاد (و زاد فى المسالك قوله مما ينقل عادة منه) اى من: حوله، (إليه) اى الى:

البلد، (كما ذكروا فى انقطاع المسلم فيه) اى اعوازه فى بيع السلم، الّذي هو اعطاء الثمن، و تأخير المثمن، فان اعواز المثمن كان حكمه كذا، و المراد باعوازه ان لا يكون فى البلد و ما حوله (و عن جامع المقاصد: الرجوع فيه الى العرف) فكلما صدق الاعواز و إن كان فى البلد منه شي ء فهو، و الا لم يكن معوزا و إن كان فى البلاد البعيدة.

(و يمكن ان يقال:) ليس الميزان ما حول البلد و لا العرف، بل العدم حتى فى البلاد البعيدة ف (ان مقتضى عموم: وجوب اداء مال الناس

ص: 129

و تسليطهم على اموالهم اعيانا كانت أم فى الذمة، وجوب تحصيل المثل كما كان يجب رد العين اينما كانت، و لو كانت فى تحصيله مئونة كثيرة.

و لذا كان يجب تحصيل المثل باى ثمن كان، و ليس هنا تحديد التكليف بما عن التذكرة.

نعم لو انعقد الاجماع على ثبوت القيمة عند الاعواز، تعين ما عن جامع المقاصد، كما ان المجمعين

______________________________

و تسليطهم على اموالهم اعيانا كانت) تلك الاموال (أم فى الذمة وجوب تحصيل المثل) اذ: المثل اداء، و صدق: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ (كما كان يجب رد العين اينما كانت) فيما لو كانت العين موجودة (و لو كانت فى تحصيله مئونة كثيرة) الا ان يقال: بان دليل: لا ضرر، حاكم عليه فتأمل.

(و لذا) الّذي ذكرنا من وجوب اداء المثل (كان يجب تحصيل المثل باى ثمن كان) و لو كان اكثر من ثمن التلف باضعاف (و ليس هنا) فى باب تحصيل المثل و لو بمئونة كثيرة (تحديد التكليف) بالمثل (بما عن التذكرة) بما تقدم من قوله: المراد باعواز المثل، ان لا يوجد فى البلد و ما حوله، اذ:

التحديد المذكور فى باب الاعواز لا فى باب كثرة الثمن.

(نعم) استثناء عن قوله: و يمكن ان يقال، (لو انعقد الاجماع على ثبوت القيمة عند الاعواز تعين ما عن جامع المقاصد) من الرجوع الى العرف فحيث صدق الاعواز عرفا لزمت القيمة، و حيث لم يصدق الاعواز وجب المثل و لو كان فى تحصيله مئونة كثيرة (كما ان المجمعين) الذين قالوا بالقيمة

ص: 130

اذا كانوا بين معبر بالاعواز، و معبر بالتعذر كان المتيقن الرجوع الى الاخص و هو المتعذر لانه المجمع عليه.

نعم ورد فى بعض اخبار السلم: انه اذا لم يقدر المسلم عليه على ايفاء المسلم فيه تخير المشترى

______________________________

(اذا كانوا بين معبر بالاعواز، و معبر بالتعذر) للرجوع من المثل الى القيمة (كان المتيقن الرجوع الى الاخص و هو المتعذر لانه) اى الاخص هو (المجمع عليه) فان كل من يقول بالاعواز يقول بالتعذر و ليس كل من يقول بالتعذر يقول بالاعواز، مثلا لو اجمعوا بين وجود الانسان فى الدار، و وجود الحيوان كان المجمع عليه وجود الانسان.

(نعم) لا يبعد القول بالاعواز العرفى، و ان لم يتعذر، تنظيرا بباب السلم اذ: المناط فى بابى الغصب و السلم واحد، فان الواجب اداء العين، ثم المثل، ثم القيمة، فانه (ورد فى بعض اخبار السلم:

انه اذا لم يقدر المسلم عليه) و هو البائع (على ايفاء المسلم فيه) و هو المثمن (تخير المشترى) بين الفسخ و الصبر، و المراد ببعض الاخبار حسنة الحلبى عن ابى عبد الله عليه السلام قال: سئل عن الرجل يسلم فى الغنم و نيسان و جذعان و غير ذلك الى اجل مسمى، قال عليه السلام: لا بأس اذا لم يقدر الّذي عليه الغنم على جميع ما عليه، ان يأخذ صاحب الغنم نصفها او ثلثها او ثلثيها، و يأخذ رأس مال ما بقى من الغنم دراهم، و يأخذ دون شروطهم، و لا يأخذون فوق شرطهم، و الا كيسة أيضا مثل الحنطة و الشعير و الزعفران و الغنم.

ص: 131

و من المعلوم ان المراد: بعدم القدرة ليس التعذر العقلى المتوقف على استحالة النقل من بلد آخر، بل الظاهر منه عرفا ما عن التذكرة و هذا يستأنس به للحكم فيما نحن فيه.

ثم ان فى معرفة قيمة المثل مع فرض عدمه اشكالا من حيث ان العبرة بفرض وجوده و لو فى غاية العزة، كالفاكهة فى اوّل زمانها، او آخره او وجوده المتوسط

______________________________

(و من المعلوم ان المراد بعدم القدرة ليس التعذر العقلى المتوقف على استحالة النقل من بلد آخر، بل الظاهر منه) اى من عدم القدرة فى الرواية (عرفا ما عن التذكرة) اى عدم الوجدان فى البلد و ما حوله، و ذلك لان العرف الملقى إليه الخطاب لا يفهم من الخطاب الا ذلك، و حيث ان «الرسول بلسان قومه» فالمتكلم أيضا لم يرد الا هذا المعنى الّذي فهم العرف (و هذا) المعنى لعدم القدرة فى باب السلم (يستأنس به للحكم فيما نحن فيه) اى باب الغصب فانه اذا كان عدم القدرة فى باب السلم ما ذكره التذكرة ناسب ان يكون مراد المجمعين بعدم القدرة «فى باب الغصب» أيضا ما ذكره التذكرة من عدم الوجدان فى البلد و ما حوله، لا التعذر العقلى لان كلام الفقهاء مساقه مساق ما ورد فى الروايات.

(ثم ان فى معرفة قيمة المثل مع فرض عدمه) اى عدم وجود المثل (اشكالا) اذ لو كان المثل سئل عن قيمته اما اذا لم يكن فما ذا سئل (من حيث) هل (ان العبرة بفرض وجوده) اى وجود المثل (و لو فى غاية العزة كالفاكهة فى اوّل زمانها، او) العبرة ب (آخره، او) ب (وجوده المتوسط)

ص: 132

الظاهر هو الاول، لكن مع فرض وجوده بحيث يرغب فى بيعه و شرائه فلا عبرة بفرض وجوده عند من يستغنى عن بيعه بحيث لا يبيعه الا اذا بذل له عوض لا يبذله الراغبون فى هذا الجنس بمقتضى رغبتهم.

نعم لو الجاء الى شرائه لغرض آخر بذل ذلك كما لو فرض الجمد فى الصيف عند ملك العراق بحيث لا يعطيه الا ان يبذله بإزاء عتاق الخيل

______________________________

بين الاول و الاخير اذ: الفاكهة فى اولها غالية و فى وسطها رخيصة و فى آخرها متوسط القيمة (الظاهر، هو: الاول) و هو تحقق صدق وجود المثل حينذاك، فيقال للشي ء مثل- وقت ذاك-

اقول: لكنه خلاف المستفاد عرفا، بل الظاهر الوسط، و كيف كان فعلى القول بالاول (لكن مع فرض وجوده) فى الاسواق و نحوها (بحيث يرغب فى بيعه و شرائه فلا عبرة بفرض وجوده عند من يستغنى عن بيعه بحيث لا يبيعه الا اذا بذل له عوض لا يبذله) حسب المعتاد (الراغبون فى هذا الجنس بمقتضى رغبتهم) العادية كما لو كان التفاح فى اوّل اوانه بدينار، فكان عند انسان لا يعطيه الا بعشرة مما لا يرغب فيه من اعتاد اكل الفاكهة فى اولها و لو بالقيمة الغالية.

(نعم لو الجاء) و اضطر (الى شرائه لغرض آخر بذل ذلك) الثمن المرتفع فان مثل هذا الالجاء لا يكون ميزانا لكونه قيمة للفاكهة، فلا تكون هذه القيمة الغالية جدا معيارا لاخذ القيمة من الغاصب فيما اذا لم يوجد المثل (كما لو فرض الجمد فى الصيف عند ملك العراق بحيث لا يعطيه الّا ان يبذله) الملك (بإزاء عتاق الخيل

ص: 133

و شبهها، فان الراغب فى الجمد فى العراق من حيث انه راغب لا يبذل هذا العوض بإزائه، و انما يبذله من يحتاج إليه لغرض آخر كالاهداء الى سلطان قادم الى العراق- مثلا- او معالجة مشرف على الهلاك به، و نحو ذلك من الاغراض.

و لذا لو وجد هذا الفرد من المثل لم يقدح فى صدق التعذر، كما ذكرنا فى المسألة الخامسة، فكل موجود لا يقدح وجوده فى صدق التعذر فلا عبرة بفرض وجوده- فى

______________________________

و شبهها) كالقصور الشامخة و الجوارى الجميلة (فان الراغب فى الجمد فى العراق من حيث انه راغب) و مستعدلان يشترى الجمد باضعاف قيمته (لا يبذل هذا العوض) الكثير (بإزائه) اذ لا يعتاد بذل مثل هذا الثمن و لو من المترفين (و انما يبذله من يحتاج إليه) اى الى الجمد (لغرض آخر كالاهداء الى سلطان قادم الى العراق- مثلا- او معالجة مشرف على الهلاك به) اى بالجمد (و نحو ذلك من الاغراض) و قوله:

و انما يبذله، بيان لقوله: نعم لو الجاء.

(و لذا) الّذي ذكرنا من: انه لا تبذل العتاق ازاء الجمد، الا للمضطر و نحوه (لو وجد هذا الفرد من المثل لم يقدح فى صدق التعذر) عرفا، اذ العرف يرى انه متعذر، و ان هذا الفرد الموجود عند الملك لا يوجب صدق التمكن منه (كما ذكرنا فى المسألة الخامسة).

و على هذا (فكل موجود لا يقدح وجوده فى صدق التعذر) بل يصدق التعذر- عرفا- و إن كان هذا الفرد موجودا (فلا عبرة بفرض وجوده- فى

ص: 134

التقويم- عند عدمه.

ثم انك قد عرفت: ان للمالك مطالبة الضامن بالمثل عند تمكنه، و لو كان فى غير بلد الضمان، و كان قيمة المثل هناك ازيد، و اما مع تعذره، و كون قيمة المثل فى بلد التلف مخالفا لها فى بلد المطالبة، فهل له المطالبة باعلى القيمتين، أم يتعين قيمة بلد المطالبة، أم بلد التلف؟ وجوه

______________________________

التقويم-) «فى» متعلق ب «عبرة» (عند عدمه) و هذا هو ميزان معرفة قيمة المثل عند عدم وجود المثل.

(ثم انك قد عرفت: ان للمالك مطالبة الضامن بالمثل عند تمكنه) اى تمكن الضامن من المثل (و لو كان) المالك، او كان المثل (فى غير بلد الضمان، و كان قيمة المثل هناك ازيد) كما لو اتلفه فى كربلاء، و طالبه فى النجف، و كانت القيمة فى النجف ازيد، و ذلك لصدق ادلة «حتى تؤدى» و «بمثل ما اعتدى»، و غيرهما، عليه، فلا يلزم اتحاد البلد، و لا تماثل القيمة (و اما مع تعذره) اى تعذر المثل (و كون قيمة المثل فى بلد التلف مخالفا لها فى بلد المطالبة) كما لو فقد المثل، و كانت القيمة فى كربلاء بلد اتلف فيه الضامن المال عشرة و فى النجف بلد المطالبة عشرين (فهل له المطالبة باعلى القيمتين، أم يتعين قيمة بلد المطالبة) بمعنى انه ليس له مطالبة قيمة بلد التلف اذا كان اكثر (أم بلد التلف) فاذا كانت القيمة فى بلد المطالبة اكثر لم يكن له الحق فى مطالبة ذلك (وجوه) ثلاثة وجه الاول: انه ضامن فلا تبرأ ذمته الا بارضاء المالك، و وجه الثانى: ان المثل- الّذي هو القيمة الآن- هو قيمة بلد المطالبة لان الطلب وقع

ص: 135

و فصل الشيخ فى المبسوط- فى باب الغصب- بانه: ان لم يكن فى نقله مئونة كالنقدين، فله المطالبة بالمثل، سواء كانت القيمتان مختلفتين أم لا؟ و إن كان فى نقله مئونة، فإن كانت القيمتان متساويتين كان له المطالبة أيضا لانه لا ضرر عليه فى ذلك، و الا فالحكم ان يأخذ قيمة بلد التلف، او يصبر حتى يوفيه بذلك البلد

______________________________

هناك كما فى القيميات، و وجه الثالث: ان القيمة- التى هى بدل المثل- تعلقت بذمة الغاصب فى بلد التلف.

(و فصل الشيخ فى المبسوط- فى باب الغصب- بانه: ان لم يكن فى نقله مئونة) كثيرة (كالنقدين) فيما اذا كان قليلا (فله المطالبة بالمثل، سواء كانت القيمتان) فى بلد التلف و بلد المطالبة (مختلفتين أم لا؟) و حينئذ كان للمالك المطالبة باى القيمتين شاء (و إن كان فى نقله مئونة) كثيرة (فان كانت القيمتان متساويتين كان له) اى للمالك (المطالبة) بايهما شاء (أيضا) اذ: الغاصب مكلف بالاداء (لانه لا ضرر عليه فى ذلك).

فدليل: لا ضرر، لا يمنع عن مطالبة المالك بايهما يشاء (و الا) بان كانت القيمتان مختلفتين، و كان فى النقل مئونة كثيرة، كما لو كان المثل فى كربلاء: بلد اتلف فيه الغاصب، عشرة، و فى النجف بلد المطالبة عشرين (فالحكم ان يأخذ قيمة بلد التلف) كالعشرة فى المثال (او يصبر) المالك (حتى يوفيه) الغاصب (بذلك البلد) اى يرجعا الى كربلاء فياخذ منه فى كربلاء، و كان الوجه فى ذلك انه فى صورة عدم المئونة للنقل يكون الغاصب مكلفا بالارضاء، فللمالك ان يأخذ ما شاء، اما فى صورة المئونة فلا

ص: 136

ثم قال: ان الكلام فى القرض، كالكلام فى الغصب، و حكى نحو هذا عن القاضى أيضا فتدبر.

و يمكن ان يقال: ان الحكم باعتبار بلد القرض، او السلم على القول به مع الاطلاق، لانصراف العقد إليه، و ليس فى باب الضمان

______________________________

دليل على انه يتضرر الغاصب بهذا الضرر الخارج عن المغصوب، اذ:

مقابل المغصوب مضمون اما الشي ء الخارج عنه- و هو المئونة- فليس مضمونا حتى يكلف به الغاصب.

(ثم قال:) الشيخ: (ان الكلام فى القرض كالكلام فى الغصب) فاذا اقترض زيد من عمرو خبزا، ثم اراد اعطاء قيمة مثله، و اختلفت القيمة فى بلد القرض و بلد المطالبة، كان الحكم ما تقدم من التفصيل (و حكى نحو هذا عن القاضى) ابن براج (أيضا فتدبر) اذ: أولا لا دليل على ذلك التفصيل، فالمئونة و عدمها لا توجب تفصيل الحكم، و ثانيا فرق بين الغصب و القرض، فالغاصب يمكن ان يقال: انه يؤخذ باشقّ الاحوال بخلاف المقترض، و لذا قالوا: فى الغصب، و لم يقولوا: فى القرض.

(و يمكن ان يقال: ان الحكم باعتبار بلد القرض، او السلم) فيما اجرى معاملة القرض و السلم فى بلد، و اراد قبض الجنس فى بلد آخر (على القول به) اى باعتبار بلد القرض، او السلم (مع الاطلاق) لعقد القرض، و السلم بان لم يقيد الاداء ببلد خاص، انما هو (لانصراف العقد إليه) اى الى بلد القرض و السلم، و قوله: باعتبار، متعلق ب:

الحكم، و خبر «ان» قوله: لانصراف، (و ليس فى باب الضمان) اى

ص: 137

ما يوجب هذا الانصراف.

بقى الكلام فى انه: هل يعد من تعذر المثل خروجه عن القيمة؟

كالماء على الشاطئ اذا اتلفه فى مفازة، و الجمد فى الشتاء، اذا اتلفه فى الصيف أم لا؟ الاقوى، بل المتعين هو الاول، بل حكى عن بعض نسبته الى الاصحاب و غيرهم و المصرح به فى محكى التذكرة، و الايضاح و الدروس: قيمة المثل فى تلك المفازة، و يحتمل آخر مكان، او زمان سقط المثل فيه عن المالية

______________________________

الغصب (ما يوجب هذا الانصراف) الى بلد الضمان.

و عليه ففرق بين باب القرض و السلم، و بين باب الضمان.

و عليه: ففى باب الضمان يكون الاختيار بيد المالك، فله ان يطالبه فى اى مكان شاء من بلد الضمان او بلد المطالبة.

(بقى الكلام فى انه هل يعد من تعذر المثل خروجه عن القيمة كالماء على الشاطئ اذا اتلفه) الغاصب (فى مفازة) اى صحراء له فيها قيمة كبيرة، مثلا (و الجمد فى الشتاء اذا اتلفه فى الصيف) و نحو ذلك (أم لا) فلا يعد ذلك من تعذر المثل، لوجوده فعلا، و ان لم يكن له قيمة (الاقوى بل المتعين هو الاول) و انه من تعذر المثل (بل حكى عن بعض نسبته الى الاصحاب و غيرهم) من العامة (و المصرح به فى محكى التذكرة و الايضاح و الدروس قيمة المثل فى تلك المفازة) التى اتلف الماء فيها (و يحتمل آخر مكان او زمان سقط المثل فيه عن المالية) فاذا تحركوا من تلك المفازة الى نحو الشط، كان سقوط الماء عن المالية قرب الشط بفرسخ- مثلا- فقبل الفرسخ

ص: 138

فرع لو دفع القيمة فى المثل المتعذر مثله ثم تمكن من المثل،

فالظاهر عدم عود المثل فى ذمته، وفاقا للعلامة (ره) و من تأخر عنه ممن تعرض للمسألة، لان المثل كان دينا فى الذمة، سقط باداء عوضه مع التراضي فلا يعود، كما لو تراضيا بعوضه مع وجوده.

______________________________

كم كان يسوى الماء؟ كان اللازم اعطاء تلك القيمة، و كذا اذا تلف الجمد و قرب الوقت من الشتاء، فقبل شهر الى الشتاء- مثلا- يسقط الثلج عن القيمة، فآخر زمان القيمة كم كان يسوى الجمد؟ يكون ضامنا بقدر ذلك و سبب هذا الحكم: ان فى هذا الزمان، او المكان للشي ء قيمة فتتعلق بذمة الضامن، و بعدهما يسقط الشي ء عن القيمة، فاللازم ضمانه بهذه القيمة و هى اخير القيمات، اما القيمة قبل ذلك فقد تبدلت الى القيمة الاخيرة.

(فرع) (لو دفع القيمة فى المثل المتعذر مثله) بان تعذر المثل ثم دفع القيمة (ثم تمكن من المثل فالظاهر) من النص و الفتوى (عدم عود المثل فى ذمته وفاقا للعلامة (ره)، و من تأخر عنه ممن تعرض للمسألة) و ذلك (لان المثل كان دينا فى الذمة) ف (سقط باداء عوضه مع التراضي) لانه حق، و الحق يسقط بالاداء (فلا يعود) لان الاعادة تحتاج الى الدليل، و هو مفقود فى المقام (كما لو تراضيا بعوضه مع وجوده).

و لا يمكن ان يقال: بالفرق بان الرضا فى مقام الاعواز على نحو بدل الحيلولة، بخلاف الرضا مع وجوده.

ص: 139

هذا على المختار من عدم سقوط المثل عن الذمة بالاعواز.

و اما على القول بسقوطه و انقلابه قيميا، فان قلنا: بان المغصوب انقلب قيميا عند تعذر مثله، فاولى بالسقوط لان المدفوع نفس ما فى الذمة و ان قلنا: ان المثل بتعذره النازل منزلة التلف صار قيميا احتمل وجوب المثل عند وجوده، لان القيمة حينئذ بدل الحيلولة عن المثل

______________________________

لانه يقال: هذا ليس بفارق، لان الرضا اذا حصل كفى و لو كان الداعى للرضا شيئا خاصا، لانّ تخلف الداعى غير ضائر كما حقق فى محله.

(هذا) الّذي ذكرناه من عدم عود الضمان بوجود المثل (على المختار من عدم سقوط المثل عن الذمة بالاعواز) بل المثل يبقى حتى زمان اعطاء القيمة.

(و اما على القول بسقوطه و انقلابه قيميا) بمجرد الاعواز (فان قلنا:

بان المغصوب انقلب قيميا عند تعذر مثله، فاولى بالسقوط) عند اعطاء القيمة و اولى بعدم عود المثل الى الذمة عند وجود المثل بعد فقدانه (لان المدفوع) اى القيمة- على هذا القول- (نفس ما فى الذمة) الّذي هو القيمة بعد ان تعذر المثل (و ان قلنا: ان المثل بتعذره النازل منزلة التلف صار قيميا) فصار حاله حال الاشياء القيمية- كالشاة و البقر و نحوهما- لا انه انقلب الى القيمة (احتمل وجوب المثل عند وجوده) اى وجود المثل بعد فقده (لان القيمة) التى اعطاها الضامن- عند تعذر المثل- (حينئذ بدل الحيلولة عن المثل) فانه حيث حيل بين مثل المضمون و بين مالكه، انتقل الى القيمة كما انه لو حال بين الشخص و بين

ص: 140

و سيأتى ان حكمه عود المبدل عند انتفاء الحيلولة.

«السابع»: لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا،

فقد حكى: الاتفاق على كونه مضمونا بالقيمة.

و يدل عليه الاخبار المتفرقة فى كثير من القيميات.

______________________________

ماله الّذي القاه فى البحر لزم اعطاؤه بدل الحيلولة (و سيأتى ان حكمه) اى بدل الحيلولة (عود المبدل) كالمال الملقى فى البحر (عند انتفاء الحيلولة) بخروج المال من البحر.

( «السابع»: لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا) اى كان المبيع بالبيع الفاسد الّذي اتلفه المشترى من القيميات كالشاة- مثلا- (فقد حكى: الاتفاق على كونه مضمونا بالقيمة) فيجب على المشترى الّذي اتلفه ان يدفع ثمنه الى البائع.

(و يدل عليه الاخبار المتفرقة فى كثير من القيميات) كخبر السكونى عن ابى عبد الله عليه السلام: فى السفرة المطروحة قال عليه السلام:

ان امير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت فى الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين، فقال امير المؤمنين عليه السلام: يقوّم ما فيها ثم يؤكل لانه يفسد و ليس له بقاء فان جاء طالبها غرموا له، فقيل يا امير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم او سفرة مجوسى، فقال هم فى سعة حتى يعلموا، و عن عبد الله بن جعفر، قال: سألت موسى عليه السلام عن رجل اصاب شاة فى الصحراء هل تحل له، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: هى لك او لاخيك او للذئب فخذها و عرفها حيث اصبتها فان عرفت فردها الى صاحبها و ان لم تعرف

ص: 141

فلا حاجة الى التمسك بصحيحة ابى ولاد الآتية فى ضمان البغل، و لا بقوله عليه السلام: من اعتق شقصا من عبد قوم عليه بل الاخبار كثيرة بل قد عرفت ان مقتضى اطلاق ادلة الضمان فى القيميات هو ذلك بحسب

______________________________

فكلها و انت ضامن لها ان جاء صاحبها، يطلب ثمنها ان تردها عليه، و مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام فى حديث: و ان وجدت طعاما فى مفازة فقومه على نفسك لصاحبه ثم كله فان جاء صاحبه فرد عليه القيمة الى غيرها من الروايات (فلا حاجة الى التمسك بصحيحة ابى ولاد الآتية فى ضمان البغل) كى يمكن ان يناقش فى دلالة الصحيحة لما نحن فيه بانها واردة فى باب الغصب، فلا يمكن التمسك بها لغير باب الغصب لاحتمال اختصاصها بالغصب، حيث ان الغاصب يشدّد بالنسبة إليه، بما لا يشدّد بالنسبة الى غيره (و لا بقوله عليه السلام من اعتق شقصا) اى حصة (من عبد قوم) العبد كله (عليه) لان العتق يسرى، فالمعتق الّذي، له حصة فى العبد سبّب سراية العتق الى باقى العبد الموجب ذلك لاتلاف العبد على اربابه، فيؤخذ منه لهم قيمة حصتهم.

و انما لا نستدل بهذه الرواية لاحتمال اختصاص ذلك بالعبد لسراية العتق على التغليب فلا ينسحب الحكم فيه الى مكان آخر (بل الاخبار) فى باب ضمان القيمى بالقيمة (كثيرة) كما عرفت شطرا منها، فلا حاجة الى الاستدلال بصحيحة ابى ولّاد، و خبر شقص العبد (بل قد عرفت) سابقا (ان مقتضى: اطلاق ادلة الضمان فى القيميات) اى قوله عليه السلام:

هو ضامن، او شبه هذه العبارة (هو ذلك) اى الضمان بالقيمة (بحسب

ص: 142

المتعارف، الا ان المتيقن من هذا المتعارف ما كان المثل فيه متعذرا.

بل يمكن دعوى انصراف الاطلاقات الواردة فى خصوص بعض القيميات كالبغل و العبد و نحوهما- لصورة تعذر المثل كما هو الغالب.

فالمرجع فى وجوب القيمة فى القيمى.

______________________________

المتعارف) فان الضمان اذا القى الى العرف، فهم ضمان القيمى بالقيمة، بل ربما يفهم ضمان كل شي ء بالقيمة، سواء كان مثليا او قيميا (الا ان المتيقن من هذا المتعارف ما كان المثل فيه) اى فى القيمى (متعذرا) اذ لو كان للبغل- مثلا- مثل ربما فهم عرفا وجوب المثل، اما اذا تعذر المثل، فلا اشكال فى فهم العرف الضمان بالقيمة.

(بل يمكن دعوى انصراف الاطلاقات الواردة فى خصوص بعض القيميات كالبغل و العبد و نحوهما- لصورة تعذر المثل) و انما قال: بعض القيميات، لان من القيميات ما لا شبيه له لكونها قيمية، و إن كان لها مثل فى الجملة، كالدار- مثلا- فان العرف لا يرى اعطاء المثل لها، و ان رأى اعطاء المثل فى باب البغل و العبد (كما هو) اى تعذر المثل من جميع الجهات للبغل و العبد (الغالب).

نعم: غير الغالب وجود المثل من غالب الجهات التى يسبب عدم التفاوت بينهما عرفا.

ان قلت: اذا كان المتبادر من الاطلاق المثل فى صورة وجود المثل- فى باب القيميات- فكيف تقولون بوجوب القيمة؟.

قلت: انما نقول بالقيمة للاجماع (فالمرجع فى وجوب القيمة فى القيمى

ص: 143

و ان فرض تيسّر المثل له، كما فى من اتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك العبد بعينه، و كما لو اتلف عليه ذراعا من مائة ذراع كرباس منسوج على طريقة واحدة لا تفاوت فى اجزائه اصلا، هو الاجماع، كما يستظهر، و على تقديره ففى شموله لصورة تيّسر المثل- من جميع الجهات- تأمل.

______________________________

و ان فرض تيسّر المثل له.) اى للقيمى، و كلمة: ان، وصلية (كما فيمن اتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك العبد بعينه) كما لو كان لمحمد عبدان صفاتهما متقاربة بحيث عدّا مثلين- عرفا- فباع احدهما من زيد، و لم يسلمه بعد، فاتلف زيد احد العبدين، فان مقتضى اطلاق ادلة الضمان: ان يأخذ محمد العبد الّذي باعه لزيد فى مقابل اتلاف زيد العبد الّذي لمحمد (و كما لو اتلف عليه ذراعا من مائة ذراع كرباس منسوج على طريقة واحدة) مما يعدّ عند الفقهاء قيميا، لا مثليا و (لا تفاوت فى أجزائه اصلا) فان مقتضى القاعدة: ضمانه بمثل ذلك الكرباس، لا بقيمته (هو الاجماع) خبر قوله: فالمرجع، (كما يستظهر) الاجماع على ذلك من كلمات الفقهاء، و الا كان مقتضى القاعدة الاولية: الضمان بالمثل، لا بالقيمة (و على تقديره) اى الاجماع (ففى شموله) اى الاجماع (لصورة تيسّر المثل- من جميع الجهات-) و ان عد قيميا عند الفقهاء (تأمل) اذ القدر المتيقن من الاجماع القيمى الّذي لا مثل له، اما ماله مثل من جميع الجهات، فلا اجماع على لزوم اعطاء القيمة.

فمقتضى القاعدة المستفادة من ادلة الضمان: اعطاء المثل

ص: 144

خصوصا مع الاستدلال عليه- كما فى الخلاف و غيره- بقوله تعالى:

فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، بناء على: ان القيمة مماثل للتالف فى المالية، فان ظاهر ذلك جعلها من باب الاقرب الى التالف بعد تعذر المثل.

و كيف كان فقد حكى الخلاف فى ذلك عن الاسكافى، و عن الشيخ و المحقق فى الخلاف و الشرائع فى باب القرض

______________________________

(خصوصا مع الاستدلال عليه) اى على الضمان (- كما فى الخلاف و غيره- بقوله تعالى: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ،) فان المنشأ للضمان:

لو كان هذا لزم ان نقول: بالمثل، الا ما خرج بالدليل من القيميات التى لا مثل لها- عرفا- فالمثلى و القيمى الّذي له مثل- عرفا- مشمولان للآية الكريمة- فانهم انما يقولون: بالقيمة- فى القيميات و يستفادون ذلك من الآية (بناء على: ان القيمة مماثل للتالف فى المالية) اذا فالمماثل للتالف، فى الشكل و المالية، اولى بان يكون مستفادا من الآية (فان ظاهر ذلك) الاستدلال بالآية، لوجوب القيمة فى الاشياء القيمية (جعلها) اى القيمة (من باب الاقرب الى التالف بعد تعذر المثل) فاذا لم يتعذر المثل بان كان للعبد، مثل عرفى- مثلا- لم يكن وجه للذهاب الى ضمانه بالقيمة.

(و كيف كان فقد حكى الخلاف فى ذلك) اى فى لزوم القيمة فى القيمى (عن الاسكافى، و عن الشيخ، و المحقق فى الخلاف، و الشرائع فى باب القرض) فقالوا: بالمثل فى القيمى أيضا خلافا للمشهور الذين قالوا

ص: 145

فان ارادوا ذلك مطلقا، حتى مع تعذر المثل، فيكون القيمة عندهم بدلا عن المثل، حتى يترتب عليه وجوب قيمة يوم دفعها كما ذكروا ذلك احتمالا فى مسألة تعين القيمة متفرعا على ذلك القول، فيردّه اطلاقات الروايات الكثيرة، فى موارد كثيرة

منها صحيحة ابى ولاد الآتية

______________________________

بالقيمة فى القيمى (فان ارادوا ذلك) المثل فى القيمى (مطلقا) سواء تعذر المثل أم لم يتعذر؟ (حتى) يجب المثل (مع تعذر المثل، فيكون القيمة عندهم بدلا عن المثل) فاذا اتلف عبدا، و لم يكن له مثل فى الخارج كان اللازم فرض مثل لذلك العبد، و يكون المتلف ضامنا لذلك المثل المفقود، و اذا اعطى القيمة فانما هى قيمة المثل، لا قيمة العين المتلفة (حتى يترتب عليه) اى على وجوب المثل (وجوب قيمة يوم دفعها) فاذا كان العبد فى يوم التلف يسوى الفا، و فى يوم الدفع مائة، او الفين، وجب على المتلف اعطاء المائة او الالفين، لانه يوم تحول المثل الى القيمة (كما ذكروا ذلك) اى وجوب دفع قيمة يوم الدفع (احتمالا فى مسألة تعين القيمة متفرعا على ذلك القول) اى القول بوجوب دفع القيمة، فان القائل بوجوب دفع قيمة العبد- لا مثله- احتمل وجوب قيمة يوم التلف، و قيمة يوم الدفع (فيرده) خبر قوله: فان ارادوا، و جملة: كما ذكروا، معترضة (اطلاقات الروايات الكثيرة، فى موارد كثيرة) حيث: انها اطلقت القيمة، الظاهرة فى انها بدل التالف، لا انها بدل المثل.

(منها صحيحة ابى ولاد الآتية) حيث قال: عليه قيمة بغل، و لم يقل

ص: 146

و منها رواية تقويم العبد، و منها ما دل على: انه اذا تلف الرهن بتفريط المرتهن سقط من دينه، بحساب ذلك، فلو لا ضمان التالف بالقيمة لم يكن وجه لسقوط الدين، بمجرد ضمان التالف و منها غير ذلك من الاخبار الكثيرة و ان ارادوا انه مع تيسر المثل يجب المثل لم يكن بعيدا نظرا الى ظاهر آية:

الاعتداء، و نفى الضرر لان خصوصيات الحقائق قد تقصد

______________________________

مثل بغل (و منها رواية تقويم العبد، و منها ما دل على: انه اذا تلف الرهن بتفريط المرتهن سقط من دينه) اى دين الراهن الّذي اخذ المال من المرتهن (بحساب ذلك) الرهن الّذي تلف مثلا اعطى زيد داره لمحمد فى مقابل الف دينار اخذه محمد قرضا فاذا تلف محمد داره و كانت تسوى خمسمائة دينار سقط من ذمة زيد خمسمائة و وجب عليه ان يعطى لمحمد خمسمائة فقط و هذا يدل على ان الرهن انما يقوم لا انه يجب اعطاء مثله و الا كان اللازم على محمد ان يعطى لزيد مثل داره و يأخذ من زيد الألف الّذي دفعه إليه (فلو لا ضمان التالف بالقيمة) لا بالمثل (لم يكن وجه لسقوط الدين، بمجرد ضمان التالف).

اقول: اشكل السيد صاحب العروة فى وجود هذه الرواية فراجع (و منها غير ذلك من الاخبار الكثيرة) التى مرت جملة منها: دالة على لزوم القيمة فلا وجه لاطلاق القول بلزوم المثل (و ان ارادوا انه مع تيسر المثل يجب المثل) دون القيمة (لم يكن) كلامهم (بعيدا) عن الصواب (نظرا الى ظاهر آية: الاعتداء) فانها تدل: على المثل، الا ما خرج من القيميات التى لا مثل لها (و نفى الضرر) فان اعطاء القيمة دون المثل ضرر على المغصوب منه (لان خصوصيات الحقائق قد تقصد) فقصد المالك ان يكون له عبدا و

ص: 147

اللهم الا ان يحقق اجماع على خلافه و لو من جهة ان ظاهر كلمات هؤلاء اطلاق القول: بضمان المثل، فيكون الفصل بين التيسر و عدمه، قولا ثالثا فى المسألة.

ثم انهم اختلفوا فى تعيين القيمة فى المقبوض بالبيع الفاسد

فالمحكى فى غاية المراد عن الشيخين و اتباعهما، تعين

______________________________

بغل، لا: ان يكون له قيمة ذلك، اذ اشترائه بالقيمة شاق عليه.

بالإضافة الى بعض الروايات الدالة على المثل فى القيمى، كالمروى عن العامة: ان امرأة كسرت قصعة اخرى فدفع النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قصعة الكاسرة الى صاحبة المكسورة، و حبس المكسورة فى بيته، و فى حديث آخر ان النبي استقرض بكرا، فامر برد مثله، بل خبر اسحاق بن عمار قلت: لابى عبد الله عليه السلام استقرض الرغيف. من الجيران، و نأخذ الكبير و نعطى صغيرا و نعطى كبيرا، قال عليه السلام: لا بأس، الى غيرها من الروايات.

(اللهم الا ان يحقق اجماع على خلافه) و انه لا يجوز فى القيمى الا القيمة لا المثل (و لو من جهة ان ظاهر كلمات هؤلاء اطلاق القول: بضمان المثل) من غير فرق بين ان يكون تيسر المثل أم لا؟ (فيكون الفصل بين التيسر) للمثل، فيجب المثل (و عدمه) اى عدم التيسر، فتجب القيمة (قولا ثالثا فى المسألة) و هذا مما لا يجوز احداثه و الله العالم.

(ثم انهم اختلفوا فى تعيين القيمة فى المقبوض بالبيع الفاسد) قيمة اىّ يوم هى (فالمحكى فى غاية المراد عن الشيخين و اتباعهما، تعين

ص: 148

قيمة يوم التلف، و عن الدروس و الروضة نسبته الى الاكثر.

و الوجه فيه على ما نبّه عليه جماعة، منهم العلامة فى السرائر: ان الانتقال الى البدل، انما هو يوم التلف، اذ: الواجب قبله هو رد العين

و ربما يورد عليه: ان يوم التلف يوم الانتقال الى القيمة، اما كون المنتقل إليها قيمة يوم التلف فلا.

و يدفع بان معنى: ضمان العين عند قبضه، كونه فى عهدته، و معنى ذلك

______________________________

قيمة يوم التلف و عن الدروس و الروضة نسبته) اى هذا القول (الى الاكثر، و الوجه فيه) اى فى كون المعيار قيمة يوم التلف (على ما نبه عليه جماعة:

منهم العلامة فى السرائر: ان الانتقال الى البدل انما هو يوم التلف) لا بعده، و لا قبله (اذ الواجب قبله هو رد العين) و اليوم الّذي بعد يوم التلف ليست العين فى الذمة، بل القيمة فارتفاع العين- لو كانت- و انخفاضها لا يؤثران فى الضمان.

(و ربما يورد عليه: ان يوم التلف يوم الانتقال الى القيمة) هذا صحيح لانه اذا لم يمكن العين وجب قيمتها (اما كون المنتقل إليها قيمة يوم التلف فلا) دليل على ذلك، فلعل المنتقل إليها قيمة ما اعم من قيمة يوم الغصب، او التلف، او ما بعد ذلك، او اعلى القيم.

(و يدفع) هذا الايراد (بان معنى: ضمان العين عند قبضه) المستفاد من قوله: على اليد ما اخذت، (كونه) اى الشي ء المقبوض (فى عهدته) اى عهدة القابض، و ذمته (و معنى ذلك) الكون فى العهدة

ص: 149

وجوب تداركه ببدله عند التلف، حتى يكون عند التلف كانّه لم يتلف، و تداركه على هذا النحو بالتزام مال معادل له قائم مقامه.

و مما ذكرنا ظهر ان الاصل فى ضمان التالف ضمانه بقيمته يوم التلف فان خرج المغصوب من ذلك- مثلا- فبدليل خارج.

نعم لو تم ما تقدم عن الحلى فى هذا المقام من دعوى الاتفاق على كون البيع فاسدا بمنزلة

______________________________

(وجوب تداركه ببدله عند التلف، حتى يكون) الشي ء (عند التلف كانه لم يتلف) لان بدله يوصل الى المالك (و تداركه) ببدله (على هذا النحو) كانه لم يتلف، انما هو (بالتزام مال معادل له قائم مقامه) و قوله: و تداركه، مبتدأ، و: بالتزام، خبره، فالحاصل: انه اذا تلف اعطى المتلف ماليته.

(و مما ذكرنا ظهر: ان الاصل فى ضمان التالف، ضمانه بقيمته يوم التلف) فالضمان بالقيمة يوم التلف، و المنتقل إليها قيمة يوم التلف أيضا و هذا الحكم عام بالنسبة الى كل انواع الضمان، كالمقبوض بالسوم و البيع الفاسد، و الغصب، و غيرها (فان خرج المغصوب من ذلك) الاصل الكلى (مثلا) بان قلنا: المغصوب يضمن بقيمة يوم الغصب، او اعلى القيم او ما اشبه (فبدليل خارج) سبب ذلك الدليل ان نخرج عن الاصل الكلى الّذي مقتضاه قيمة يوم التلف.

(نعم لو تم ما تقدم عن الحلى فى هذا المقام) اى مقام ضمان البيع الفاسد (من دعوى الاتفاق على كون البيع فاسدا) اى بالبيع الفاسد (بمنزلة

ص: 150

المغصوب الا فى ارتفاع الاثم، الحقناه بالمغصوب، ان ثبت فيه حكم مخالف لهذا الاصل، بل يمكن ان يقال: اذا ثبت فى المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب، كما هو ظاهر صحيحة ابى ولاد الآتية كشف ذلك عن عدم اقتضاء اطلاقات الضمان لاعتبار قيمة يوم التلف، اذ يلزم حينئذ ان يكون المغصوب عند كون قيمته يوم التلف اضعاف ما كانت يوم الغصب غير واجب التدارك عند التلف، لما ذكرنا من ان معنى التدارك التزام بقيمته يوم وجوب التدارك

______________________________

المغصوب الا فى ارتفاع الاثم) حيث لا اثم فى البيع الفاسد، مما هو موجود فى المغصوب (الحقناه) اى المبيع بالبيع الفاسد (بالمغصوب، ان ثبت فيه) اى فى المغصوب (حكم مخالف لهذا الاصل) الاولى الّذي هو ضمان قيمة يوم الغصب- مثلا- (بل يمكن ان يقال: اذا ثبت فى المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب، كما هو ظاهر صحيحة ابى ولاد الآتية) حيث قال عليه السلام: قيمة بغل يوم خالف (كشف ذلك) الاعتبار بقيمة يوم الغصب (عن عدم اقتضاء اطلاقات الضمان لاعتبار قيمة يوم التلف، اذ) كيف يمكن ان يكون المغصوب اخف حكما من غير المغصوب؟ فانه (يلزم حينئذ) اى حين كان الاعتبار فى المغصوب يوم الغصب لا يوم التلف (ان يكون المغصوب عند كون قيمته يوم التلف اضعاف ما كانت) قيمته (يوم الغصب) كما لو كان يوم الغصب يسوى بالف، و يوم التلف بعشرة آلاف (غير واجب التدارك عند التلف)

و انما لم يكن واجبا تداركه (لما ذكرنا من ان معنى التدارك التزام بقيمته يوم وجوب التدارك) فتحصل ان المصنف ذكر أولا: ان مقتضى

ص: 151

نعم لو فرض دلالة الصحيحة على وجوب اعلى القيم، امكن جعل التزام الغاصب بالزائد، على مقتضى التدارك مؤاخذة له باشقّ الاحوال فالمهمّ حينئذ صرف الكلام الى معنى الصحيحة بعد ذكرها ليلحق به البيع الفاسد

______________________________

الاصل فى موارد الضمان مطلق يوم التلف، ثم استثنى المغصوب، فضمانه عند الغصب بمقتضى صحيحة ابى ولاد، ثم الحق بالغصب سائر موارد الضمان- و عليه ينقلب الاصل الاولى- لانه لو كان فى الغصب الاعتبار بيوم الغصب، و فى سائر الموارد بيوم التلف، لزم ان يكون المغصوب احسن حالا.

اللهم الا اذا قلنا: بان مفاد الصحيحة وجوب اعلى القيم، فنقول:

الاصل فى جميع موارد الضمان، يوم التلف، الا المغصوب.

و الى هذا اشار بقوله: (نعم لو فرض دلالة الصحيحة على وجوب اعلى القيم) كما يأتى تقريب ذلك (امكن جعل التزام الغاصب بالزائد) على يوم التلف- فيما كان يوم التلف عشرة، و فى يوم آخر بعشرين- مثلا- (على مقتضى التدارك) و مقتضى التدارك: هو يوم التلف و: على، متعلق ب: الزائد، (مؤاخذة له باشق الاحوال) و حينئذ يبقى الاصل- و هو الضمان يوم التلف- سالما عن الايراد، و يخرج منه الغصب فقط بدليل خاص (فالمهمّ حينئذ) اى حين توقف معرفة الضمان فى سائر الموارد على معرفة الضمان فى الغصب، و انه يوم التلف، او يوم الغصب او اعلى القيم (صرف الكلام الى معنى الصحيحة) لابى ولاد (بعد ذكرها ليلحق به) اى بذلك المعنى (البيع الفاسد) و ان ضمانه يوم التلف،

ص: 152

اما لما ادعاه الحلى، و اما لكشف الصحيحة عن معنى التدارك، و الغرامة فى المضمونات، و كون العبرة فى جميعها بيوم الضمان، كما هو احد الاقوال فيما نحن فيه، من البيع الفاسد.

و حيث ان الصحيحة مشتملة على احكام كثيرة، و فوائد خطيرة، فلا بأس بذكرها جميعا، و ان كان الغرض متعلقا ببعضها.

فروى الشيخ فى الصحيح عن ابى ولاد، قال: اكثريت بغلا الى قصر بنى هبيرة

______________________________

او يوم القبض، اذ حال البيع الفاسد حال الغصب (اما لما ادعاه الحلى) من الاجماع، على ان حال البيع الفاسد حال الغصب (و اما لكشف الصحيحة عن معنى التدارك و الغرامة فى المضمونات) فلما دل الدليل على التدارك و الغرامة فى البيع الفاسد، كان معنى التدارك هنا هو معنى التدارك فى الصحيحة، و قول المصنف: «اما» و «اما» لبيان اتحاد حكم المغصوب و البيع الفاسد، (و كون العبرة فى جميعها) اى المضمونات (بيوم الضمان) الّذي هو مثل يوم الغصب (كما هو) اى كون الاعتبار بيوم الضمان (احد الاقوال فيما نحن فيه، من البيع الفاسد) من بيان «ما» و «كون العبرة» عطف على «معنى التدارك»

(و حيث ان الصحيحة مشتملة على احكام كثيرة، و فوائد خطيرة) فى الفقه (فلا بأس بذكرها جميعا و إن كان الغرض) فى مقامنا هذا (متعلقا ببعضها، ف) نقول (روى الشيخ فى الصحيح عن ابى ولاد، قال: اكثرين بغلا الى قصر بنى هبيرة) و كان بين الكوفة و بغداد بينه و بين كل منهما

ص: 153

ذاهبا، و جائيا بكذا و كذا، و خرجت فى طلب غريم لى فلما صرت قرب قنطرة الكوفة، خبرت ان صاحبى توجه الى النيل، فتوجهت نحو النيل، فلما اتيت النيل، خبرت انه توجه الى بغداد، فاتبعته و ظفرت به، و فرغت مما بينى و بينه، و رجعت الى الكوفة، و كان ذهابى و مجي ء خمسة عشر يوما، فاخبرت صاحب البغل بعذرى، واردت ان اتحلل منه فيما صنعت، و ارضيه، فبذلت له خمسة عشر درهما، فابى ان يقبل، فتراضينا بابى حنيفة، و اخبرته بالقصة، و اخبره الرجل فقال: لى ما صنعت بالبغل؟ فقلت: رجعته سليما، قال:

______________________________

مسافة يومين (ذاهبا و جائيا بكذا و كذا) من الدراهم (و خرجت فى طلب غريم لى) كنت اطلبه شيئا (فلما صرت قرب قنظرة الكوفة، خبرت ان صاحبى توجه الى النيل) المراد بصاحبه، غريمه (فتوجهت نحو النيل، فلما اتيت النيل خبرت انه توجه الى بغداد) و النيل: موضع بين كوفة، و بغداد (فاتبعته و ظفرت به، و فرغت مما بينى و بينه) بتصفية الطلب، (و رجعت الى الكوفة، و كان ذهابى و مجي ء خمسة عشر يوما) مع ان المسافة المقررة بينى و بين صاحب البغل أربعة ايام حسب المسافة بين الكوفة و بنى هبيرة (فاخبرت صاحب البغل بعذرى، و اردت ان اتحلل منه فيما صنعت، و ارضيه فبذلت له خمسة عشر درهما) اى و هو ازيد من الاجرة المقررة أولا (فابى ان يقبل، فتراضينا بابى حنيفة) حكما فى الموضوع (و اخبرته بالقصة، و اخبره الرجل) أيضا (فقال: لى) ابو حنيفة (ما صنعت بالبغل؟) هل ارجعته أم لا؟ (فقلت: رجعته سليما قال:)

ص: 154

نعم بعد خمسة عشر يوما، قال فما تريد من الرجل؟ قال: اريد كراء بغلى فقد حبسه على خمسة عشر يوما، فقال: انى ما ارى لك حقا! لانه اكترى، الى قصر بنى هبيرة، فخالف فركبه الى النيل، و الى بغداد فضمن قيمة البغل، و سقط الكراء، فلما رد البغل سليما، و قبضته لم يلزمه الكراء قال: فخرجنا من عنده، و اخذ صاحب البغل يسترجع فرحمته مما افتى به ابو حنيفة، و اعطيته شيئا، و تحللت منه، و حججت

______________________________

صاحب البغل (نعم بعد خمسة عشر يوما) على خلاف الموعد المقرر (قال) ابو حنيفة لصاحب البغل: (فما تريد من الرجل) المكترى لبغلك؟ (قال) صاحب البغل: (اريد كراء بغلى، فقد حبسه على خمسة عشر يوما فقال) ابو حنيفة (انى ما ارى لك) يا صاحب البغل (حقا) على الرجل (لانه اكتراه الى قصر بنى هبيرة، فخالف فركبه الى النيل، و الى بغداد، فضمن) بسبب هذه المخالفة (قيمة البغل، و سقط الكراء) لانه لم يعمل بمقتضى الاجارة فيكون غاصبا، و الغاصب ضامن للقيمة (فلما رد البغل سليما، و قبضته لم يلزمه الكراء) لانه ساقط بالمخالفة، و الضمان أيضا سقط بالاقباض لك، فلا شي ء على الرجل حتى اصل الاجرة التى كانت بينكما (قال) الرجل: (فخرجنا من عنده، و اخذ صاحب البغل يسترجع) اى يقول: انا لله و انا إليه راجعون، و ذلك لانه لم يحصل على شي ء بعد ان كان لا يرضى بخمسة عشر درهما (فرحمته مما افتى به ابو حنيفة، و اعطيته شيئا) مجانا (و تحللت منه) اى قلت له: اجعلنى فى حل (و حججت

ص: 155

تلك السنة، فاخبرت أبا عبد الله عليه السلام، بما افتى به ابو حنيفة، فقال فى مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء مائها، و تحبس الارض بركاتها فقلت: لابى عبد الله عليه السلام فما ترى انت، جعلت فداك؟ قال عليه السلام: ارى له عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة الى النيل و ذاهبا من النيل الى بغداد، و مثل كراء البغل من بغداد الى الكوفة و توفيه اياه، قال: قلت: جعلت فداك، فقد علفته بدراهم، فلى عليه علفة، قال: لا، لانك غاصب.

______________________________

تلك السنة، فاخبرت أبا عبد الله) الصادق (عليه السلام بما افتى به ابو حنيفة) و بالقصة (فقال) عليه السلام: (فى مثل هذا القضاء) الّذي قضى به ابو حنيفة (و شبهه) من الحكم بالباطل (تحبس السماء مائها و تحبس الارض بركاتها) لعله اشارة الى قوله سبحانه: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرىٰ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنٰا عَلَيْهِمْ بَرَكٰاتٍ مِنَ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ، وَ لٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنٰاهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ، (فقلت: لابى عبد الله عليه السلام فما ترى انت جعلت فداك؟ قال عليه السلام: ارى له عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة الى النيل، و ذاهبا من النيل الى بغداد) و لعل الامام لم يقل من الكوفة الى بغداد، لاختلاف القيمة من الكوفة الى بغداد، و من الكوفة الى النيل، ثم منه الى بغداد (و مثل كراء البغل من بغداد، الى الكوفة، و توفيه اياه) عطف على: عليك، اى واجب عليك ذمة و واجب ان تعطيه اياه أيضا (قال: قلت: جعلت فداك فقد علفته) اى البغل (بدراهم فلى عليه علفة قال) عليه السلام (لا، لانك غاصب) بخلاف

ص: 156

قلت: أ رأيت لو عطب البغل او نفق أ ليس كان يلزمنى؟ قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت: فان اصاب البغل عقر، او كسر، او دبر، قال: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه، قلت: فمن يعرف ذلك؟

قال: انت و هو، اما ان يحلف هو، فيلزمك، و ان ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة، لزمك ذلك او يأتى

______________________________

المأذون الّذي له على المالك ان يوفى ما انفقه على بغله، لاحترام مال المسلم، اما الغاصب فقد اذهب احترام مال نفسه (قلت: أ رأيت) اى اخبرنى (لو عطب البغل) و هلك (او نفق) و صار فيه جرح، او ما اشبه (أ ليس كان يلزمنى؟). شي ء فى الخسارة (قال: نعم) كان يلزمك (قيمة بغل يوم خالفته) اى خالفت مالك البغل (قلت: فان اصاب البغل عقرا و كسر او دبر) ما ذا كان يلزمنى، و العقر الجرح و الدبر بالتحريك قرحة الدابة، و الكسر واضح (قال: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه) فاذا كانت قيمة الصحيح مائة، و المعيوب تسعين لزمه اعطاء عشرة بالإضافة الى رد الدابة (قلت: فمن يعرف ذلك) التفاوت بين الصحيحة و المعيبة (قال) عليه السلام: (انت و هو) اى انه مربوط بالعرف و انتما من العرف، و لدى الاختلاف فى القيمة (اما ان يحلف هو) صاحب البغل (فيلزمك) بمقدار ما حلف (و ان ردّ اليمين عليك) و لم يحلف (فحلفت) انت (على القيمة، لزمك ذلك) المقدار الّذي انت اعترفت به، مثلا قال صاحب البغل هو مائة، و قلت: انت هو تسعين، فان حلف هو لزمك المائة، و ان رد الحلف و حلفت انت لزمك التسعون (او يأتى

ص: 157

صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك، فقلت: انى كنت اعطيته دراهم و رضى بها، و حللنى، فقال عليه السلام: انما رضى بها و حللك حين قضى عليه ابو حنيفة بالجور و الظلم و لكن ارجع إليه فاخبره بما افتيتك به، قال جعلك فى حل بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك، الخبر

و محل الاستشهاد فيه فقرتان، الاولى: قوله: نعم قيمة بغل يوم خالفته الى ما بعد، فان الظاهر ان اليوم قيد للقيمة، اما باضافة القيمة المضافة الى البغل إليه ثانيا، يعنى قيمة يوم المخالفة للبغل ف

______________________________

صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك) و يقوم الشهود مقام الحلف (فقلت: انى كنت) قد (اعطيته دراهم و رضى) صاحب البغل (بها) اى بالدراهم (و حللنى، فقال عليه السلام انما رضى) صاحب البغل (بها، و حللك حين قضى عليه ابو حنيفة بالجور و الظلم، و لكن) انت (ارجع إليه) اى الى صاحب البغل (فاخبره بما افتيتك به، قال جعلك فى حل بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك) انتهى موضع الحاجة من (الخبر، و محل الاستشهاد فيه فقرتان، الاولى: قوله) عليه السلام (نعم: قيمة بغل يوم خالفته الى ما بعد) هذه الفقرة (فان الظاهر) عند العرف من هذه الفقرة (ان اليوم قيد للقيمة) اى قيمة يوم المخالفة- و هو يوم الغصب- (اما باضافة القيمة المضافة الى البغل إليه) اى الى: اليوم، (ثانيا) فيكون الكلام هكذا: قيمة بغل،: قيمة يوم، (يعنى قيمة يوم المخالفة للبغل، ف) ان

ص: 158

يكون اسقاط حرف التعريف من: البغل، للاضافة، لا لان ذا القيمة، بغل غير معين، حتى توهم الرواية مذهب من جعل القيمى مضمونا بالمثل، و القيمة، انما هى قيمة المثل.

و اما بجعل: اليوم، قيدا للاختصاص الحاصل من اضافة: القيمة، الى: البغل، و اما ما احتمله جماعة من تعلق الظرف بقوله: نعم، القائم مقام قوله عليه السلام: يلزمك، يعنى: يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل، فبعيد جدا.

______________________________

قلت: فاللازم ان يقول: قيمة البغل، باللام، لا: قيمة بغل، بالتنكير، قلت:

(يكون اسقاط حرف التعريف من البغل، للاضافة) الى يوم، اى: بغل يوم المخالفة، (لا لان ذا القيمة بغل غير معين) فليست الكلمة نكرة، و انما هى معرفة، حذفت اللام منها لقصد الاضافة (حتى توهم الرواية) بناء على نكرية البغل (مذهب من جعل القيمى مضمونا بالمثل) لان معناها حينئذ:

قيمة بغل، مماثل للبغل المكترى (و القيمة) التى يجب اعطائها (انما هى قيمة المثل) لا قيمة نفس الشي ء- اى البغل المكترى- (و اما بجعل:

اليوم، قيدا للاختصاص الحاصل من اضافة: القيمة، الى: البغل،) اى قيدا للمعنى- لا انه قيد للقيمة- و إن كان اوّل المعنى الى المعنى الاول أيضا (و اما ما احتمله جماعة من تعلق الظرف) اى: يوم، (بقوله: نعم، القائم مقام قوله عليه السلام: يلزمك،) فيوم، متعلق بيلزمك (يعنى: يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل) و عليه فلا دلالة فى الرواية لتعيين مقدار القيمة (فبعيد جدا) لان مقتضى القاعدة الادبية تعلق الظرف بالاقرب فالاقرب

ص: 159

بل غير ممكن، لان السائل انما سئل عما يلزمه بعد التلف، بسبب المخالفة بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان، كما يدل عليه:

أ رأيت لو عطب البغل، او نفق، أ ليس كان يلزمنى؟ فقوله: نعم، يعنى:

يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة، قيمة بغل يوم خالفته،

و قد اطنب بعض من جعل الفقرة ظاهرة فى تعلق الظرف بلزوم القيمة عليه، و لم يأت بشي ء يساعده التركيب اللغوى، و لا المتفاهم العرفى

______________________________

(بل غير ممكن لان السائل انما سئل) الامام عليه السلام (عما يلزمه بعد التلف) للبغل (بسبب المخالفة) الظرف متعلق ب: يلزمه، (بعد العلم) من السائل (بكون زمان المخالفة) هو (زمان حدوث الضمان) فجواب الامام: بان الضمان فى يوم المخالفة، لا فائدة فيه اصلا (كما يدل عليه:) اى على ان السائل كان عالما بكون زمان المخالفة هو زمان الضمان، قوله:

(أ رأيت لو عطب البغل، او نفق أ ليس كان يلزمنى؟) فالسائل يعرف بانه ملتزم، و انما يسأل من شي ء آخر (فقوله) عليه السلام (نعم، يعنى يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة) لصاحب البغل (قيمة بغل يوم خالفته) فتدل الرواية: على ان الضمان انما هو بقيمة يوم المخالفة.

(و قد اطنب) و اطال (بعض من جعل الفقرة) المذكورة من الرواية (ظاهرة فى تعلق الظرف بلزوم القيمة عليه) يعنى يلزمك يوم المخالفة (و لم يأت بشي ء يساعده التركيب اللغوى، و لا المتفاهم العرفى) و قد نظر بعض المعلقين فى كلام المصنف بما هو خارج عن وضع الشرح، فعلى الراغب ان يراجع الحواشى و التعليقات.

ص: 160

«الثانية»: قوله او يأتى صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل يوم اكترى كذا و كذا، فان اثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوى فيه، لعدم الاعتبار به، فلا بد ان يكون الغرض منه اثبات قيمة يوم المخالفة، بناء على انه يوم الاكتراء، لان الظاهر من صدر الرواية انه خالف المالك بمجرد خروجه من الكوفة، و من المعلوم ان اكتراء البغل لمثل تلك المسافة القليلة، انما يكون يوم الخروج، او فى عصر اليوم السابق

______________________________

( «الثانية»: قوله) عليه السلام (او يأتى صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل يوم اكترى كذا و كذا).

و وجه دلالة هذه الفقرة على ما نحن فيه، الاعتبار بيوم الاكتراء (فان اثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوى) و لا فائدة (فيه لعدم الاعتبار به) اى بيوم الاكتراء اذ: يوم الاكتراء ليس يوم الضمان (فلا بد ان يكون الغرض منه) اى من يوم الاكتراء (اثبات قيمة يوم المخالفة، بناء على انه يوم الاكتراء) أيضا (لان الظاهر من صدر الرواية) حيث قال: فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت الخ، فان قنطرة الكوفة يصل إليها الانسان فى نفس اليوم على الظاهر، و من القنطرة خالف المكترى و (انه خالف المالك بمجرد خروجه من الكوفة، و من المعلوم ان اكتراء البغل لمثل تلك المسافة القليلة) بين الكوفة و بين قنطرتها (انما يكون يوم الخروج، او فى عصر اليوم السابق) بان اكترى البغل عصرا، و خرج صباحا، لان يكترى الانسان البغل فى يوم و يخرج بعد ذلك باسبوع، او شهر، او ما اشبه

ص: 161

و معلوم أيضا عدم اختلاف القيمة فى هذه المدة القليلة.

و اما قوله عليه السلام: فى جواب السؤال عن اصابة العيب: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده، فالظرف: متعلق ب: عليك، لا قيد للقيمة، اذ لا عبرة فى ارش العيب بيوم الرد اجماعا، لان النقص الحادث تابع فى تعيين يوم قيمته لاصل العين

______________________________

(و معلوم أيضا عدم اختلاف القيمة) للبغل (فى هذه المدة القليلة) بين الاكتراء، و بين المخالفة.

(و اما قوله عليه السلام: فى جواب السؤال عن اصابة العيب:) حيث سئل السائل فان اصاب البغل عقر الخ (عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده) حيث ربما يزعم ان: يوم، متعلق ب: القيمة، فالمعتبر قيمة يوم الرد لا قيمة يوم المخالفة (فالظرف) و هو «يوم» (متعلق بعليك) اى عليك فى يوم الرد ان تعطيه القيمة الفلانية (لا قيد للقيمة).

و ان قلت: ان: عليه، يوم المخالفة، لا يوم الرد، قلت: انما يرد القيمة فى يوم الرد، و بهذا الاعتبار، قال عليه السلام: «يوم ترده» و الا فمن المعلوم ان الضمان انما يكون يوم المخالفة، و انما قلنا: لا قيد للقيمة، (اذ لا عبرة فى ارش العيب بيوم الرد اجماعا) فهذا الاجماع كاشف عن ان مراد الامام عليه السلام: لم يكن القيمة يوم الرد، بل: الضمان، اى- عليك- يوم الرد، (لان النقص الحادث تابع فى تعيين يوم قيمته لاصل العين) «لاصل» متعلق ب: تابع،

فاذا قلنا: بان المدار فى قيمة العين على يوم الغصب، فكذلك

ص: 162

فالمعنى عليك اداء الارش يوم رد البغلة

و يحتمل ان يكون، قيدا للعيب، و المراد العيب الموجود فى يوم الرد، لاحتمال ازدياد العيب الى يوم الرد، فهو المضمون دون العيب القليل الحادث أولا.

لكن، يحتمل ان يكون العيب قد تناقص الى يوم الرد، و العبرة حينئذ بالعيب الموجود حال حدوثه لان المعيب لو ردّ الى الصحة

______________________________

نقول: فى النقص، فتقوم العين فى يوم الغصب صحيحة و معيبة، و يؤخذ بتلك النسبة، و على هذا فلا عبرة فى ارش العيب بيوم الرد (فالمعنى) لقوله عليه السلام: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده، (عليك اداء الارش يوم رد البغلة) هذا.

(و يحتمل ان يكون) الظرف اى: يوم، فى كلام الامام عليه السلام (قيدا للعيب، و المراد العيب الموجود فى يوم الرد) فعيب يوم الرد مضمون (لاحتمال ازدياد العيب الى يوم الرد) مثلا كان العيب يوم التعيب عشرة، و يوم الرد مائة (فهو المضمون دون العيب القليل الحادث أولا) اوّل الامر لان فى يد الغاصب تعيب البغل بهذا العيب الكثير.

(لكن) هذا الاحتمال ضعيف، لان مقتضاه: انه لو نقص العيب كان الضمان لذلك الناقص فقط، كما لو تعيب او لا بمائة، ثم صار عشرة، كان اللازم على هذا القول ضمانه بعشرة و هذا غير تام، اذ (يحتمل ان يكون العيب قد تناقص الى يوم الرد، و العبرة حينئذ) اى حين التناقص (بالعيب الموجود حال حدوثه) لا حال نقصه (لان المعيب لورد الى الصحة)

ص: 163

او نقص، لم يسقط ضمان ما حدث منه و ارتفع على مقتضى الفتوى، فهذا الاحتمال من هذه الجهة، ضعيف أيضا فتعين تعلقه بقوله: عليك.

و المراد بقيمة ما بين الصحة و العيب: قيمة التفاوت بين الصحة و العيب و لا تعرض فى الرواية ليوم هذه القيمة فيحتمل يوم الغصب، و يحتمل يوم حدوث العيب الّذي هو يوم تلف وصف الصحة الّذي هو

______________________________

بان صح البغل بعد تعيبه (او نقص) العيب، بان صار اقل (لم يسقط ضمان ما حدث منه و ارتفع) فى صورة ارتفاع العيب كليا (على مقتضى الفتوى) فان العلماء يفتون بذلك.

و وجهه ان العيب صار فى ذمة الغاصب، و لا دليل على سقوطه بعد ارتداد البغل صحيحا، او بعد ان قل عيبه (فهذا الاحتمال) اى احتمال تعلق: يوم، فى كلام الامام ب: عيب، (من هذه الجهة) اى الجهة التى ذكرناها بقولنا: لكن، (ضعيف أيضا) كضعف الاحتمال السابق الّذي رددناه بقولنا: اذ لا عبرة فى ارش، (فتعين تعلقه) اى:

يوم، (بقوله: عليك) لا ب: عيب، و لا ب: قيمة، (و المراد بقيمة ما بين الصحة و العيب،) فى كلام الامام عليه السلام (قيمة التفاوت بين الصحة و العيب) كما هو واضح (و لا تعرض فى الرواية ليوم هذه القيمة) و انه يلاحظ اى الايام لاخذ التفاوت (فيحتمل يوم الغصب، و يحتمل يوم حدوث العيب الّذي هو يوم تلف وصف الصحة) بان يؤخذ التفاوت بين يوم الغصب صحيحا و مريضا، او بين يوم العيب صحيحا و مريضا (الّذي هو) اى وصف

ص: 164

بمنزلة جزء العين فى باب الضمانات، و المعاوضات و حيث عرفت ظهور الفقرة السابقة عليه و اللاحقة له، فى اعتبار يوم الغصب، تعين حمل هذا أيضا على ذلك.

نعم: يمكن ان يوهن ما استظهرناه من الصحيحة: بانه لا يبعد ان يكون مبنى الحكم فى الرواية على ما هو الغالب، فى مثل مورد الرواية من عدم اختلاف قيمة البغل فى مدة خمسة عشر يوما

______________________________

الصحة (بمنزلة جزء العين فى باب الضمانات، و المعاوضات) فان للصحة ثمنا فكانما جزء للعين (و حيث عرفت ظهور الفقرة السابقة عليه) اى على قوله: قيمة ما بين الصحة و العيب، (و اللاحقة له) و الفقرة السابقة هى قوله عليه السلام: قيمة بغل يوم خالفته، و اللاحقة هى قوله عليه السلام قيمة البغل حين اكترى، (فى اعتبار يوم الغصب تعين حمل هذا) اى قوله: قيمة ما بين الصحة و العيب، (أيضا على ذلك) لان وحدة المساق تدل على وحدة الإرادة من الفقرات الثلاثة.

(نعم: يمكن ان يوهن ما استظهرناه من الصحيحة) يعنى كون العبرة بيوم الغصب (بانه لا يبعد ان يكون مبنى الحكم) بقيمة يوم الغصب (فى الرواية) لا لاجل انه اذا اختلف يوم الغصب، و يوم التلف يكون الاعتبار أيضا بيوم الغصب، بل ذلك مبنى (على ما هو الغالب فى مثل مورد الرواية من: عدم اختلاف قيمة البغل فى مدة خمسة عشر يوما) كما فى الرواية انها كانت المدة بين اخذ البغل، و رده على صاحبه، و مع امكان هذا الاحتمال فى الرواية لا يبقى لها ظهور فيما ادعيناه من: ان العبرة بيوم

ص: 165

و يكون السرّ فى التعبير بيوم المخالفة، دفع ما ربما يتوهمه امثال صاحب البغل من العوام ان العبرة بقيمة ما اشترى به البغل، و ان نقص بعد ذلك، لانه خسّره المبلغ الّذي اشترى به البغلة

و يؤيده التعبير عن يوم المخالفة فى ذيل الرواية بيوم الاكتراء فان فيه اشعارا بعدم عناية المتكلم بيوم المخالفة، من حيث انه يوم المخالفة

______________________________

الغصب، حتى فى صورة اختلاف القيمة بين يوم الغصب، و بين التلف.

(و) ان قلت: الظاهر من قوله عليه السلام: يوم خالفته، خصوصية يوم المخالفة سواء تنزلت القيمة بعد الغصب أم لا؟

قلت: كلا، بل (يكون السرّ فى التعبير بيوم المخالفة دفع ما ربما يتوهمه امثال صاحب البغل من العوام ان العبرة) فى ضمان الضامن (بقيمة ما اشترى به البغل، و ان نقص بعد ذلك) و انما يتوهمون هذا التوهم (لانه) اى المتلف (خسّره) اى سبب خسارة المالك (المبلغ الّذي اشترى به البغلة) و لذا قال الامام: يوم المخالفة، ليدفع هذا التوهم.

(و يؤيده) اى عدم اعتبار يوم المخالفة، فى مقابل يوم التلف، و انما يوم المخالفة يراد به فى مقابل يوم اشتراء المالك- كما يتوهم العوام (التعبير عن يوم المخالفة فى ذيل الرواية بيوم الاكتراء) حيث قال عليه السلام: يوم اكترى، (فان فيه) اى فى هذا الاختلاف فى التعبير (اشعارا بعدم عناية المتكلم بيوم المخالفة، من حيث انه يوم المخالفة) و الّا لوحّد التعبير فى المقامين.

ص: 166

الا ان يقال: ان الوجه فى التعبير بيوم الاكتراء- مع كون المناط يوم المخالفة- هو: التنبيه على سهولة اقامة الشهود على قيمته فى زمان الاكتراء، لكون البغل فيه غالبا بمشهد من الناس، و جماعة من المكارين بخلاف زمان المخالفة من حيث انه زمان المخالفة فتغيير التعبير ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة، بل للتنبيه على سهولة معرفة القيمة بالبينة كاليمين فى مقابل قول السائل: و من يعرف ذلك

______________________________

(الا ان يقال:) لا اشعارية فى ما ذكرتم، اذ: (ان الوجه فى التعبير بيوم الاكتراء) فى ذيل الرواية (- مع كون المناط يوم المخالفة- هو: التنبيه على سهولة اقامة الشهود على قيمته فى زمان الاكتراء) حيث امر الامام عليه السلام: بالاحتياج الى الشهود، فكان محل توهم ان يقال: انه كيف يمكن اقامة الشهود على قيمة البغل يوم المخالفة؟ و الحال ان البغل فى الصحراء و لا شهود حاضرين، فنبّه الامام عليه السلام: الى ان شهود يوم الاكتراء كافية فى ذلك (لكون البغل فيه) اى فى يوم الاكتراء (غالبا بمشهد من الناس، و جماعة من المكارين بخلاف زمان المخالفة) حيث لا مكارى و لا شاهد (من حيث انه زمان المخالفة) نعم من حيث تساوى زمان المخالفة لزمان الاكتراء- فى القيمة- يمكن اقامة الشهود أيضا (فتغيير التعبير) بلفظ: يوم الاكتراء، بعد: يوم خالف، (ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة، بل للتنبيه على سهولة معرفة القيمة) للبغل (بالبينة) الموجودة يوم المخالفة، فكلام الامام عليه السلام:

(كاليمين فى مقابل قول السائل: و من يعرف ذلك) لا فى مقابل يوم

ص: 167

فتأمل.

و يؤيده أيضا قوله عليه السلام: فيما بعد فى جواب قول السائل: و من يعرف ذلك؟ قال: انت و هو، اما ان يحلف هو على القيمة فيلزمك، فان رد اليمين عليك فحلفت على القيمة، لزمه، او يأتى صاحب البغل بشهود يشهدون على ان قيمة البغل يوم اكترى كذا و كذا، فيلزمك الخبر فان العبرة لو كان بخصوص يوم المخالفة لم يكن وجه لكون القول

______________________________

المخالفة، حتى يكون تدافع بين: يوم المخالفة، و: يوم الاكتراء، (فتأمل) اذ: يبعد ان يكون تعبير الامام عليه السلام: بيوم اكترى، لاجل دفع توهم مشكلية اقامة البينة للقيمة فى يوم المخالفة.

(و يؤيده) اى يؤيد ما ذكرناه بقولنا: نعم يمكن ان يوهن، و هذا تأييد لعدم اعتبار: يوم المخالفة، (أيضا) كما وهناه سابقا بقولنا: بانه لا يبعد ان يكون، (قوله عليه السلام: فيما بعد فى جواب قول السائل: و من يعرف ذلك؟ قال) عليه السلام (انت و هو، اما ان يحلف هو على القيمة فيلزمك) ذلك المقدار الّذي حلف عليه (فان رد اليمين عليك، فحلفت) له (على القيمة) بان البغل يسوى اقل مما يدّعيه صاحب البغل (لزمه) فلا حق له فى الزيادة (او يأتى صاحب البغل بشهود يشهدون على ان قيمة البغل يوم اكترى كذا و كذا، فيلزمك) لانه مدع للزيادة، فاذا جاء بالشهود فله الحق، و الا فلا حق له اذا حلفت انت (الخبر) فان هذه القطعة من الخبر: تدل على عدم الاعتبار بيوم المخالفة (ف) وجه ذلك، اى قولنا:

يؤيده، (ان العبرة لو كان بخصوص يوم المخالفة لم يكن وجه لكون القول

ص: 168

قول المالك مع كونه مخالفا للاصل.

ثم لا وجه لقبول بينته لان من كان القول قوله، فالبينة بينة صاحبه و حمل الحلف هنا على الحلف المتعارف الّذي يرضى به المحلوف له و يصدقه فيه

______________________________

قول المالك) بحلفه (مع كونه مخالفا للاصل).

و الحاصل: ان الامام جعل: البينة، على المالك، و جعل: الحلف أيضا على المالك، و هذان لا يستقيمان الا بكون العبرة بيوم التلف، لا يوم المخالفة، و ذلك لان المالك ان ادعى الزيادة كان مدعيا، فالبينة، عليه و ان ادعى ان البغل بقى على قيمته السابقة و الغاصب انكر ذلك و قال: بل نقصت قيمته عن السابق، كان المالك منكرا فالحلف عليه، اما اذا كانت العبرة بيوم المخالفة فالمالك مدع، فالبينة عليه، و اذا لم يكن له بينة كان الحلف على الغاصب المنكر، و هذا الا يلائم قول الامام عليه السلام: اما ان يحلف هو على القيمة، فيلزمك، فان رد الحلف الخ.

(ثم) اذا كان الاعتبار بيوم المخالفة (لا وجه لقبول بينته) اى بينة المالك (لان من كان القول قوله) و هو المالك (فالبينة بينة صاحبه) اى الغاصب- لان الغاصب حينئذ مدع- (و حمل الحلف هنا على الحلف المتعارف الّذي يرضى به المحلوف له و يصدقه فيه) بان كانت البينة على المالك لانه يدعى الاكثر قيمة، و الحلف على الغاصب، لكن الامام انما قال: بان الحلف على المالك، باعتبار ان الغاصب، راض بحلفه، فليس الحلف حكما شرعيا، و انما من جهة رضا الغاصب، و كذا فى كل مورد رضى

ص: 169

من دون محاكمة.

و التعبير برده اليمين على الغاصب، من جهة: ان المالك اعرف بقيمة بغله- فكانّ الحلف حق له ابتداءً- خلاف الظاهر.

و هذا بخلاف ما لو اعتبرنا يوم التلف، فانه يمكن ان يحمل توجه

______________________________

المنكر بحلف المدعى، فانه ينجز حلفه، و يكون الحكم تابعا لحلفه (من دون محاكمة) شرعية، و انما بمجرد الرضا الخارجى بان يحلف المدّعى.

(و) ان قلت: هذا لا يلائم (التعبير) فى الرواية (برده اليمين على الغاصب) اذ: الرد اصطلاح فى ان يكون المنكر يرد اليمين، لا ان يرد المدعى.

قلت: هذا التعبير فى الرواية حيث قال عليه السلام: فان رد اليمين فحلفت له، (من جهة: ان المالك اعرف بقيمة بغله، فكانّ الحلف حق له ابتداءً) فان الاعرف احق بالحلف- عرفا- فالتعبير أيضا جار مجرى العرف، لا حسب موازين المدعى و المنكر (خلاف الظاهر) جواب قوله:

و حمل الحلف، اذ: الظاهران الائمة عليهم السلام يتكلمون بالاحكام الشرعية لا بالامور العرفية التى هى خلاف موازين الاوليات الشرعية

(و هذا) الاشكال وارد على اعتبار يوم المخالفة- كما ذكره الشيخ- (بخلاف ما لو اعتبرنا) الضمان فى (يوم التلف) فانه يستقيم توجه البينة على المالك، و الحلف عليه، و الرد الى الغاصب- كما فى الرواية- (فانه يمكن ان يحمل توجه) البينة عليه، لانه يدعى الاكثر فيحتاج الى البينة، و

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 6، ص: 171

ص: 170

اليمين على المالك، على ما اذا اختلفا فى تنزل القيمة يوم التلف، مع اتفاقهما، او الاطلاع من الخارج على قيمته سابقا، و لا شك حينئذ انّ القول قول المالك، و يكون سماع البينة فى صورة اختلافهما فى قيمة البغل سابقا، مع اتفاقهما على بقائه عليها الى يوم التلف، فتكون الرواية قد تكلفت بحكم صورتين من صور تنازعهما

______________________________

توجه (اليمين على المالك) يحمل (على ما اذا اختلفا فى تنزل القيمة يوم التلف، مع اتفاقهما، او الاطلاع من الخارج على قيمته سابقا) كما لو علما بانّ قيمة البغل يوم الاكتراء كانت عشرين، ثم قال: الغاصب انها يوم التلف عشرة، و قال: المالك بل العشرون باق على حاله، فان الغاصب حينئذ مدّع، و يتوجه إليه البيّنة، فاذا لم تكن له بينة كان الحلف على الغاصب، فاذا لم يحلف كان ردّا الى الغاصب (و لا شك حينئذ ان القول) فى عدم تنزل قيمة البغل (قول المالك) لان الاصل معه (و يكون سماع البيّنة) من المالك- كما قال الامام عليه السلام- انما هو فى غير هذه الصورة بل (فى صورة اختلافهما فى قيمة البغل سابقا) كما لو قال المالك كانت القيمة عشرين، و قال الغاصب: بل عشرة (مع اتفاقهما على بقائه عليها) اى على تلك القيمة (الى يوم التلف) حيث لا تكون هناك دعوى ثانية (ف) على هذا الّذي ذكرنا من كون البينة و الحلف كلتيهما على المالك (تكون الرواية قد تكلفت بحكم صورتين من صور تنازعهما) صورة الاختلاف فى قيمة البغل سابقا و البينة على المالك، و صورة الاختلاف فى تنزل القيمة حين الحلف و الحلف على المالك لان المالك فى الصورة الاولى مدع و فى

ص: 171

و يبقى بعض الصور، مثل دعوى المالك: زيادة قيمة يوم التلف عن يوم المخالفة، و لعل حكمها اعنى حلف الغاصب، يعلم من حكم عكسها المذكور فى الرواية.

و اما على تقدير كون العبرة فى القيمة بيوم المخالفة، فلا بد من حمل الرواية، على ما اذا اتفقا على قيمة اليوم السابق على يوم المخالفة، او اللاحق له، و ادعى الغاصب نقصانه عن تلك يوم المخالفة

______________________________

الصورة الثانية منكر (و يبقى بعض الصور) غير مذكورة فى الرواية (مثل دعوى المالك زيادة قيمة يوم التلف عن يوم المخالفة) و البينة هنا على المالك (و لعل حكمها اعنى) كون البينة على المالك و (حلف الغاصب) فى صورة عدم البينة (يعلم من حكم عكسها المذكور فى الرواية) و هو: صورة ادعاء الغاصب تنزل القيمة، و حكمه حلف المالك- لانه منكر-.

(و اما على تقدير كون العبرة فى القيمة بيوم المخالفة) كما استظهرنا أولا من الرواية (فلا بد من حمل الرواية) الدالة على حلف المالك- الظاهر منه كون المالك منكرا- (على ما اذا اتفقا على قيمة اليوم السابق على يوم المخالفة) بان قالا: كانت القيمة عشرين ثم ادعى الغاصب انها تنزلت الى عشرة (او اللاحق له) بان اتفقا ان القيمة بعد يوم المخالفة كانت عشرين (و ادعى الغاصب نقصانه عن تلك، يوم المخالفة) هذا فى صورة: الاتفاق على اليوم السابق، و ادعى الغاصب زيادته على يوم المخالفة و هذا فى صورة الاتفاق على اليوم اللاحق، و المصنف لم يبين هذا اكتفاء بالقرينة فهو من قبيل قول الشاعر: علفتها تبنا، و ماء باردا، اى و سقيتها

ص: 172

و لا يخفى بعده، و ابعد منه حمل النص على التعبد، و جعل حكم خصوص الدابة، او مطلقا، مخالفا للقاعدة المتفق عليها نصا، و فتوى

______________________________

ماء باردا،

و الحاصل: انه اذا كانت العبرة بقيمة يوم المخالفة، و كان يوم المخالفة مثلا الخميس،

فربما يتفقان على ان القيمة يوم الاربعاء عشرين، و يختلفان فى يوم الخميس، فيقول: المالك بقى على ذلك يوم الخميس أيضا، و يقول:

الغاصب بل صارت القيمة عشرة،

و ربما يتفقان على ان القيمة يوم الجمعة عشرين، و يختلفان فى يوم الخميس، فيقول المالك: كانت القيمة أيضا فى يوم الخميس عشرين، و يقول الغاصب: بل كانت القيمة عشرة، فانه فى كلتا الصورتين يحلف المالك، لانه منكر.

(و لا يخفى بعده) اى بعد هذا الحمل، لانه حمل للرواية على الفرد النادر، لانه يندر أن يدعى الغاصب نقصان يوم التلف عن يوم المخالفة، او نقصان يوم المخالفة عن اليوم السابق له، اذ: الغالب بقاء قيمة البغل قبل يوم المخالفة و بعده على ما هو عليه، خصوصا فيما اذا كان الزمان غير طويل (و ابعد منه) اى من هذا الحمل (حمل النص) الّذي الزم المالك البينة و الحلف (على التعبد، و جعل حكم خصوص الدابة) المغصوبة فيحلف المدعى لا المنكر (او مطلقا) فى كل غصب دابة او غيرها (مخالفا للقاعدة المتفق عليها نصا، و فتوى.

ص: 173

من كون البينة على المدعى، و اليمين على من انكر، كما حكى عن الشيخ فى بابى: الاجارة، و الغصب.

و اضعف من ذلك: الاستشهاد بالرواية على اعتبار اعلى القيم من حين الغصب الى التلف، كما حكى عن الشهيد الثانى، اذ لم يعلم لذلك وجه صحيح، و لم اظفر بمن وجه دلالتها

______________________________

من كون البينة على المدعى و اليمين على من انكر، كما حكى) هذا الحمل (عن الشيخ فى بابى: الاجارة، و الغصب) و انما كان هذا الاحتمال ابعد، لانه لا داعى له بعد امكان حمل الرواية على ما ذكرناه مما هو مطابق للقاعدة الاولية خصوصا و ان خرق القاعدة بمثل هذه الرواية مشكل جدا

(و اضعف من ذلك) اى حمل الرواية على: ادعاء الغاصب او: خلاف القاعدة، حتى يكون الاعتبار بيوم الغصب (الاستشهاد بالرواية على اعتبار اعلى القيم من حين الغصب الى التلف، كما حكى عن الشهيد الثانى) فالمراد ب: يوم خالف، فى الرواية جنس يوم المخالفة، لا خصوص اليوم الّذي غصب فيه.

و من المعلوم ان: اعلى القيم، من مصاديق: يوم خالف، و انما نقول:

بذلك لان يوم اعلى القيم تعلق الثمن بذمة الغاصب، منزولة، بان صارت القيمة اقل لا يوجب براءة الذمة لاستصحاب بقاء على القيم.

و انما قلنا هذا الوجه اضعف (اذ لم يعلم لذلك وجه صحيح) فان هذا المعنى: خلاف ظاهر الرواية، اذ: المتبادر من: يوم خالف، خصوص يوم المخالفة، لا جنس يوم المخالفة (و لم اظفر بمن وجه دلالتها) اى

ص: 174

على هذا المطلب.

نعم استدلوا على هذا القول بان العين مضمونة، فى جميع تلك الازمنة، التى منها، زمان ارتفاع قيمته، و فيه: ان ضمانها فى تلك الحال، ان اريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف فيه فمسلم، اذ: تداركه لا يكون الا بذلك.

لكن المفروض انها لم تتلف فيه و ان اريد به استقرار قيمة ذلك الزمان عليه

______________________________

دلالة الرواية (على هذا المطلب) اى اعلى القيم.

(نعم استدلوا على: هذا القول) اى اعلى القيم (بان العين مضمونة) على الغاصب (فى جميع تلك الازمنة) التى كانت تحت حيازة الغاصب فيها (التى منها) اى من تلك الازمنة (زمان ارتفاع قيمته) فاذا ضمن الغاصب ارتفاع القيمة- لانه واضع اليد على الشي ء المرفوع القيمة- لم يكن وجه للقول: بعدم ضمان الزائد اذا تنزلت قيمته بعد ذلك، لاستصحاب بقاء الضمان السابق (و فيه: ان ضمانها) اى ضمان العين (فى تلك الحال) اى حال ارتفاع القيمة (ان اريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف) المغصوب (فيه) اى فى ذلك الزمان (فمسلم، اذ: تداركه) اى المغصوب (لا يكون الا بذلك) الضمان، فدليل: على اليد، يقول: بوجوب التدارك لو تلف.

(لكن المفروض انها) اى العين (لم تتلف فيه) اى فى ذلك الزمان (و ان اريد به) اى بالضمان فى حال ارتفاع القيمة (استقرار قيمة ذلك الزمان عليه) اى على الغاصب

ص: 175

فعلا و ان تنزلت بعد ذلك فهو مخالف لما تسالموا عليه، من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع رد العين، و ان اريد استقرارها عليه بمجرد الارتفاع مراعى بالتلف فهو و ان لم يخالف الاتفاق الا انه: مخالف لاصالة البراءة من غير دليل شاغل على ما حكاه فى الرياض عن خاله العلامة ره، من:

______________________________

(فعلا) بعد ان تلف فى حال تنزله عن اعلى القيم (و ان تنزلت) كلمة:

ان، وصلية (بعد ذلك) الزمان الّذي ترقت العين فيه (فهو مخالف لما تسالموا عليه، من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع رد العين) فانه اذا صار المغصوب الفا ثم صار مائة، و ردّه الى مالكه، لم يكن عليه ان يعطى تسعمائة أيضا اى مقدار الارتفاع، و عليه فما دامت العين موجودة تكون مضمونة بنفسها، فالعين اذا صارت مائة يكون نفسها مضمونة، فاذا تلف انتقلت العين- التى قيمتها مائة- الى القيمة، فيكون الضمان لمائة فقط لا للالف (و ان اريد) بالضمان فى حال الارتفاع (استقرارها) اى القيمة (عليه بمجرد الارتفاع مراعى بالتلف) بانه ان رد العين فيها و الا وجب عليه رد اعلى القيم ان تلفت العين (فهو و ان لم يخالف الاتفاق) لان الاتفاق يقول: بوجوب رد العين فى حال وجودها، و هو ساكت عن مقدار القيمة، فى حال تلف العين، لانهم اختلفوا فى ذلك- كما عرفت- (الا انه:

مخالف لاصالة البراءة) اذ الغاصب اذا شك فى انه مديون بالف او بمائة كانت اصالة عدم التسعمائة محكمة (من غير دليل شاغل) اى موجب لشغل الذمة، حتى يكون ذلك الدليل واردا على اصالة البراءة (على ما حكاه فى الرياض عن خاله العلامة ره، من:

ص: 176

قاعدة نفى الضرر، الحاصل على المالك، و فيه نظر كما اعترف به بعض من تأخر.

نعم يمكن توجيه الاستدلال المتقدم من كون العين مضمونة فى جميع الازمنة بان العين اذا ارتفعت قيمتها فى زمان، و صارت ماليتها مقومة بتلك القيمة فكما انه اذا تلفت حينئذ يجب تداركها بتلك القيمة فكذا اذا حيل بينها و بين المالك حتى تلفت

______________________________

قاعدة نفى الضرر، الحاصل على المالك) اذ: المالك قد تضرر التسعمائة فانه اذا كانت العين تحت يده، فربما باعها فى حال كونها الفا (و فيه نظر كما اعترف به بعض من تأخر)، اذ هذا: من قبيل تفويت المنفعة، و لا ضمان فيه على المشهور، لا انه ضرر حتى ينفى بقاعدة نفى الضرر، مضافا الى ان القاعدة: تنفى التكليف، لا انها مثبتة لها، فلا تثبت القاعدة وجوب الدفع.

(نعم يمكن توجيه الاستدلال المتقدم) و الاستدلال ما بيّنه بقوله:

(من كون العين مضمونة فى جميع الازمنة) فان هذا الاستدلال: يمكن توجيهه بحيث يفيد وجوب دفع اعلى القيم، و التوجيه هو: (بان العين اذا ارتفعت قيمتها فى زمان، و صارت ماليتها مقومة بتلك القيمة) كالالف فى المثال السابق (فكما انه) اى الشي ء المضمون و هو: العين (اذا تلفت حينئذ) اى حال ارتفاع القيمة، كحال كونها تسوى الف دينار (يجب تداركها بتلك القيمة) لقاعدة: على اليد، لان الغاصب وضع اليد على ما قيمته الف (فكذا اذا حيل بينها و بين المالك حتى تلفت) لان الضمان

ص: 177

اذ: لا فرق مع عدم التمكن منها بين ان تتلف او تبقى.

نعم لوردت، تدارك تلك المالية بنفس العين، و ارتفاع القيمة السوقية امر اعتبارى لا يضمن بنفسه لعدم كونه مالا، و انما هو مقوم لمالية المال، و به تمايز الاموال، كثرة و قلة.

و الحاصل ان للعين فى كل زمان من ازمنة تفاوت قيمته، مرتبة من المالية

______________________________

للالف حدث على عاتق الغاصب، فتبدل الضمان خلاف الاستصحاب (اذ: لا فرق مع عدم التمكن) اى عدم تمكن المالك (منها) اى من العين (بين ان تتلف) فى حال ارتفاع القيمة (او تبقى) و تتلف بعد تنزل قيمتها

(نعم لوردت) العين بعد التنزل لم يجب تدارك التفاوت كما لو ردها حال كونها تسوى مائة، لم يجب على الغاصب تدارك التسعمائة (تدارك) بصيغة المجهول (تلك المالية) الفائتة اى التسعمائة (بنفس العين) اذ: يصدق انه ادى ما ضمنه، فلا يجب عليه تدارك التفاوت (و) ليس التفاوت فى القيمة السوقية كالتفاوت فى العين بالسمن و الهزال، حتى يقال: كما ان التفاوت العينية مضمونة، كذلك التفاوت السوقية، اذ: (ارتفاع القيمة السوقية امر اعتبارى لا يضمن بنفسه لعدم كونه) اى الارتفاع السوقى (مالا، و انما هو مقوم لمالية المال، و به) اى بالارتفاع السوقى (تمايز الاموال، كثرة و قلة) بخلاف الارتفاع العينى، فانه امر حقيقى، و هو مال واقعا، فكونه مضمونا لا يلازم كون الارتفاع السوقى مضمونا أيضا:

(و الحاصل) فى وجه ضمان ارتفاع القيمة السوقية (ان للعين فى كل زمان من ازمنة تفاوت قيمته مرتبة من المالية

ص: 178

ازيلت يد المالك منها، و انقطعت سلطنته عنها فان ردت العين، فلا مال سواها يضمن، و ان تلفت استقرت عليها تلك المراتب لدخول الادنى تحت الاعلى، نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة، متضادة، حيث انه يضمن الاعلى منها و لاجل ذلك استدل العلامة فى التحرير- للقول باعتبار يوم الغصب- بقوله: لانه زمان ازالة يد المالك

______________________________

ازيلت يد المالك منها) اى من تلك المرتبة بواسطة الغاصب (و انقطعت سلطنته عنها) اى عن تلك المرتبة (فان ردت العين) و لو فى حال تنزلها (فلا مال سواها) اى سوى العين (يضمن) حتى يجب تدارك الغاصب للتفاوت (و ان تلفت) العين- و لو بعد التنزل- (استقرت عليها) اى على ذمة الغاصب (تلك المراتب) جميعا الادنى و الاعلى، و انما يكتفى باعطاء الاعلى (لدخول الادنى) من المراتب (تحت الاعلى) و ذلك (نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة، متضادة) كالدابة التى غصبها، و لها منفعة الركوب بعشرة دنانير، و منفعة الاستقاء بخمسة و منفعة المدار بدينار، (حيث انه يضمن الاعلى منها) فيلزم على الغاصب اعطاء عشرة فى المثال (و لاجل ذلك) الّذي ذكرنا من: ان الغاصب ضامن لما تلف تحت يده، و لو كان ما تلف اعلى القيم (استدل العلامة فى التحرير للقول باعتبار يوم الغصب بقوله: لانه زمان ازالة يد المالك) فهذه الجملة تدل:

على ان ازالة يد المالك عن اعلى القيم موجبة لضمان اعلى القيم، اذ: ان الغاصب قد ازال يد المالك فى حال كون المغصوب يسوى اعلى القيم.

ص: 179

و نقول: فى توضيحه ان كل زمان من ازمنة الغصب قد ازيلت فيه يد المالك عن العين- على حسب ماليته- ففى زمان ازيلت عن مقدار درهم و فى آخر عن درهمين، و فى ثالث عن ثلاثة، فاذا استمرت الازالة الى زمان التلف، وجبت غرامة اكثرها فتأمل،

و استدل فى السرائر و غيرها على هذا القول

______________________________

(و نقول: فى توضيحه) اى توضيح انطباق كلام العلامة على ضمان اعلى القيم (ان كل زمان من ازمنة الغصب قد ازيلت فيه يد المالك عن العين- على حسب ماليته-) اى العين التى تسوى مالية خاصة ف:

على، متعلق ب: ازيلت، و وضح ذلك المصنف بقوله: (ففى زمان ازيلت) اليد (عن مقدار درهم): زمان، بالجر، اى ففى بعض الازمنة، قد ازيلت عن مقدار درهم حيث كانت العين تسوى درهما (و فى) زمان (آخر عن درهمين، و فى ثالث عن ثلاثة) دراهم (فاذا استمرت الازالة الى زمان التلف، وجبت غرامة اكثرها) اى اكثر الماليات (فتأمل) اذ: ظاهر كلام العلامة يوم الازالة، و هو يوم الغصب، لا ان كل يوم يصدق عليه يوم الازالة ابتداءً او استمرارا.

هذا بالإضافة الى انه لما تنزلت العين كان المفروض اعطائها فاذا لم يعطها يكون اللازم اعطاء بدلها، و هو قيمة ذلك اليوم، كما انه لو كان مثليا وجب اعطاء مثلها، و من المعلوم ان المثل يسوى القيمة الحالية لا اعلى القيم.

(و استدل فى السرائر و غيرها على هذا القول) اى اعلى القيم

ص: 180

باصالة الاشتغال، لاشتغال ذمته بحق المالك، و لا يحصل البراءة الّا بالاعلى.

و قد يجاب بان: الاصل فى المقام البراءة، حيث ان الشك فى التكليف بالزائد.

نعم لا بأس بالتمسك باستصحاب الضمان المستفاد من: حديث اليد

______________________________

(باصالة الاشتغال، لاشتغال ذمته) اى ذمة الغاصب (بحق المالك، و لا يحصل البراءة) اليقينية (الا بالاعلى) لان الاشتغال اليقينى، يحتاج الى البراءة اليقينية.

(و قد يجاب) عن الاشتغال (بان: الاصل فى المقام: البراءة) لا الاشتغال (حيث ان الشك فى التكليف بالزائد) فان وجوب الاقل محرز و وجوب الاكثر مشكوك فيه، و فى مثله تجرى البراءة عن الاكثر، كما لو شك فى انه مديون لزيد بعشرة او خمسة، فان اصالة البراءة عن الخمسة الزائدة توجب عدم الزامه بها، و انما الاشتغال يجرى فيما اذا علمنا بالتكليف، و شككنا فى المكلف به، كما لو علم انه مكلف بخمسة، و شك فى انه و فى أم لا؟ فان اصالة الاشتغال محكّمة هنا.

(نعم لا بأس) للقول باعلى القيم (بالتمسك باستصحاب الضمان المستفاد) اصل الضمان (من: حديث اليد) فان المغصوب لما صارت قيمته عشرة اشتغلت ذمة الغاصب باعطاء العين او العشرة، فاذا تنزلت ثم تلفت استصحب شغل الذمة بعشرة.

لكن قد عرفت الاشكال فى هذا الاستصحاب، اذ: بعد تنزل العين

ص: 181

ثم انه حكى عن المفيد، و القاضى، و الحلبى: الاعتبار بيوم البيع فيما كان فساده، من جهة التفويض الى حكم المشترى، و لم يعلم له وجه و لعلهم يريدون به، يوم القبض

______________________________

صار المكلف به اعطاء العين او قيمته النازلة، فاذا تلفت فى هذا الحال وجب اعطاء القيمة النازلة (ثم انه حكى عن المفيد، و القاضى، و الحلبى:

الاعتبار بيوم البيع) فى باب الضمان (فيما كان فساده) اى فساد البيع (من جهة التفويض الى حكم المشترى) كما لو قال البائع: بعتك هذا المتاع بما شئت من الثمن؟ فان هذا البيع باطل، اذ: من شرائط الصحة تعيين كل من المثمن و الثمن، و عليه فاذا قبض المشترى المتاع، ثم تلف كان اللازم عليه: ان يقدم المتاع فى يوم المبيع، و يعطى تلك القيمة الى البائع (و لم يعلم له وجه) اللهم الا ان يقال: ان وجهه استفادة ذلك من صحيحة النخاس، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، فقلت ساومت رجلا بجارية له فباعنيها بحكمى، فقبضتها منه، ثم بعثت إليه الف درهم، فقلت له: هذه الف درهم، حكمى عليك ان تقبلها، فابى ان يقبلها منى، و قد كنت مسستها قبل ان ابعث إليه بالف درهم، فقال عليه السلام: ارى ان تقوم الجارية بقيمة عادلة، فان كانت اكثر مما بعثتها إليه كان عليك ان ترد عليه ما نقص من القيمة، و إن كانت قيمتها اقل مما بعثتها إليه، فهو له، الخبر، فان الظاهر: كون المراد تقويمها فى يوم البيع كما ان الظاهر عدم خصوصية لمفروض السؤال، بل كل بيع فوّض ثمنه الى حكم المشترى (و لعلهم يريدون به) اى يوم البيع (يوم القبض) و هذا له وجه على القاعدة

ص: 182

لغلبة اتحاد زمان البيع و القبض فافهم.

ثم انه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف على جميع الاقوال، الا انه تردد فيه فى الشرائع. و لعله: كما قيل من جهة احتمال كون القيمى مضمونا بمثله، و دفع القيمة انما هو لاسقاط المثل و قد تقدم انه مخالف لاطلاق النصوص و الفتاوى

______________________________

اذ: يوم القبض، هو يوم ضمان المشترى، و انما عبروا عن يوم القبض بيوم البيع (لغلبة اتحاد زمان البيع و القبض) فقيل احد المتلازمين و اريد الآخر (فافهم) فانه يبعد ارادتهم القبض من البيع و مثلهم من الاعلام لا يخفى عليهم كثرة الاختلاف بين يوم القبض، و يوم البيع

(ثم انه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف على جميع الاقوال) حتى ان القائل باعلى القيم، انما يريد اعلى القيم الى حال التلف، فاذا ارتفعت قيمة البغل بعد التلف لم يلزم الضامن ذلك الارتفاع (الا انه تردد فيه فى الشرائع) لاحتمال وجوب اعلى القيم الى حين الاقباض (و لعله: كما قيل من جهة احتمال كون القيمى) كالمثل، أيضا (مضمونا بمثله) فاذا اتلف الغاصب البغل، كان اللازم عليه دفع بغل مثله الى المالك (و دفع القيمة انما هو لاسقاط المثل) الّذي تعلق بذمة الغاصب، و عليه كلما ارتفع البغل، و لو بعد التلف، ارتفع ما فى ذمة الغاصب، فاذا اراد التخلص وجب عليه اعطاء اعلى القيم الى حال الاقباض (و) لكن (قد تقدم انه) اى ضمان القيمى بمثله (مخالف لاطلاق النصوص و الفتاوى) الظاهرة فى ان القيمى مضمون بقيمته لا بمثله.

ص: 183

ثم ان ما ذكرنا من الخلاف انما هو فى ارتفاع القيمة بحسب الازمنة و اما اذا كان بسبب الامكنة كما اذا كان فى محل الضمان بعشرة، و فى مكان التلف بعشرين، و فى مكان المطالبة بثلاثين فالظاهر اعتبار محل التلف لان مالية الشي ء تختلف بحسب الاماكن، و تداركه بحسب ماليته.

ثم ان جميع ما ذكرنا من الخلاف انما هو فى ارتفاع القيمة السوقية الناشئة

______________________________

(ثم ان ما ذكرنا من الخلاف) فى ان المضمون قيمة يوم الغصب، او يوم التلف، او اعلى القيم (انما هو فى ارتفاع القيمة بحسب الازمنة) كما لو كان البغل يوم الخميس عشرة، و يوم الجمعة عشرين، و يوم السبت ثلاثين (و اما اذا كان بسبب الامكنة) كما لو كان فى النجف عشرة، و فى كربلاء عشرين و فى الكاظمية ثلاثين، و كانت تلك الاماكن مربوطة بالمغصوب (كما اذا كان فى محل الضمان بعشرة، و فى مكان التلف بعشرين، و فى مكان المطالبة بثلاثين) او بالعكس (فالظاهر اعتبار محل التلف) لانه: هو الوقت الّذي انقلب المغصوب الى القيمة فى ذلك المكان، لا فى سائر الاماكن (لان مالية الشي ء تختلف بحسب الاماكن، و تداركه) المستفاد من:

على اليد ما اخذت، انما هو (بحسب ماليته) و لذا لو اتلف مال زيد فى كربلاء لم يجب عليه ان يعطى ما يقوم ذلك المال فى بغداد- فيما كانت ماليته فى بغداد اكثر- كما لا يكتفى بما يقوم به فى النجف فيما اذا كان فى النجف ارخص.

(ثم ان جميع ما ذكرنا من الخلاف) فى باب انه هل يضمن اعلى القيم أم لا؟ (انما هو فى ارتفاع القيمة السوقية الناشئة

ص: 184

من تفاوت رغبة الناس، و اما اذا كان حاصلا من زيادة فى العين فالظاهر كما قيل- عدم الخلاف فى ضمان اعلى القيم، و فى الحقيقة ليست قيم التالف مختلفة، و انما زيادتها فى بعض اوقات الضمان لاجل الزيادة العينية الحاصلة فيه النازلة منزلة الجزء الفائت.

نعم يجرى الخلاف المتقدم فى قيمة هذه الزيادة الفائتة، فان العبرة

______________________________

من تفاوت رغبة الناس) فى الاوقات المختلفة كالفاكهة فى اولها و وسطها و آخرها حيث ان الرغبة فى الاول اكثر من الآخر، و الآخر اكثر من الوسط و لذا تكون فى الاول اغلى من الآخر و فى الآخر اغلى من الوسط (و اما اذا كان) الارتفاع (حاصلا من زيادة فى العين) كما اذا سمن الحيوان ثم هزل (فالظاهر- كما قيل- عدم الخلاف فى ضمان اعلى القيم) فى حال السمن، لان الغاصب وضع اليد على هذه الزيادة فهو ضامن لها (و فى الحقيقة ليست قيم التالف) اى الحيوان (مختلفة) اعلى و اوسط و انزل (و انما زيادتها) اى القيمة (فى بعض اوقات الضمان) و هو حال السمن (لاجل الزيادة العينية الحاصلة فيه) اى فى التالف (النازلة) تلك الزيادة العينية- كالسمن- (منزلة الجزء الفائت) فلا فرق بين ان يغصب الحيوان و ولده، او ان يغصب الحيوان الّذي له من اللحم حقّتين ثم يهزل فيصير لحمه حقة واحدة.

(نعم يجرى الخلاف المتقدم) فى انه يضمن اى القيم (فى قيمة هذه الزيادة الفائتة) كالحقة الفائتة بسبب الهزال (فان العبرة) فى ضمان

ص: 185

بيوم فواتها او يوم ضمانها، او اعلى القيم.

ثم ان فى حكم تلف العين فى جميع ما ذكر: من ضمان المثل، او القيمة حكم تعذر الوصول إليه و ان لم يهلك، كما لو سرق، او غرق اوضاع، او ابق، لما دل على الضمان بهذه الامور فى باب الامانات المضمونة.

و هل يقيد ذلك بما اذا حصل اليأس من الوصول إليه، او بعدم

______________________________

هذه الحقة الفائتة (بيوم فواتها) كدينار- عند ما صار الحيوان هزيلا- (او يوم ضمانها) كدينارين عند ما صار الحيوان سمينا (او اعلى القيم) كما لو سمن فى وقت كانت قيمة الحقة دينارين، و هزل فى وقت كانت قيمة اللحم دينارا، و بينهما ارتفعت قيمة اللحم الى ثلاثة دنانير.

(ثم ان فى حكم تلف العين فى جميع ما ذكر) له (من) الاحكام التى منها ضمان القيمة- ليوم التلف او يوم الغصب او اعلى القيم- و من (ضمان المثل) فى المثل (او القيمة) فى القيمة (حكم تعذر الوصول إليه) اى الى الشي ء المضمون (و ان لم يهلك كما لو سرق، او غرق) المتاع (اوضاع، او ابق) العبد و انما نقول: بان حكم هذه الامور حكم التلف (لما دل على الضمان بهذه الامور فى باب الامانات المضمونة) و من المعلوم وحدة حكم الضمان فى جميع الابواب، و مسئلة: الغاصب يؤخذ باشقّ الاحوال، ان تمّت ففى الجميع، و الّا فحال الغاصب، حال سائر من يضمن.

(و هل يقيد ذلك) الضمان فى صورة عدم التلف (بما اذا حصل اليأس من الوصول إليه) كما لو غرق فى بحر عميق (او) يقيد (بعدم

ص: 186

رجاء وجدانه، او يشمل ما لو علم وجدانه فى مدة طويلة يتضرر المالك من انتظارها و لو كانت قصيرة، وجوه، ظاهر ادلة ما ذكر من الامور الاختصاص باحد الاولين.

لكن ظاهر اطلاق الفتاوى: الاخير، كما يظهر من اطلاقهم، ان اللوح المغصوب فى السفينة، اذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب انتقل الى قيمته، الى ان يبلغ الساحل

______________________________

رجاء وجدانه) و لا يخفى ان اليأس اقوى من عدم الرجاء اذ: عدم الرجاء معناه احتمال الامرين، و اليأس يقال: فيما يضعف الرجاء (او يشمل ما لو علم وجدانه فى مدة طويلة) او شبه طويلة (يتضرر المالك من انتظارها و لو كانت قصيرة) كما لو علم بانه بعد عشر سنوات تأتى غواصة تخرج المتاع من البحر، او انه القاه فى البحر و تأتى الغواصة بعد يوم لكنه يحتاجه الآن، لانه وقت مجي ء الوفود مما ينتفع بمتاعه نفعا كبيرا (وجوه) خبر قوله: و هل يقيد، (ظاهر ادلة ما ذكر من الامور) كلمة: من، بيان: ما، و مصداق: ما، الغرق، و الضياع و ما اشبه (الاختصاص) للضمان (باحد الاولين) اليأس، او عدم الرجاء.

(لكن ظاهر اطلاق الفتاوى: الاخير) اى مدة يتضرر المالك و لو كانت المدة قصيرة (كما يظهر من اطلاقهم ان اللوح المغصوب فى السفينة اذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب انتقل) الضمان (الى قيمته)- فيأخذ المالك قيمته من صاحب السفينة (الى ان يبلغ الساحل) فيقلعه و يرد القيمة الى الغاصب، و من المعلوم: ان كون السفينة فى البحر

ص: 187

و يؤيده ان فيه جمعا بين الحقين، بعد فرض رجوع القيمة الى ملك الضامن عند التمكن من العين، فان: تسلط الناس على مالهم، الّذي فرض كونه فى عهدته يقتضي جواز مطالبة الخروج عن عهدته عند تعذر نفسه. نظير ما تقدم فى تسلطه على مطالبة القيمة للمثل المتعذر فى المثلى

______________________________

شامل لما تصل بعد يوم الى الساحل.

(و يؤيده) اى ما يفهم من كلام الفقهاء من الضمان، و لو كانت المدة قصيرة (ان فيه جمعا بين الحقين) حق الناس الّذي لهم اموال فى السفينة مما يوجب قلع اللوح غرقها، و حق المغصوب منه الّذي يتضرر ببقاء لوحه فى السفينة (بعد فرض رجوع القيمة) التى اخذها المغصوب منه اللوح (الى ملك الضامن) الغاصب (عند التمكن) اى تمكن المغصوب منه (من العين) عند ارساء السفينة فى الساحل، و انما فرضت هذا، لانه لو لم ترجع القيمة كان اجحافا بحق الغاصب، اذ قد حسن القيمة بدون ان، يكون حصل على ما يقابلها (فان: تسلط الناس على مالهم، الّذي فرض كونه) اى كون ذلك المال (فى عهدته) اى عهدة الضامن، اى تسلط صاحب اللوح على لوحه، الّذي فى عهدة صاحب السفينة (يقتضي) ذلك التسلط من صاحب اللوح (جواز مطالبة الخروج) اى ان يطلب صاحب اللوح خروج الضامن (عن عهدته) باعطاء قيمة اللوح (عند تعذر نفسه) لانه لا يقدر على مطالبة اللوح فى وسط البحر (نظير ما تقدم فى تسلطه) اى المالك (على مطالبة القيمة للمثل المتعذر فى) باب (المثلى) كما لو اتلف حنطة زيد، و تعذرت الحنطة، فان تسلط صاحب الحنطة

ص: 188

نعم لو كان زمان التعذر قصيرا جدا، بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة و التدارك على اداء القيمة، اشكل الحكم.

ثم الظاهر: عدم اعتبار التعذر المسقط للتكليف، بل لو كان ممكنا بحيث يجب عليه السعى فى مقدماته لم تسقط القيمة زمان السعى.

______________________________

على ماله، قاض بجواز مطالبة الضامن بقيمة الحنطة- و إن كان اللازم أولا و بالذات، اعطاء المثل-.

(نعم لو كان زمان التعذر قصيرا جدا بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة) اى ان: الضامن يغرم، (و التدارك) اى ان: الضامن يتدارك، (على اداء القيمة، اشكل الحكم) بوجوب الاداء للقيمة، حتى يتمكن من العين.

و وجه الاشكال: عدم شمول الادلة حينئذ له، نعم يمكن ان يقال:

وجوب تدارك ضرر المالك لصدق ادلة: لا ضرر، فلو حال بينه و بين متاعه ساعة، و كان ربحه من هذا المتاع فى هذه الساعة دينارا، وجب على الضامن اعطاء الدينار، و قد فصلوا هذه المسألة فى باب الغصب فراجع

(ثم الظاهر) من دليل: لا ضرر، المقتضى لعدم تضرر المالك، و لزوم تدارك الغاصب، و من دليل: الناس مسلطون، القاضى بتسلط المالك على المثل او البدل (عدم اعتبار التعذر) للعين فى وجوب بدل الحيلولة و ما اشبه (المسقط) ذلك التعذر (للتكليف، بل لو كان) الوصول الى العين (ممكنا بحيث يجب عليه السعى فى مقدماته لم تسقط القيمة زمان السعى) اذ: لا فرق بين زمان السعى، و بين زمان التعذر المطلق.

ص: 189

لكن ظاهر كلمات بعضهم: التعبير بالتعذر، و هو الاوفق باصالة عدم تسلط المالك على ازيد من الزامه برد العين، فتامل.

و لعل المراد به التعذر فى الحال، و ان كان لتوقفه على مقدمات زمانية يتأخر لاجلها ذو المقدمة.

ثم ان ثبوت القيمة مع تعذر العين، ليس كثبوتها مع تلفها فى كون دفعها حقا للضامن.

______________________________

(لكن ظاهر كلمات بعضهم: التعبير بالتعذر) فى وجوب البدل (و هو الاوفق باصالة عدم تسلط المالك على ازيد من الزامه برد العين، فتأمل) فانا اذا شككنا فى ان المالك هل له صلاحية للالزام عرفا- بمعنى استفادة العرف من كونه حقا، انه له الزامه بالعين او البدل- مقدم على الاصل المذكور.

(و لعل المراد به) اى بالتعذر فى كلام من اشترط التعذر (التعذر فى الحال) لا: التعذر المطلق، و على هذا فيوافق كلام من عبر بالتعذر ما ذكرناه من قولنا: بل لو كان ممكنا، (و إن كان) التعذر الحالى (لتوقفه على مقدمات زمانية يتأخر لاجلها) اى لاجل تلك المقدمات الزمانية (ذو المقدمة) و هو: وصول الحق الى صاحبه.

(ثم ان ثبوت القيمة) على الضامن (مع تعذر) اعطائه (العين ليس) هذا الثبوت (كثبوتها) اى القيمة (مع تلفها) اى تلف العين (فى كون دفعها) اى القيمة (حقا للضامن) فان الضامن يحق له ان يفرغ ذمته من القيمة بان يجبر المالك على الاخذ، اذ لا يجب عليه تحمل حق الغير

ص: 190

فلا يجوز للمالك الامتناع، بل له ان يمنع من اخذها و يصبر الى زوال العذر كما صرح به الشيخ فى المبسوط، و يدل عليه قاعدة: تسلط الناس على اموالهم، و كما ان تعذر رد العين فى حكم التلف، فكذا خروجه عن التقويم

ثم ان المال المبذول يملكه المالك بلا خلاف كما فى المبسوط، و الخلاف، و الغنية، و السرائر

______________________________

(فلا يجوز للمالك الامتناع) عن قبول حقه فيما اذا تلفت العين، اما اذا تعذرت بدون التلف، فلا يجب على المالك قبول القيمة (بل له) اى للمالك (ان يمنع من اخذها) اى القيمة (و يصبر الى زوال العذر) بان يقول للضامن: انا اصبر حتى يحصل مالى و لا آخذ منك البدل- الّذي هو القيمة- (كما صرح به) اى بحق المالك فى الصبر (الشيخ فى المبسوط، و يدل عليه) اى حق المالك فى الصبر، و عدم اخذ القيمة (قاعده:

تسلط الناس على اموالهم) فان المال موجود- حسب الفرض- فللمالك ان يقول: انى اريد ابقاء سلطتى على مالى، و لا اريد ان ابدله بالقيمة، و هذا بخلاف ما اذا تلفت العين، فانه ليس لا سلطة للمالك الا على البدل، فيحق للضامن ان يفرغ ذمته من البدل (و كما ان تعذر رد العين فى حكم التلف) فى وجوب البدل (فكذا خروجه عن التقويم) كما لو كان جمدا فصار شتاء، او سقطت قيمة النقد الورقى باسقاط الدولة.

(ثم ان المال المبذول) بدلا عن الشي ء المتعذر (يملكه المالك) من الضامن (بلا خلاف كما فى المبسوط، و الخلاف، و الغنية، و السرائر)

ص: 191

و ظاهرهم إرادة نفى الخلاف بين المسلمين.

و لعل الوجه فيه ان التدارك لا يتحقق الا بذلك و لو لا ظهور الاجماع و ادلة الغرامة فى الملكية لاحتملنا ان يكون مباحا له إباحة مطلقة و ان لم يدخل فى ملكه، نظير الاباحة المطلقة فى المعاطات على القول بها

______________________________

دعوى عدم الخلاف فيه.

(و ظاهرهم إرادة نفى الخلاف بين المسلمين) لا بين علماء الشيعة فقط، و انما كان هذا الاستظهار، لان هذه الكتب تتعرض للخلافات، و إن كان المخالف من العامة، فاذا لم يذكر خلافهم دل ذلك على انهم أيضا غير مختلفين فى المسألة.

(و لعل الوجه فيه) اى فى ملكية الآخذ للبدل (ان التدارك) الواجب على الضامن (لا يتحقق الا بذلك) الملك للبدل، فان كون المال البدل، عند المالك فقط، مع عدم كونه ملكا له، لا يسد مكان ماله المتعذر، فلا يتحقق التدارك بدون الملكية للبدل (و لو لا ظهور: الاجماع و) ظهور: (ادلة الغرامة) نحو: على اليد ما اخذت (فى الملكية) للبدل اذ الاداء، لا يكون الا بملكية المالك للمال الّذي اخذه بدلا (لاحتملنا ان يكون) البدل (مباحا له) اى للمالك (إباحة مطلقة) يتصرف فيه جميع انحاء التصرف، حتى الناقلة و المتلفة (و ان لم يدخل) المال (فى ملكه نظير الاباحة المطلقة فى المعاطات) حيث ان المال غير منتقل، مع انه يجوز للمنقول إليه جميع انحاء التصرف فيه (على القول بها) اى الاباحة

ص: 192

فيها، و يكون دخوله فى ملكه مشروطا بتلف العين، و حكى الجزم بهذا الاحتمال عن المحقق القمي ره فى اجوبة مسائله،

و على اى حال، فلا تنتقل العين الى الضامن، فهى غرامة لا تلازم فيها بين خروج المبذول عن ملكه، و دخول العين فى ملكه، و ليست معاوضة

______________________________

المطلقة (فيها) اى فى المعاطات- كما تقدم تفصيل الكلام فى ذلك فى باب المعاطات- (و يكون دخوله) اى البدل- على هذا الاحتمال، اى الاباحة، لا الملكية- (فى ملكه) اى ملك المالك الآخذ له من الضامن (مشروطا بتلف العين) فاذا تلفت العين صارت ملكا للمنتقل إليه، اى المالك، (و حكى الجزم بهذا الاحتمال عن المحقق القمى ره فى اجوبة مسائله) جامع الشتات، و كان ذلك للجمع بين دليل وجوب: الاداء، و بين استصحاب بقاء مال الضامن على ملكيته السابقة.

(و على اى حال) سواء قلنا بان المالك يملك البدل، او يباح له التصرف فيه إباحة مطلقة؟ (فلا تنتقل العين) المتعذرة- التى كانت للمالك- (الى الضامن، فهى) اى العين التى اعطاها الضامن للمالك (غرامة، لا تلازم فيها) اى فى هذه الغرامة (بين خروج المبذول) بدلا (عن ملكه) اى ملك الضامن (و دخول العين) التى كانت للمالك (فى ملكه) اى فى ملك الضامن، فالمال لم يدخل فى ملك الضامن، لاصالة بقائه على ملك المالك، و البدل خرج عن ملك الضامن، لانه غرامة، و اداء (و ليست) العين التى يعطيها الضامن للمالك (معاوضة) بل غرامة- كما عرفت-

ص: 193

ليلزم الجمع بين العوض و المعوض، فالمبذول هنا كالمبذول مع تلف العين فى عدم البدل له.

و قد استشكل فى ذلك المحقق، و الشهيد الثانيان، قال الاول فى محكى جامعه: ان هنا اشكالا فانه كيف يجب القيمة و يملكها الآخذ و يبقى العين على ملكه؟

و جعلها فى مقابلة الحيلولة

______________________________

(ليلزم الجمع بين العوض و المعوض) حتى يقال: كيف يملك المالك ماله، و مال الضامن (فالمبذول هنا) فى صورة تعذر العين (كالمبذول مع تلف العين، فى عدم البدل له) اى للمبذول، فكما انه لو اتلف الضامن مال المالك اعطى بدله، بدون ان يدخل فى كيس الضامن شي ء، كذلك اذا حال بين المالك و ماله، كما لو اسقطه فى البحر، فانه يجب عليه ان يعطى المالك بدل ماله، بدون ان يدخل فى كيس الضامن شي ء.

(و قد استشكل فى ذلك) اى فى عدم دخول العين فى ملك الضامن (المحقق، و الشهيد الثانيان، قال الاول فى محكى جامعه) اى جامع المقاصد (ان هنا) فى عدم دخول العين فى ملك الضامن (اشكالا فانه كيف يجب القيمة و يملكها الآخذ و يبقى العين) السابقة (على ملكه؟) اى لا تدخل فى ملك الضامن

(و) ان قلت: ان البدل انما هو فى مقابل حيلولة الضامن، لا فى مقابل العين، حتى يستلزم دخول العين فى ملك الضامن.

قلت: (جعلها) اى العين التى هى البدل (فى مقابلة الحيلولة

ص: 194

لا يكاد يتّضح معناه انتهى، و قال الثانى: ان هذا لا يخلو من اشكال، من حيث اجتماع العوض و المعوض على ملك المالك من دون دليل واضح.

و لو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا

و توقف تملك المغصوب منه للبدل على اليأس من العين و ان جاز له التصرف كان وجها فى المسألة انتهى، و استحسنه فى محكى الكفاية، اقول الّذي ينبغى ان يقال هنا ان معنى ضمان العين ذهابها

______________________________

لا يكاد يتضح معناه) اذ الحيلولة ليست شيئا حتى تقابل بالبدل (انتهى) كلام المحقق (و قال) الشهيد (الثانى: ان هذا) القول و هو: عدم دخول العين فى ملك الضامن (لا يخلو من اشكال، من حيث اجتماع العوض و المعوض على ملك المالك) لانه ملك البدل، و بقى العين على ملكه أيضا (من دون دليل واضح) على مالكيته لكليهما.

(و لو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا) فالمالك يملك البدل متزلزلا، و الضامن يملك العين متزلزلا.

(و توقف تملك المغصوب منه) اى المالك (للبدل) الّذي اعطاه الضامن (على اليأس من العين) كان يأسوا من اخراجها من البحر (و ان جاز له) اى للمالك، (التصرف) فى البدل (كان وجها فى المسألة، انتهى) كلام الشهيد الثانى (و استحسنه) السبزوارى، (فى محكى الكفاية، اقول) لا ورود لهذا الاشكال على ما قدمناه من الكلام، لان (الّذي ينبغى ان يقال هنا) فى باب بدل الحيلولة (ان معنى ضمان العين ذهابها) اى العين

ص: 195

من مال الضامن، و لازم ذلك اقامة مقابله من ماله مقامه ليصدق ذهابه من كيسه.

ثم ان الذهاب ان كان على وجه التلف الحقيقى، او العرفى المخرج للعين عن قابلية الملكية عرفا وجب قيام مقابله من ماله مقامه فى الملكية، و ان كان الذهاب بمعنى انقطاع سلطنته عنه و فوات الانتفاع به فى الوجوه التى بها قوام الملكية.

______________________________

(من مال الضامن، و لازم ذلك) الذهاب (اقامة) الضامن (مقابله) اى مقابل ذلك المال- اى العين- (من ماله مقامه) اى مقام ذلك الذاهب (ليصدق ذهابه) اى المال (من كيسه) اى كيس الضامن، اذ لو لم يجب اقامة مقابله مقامه، لم يكن معنى لضمان الضامن و لا معنى لذهاب المال من كيس الضامن.

(ثم ان الذهاب ان كان على وجه التلف الحقيقى) بان اتلف الضامن المال المغصوب (او) التلف (العرفى المخرج) ذلك التلف العرفى (للعين عن قابلية الملكية عرفا) كما لو طار الطائر، فانه لا يسمى حينئذ ملكا فيما اذا التحق بالغابة و ضاع فيها- مثلا- (وجب قيام مقابله من ماله مقامه فى الملكية) حتى يكون البدل ملكا للمالك فى ازاء ماله الّذي تلف على يد الضامن، تلفا حقيقيا، او تلفا عرفيا (و إن كان الذهاب) للملك عن مالكه (بمعنى انقطاع سلطنته عنه) فان الشي ء الّذي يغرق فى البحر ينقطع تسلط المالك عليه (و) بمعنى (فوات الانتفاع به فى الوجوه التى بها قوام الملكية) فان كون الملك ملكا انما يكون بالانتفاع

ص: 196

وجب قيام مقابله مقامه فى السلطنة، لا فى الملكية ليكون مقابلا و تداركا للسلطنة الفائتة، فالتدارك لا يقتضي ملكية المتدارك فى هذه الصورة

نعم لما كانت السلطنة المطلقة المتداركة للسلطنة الفائتة متوقفة على الملك، لتوقف بعض التصرفات عليها، وجب ملكيه للمبذول

______________________________

به اكلا، و استعمالا، و اجارة، و ما اشبه (وجب قيام مقابله) الّذي هو البدل (مقامه) لا فى الملكية بل (فى السلطنة) بان يكون المالك مسلطا على التصرفات فيه (لا فى الملكية) لان الضامن لم يذهب الملكية، و انما اذهب السلطنة فقط (ليكون) الشي ء العائد الى كيس المالك (مقابلا) لما فات منه (و تداركا للسلطنة الفائتة) لا تداركا للملكية، اذ لم تذهب الملكية (فالتدارك) الواجب على الضامن (لا يقتضي ملكية المتدارك)- بالفتح (فى هذه الصورة) اى صورة عدم التلف.

و الحاصل: ان الضامن مأمور بتدارك ما سبب فواته، فان كان الفائت الملك تدارك باعطاء الملك، و إن كان الفائت السلطة تدارك باعطاء السلطة.

(نعم لما كانت السلطنة المطلقة المتداركة)- بالفتح- التى تعوض (للسلطنة الفائتة متوقفة على الملك) اذ: لا سلطنة مطلقة الا فى صورة الملك (لتوقف بعض التصرفات عليها) اى على السلطنة المطلقة المتوقفة على الملك، فان التلف- غير المعنون بهبة و ما اشبه- لا يجوز الا فى الملك كما ان البيع و العتق و الوطي،- بدون عقد او تحليل- لا يكون الا فى الملك فحينئذ (وجب ملكيته) اى المتصرف (للمبذول) بدلا

ص: 197

تحقيقا لمعنى التدارك و الخروج عن العهدة.

و على اىّ تقدير، فلا ينبغى الاشكال فى بقاء العين المضمونة على ملك مالكها.

انما الكلام فى البدل المبذول، و لا كلام أيضا فى وجوب الحكم بالإباحة و بالسلطنة المطلقة عليها، و بعد ذلك فيرجع محصل الكلام حينئذ الى ان إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك

______________________________

(تحقيقا لمعنى التدارك، و) لمعنى (الخروج عن العهدة) فان الضامن لا يخرج عن العهدة الّا بالسلطنة المطلقة المتوقفة على الملك.

و لا يخفى ان قول المصنف: نعم، استدراك و تأييد لكلام المشهور خلاف المحقق القمى، فهو ردّ لقوله السابق: اقول.

(و على اىّ تقدير) سواء قلنا: بمقالة من يرى الملكية فى بدل الحيلولة، او يرى السلطة فقط بدون الملك (فلا ينبغى الاشكال فى بقاء العين المضمونة) التى ضمنها الضامن باغراقه فى البحر- مثلا- (على ملك مالكها) الاول فلا تنتقل الى ملك الضامن.

(انما الكلام فى البدل المبذول) الّذي اعطاه الضامن للمالك، للحيلولة (و لا كلام أيضا) فى البدل المبذول (فى وجوب الحكم بالإباحة) للمالك (و بالسلطنة المطلقة) للمالك (عليها) اى على العين المبذولة بدلا (و بعد ذلك) الّذي ذكرنا انه لا كلام فيه (فيرجع محصل الكلام) بين المشهور و القمى (حينئذ الى ان إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك) فى بدل الحيلولة.

ص: 198

هل يستلزم الملك من حين الاباحة، او يكفى فيه حصوله من حين التصرف. و قد تقدم فى المعاطاة بيان ذلك.

ثم انه قد تحصّل مما ذكرنا ان تحقيق ملكية البدل، او السلطنة المطلقة عليه مع بقاء العين على ملك مالكها، انما هو مع فوات معظم الانتفاعات به بحيث يعد بذل البدل غرامة و تداركا.

اما لو لم يفت الا بعض ما ليس به قوام الملكية،

______________________________

(هل يستلزم الملك) اى ملك المالك لهذا البدل (من حين الاباحة، او يكفى فيه) اى فى جميع التصرفات (حصوله) اى الملك (من حين التصرف) فالملك مقارن للتصرف الموجب للملك، كالوطى و العتق (و قد تقدم فى المعاطاة بيان ذلك) و ان الجمع بين دليل الاستصحاب المقتضى لبقاء البدل على ملك مالكه، و بين دليل جواز جميع التصرفات، و هو قوله:

حتى تؤدّى، يقتضي كون الملك من حين التصرف.

(ثم انه قد تحصّل مما ذكرنا) فى حال البدل، و انه ملك او إباحة للتصرفات، و تسليط بدون الملك (ان تحقيق ملكية البدل) على المشهور (او السلطنة المطلقة عليه) على ما اختاره القمى «ره» (مع بقاء العين على ملك مالكها) اى الضامن (انما هو مع فوات معظم الانتفاعات به) اى بالملك الّذي ضمنه الضامن (بحيث يعد بذل البدل غرامة و تداركا) فان التدارك يقتضي الملك، او السلطة المطلقة.

(اما لو لم يفت الّا بعض ما ليس به قوام الملكية) كما فى وطى الجانى الحيوان، حيث اسقطه عن قابلية الأكل و الانتفاع بلبنه و ما اشبه، لكنه

ص: 199

فالتدارك لا يقتضي ملكه، و لا السلطنة المطلقة على البدل، و لو فرض حكم الشارع بوجوب غرامة قيمته حينئذ لم يبعد كشف ذلك عن انتقال العين الى الغارم.

و لذا استظهر غير واحد: ان الغارم لقيمة الحيوان الّذي وطئه يملكه، لانه و ان وجب بالوطى نفيه عن البلد، و بيعه فى بلد آخر. لكن هذا لا يعدّ فواتا لما به قوام المالية.

______________________________

صالح بعد للركوب و الحرث و السقى و التحميل و ما اشبه (فالتدارك لا يقتضي ملكه) اى وجوب التدارك على الجانى لا يقتضي ملك المالك الاول للشي ء المبذول (و لا السلطنة المطلقة على البدل) اذ: لم يفوّت الجانى السلطنة المطلقة، حتى يجب عليه تسليط المالك على البدل سلطنة مطلقة (و لو فرض حكم الشارع بوجوب غرامة قيمته) كقيمة الموطوء فى المثال- ف (حينئذ لم يبعد كشف ذلك) الحكم من الشارع (عن انتقال العين)- كالموطوء- (الى الغارم) الواطئ.

(و لذا استظهر غير واحد: ان الغارم لقيمة الحيوان الّذي وطئه، يملكه) اى يملك الموطوء (لانه و ان وجب ب) سبب (الوطي نفيه) اى الحيوان- الّذي يقصد ظهره كالحمار- (عن البلد، و بيعه فى بلد آخر، لكن هذا) النفى و البيع (لا يعدّ فواتا لما به قوام المالية) اذ:

الحيوان المنفى مال أيضا، فاذا اوجب الشارع القيمة على الواطئ، كشف ذلك عن انه حكم بملكية الموطوء للواطى، كشفا عرفيا، لبعد جمعه بين العوض و المعوض.

ص: 200

هذا كله مع انقطاع السلطنة عن العين مع بقائها على مقدار ملكيتها السابقة.

اما لو خرج عن التقويم مع بقائها على صفة الملكية، فمقتضى قاعدة:

الضمان، وجوب كمال القيمة مع بقاء العين على ملك المالك لان القيمة عوض الاوصاف، و الاجزاء التى خرجت العين لفواتها عن التقويم، لا عوض العين نفسها، كما فى

______________________________

(هذا) الّذي ذكرناه من حال بدل الحيلولة فى انه ملك او سلطة فقط و انه ينتقل المبدل الى ملك الضامن أم لا؟ (كله مع انقطاع السلطنة) للمالك (عن العين) لا بالتلف، بل (مع بقائها على مقدار ملكيتها السابقة) فان الشي ء الّذي يغرق فى البحر، باق على ملكيته، و كذلك الموطوء و ان تفاوت مقدار القيمة- و الاجود فى عبارة المصنف هكذا: مقدار من ملكيتها

(اما لو خرج) الملك (عن التقويم) فلا يرى العرف له قيمة (مع بقائها على صفة الملكية) و لا يخفى ان الضمير المذكر يرجع الى: الشي ء، و المؤنث الى: العين، (فمقتضى قاعدة الضمان) المستفاد من: على اليد، (وجوب كمال القيمة) على الضامن، و لا يلاحظ ان الملك باق بعد- على ملك مالكه (مع بقاء العين على ملك المالك، لان القيمة عوض الاوصاف) التالفة (و) عوض (الاجزاء التى خرجت العين لفواتها) اى بسبب فوات تلك الاجزاء (عن التقويم، لا عوض العين نفسها) حتى يقال: ان العين موجودة، فكيف يجب عوضها على الضامن (كما فى

ص: 201

الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب، فانّ بقائها على ملك مالكها لا ينافى معنى الغرامة لفوات معظم الانتفاعات، فيقوى عدم جواز المسح بها الا باذن المالك و لو بذل القيمة.

قال فى شرح القواعد فيما لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، و لو طلب المالك نزعها- و ان افضى الى التلف- وجب ثم يضمن الغاصب النقص

______________________________

الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب) كما لو لم يعلم بذلك فتوضأ (فان بقائها) اى تلك الرطوبة (على ملك مالكها لا ينافى معنى الغرامة) التى هى عبارة عن اداء ما اتلفه الضامن، و لو كان التلف بحيث بقى بعض الاجزاء، و انما تجب الغرامة (لفوات معظم الانتفاعات) اى بهذا الماء الّذي بقى بعض اجزائه، فان الذرات الندية لا تصلح للشرب و السقى و الغسل فيه و ما اشبه، و ان صلحت لالصاق جسم يحتاج الى الرطوبة به (ف) على ما ذكرناه من بقاء الرطوبة على ملك المالك (يقوى عدم جواز المسح بها) فيما اذا علم بالغصبية قبل ان يمسح (الا باذن المالك و لو بذل) المتوضى (القيمة). لان القيمة لا توجب ملكية الرطوبة، و انما هى لاجل اذهاب المتلف معظم الانتفاعات.

اللهم الا ان يقال: ان العرف يرى المال تالفا، فلا يشمله دليل الملك، فليس هذه الرطوبة- عرفا- ملكا للمالك حتى لا يصح المسح بها

(قال فى شرح القواعد فيما لو خاط) الشخص (ثوبه بخيوط مغصوبة) ما لفظه: (و لو طلب المالك نزعها- و ان افضى) النزع (الى التلف- وجب) النزع و اعطائه قطع الخيوط (ثم يضمن الغاصب النقض) بين

ص: 202

و لو لم يبق لها قيمة غرم جميع القيمة انتهى، و عطف على ذلك قوله: و لا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك كما سبق من ان جناية الغاصب توجب اكثر الامرين، و لو استوعب القيمة اخذها و لم تدفع العين انتهى.

و عن المسالك فى هذه المسألة: انه ان لم يبق له قيمة ضمن

______________________________

الخيوط الصحيحة و الخيوط المقطعة (و لو لم يبق لها) اى للخيوط بعد النزع (قيمة غرم) الغاصب (جميع القيمة انتهى).

فان هذا الكلام دال على وجوب اعطاء قطع الخيوط بالإضافة الى القيمة الكاملة (و عطف على ذلك) الّذي ذكره العلامة من ايجاب القيمة الكاملة فى محكى جامع المقاصد (قوله: و لا يوجب ذلك) اى عدم القيمة للخيوط (خروجها عن ملك المالك) لاصالة بقاء الخيوط المقطعة على ملكه (كما سبق من ان جناية الغاصب) على المغصوب (توجب اكثر الامرين) فهذا دليل ان الغاصب يؤخذ بالاشق، فلا يستبعد ان يكون الغاصب- فى باب الخيوط المقطعة- مكلفا باعطاء القيمة الكاملة و مع ذلك يكون الخيط لمالكه أيضا (و لو استوعب) اى الجناية (القيمة) بان لم يكن للمغصوب قيمة بسبب الجناية (اخذها) اى اخذ الغاصب القيمة كاملة (و لم تدفع العين) اى الى الغاصب، فيجمع المالك بين العين، و بين القيمة (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(و عن المسالك فى هذه المسألة) اى فى مسئلة الخيوط المغصوبة (انه ان لم يبق له) اى للخيط (قيمة) بسبب تقطعه بالخياطة (ضمن)

ص: 203

جميع القيمة و لا يخرج بذلك عن ملك مالكه كما سبق فيجمع بين العين و القيمة لكن عن مجمع البرهان فى هذه المسألة: اختيار عدم وجوب النزع، بل قال: يمكن ان لا يجوز، و يتعين القيمة لكونه بمنزلة التلف.

و حينئذ يمكن جواز الصلاة فى هذا الثوب المخيط، اذ: لا غصب فيه يجب ردّه، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الّذي حصل العلم به بعد اكمال الغسل و قبل المسح انتهى.

______________________________

الغاصب (جميع القيمة، و لا يخرج) الخيط (بذلك) الوجوب على الغاصب لتمام القيمة (عن ملك مالكه كما سبق فيجمع) المالك (بين العين و القيمة، لكن عن مجمع البرهان فى هذه المسألة) اى مسئلة الخيط (اختيار عدم وجوب النزع) على الغاصب (بل قال: يمكن ان لا يجوز) لمالك الخيط ان ينزعه من ثوب الغاصب (و يتعين القيمة) فقط على الغاصب (لكونه بمنزلة التلف) عرفا، و الشي ء التالف ليس مالا و ملكا للمالك الاول.

(و حينئذ) اى حين كان الخيط تالفا عرفا (يمكن) ان نقول: ب (جواز الصلاة فى هذا الثوب المخيط) بالخيط المغصوب (اذ: لا غصب فيه) بحيث (يجب رده) على المالك (كما قيل: بجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الّذي حصل العلم به بعد اكمال الغسل)- بالفتح- (و قبل المسح) بذلك الماء (انتهى) كلام مجمع البرهان.

ص: 204

و استجوده بعض المعاصرين ترجيحا لاقتضاء ملك المالك للقيمة خروج المضمون عن ملكه لصيرورته عوضا شرعا.

و فيه انه لا منشأ لهذا الاقتضاء.

و ادلة الضمان: قد عرفت ان محصلها يرجع الى وجوب تدارك ما ذهب من المالك، سواء كان الذاهب نفس العين، كما فى التلف الحقيقى، او كان الذاهب السلطنة عليها التى بها قوام ماليتها.

______________________________

(و استجوده) اى كلام مجمع البرهان (بعض المعاصرين) و ذلك (ترجيحا لاقتضاء ملك المالك للقيمة، خروج المضمون عن ملكه) اى ترجيحه على استصحاب بقاء ملك المالك على ملكيته (لصيرورته) هذا علة للترجيح و الضمير عائد الى المضمون- كالخيط- (عوضا شرعا) عن القيمة التى دفعها الغاصب الى المالك.

(و فيه انه لا منشأ لهذا الاقتضاء) اى ان ملك المالك للقيمة لا دليل على انه يقتضي خروج الخيط عن ملك مالكه.

(و) ان قلت: ادلة الضمان تقتضى خروج الخيط عن ملك مالكه لان معنى الضمان ان المال انتقل الى الضامن فى مقابل ضمانه للقيمة

قلت: (ادلة الضمان- قد عرفت- ان محصلها يرجع الى وجوب تدارك ما ذهب من المالك سواء كان الذاهب نفس العين كما فى التلف الحقيقى) كما لو القى الملح فى البحر فتلف (او كان الذاهب السلطنة عليها) اى على العين (التى بها) اى بتلك السلطنة (قوام ماليتها) فيما لا يسمى المال مالا الا بالسلطنة عليها

ص: 205

كغرق المال، او كان الذاهب الاجزاء، او الاوصاف التى يخرج بذها بها العين عن التقويم مع بقاء ملكيته.

و لا يخفى ان العين على التقدير الاول خارج عن الملكية عرفا

و على الثانى السلطنة المطلقة على البدل بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين، و هذا معنى بدل الحيلولة.

______________________________

(كغرق المال) كالابريق فى البحر، فان العين باقية لكن حيث لا سلطة للمالك عليها كان بنظر العرف اتلف ماليته (او كان الذاهب الاجزاء، او الاوصاف التى يخرج بذهابها العين عن التقويم مع بقاء ملكيته) كماء الوضوء الّذي يذهب بعض اجزائه، و كالخيوط فى المخيط التى يذهب وصف استقلالها، فان الملكية باقية، و ان ذهب الجزء او الوصف.

(و لا يخفى ان العين على التقدير الاول) الّذي هو التلف الحقيقى (خارج عن الملكية عرفا) اذ: التالف، ليس ملكا.

و انما قال: عرفا، لان العرف هو المعيار فى رؤية الشي ء ملكا فاذا قال: بان الشي ء الفلانى ليس بملك، فلا يترتب عليه اثر الملك.

(و على الثانى) فيما كان الذاهب السلطنة على الملك، و ان كان الملك باقيا (السلطنة المطلقة) للمالك (على البدل) الّذي اعطاه الضامن (بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين) فالضامن حيث قطع سلطنة المالك وجب عليه ان يسلطه على البدل (و هذا معنى بدل الحيلولة) اى بدل حيلولة الضامن بين مال المالك، و بين المالك.

ص: 206

و على الثالث: فالمبذول عوض عما خرج المال بذهابه عن التقويم لا عن نفس العين، فالمضمون فى الحقيقة هى: تلك الاوصاف التى تقابل بجميع القيمة لا نفس العين الباقية.

كيف و لم تتلف هى؟ و ليس لها على تقدير التلف أيضا عهدة المالية بل الامر بردّها مجرد تكليف، لا يقابل بالمال

______________________________

(و على الثالث) و هو ذهاب الجزء او الوصف (فالمبذول عوض عما خرج المال بذهابه عن التقويم) فالثمن عوض عن الجزء فى ماء الوضوء و عن الوصف فى الخيط (لا عن نفس العين) اذ العين باقية، و لا عن الحيلولة، لان الضامن لم يحل بين المال و بين مالكه (فالمضمون فى الحقيقة) فى الثالث (هى: تلك الاوصاف التى تقابل بجميع القيمة) فان الوصف المفقود، يوجب ذهاب المالية عن العين و إن كانت باقية (لا) ان المضمون (نفس العين الباقية).

و (كيف) تكون العين مضمونة (و) الحال (لم تتلف هى) اى العين بل هى باقية (و ليس لها على تقدير التلف أيضا عهدة مالية) اذ: العين بعد ذهاب وصفها لا مالية لها حتى تكون مضمونة.

فان قلت: فاذا لم يكن لها مالية فلم يؤمر الضامن بردها.

قلت: لا يؤمر الضامن بردها لان لها مالية (بل الامر بردها مجرد تكليف، لا يقابل بالمال) كما لو تصرف انسان فى قطع الخزف التى هى لزيد- مما لا قيمة لها- فانه مأمور بردها لا لأنها مال، بل لانها متعلق

ص: 207

بل لو استلزم رده ضررا ماليا على الغاصب امكن سقوطه فتأمّل.

و لعل ما عن المسالك من ان: ظاهرهم عدم وجوب اخراج الخيط المغصوب عن الثوب بعد خروجه عن القيمة بالاخراج، فتعين القيمة فقط محمول على صورة تضرر المالك بفساد الثوب المخيط، او البناء المستدخل فيه الخشبة، كما لا يأبى عنه عنوان المسألة فلاحظ.

______________________________

حق الغير (بل لو استلزم رده ضررا ماليا على الغاصب) كما لو استلزم اخراج الخيط نقص الثوب عن القيمة، او ما اشبه (امكن سقوطه) اى سقوط الرد لقاعدة: لا ضرر.

لكن هذا انما يستقيم- لو قلنا به- فيما لم يكن الغاصب غصب عالما او لو غصب عالما، سقط بالنسبة إليه دليل لا ضرر، لانه بنفسه اقدم على ذلك (فتأمل) لعله: اشارة الى ما ذكرناه.

(و لعل ما عن المسالك من ان ظاهرهم عدم وجوب اخراج الخيط المغصوب عن الثوب بعد خروجه) اى الخيط (عن القيمة ب) سبب (الاخراج) و عليه (فتعين القيمة فقط) على الغاصب (محمول على صورة تضرر المالك) الغاصب (بفساد الثوب المخيط) اذا اخرج الخيط.

فدليل: لا ضرر، قاض بعدم وجوب الاخراج (او) تضرر المالك بسبب فساد (البناء المستدخل فيه الخشبة) المغصوبة، و لذا يجب على الغاصب قيمتها و لا يجب عليه اعطاء الخشبة الى مالكها (كما لا يأبى، عنه) اى عن كون مرادهم بإطلاق عدم الوجوب صورة تضرر المالك فقط (عنوان المسألة) الظاهر فى كونه صورة التضرر، لا مطلقا (فلاحظ) العنوان

ص: 208

و حينئذ فلا ينافى ما تقدم عنه سابقا، من: بقاء الخيط على ملك مالكه و ان وجب بذل قيمته.

ثم ان هنا قسما رابعا و هو: ما لو خرج المضمون عن الملكية مع بقاء حق الاولوية فيه، كما لو صار الخلّ المغصوب خمرا.

فاستشكل فى القواعد وجوب ردها مع القيمة، و لعله من استصحاب وجوب ردها.

______________________________

(و حينئذ) اى حين كان مرادهم صورة التضرر (فلا ينافى) كلامهم الّذي نقله الشهيد (ما تقدم عنه) و منّا (سابقا من بقاء الخيط على ملك مالكه، و ان وجب بذل قيمته) لان البقاء خاص بصورة عدم تضرر الغاصب و عدم البقاء خاص بصورة تضرر الغاصب.

(ثم ان هنا) فى مسئلة الضمان (قسما رابعا) بالإضافة الى الاقسام الثلاثة السابقة (و هو: ما لو خرج المضمون عن الملكية مع بقاء حق الاولوية فيه) لمالكه (كما لو صار الخل المغصوب خمرا) فان الخمر لا تملك، و لكنها فيها حق الاولوية لصاحبها، حتى انه لو اراد اسقائها شجرة لم يكن لاحد الحيلولة بينه و بين ذلك، و كذا الوارد القائها فى الكنيف لاجل قتل ديدانه مثلا.

(فاستشكل فى القواعد: وجوب ردها مع القيمة) فان الواجب اعطاء القيمة، اما الرد فمحل اشكال (و لعله من) تعارض الدليلين، اما وجوب الرد (فلاستصحاب وجوب ردها) اذ: قبل الخمرية كان واجب الرد فاذا صار خمرا و شك فى انه زال حكم وجوب الرد كان الاصل بقاء وجوب الرد

ص: 209

و من ان الموضوع فى المستصحب ملك المالك- اذ لم يجب إلا رده- و لم يكن المالك الا اولى به.

الا ان يقال: ان الموضوع فى الاستصحاب عرفى.

و لذا كان الوجوب مذهب جماعة، منهم: الشهيدان، و المحقق الثانى.

و يؤيده انه: لو عاد خلا، ردت الى المالك بلا خلاف ظاهر.

______________________________

(و من ان الموضوع فى المستصحب ملك المالك- اذ لم يجب إلا رده-) اى رد ملك المالك، فان الدليل دل على وجوب رد ملك المالك، لا رد شي ء آخر ليس ملكا للمالك (و لم يكن المالك الا اولى به) و الاولوية لا تلازمه الملك الواجب رده.

(الا ان يقال:) ان وجوب الرد اقوى ل (ان الموضوع فى الاستصحاب عرفى) و الموضوع العرفى باق، اذ: العرف يرى الخمر نفس الخل، و انما طرأ عليه حالة جديدة، فالوجه الثانى، اى قوله: و من ان الموضوع الّذي كان مناطه تبدل الموضوع غير تام، فيبقى الاستصحاب بدون معارض

(و لذا كان الوجوب) للرد (مذهب جماعة، منهم: الشهيدان و المحقق الثانى) و غيرهم.

(و يؤيده) اى وجوب الرد (انه لو عاد خلا) بعد الخمرية (ردت الى المالك بلا خلاف ظاهر) و لو كان الموضوع متبدلا لم يكن وجه لرده الى المالك، اذ: الملك قد زال، فاعادته يحتاج الى الدليل.

الا ترى انه: لو صار النبات عذرة، ثم صارت ارضا ثم عادت نباتا لم

ص: 210

ثم ان مقتضى صدق الغرامة على المدفوع خروج الغارم عن عهدة العين، و ضمانها، فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع، سواء كان للسوق، او للزيادة المتصلة، بل المنفصلة كالثمرة، و لا يضمن منافعه، فلا يطالب الغارم بالمنفعة بعد ذلك.

______________________________

يكن وجه للقول باعادته الى المالك للنبات الاول.

(ثم ان مقتضى صدق الغرامة على المدفوع) بدلا عن ما اتلفه الضامن (خروج الغارم) بسبب الدفع (عن عهدة العين و) عن (ضمانها فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع) كما لو اتلف شاة المالك، ثم اعطى قيمتها، فانه لا يضمن بعد ذلك ارتفاع قيمة الشاة، لان الضامن قد ردّ الشاة بردّ قيمتها، فسقط دليل: على اليد، منه، و كذا لو حال بين المالك و بين العين، فزادت زيادة متصلة او منفصلة، كما لو فك الغزال فشرد فى الغابة، ثم سمن او ولدت فانه بعد اعطاء القيمة لا يضمن السمن و الولد لانه قد برئت ذمته (سواء كان) الارتفاع (للسوق) بدون زيادة عينية (او للزيادة المتصلة) كالسمن (بل المنفصلة كالثمرة) فيما اذا فرضنا حيلولية الغاصب بين الشجرة و بين المالك او المراد بالثمرة ما يشمل مثل ولد الغزال- كما فيما تقدم فى المثال- (و لا يضمن) أيضا (منافعه) المتجددة كما لو سبّب اباق العبد، فانه لا يضمن ايجاره، بعد ان اعطى قيمته لصاحب العبد (فلا يطلب الغارم بالمنفعة بعد ذلك) اى بعد الخروج عن العهدة باعطاء البدل.

ص: 211

و عن التذكرة، و بعض آخر: ضمان المنافع، و قواه فى المبسوط بعد أن جعل الاقوى خلافه.

و فى موضع من جامع المقاصد: انه موضع توقف، و فى موضع آخر:

رجح الوجوب.

ثم ان ظاهر عطف: التعذر على التلف فى كلام بعضهم عند التعرض لضمان المغصوب بالمثل او القيمة، يقتضي عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقية الحاصل بعد التعذر، و قبل الدفع كالحاصل

______________________________

(و عن التذكرة و بعض آخر ضمان المنافع) و ان اعطى الغرامة (و قواه فى المبسوط بعد ان جعل) الشيخ، أوّلا (الاقوى خلافه) اى عدم الضمان.

(و فى موضع من جامع المقاصد: انه) اى الضمان للمنافع (موضع توقف، و فى موضع آخر) من جامع المقاصد (رجح الوجوب) اى ضمان المنافع و كان الوجه فى الوجوب ان الضامن انما خرج عن عهدة العين، و اما المنافع فلم يخرج عن عهدتها.

لكن الانصاف عدم الوجوب لصدق الاداء الموجب لبراءة الذمة (ثم ان ظاهر عطف التعذر على التلف) فى قولهم: لو تلف المغصوب او تعذر ايصاله الى صاحبه (فى كلام بعضهم عند التعرض) منهم (لضمان المغصوب بالمثل) فى المثلى (او القيمة) فى القيمى (يقتضي عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقية الحاصل) ذلك الارتفاع (بعد التعذر و) ذلك كما لو القى الاناء فى البحر ثم زادت قيمته (قبل الدفع) للقيمة (كالحاصل) اى

ص: 212

بعد التلف، لكن مقتضى القاعدة ضمانه له، لان مع التلف يتعين القيمة و لذا ليس له الامتناع من اخذها، بخلاف تعذر العين فان القيمة غير متعينة، فلو صبر المالك حتى يتمكن من العين، كان له ذلك و يبقى العين فى عهدة الضامن فى هذه المدة، فلو تلفت كان له قيمتها من حين التلف، او اعلى القيم إليه.

______________________________

الارتفاع الحاصل (بعد التلف) حيث لا يضمن ذلك الارتفاع الضامن- لانه بالتلف استقرت القيمة فى الذمة، فلا وجه لضمان الارتفاع-

(لكن مقتضى القاعدة ضمانه) اى الضامن (له) اى للارتفاع الحاصل بعد التعذر، و ليس الارتفاع بعد التعذر مثل الارتفاع بعد التلف.

وجه الفرق (لان مع التلف يتعين القيمة، و لذا ليس له) اى للمالك (الامتناع من اخذها) كما تقدم، لانه لا يكلف الضامن ببقاء ذمته مشغولة بمال الغير (بخلاف تعذر العين) بدون تلفها (فان القيمة) فى صورة التعذر بدون التلف (غير متعينة ف) لذا (لو صبر المالك حتى يتمكن من العين كان له ذلك) لان المالك مسلط على العين، فله ان يبقى سلطته، و له ان يقطعها باخذ القيمة، بخلاف صورة التلف للعين، فان سلطته على العين قد تبدلت الى السلطة على القيمة (و يبقى العين فى عهدة الضامن فى هذه المدة) اى المدة بين التعذر و بين اخذ المالك للبدل (فلو تلفت) العين بعد التعذر، كما لو طار الطير يوم الجمعة، و تلف يوم الثلاثاء (كان له) اى للمالك (قيمتها من حين التلف) اى يوم الثلاثاء (او اعلى القيم إليه) اى من حين

ص: 213

او يوم الغصب، على الخلاف.

و الحاصل ان قبل دفع القيمة يكون العين الموجودة فى عهدة الضامن، فلا عبرة بيوم التعذر.

و الحكم بكون يوم التعذر بمنزلة يوم التلف، مع الحكم بضمان الاجرة و النماء الى دفع البدل، و ان تراخى عن التعذر مما لا يجتمعان ظاهرا

______________________________

الغصب الى يوم التلف (او يوم الغصب) اى يوم الجمعة (على الخلاف) المتقدم، فلو كانت قيمة الطائر يوم الجمعة عشرة، و السبت عشرين، و الثلاثاء خمسة، كان الواجب على الضامن اعطاء احدها على الخلاف الّذي تقدم، فى ان الغاصب يضمن اعلى القيم، كما مر فى صحيحة ابى ولاد

(و الحاصل ان قبل دفع) الضامن (القيمة يكون العين الموجودة) المتعذرة (فى عهدة الضامن) فى هذه المدة (فلا عبرة بيوم التعذر) فى اعتبار القيمة، فلو كانت قيمتها فى يوم التعذر عشرة، و فى يوم الدفع عشرين، وجب عليه عشرون، و لو انعكس وجبت عليه عشرة

(و الحكم) الّذي صدر عن بعض (بكون) الاعتبار ب (يوم التعذر) لانه (بمنزلة يوم التلف) فكما ان الاعتبار بيوم التلف فى صورة التلف، كذلك الاعتبار بيوم التعذر فى صورة التعذر (مع الحكم) من ذلك البعض (بضمان) الضامن (الاجرة و النماء الى دفع البدل، و ان تراخى) دفع البدل (عن) يوم (التعذر) فلو اطلق غزال زيد فى الغابة، و كان يوم التعذر قيمته عشرة، ثم ولدت قبل دفع القيمة، ولدا قيمته خمسة- مثلا- لزم على الضامن اعطاء خمسة عشر (مما لا يجتمعان ظاهرا) هذا خبر قوله:

ص: 214

فمقتضى القاعدة ضمان الارتفاع الى يوم دفع البدل، نظير دفع القيمة عن المثل المتعذر فى المثلى.

ثم انه: لا اشكال فى انه اذا ارتفع تعذر رد العين و صار ممكنا وجب ردها الى مالكها كما صرح به فى جامع المقاصد فورا.

______________________________

و الحكم، و انما لا يجتمعان، لانه ان انتقل الى القيمة فى يوم التعذر لم يكن ضمان للاجرة و النماء، و ان كان ضمان للاجرة و النماء كان اللازم ملاحظة قيمة يوم الاداء- كما لا يخفى-

و انما قال: ظاهرا، لامكان حكم الشارع بالامرين من باب التفكيك بين المتلازمين، كما لو شهدت امرأة بالوصية فان الشارع جعل للموصى له ربع المال، مع ان الوصية إن كانت فى الواقع، فاللازم جميع المال و ان لم تكن، فاللازم عدم استحقاق الربع.

و على كل حال (فمقتضى القاعدة ضمان الارتفاع) قيمة و اجرة و نماء (الى يوم دفع البدل) لان التعذر ليس كالتلف، و انما المال للمالك الى حين دفع البدل فارتفاعه، و اجرته، و نمائه للمالك (نظير دفع القيمة عن المثل المتعذر فى المثلى) بأن كان الشي ء مثليا، ثم تعذر المثل مما لزم على الضامن اعطاء القيمة، فانه يجب عليه اعطاء الارتفاع و ما اشبه.

(ثم انه لا اشكال فى انه اذا ارتفع تعذر ردّ العين و صار ممكنا) كما لو القى الماء الشي ء المغرق الى الساحل، او عاد الحيوان الّذي فرّ الى محله (وجب ردّها الى مالكها كما صرح به فى جامع المقاصد) ردا (فورا)

ص: 215

و إن كان فى احضارها مئونة، كما كان قبل التعذر، لعموم: على اليد ما اخذت حتى تؤدى.

و دفع البدل لاجل الحيلولة، انما افاد خروج الغاصب عن الضمان بمعنى انه لو تلف لم يكن عليه قيمته بعد ذلك و استلزم ذلك على ما اخترناه: عدم ضمان المنافع، و النماء المنفصل و المتصل، بعد دفع الغرامة، و سقوط وجوب الرد حين التعذر للعذر العقلى، فلا يجوز استصحابه.

______________________________

و إن كان الضامن قد دفع البدل- قبلا- (و إن كان فى احضارها) الى المالك (مئونة كما كان) الواجب احضاره عند مالكه و إن كان له مئونة (قبل التعذر) و انما يجب ذلك (لعموم: على اليد ما اخذت حتى تؤدى) و من المعلوم ان بعد التمكن ممكن الاداء، و الاداء من لوازمه تحمل مئونة الاحضار.

(و) ان قلت: دفع البدل سقط لوجوب الرد.

قلت: (دفع البدل لاجل الحيلولة، انما افاد خروج الغاصب عن الضمان) الموقت (بمعنى انه لو تلف) المال المتعذر (لم يكن عليه) اى على الضامن (قيمته بعد ذلك) الدفع للبدل (و) أيضا (استلزم ذلك) التعذر (على ما اخترناه: عدم ضمان المنافع): عدم، فاعل: استلزم، (و النماء المنفصل، و المتصل) عطف على: المنافع (بعد دفع الغرامة و سقوط وجوب الرد حين التعذر للعذر العقلى) فالعذر العقلى بعدم التمكن اسقط وجوب الرد ما دام العذر باقيا (فلا يجوز استصحابه) اى استصحاب عدم

ص: 216

بل مقتضى الاستصحاب، و العموم هو: الضمان المدلول عليه بقوله عليه السلام: على اليد ما اخذت، المغيّى بقوله: حتى تؤدى.

و هل الغرامة المدفوعة تعود ملكه الى الغارم بمجرد طروّ التمكن؟

فيضمن العين من يوم التمكن ضمانا جديدا بمثله او قيمته

______________________________

وجوب الردّ، حال رفع العذر، بامكان الشي ء، كما لو القى البحر المتاع الى الساحل (بل مقتضى الاستصحاب) حيث ان الضامن كان الواجب عليه رد المال، خرج منه، حال التعذر، اما غير حال التعذر فيستصحب وجوب الرد (و العموم) لقاعدة على: اليد، الشامل لحال الامكان (هو الضمان المدلول عليه) اى على ذلك الضمان (بقوله عليه السلام: على اليد ما اخذت، المغيّا) صفة: على اليد (بقوله: حتى تؤدّى) فان الظاهر من الغاية، ان الضمان باق الى حين الاداء، فحال التعذر يسقط: الاداء، لعدم معقولية تكليف الشارع بالشي ء المتعذر، اما لو تمكن الضامن بعد ذلك لم يكن وجه للقول بعدم وجوب الاداء.

هذا كله بالنسبة الى المال اذا سقط التعذر

(و) اما بالنسبة الى الغرامة التى اعطاها الضامن الى المالك فما حالها؟ ف (هل الغرامة المدفوعة تعود ملكه الى الغارم) اى الضامن (بمجرد طرو التمكن) قبل ان يسلم الضامن المال الى المالك.

و عليه (فيضمن) الضامن (العين من يوم التمكن) بإلقاء البحر لها خارجا- مثلا- (ضمانا جديدا) اما (بمثله) إن كان مثليا (او قيمته) إن كان قيميا، يعنى ان الشارع يقول للضامن: خذ بدل الحيلولة، و انت ضامن

ص: 217

يوم حدوث الضمان، او يوم التلف، او اعلى القيم، او انها باقية على ملك مالك العين، و كون العين مضمونة بها لا بشي ء آخر فى ذمة الغاصب، فلو تلفت استقر ملك المالك على الغرامة، فلم يحدث فى العين الّا حكم تكليفى بوجوب رده، و اما الضمان و عهدة جديدة فلا؟ وجهان.

اظهرهما الثانى، لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة

______________________________

ان تعطى المالك ماله، و ان فقد و تلف، فمثله او قيمته، و القيمة- فى القيمى- انما تقدر ب (يوم حدوث الضمان، او يوم التلف، او اعلى القيم) من يوم الضمان الى يوم التلف (او انها) اى الغرامة لا تعود ملكه الى الغارم، بل هى (باقية على ملك مالك العين، و) ليس جمعا بين العوض و المعوّض، اذ: العين هى ملك المالك، و العوض انما هو لاجل الضمان بمعنى (كون العين مضمونة بها) اى بالغرامة (لا بشي ء آخر فى ذمة الغاصب).

و عليه (فلو تلفت) العين (استقر ملك المالك على الغرامة فلم يحدث فى العين الّا حكم تكليفى بوجوب رده) و ليس حكما وضعيا، اذ: لو كان حكم وضعى، لزم ضمان العين بمثلها او قيمتها- لدى التلف- لا ضمانها بالبدل المعين.

و هذا مراده بقوله (و اما الضمان و عهدة جديدة فلا) و ذلك لان الضمان تعلق بهذه الغرامة فتحوله الى ضمان آخر يحتاج الى الدليل، (وجهان) خبر قوله: و هل الغرامة الخ (اظهرهما الثانى) و هو ان الغرامة باقية على ملك مالك العين (لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة)

ص: 218

و عدم طروّ ما يزيل ملكيته عن الغرامة، او يحدث ضمانا جديدا

و مجرد عود التمكن، لا يوجب عود سلطنة المالك، حتى يلزم من بقاء ملكيته على الغرامة الجمع بين العوض و المعوض.

غاية ما فى الباب قدرة الغاصب على اعادة السلطنة الفائتة المبدلة عنها بالغرامة و وجوبها عليه.

______________________________

التى عينها الضامن (و) استصحاب (عدم طروّ) و عدم حدوث (ما يزيل ملكيته) اى ملكية مالك العين (عن الغرامة، او) ان (يحدث ضمانا جديدا) بالنسبة الى العين حتى اذا تلفت فى يد الضامن- بعد ذلك وجب عليه ان يدفع المثل او القيمة.

(و) ان قلت: فقد تمكن المالك من عينه فمقتضى القاعدة رجوع الغرامة الى الضامن.

قلت: (مجرد عود التمكن) اى تمكن المالك (لا يوجب عود سلطنة المالك، حتى يلزم من بقاء ملكيته على الغرامة الجمع بين العوض و المعوض) لانّك قد عرفت ان الحكم بارجاع العين تكليفى، و ليس وضعيا

(غاية ما فى الباب) اى غاية ما اوجبه التمكن من العين (قدرة الغاصب) بعد تملكه من العين (على اعادة السلطنة الفائتة) التى كانت للمالك قبل القائه العين فى البحر- مثلا- (المبدلة عنها) اى عن تلك السلطة (بالغرامة و وجوبها) اى وجوب اعادة السلطة الفائتة (عليه) اى على الضامن.

و من المعلوم: ان مجرد الوجوب التكليفى لا يوجب حكما وضعيا

ص: 219

و حينئذ فان دفع العين، فلا اشكال فى زوال ملكية المالك للغرامة

و توهم: ان المدفوع كان بدلا عن القدر الفائت من السلطنة فى زمان التعذر، فلا يعود لعدم عود مبدله.

ضعيف فى الغاية بل كان بدلا عن اصل السلطنة يرتفع بعودها فيجب دفعه، او دفع بدله مع تلفه، او خروجه عن ملكه بناقل لازم

______________________________

حتى يكون من الجمع بين العوض و المعوض (و حينئذ) اى حين قلنا:

ان التمكن احدث حكما تكليفيا لا وضعيا (فان دفع) الضامن (العين، فلا اشكال فى زوال ملكية المالك للغرامة) اذ هى: كانت بدل الحيلولة، فلما زالت الحيلولة، لم يكن وجه لبقاء البدل.

(و توهم) عدم رجوع الغرامة الى الضامن ل (ان المدفوع) غرامة (كان بدلا عن القدر الفائت من السلطنة فى زمان التعذر) عن العين.

مثلا تعذرت العين من السبت الى الثلاثاء، فكانت الغرامة بدلا عن هذا المقدار من التعذر، لا انها بدل عن العين (فلا يعود) المدفوع غرامة، الى الغارم (لعدم عود مبدله) فان مبدله كان التعذر من السبت الى الثلاثاء- على ما عرفت-

(ضعيف فى الغاية) خبر: و توهم، (بل) المدفوع غرامة (كان بدلا عن اصل السلطنة) بحيث (يرتفع) البدل (بعودها) اى عود العين الى المالك (فيجب دفعه) اى دفع المدفوع غرامة، بان يرجع المالك الغرامة الى الغارم (او دفع بدله مع تلفه) فان اتلف المالك، الغرامة، دفع بدلها الى الغارم (او) مع (خروجه) اى خروج المدفوعة غرامة (عن ملكه بناقل لازم)

ص: 220

بل جائز، و لا يجب رد نمائه المنفصل، و لو لم يدفعها لم يكن له مطالبة الغرامة او لا؟ اذ ما لم يتحقق السلطنة لم يعد الملك الى الغارم، فان الغرامة عوض السلطنة، لا عوض قدرة الغاصب على تحصيلها للمالك، فتأمل

نعم للمالك مطالبة عين ماله، لعموم: الناس مسلطون على اموالهم

______________________________

كما لو باع المالك الغرامة (بل جائز) كما لو وهبها هبة غير لازمة (و لا يجب رد نمائه المنفصل) لان النماء حصل فى ملك المالك، لا فى ملك الغارم (و لو لم يدفعها) اى لم يدفع الغارم الملك الى مالكه. (لم يكن له مطالبة الغرامة أو لا) اذ الغرامة بدل، و ما دام لم يسلم الغارم المبدل الى مالكه، لا يحق له مطالبة بدله (اذ ما لم يتحقق السلطنة) للمالك على ماله (لم يعد الملك) اى ملك الغرامة (الى الغارم) و لو شك فى عود الملك الى الغارم، كان مقتضى الاستصحاب العدم (فان الغرامة عوض السلطنة) المفقودة، قبل تسليم المال الى مالكه (لا عوض قدرة الغاصب على تحصيلها) اى تحصيل السلطنة (للمالك)

و لذا ما لم يسلم الغارم المال، لم يكن له حق فى استرجاع الغرامة (فتامل) حيث ان الغرامة انما هى عوض المال، فان امكن المال، لم يكن وجه للغرامة، و لذا فلا وجه لتقديم حق المالك على حق الغارم.

(نعم للمالك مطالبة عين ماله) و لا يحق للغارم ان يقول: ان الغرامة لك و المال لى (لعموم: الناس مسلطون على اموالهم) و لم تقطع سلطة المالك على المال حين الغرق مثلا، حتى يقال عود السلطة يحتاج الى دليل مفقود.

ص: 221

و ليس ما عنده من المال عوضا من مطلق السلطنة، حتى سلطنة المطالبة بل سلطنة الانتفاع بها على الوجه المقصود من الاملاك.

و لذا لا يباح لغيره بمجرد بذل الغرامة.

و مما ذكرنا يظهر انه ليس للغاصب حبس العين، الى ان يدفع المالك القيمة كما اختاره فى التذكرة،

______________________________

(و ليس ما عنده من المال) اى ما عند المالك من الغرامة (عوضا من مطلق السلطنة، حتى سلطنة المطالبة) لماله حال التمكن، حتى يقال:

لا حق له على مطالبة ماله (بل) الغرامة عوض عن (سلطنة الانتفاع بها) اى بعين ماله (على الوجه المقصود) للمالك (من الاملاك) جمع: ملك،

و الحاصل: ان المالك لا يتمكن من تنفيذ سلطنته على ماله، و لذا يجب على الغارم ان يغرم له، اما سلطنة المالك على ماله بحيث يطالبه اذا امكن، فلم تسقط بالغرامة.

(و لذا الا يباح) مال المالك- الّذي تعذر- (لغيره) اى غير المالك (بمجرد بذل الغرامة) و لو كان بذل الغرامة موجبا لقطع سلطة المالك مطلقا، لكان اللازم ان نقول باباحة المال لكل احد، من جهة اخذ المالك غرامته.

(و مما ذكرنا) من بقاء سلطة المالك على ماله- حتى حال التعذر (يظهر انه ليس للغاصب حبس العين) بعد التمكن منها (الى ان يدفع المالك القيمة) اى الغرامة (كما اختاره) اى جواز الحبس (فى التذكرة،

ص: 222

و الايضاح، و جامع المقاصد و عن التحرير الجزم بان له ذلك.

و لعله لان القيمة عوض امّا عن العين، و اما عن السلطنة عليه.

و على اىّ تقدير، فيتحقق التراد، و حينئذ فلكل من صاحبى العوضين حبس ما بيده حتى يتسلّم ما بيد الآخر.

و فيه ان العين بنفسها ليست عوضا و لا معوضا، و لذا تحقق للمالك الجمع بينها و بين الغرامة، فالمالك مسلط عليها

______________________________

و الايضاح، و جامع المقاصد، و عن التحرير الجزم) اى القطع (بان له) اى للغارم (ذلك) الحبس.

(و لعله) اى الجزم المذكور (لان القيمة) اى الغرامة (عوض) فى الجملة (اما عن العين، و اما عن السلطنة عليه) اى على المال الّذي هو العين.

(و على اى تقدير فيتحقق التراد) فللغارم ان يقول: ردّ عليّ الغرامة حتى اردّ عليك السلطة او اردّ عليك العين (و حينئذ) اى حين تحقق العوضية (فلكل من صاحبى العوضين) المال و الغرامة (حبس ما بيده حتى يتسلّم ما بيد الآخر) و ان اراد كل تسلم ما فى يد الآخر أولا، كان اللازم التعاطى آنا واحدا- كما قرر مثله فى مسئلة المتبايعين-.

(و فيه ان العين بنفسها ليست عوضا و لا معوضا) فلا معاوضة فى البين (و لذا تحقق للمالك الجمع بينها) اى بين العين (و بين الغرامة)- كما تقدم- و لو كان الامر عوضا و معوضا، لم يكن الجمع بينهما (فالمالك مسلط عليها) العين لانها ماله، و الغرامة للحيلولة.

ص: 223

و المعوض لغرامة السلطنة الفائتة التى هى فى معرض العود بالتراد. اللهم الا ان يقال: له حبس العين من حيث تضمنه لحبس مبدل الغرامة، و هى السلطنة الفائتة و الاقوى الاول.

ثم لو قلنا بجواز الحبس لو حبسه، فتلفت العين محبوسا، فالظاهر: انه لا يجرى عليه حكم المغصوب. لانه حبسه بحق.

نعم: يضمنه، لانه قبضه لمصلحة نفسه.

______________________________

(و) ان قلت: فلم يخسر الغارم الغرامة؟

قلت: (المعوض لغرامة السلطنة الفائتة التى هى فى معرض العود) الى المالك (بالتراد اللهم الا ان يقال) فى بيان علة حق الغارم مثل حق المالك ان (له حبس العين) التى هى للمالك (من حيث تضمنه) اى تضمن حبس العين (لحبس مبدل الغرامة) فان ما اعطاه الغارم بدل لسلطة المالك فالمالك يحبس الغرامة، و الغارم يحبس العين (و هى) اى مبدل الغرامة (السلطنة الفائتة و) لكن (الاقوى الاول) و هو تقويم المالك.

(ثم لو قلنا بجواز الحبس) اى جواز حبس الضامن، للعين، لاجل ان يعطيه مالكها الغرامة (لو حبسه، فتلفت العين) فى حال كونه (محبوسا) عند الغاصب (فالظاهر: انه لا يجرى عليه حكم المغصوب) لان الحبس لم يكن عدوانا (لانه حبسه بحق) حتى يأخذ الغرامة التى عند المالك.

(نعم: يضمنه) اى يضمن الغارم العين (لانه قبضه لمصلحة نفسه) و كل من قبض شيئا لمصلحة نفسه كان ضامنا، لدليل: على اليد نعم لو

ص: 224

و الظاهر انه بقيمة يوم التلف، على ما هو الاصل: فى كل مضمون، و من قال: بضمان المقبوض باعلى القيم، يقول به هنا من زمان الحبس الى زمان التلف.

و ذكر العلامة فى القواعد: انه لو حبس، فتلف محبوسا، فالاقرب ضمان قيمته الآن، و استرجاع القيمة الاولى.

و الظاهر: ان مراده بقيمة الآن، مقابل القيمة السابقة

______________________________

كان القبض بامر الشارع كاللقطة، و تلف بدون تعد، او تفريط، لم يكن ضامنا.

(و الظاهر: انه) اى ضمان الغارم للعين التالفة (بقيمة يوم التلف على ما هو الاصل: فى كل مضمون) لان الضمان بقدر الشي ء، و قدره يوم التلف القيمة فى ذلك اليوم (و من قال: بضمان المقبوض باعلى القيم) من يوم القبض الى يوم التلف (بقوله به) اى باعلى القيم (هنا) فى قبض الغارم عين المالك (من زمان الحبس الى زمان التلف) لا من زمان وضع الغارم يده أوّلا على العين، و لا من زمان التمكن قبل قبضها، اذ: زمان وضع اليد، خرج الغارم عن عهدته باعطاء الغرامة، و زمان التمكن قبل القبض لم يكن الغارم واضعا يده حتى يضمنها.

و عليه فاول زمان الضامن زمان الحبس.

(و ذكر العلامة فى القواعد: انه لو حبس) الغارم العين (فتلفت محبوسا فالاقرب ضمان قيمته الآن و استرجاع) الضامن (القيمة الاولى) التى اعطاها غرامة الى المالك، لاجل تعذر العين.

(و الظاهر: ان مراده بقيمة الآن، مقابل القيمة السابقة) التى

ص: 225

بناء على زوال حكم الغصب عن العين لكونه، محبوسا بغير عدوان، لا خصوص حين التلف، و كلمات كثير منهم، لا تخلو عن اضطراب.

ثم ان اكثر ما ذكرناه، مذكور فى كلماتهم فى باب الغصب.

لكن الظاهر: ان اكثرها، بل جميعها، حكم المغصوب من حيث كونه مضمونا، اذ ليس فى الغصب خصوصية زائدة.

نعم: ربما يفرق من جهة نص فى المغصوب، مخالف لقاعدة: الضمان،

______________________________

كانت للعين حين وضع اليد، أو لا، قبل التعذر (بناء على زوال حكم الغصب عن العين) اى الغصب الّذي انقطع باعطاء بدل الحيلولة (لكونه) اى العين، الآن بعد التمكن (محبوسا بغير عدوان) فحكم السابق بالغصبية انقطع، و ليس الآن غصبا (لا) ان مراد العلامة ب: الآن (خصوص حين التلف) حتى لا يشمل اعلى القيم (و كلمات كثير منهم) فى باب ضمان العين اذا تلفت، بعد التمكن (لا تخلو عن اضطراب) فراجعها.

(ثم ان اكثر ما ذكرناه) هنا فى باب البيع (مذكور فى كلماتهم فى باب الغصب) فراجع.

(لكن الظاهر: ان اكثرها) اى الكلمات (بل جميعها، حكم المغصوب من حيث كونه مضمونا) فلا مانع من انسحاب تلك الكلمات الى ما نحن فيه و ان لم يكن غصبا (اذ ليس فى الغصب خصوصية زائدة) من جهة اصل الضمان، و فروعه.

(نعم ربما يفرق) بين الغصب و غيره (من جهة نص فى المغصوب، مخالف لقاعدة: الضمان) الاولوية، المستفادة، من قوله عليه السلام:

ص: 226

كما احتمل فى الحكم بوجوب قيمة يوم الضمان من جهة صحيحة ابى ولاد او اعلى القيم، على ما تقدم من الشهيد الثانى: دعوى دلالة الصحيحة عليه، و اما ما اشتهر من: ان الغاصب مأخوذ باشق الاحوال، فلم نعرف له مأخذا واضحا.

و لنختم بذلك احكام المبيع بالبيع الفاسد، و ان بقى منه احكام اخر اكثر مما ذكر، و لعلّ بعضها يجئ فى بيع الفضولى

______________________________

على اليد ما اخذت، (كما احتمل فى الحكم بوجوب قيمة يوم الضمان) اى كما احتمل ان حكم الفقهاء بوجوب قيمة يوم الضمان- المخالف لقاعدة كون الضمان باعتبار يوم التلف- (من جهة صحيحة ابى ولاد) المتقدمة (او) احتمل الحكم بوجوب (اعلى القيم، على ما تقدم من الشهيد الثانى دعوى دلالة الصحيحة عليه) اى اعلى القيم (و اما ما اشتهر من ان الغاصب مأخوذ باشق الاحوال، فلم نعرف له مأخذا واضحا) حتى يكون دليلا لمسألة اعلى القيم، و قد تقدم الكلام فى ذلك فراجع.

(و لنختم بذلك) اى بهذا الكلام (احكام المبيع بالبيع الفاسد، و ان بقى منه احكام اخر اكثر مما ذكر، و لعلّ بعضها يجئ فى بيع الفضولى) إن شاء اللّه تعالى.

و يتمكن اللبيب من استخراج فروع كثيرة لهذه المسألة من ملاحظة باب القضاء، و باب الغصب، و باب البيع لارتباط فروع البيع الفاسد بهذه الابواب، و اللّه المسدّد للصواب.

ص: 227

الكلام فى شروط المتعاقدين

[مسألة من شروط المتعاقدين البلوغ]

«مسئلة»: المشهور كما عن الدروس، و الكفاية بطلان عقد الصبى بل عن الغنية: الاجماع عليه، و ان اجاز الولى.

و فى كنز العرفان نسبة عدم صحة عقد الصبى الى اصحابنا، و ظاهره: إرادة التعميم لصورة اذن الولى.

و عن التذكرة: ان الصغير محجور عليه بالنص و الاجماع، سواء كان مميزا او لا؟

______________________________

(الكلام فى شروط المتعاقدين) البائع و المشترى اصليين كانا أو لا؟

(مسئلة: المشهور كما عن الدروس و الكفاية) للسبزوارى (بطلان عقد الصبى) الّذي لم يبلغ البلوغ الشرعى، او بلغ و لكن لم يكن رشيدا (بل عن الغنية: الاجماع عليه، و ان اجاز الولى) سابقا للعقد، أو لاحقا.

(و فى كنز العرفان نسبة عدم صحة عقد الصبى الى اصحابنا، و ظاهره) حيث اطلق الكلام (إرادة التعميم لصورة اذن الولى) و الا لكان اللازم ان يستثناه.

(و عن التذكرة: ان الصغير محجور عليه بالنص و الاجماع، سواء كان مميزا أو لا؟) و المميّز هو الّذي يميز الاشياء بعضها عن بعض حسنا و قبحا، و رجلا و امرأة، و نفعا و ضررا.

و لا يخفى وجود افراد يشك فى كونهم مميزين كسائر المفاهيم التى

ص: 228

فى جميع التصرفات الا ما استثنى، كعباداته، و اسلامه، و احرامه، و تدبيره، و وصيته، و ايصاله الهدية، و اذنه فى الدخول على خلاف فى ذلك انتهى.

و استثناء ايصاله الهدية، و اذنه فى دخول الدار يكشف بفحواه عن شمول المستثنى منه، لمطلق افعاله، لان الايصال و الاذن ليسا من

______________________________

لها افراد مجملة مشكوكة فيرجع فى تلك الافراد الى الاصول، و قد حققنا الكلام حول ذلك فى كتاب النكاح من شرح العروة موضوعا و حكما.

فعليه فالصغير محجور (فى جميع التصرفات الا ما استثنى، كعباداته) فانه ليس محجورا فيها (و اسلامه) فانه يقبل اسلام الصبى (و احرامه) للحج و سائر افعال الحج (و تدبيره) لعبده (و وصيته) اذا بلغ عشرا، كما ورد فى الدليل (و ايصاله الهدية) اذ: لو لم يكن تصرفه صحيحا لم يكن يجوز للمهدى إليه القبول (و اذنه فى الدخول) فيما اذا لم يعلم الوارد ان صاحب البيت راض بدخوله أم لا؟ فان اذن الصبى الّذي يفتح الباب كاف فى الجواز (على خلاف فى ذلك) اى الّذي ذكرناه من مختلف الموارد لا خصوص الاذن فى الدخول (انتهى) كلام العلامة.

(و استثناء ايصاله الهدية و اذنه فى دخول الدار) فى كلام العلامة (يكشف بفحواه) اى بالمماثلة بين الاذن و الايصال، و بين سائر الافعال (عن شمول المستثنى منه) اى قوله: ان الصغير محجور عليه (لمطلق افعاله) اذ: لو لم يرد من المستثنى منه مطلق الافعال، لم يكن وجه لاستثناء هذين، و انما يكشف (لان الايصال) للهدية (و الاذن) لدخول الدار (ليسا من

ص: 229

التصرفات القولية و الفعلية، و انما الاول آلة فى ايصال الملك كما لو حملها على حيوان، او ارسلها، و الثانى كاشف عن موضوع تعلق عليه إباحة الدخول و هو رضا المالك

______________________________

التصرفات القولية و الفعلية) فانهما ليسا تصرفا اصلا (و انما الاول) اى الايصال (آلة فى ايصال الملك) الى المهدى إليه (كما لو حملها) المالك (على حيوان، و ارسلها، و الثانى) اى الاذن (كاشف عن موضوع) بالتنوين (تعلق عليه إباحة الدخول) «إباحة» فاعل: تعلق، (و هو رضا المالك) و قد كنت قد علقت على هذا الموضع من الكتاب فى بعض الحواشى السابقة ما لفظه الظاهر كراهة بيع الصبى المميز الّذي كان باذن الولى، و المشهور المنع عن ذلك، و قد استدل لذلك بامور أربعة.

الاول- الكتاب و هو قوله سبحانه: وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ، حيث دلت على ان تسليم المال إليهم الملازم للبيع و الشراء و المعاملات، انما يكون بعد البلوغ و الرشد، و فيه: ان الظاهر من الآية جواز المعاملة قبل البلوغ، لان الابتلاء كما ذكر الفقهاء هو الاختبار بالمعاملة، فالمعنى ان الاختبار جائز، قبل البلوغ و الرشد، فاذا بلغ رشيدا سلم إليه المال.

الثانى-: الاخبار الدالة على عدم مضى امر الغلام، و حديث: رفع القلم، و حديث: نهى النبي عن كسب الغلام الصغير الّذي لا يميز صناعة بيده لانه اذا لم يجد سرق، و عمل الصبى خطاء، و فيه ما لا يخفى.

اذ ظاهر القسم الاول: من الاخبار المضى الّذي يكون له بعد البلوغ

ص: 230

..........

______________________________

ليس له قبل البلوغ، و من المعلوم: ان ذلك المضى انما يكون استقلالا، فعدم المضى قبل البلوغ يراد به استقلالا لا مطلقا، كما ذكره الشيخ المرتضى فى المكاسب فى معنى الرواية فراجع.

و لذا قيّدنا صحّة المعاملة للصغير باجازة الولى، و ظاهر: حديث الرفع، ان القلم لم يوضع على الصّغير مطلقا، فحاله حال ما قبل الشرع، و من المعلوم اعتبار معاملته فى ذلك الوقت.

لا يقال: لا بدوان يمضى الشارع المعاملة، و حديث الرفع يقال: لا امضاء.

لانا نقول، لو كان مفاد: حديث الرفع: لا امضاء، كان موضوعا عليه القلم فالصغير خارج عن دائرة التكاليف، حاله حال قبل الاسلام، و ظاهر نهى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم سواء اريد بالكسب: المصدر، اى معاملاته او: المفعول، اى ما كسبه انه خاص بالذى لا يعرف صناعة، المفهوم منه جواز الكسب لمن يعرف الصناعة.

و اذا علمنا ان المراد بالصناعة: اعم من الصناعة بمعناها الحالى، كان الحديث على المطلوب ادل منه على مطلوب المانع، و اما عمد الصبى خطاء فمضافا الى انه فى الديات، و ما اشبه، بقرينة الذيل، حتى بالنسبة الى ما ليس بمذيل، لان المذيّل صالح لقرينية غير المذيّل، ان الحديث لا يدل على ان الصبى: لا قصد له، كما اراد الشيخ استفادته من الحديث، ليكون لازمه عدم صحة معاملته، لانه معاملة بدون قصد.

الثالث-: الاجماع المدعى فى كلام جماعة، و فيه: ان جماعة خالفوا المشهور كما ذكر اساميهم الشيخ، و غيره، بالإضافة الى انه محتمل الاستناد.

ص: 231

و احتج على الحكم فى الغنية بقوله (ص) رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبى حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ و قد سبقه فى ذلك الشيخ فى المبسوط فى مسئلة الاقرار، و قال: ان مقتضى: رفع القلم، ان لا يكون لكلامه حكم، و نحوه الحلى فى السرائر فى مسئلة عدم جواز وصية البالغ عشرا.

و تبعهم فى الاستدلال به: جماعة كالعلامة، و غيره، و استدلوا أيضا بخبر حمزة بن حمران عن مولانا الباقر (ع): ان الجارية اذا زوجت و دخل بها، و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع

______________________________

الرابع-: الشهرة و هى ليست بمحل انكار، لكنها ليست بحجة و هناك تفاصيل من الكاشانى و الرياض و كشف الغطاء كلها تدل على الجواز فى الجملة.

هذا مضافا الى السيرة القطعية، و الجرح فى الجملة و التفصيل مذكور فى المكاسب

(و احتج على الحكم) بعدم الجواز (فى الغنية، بقوله (ص) رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبى حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ) فحال الصبى حال المجنون و النائم فى عدم اعتبار معاملته (و قد سبقه فى ذلك الشيخ فى المبسوط فى مسئلة الاقرار) و انه لو اقرّ الصبى بشي ء لم يلزمه لانه مرفوع عنه القلم (و قال: ان مقتضى: رفع القلم) عنه (ان لا يكون لكلامه حكم و نحوه الحلى فى السرائر فى مسئلة عدم جواز وصية البالغ عشرا) خلافا لفتوى جماعة من الفقهاء بالصحة لمكان بعض النصوص.

(و تبعهم فى الاستدلال به) اى بحديث: رفع القلم (جماعة كالعلامة، و غيره، و استدلوا أيضا: بخبر حمزة بن حمران عن مولانا الباقر عليه السلام ان الجارية اذا زوجت، و دخل بها، و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع

ص: 232

إليها مالها و جاز امرها فى الشراء، و الغلام لا يجوز امره فى البيع و الشراء، و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة الحديث.

و فى رواية ابن سنان متى يجوز امر اليتيم؟ قال: حتى يبلغ اشده، قال:

ما اشده؟ قال عليه السلام: احتلامه، و فى معناهما روايات اخر.

لكن الانصاف ان جواز الامر فى هذه الروايات ظاهر: فى استقلاله فى التصرف، لان الجواز مرادف للمضى.

فلا ينافى عدمه ثبوت الوقوف على الاجازة.

______________________________

إليها مالها، و جاز امرها فى الشراء) و من المعلوم: ان ليس المراد بالتزويج و الدخول: الخصوصية، بل التأكيد فى البلوغ الشرعى (و الغلام لا يجوز امره فى البيع و الشراء، و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة، الحديث) و معنى عدم الجواز الوضعى: بمعنى عدم الصحة. (و فى رواية ابن سنان متى يجوز امر اليتيم؟ قال: حتى يبلغ اشدّه، قال) الراوى: (ما اشده؟ قال (ع): احتلامه و فى معناهما روايات اخر) ذكر جملة منها الجواهر فى كتاب الحجر.

(لكن الانصاف ان جواز الامر) اى قوله (ع): لا يجوز امر الغلام، و ما اشبه (فى هذه الروايات ظاهر: فى استقلاله فى التصرف) فمعنى عدم جواز امر الغلام، عدم صحة استقلاله فى التصرفات بدون اذن الولى (لان الجواز مرادف للمضى، فلا ينافى عدمه) اى عدم الجواز- المذكور فى الرواية- (ثبوت الوقوف على الاجازة) كلمة: عدمه، فاعل: ينافى، و: ثبوت، مفعوله، اى ان:

عدم جواز امر الغلام، لا ينافى: ثبوت وقوف امره على الاجازة من الولى.

اذ: عدم الجواز، ليس مطلقا بحيث يشمل حتى صورة اجازة الولى،

ص: 233

كما يقال: بيع الفضولى غير ماض، بل موقوف.

و يشهد له الاستثناء فى بعض تلك الاخبار بقوله: الا ان يكون سفيها فلا دلالة لها حينئذ على سلب عبارته، و انه اذا ساوم وليه متاعا و عين له قيمته و امر الصبى بمجرد ايقاع العقد مع الطرف الآخر، كان باطلا، و كذا لو اوقع ايجاب النكاح، او قبوله لغيره باذن وليه

______________________________

فقولهم: لا يجوز امر الغلام، انما هو (كما يقال: بيع الفضولى غير ماض، بل موقوف) على اجازة المالك، يعنى ان النفى، بالنسبة الى الاستقلال لا انه مطلقا حتى مع الاجازة

(و يشهد له) اى لكون المراد نفى الاستقلال، لا النفى مطلقا (الاستثناء فى بعض تلك الاخبار بقوله: الا ان يكون سفيها) فان السفيه مطلقا لا يصح امره، سواء كان باجازة الولى أم لا؟ بخلاف الغلام الّذي لا يصح امره، بدون الاجازة، لان الظاهر من الاضافة فى: امر الغلام الامر المستند إليه، اما الامر المستند الى الغلام و الى وليه معا فلم ينف، فلا منافات بين عدم مضى الاول، و مضى الثانى.

و على هذا (فلا دلالة لها) اى لهذه الاخبار النافية لامر الغلام (حينئذ) اى حين كان النفى للاستقلال (على سلب عبارته، و انه اذا ساوم وليه) فاعل ساوم (متاعا و عين له) اى للولى (قيمته و امر) الولى (الصبى بمجرد ايقاع العقد مع الطرف الآخر، كان باطلا، و كذا لو اوقع) الصبى (ايجاب النكاح، او قبوله لغيره باذن وليه) بل و كذا لو قال: وليه:

اذهب و بع و اشتر، او نصبه على دكانه ليبيع و يشترى، لان كل ذلك

ص: 234

و اما حديث: رفع القلم، ففيه أولا: ان الظاهر منه قلم المؤاخذة، لا قلم جعل الاحكام، و لذا بنينا كالمشهور على شرعية عبادات الصبى

و ثانيا: ان المشهور على الالسنة: ان الاحكام الوضعية ليست مختصة بالبالغين فلا

______________________________

ليس بالاستقلال حتى ينفيه الحديث.

(و اما حديث رفع القلم، ففيه أولا: ان الظاهر منه قلم المؤاخذة، لا قلم جعل الاحكام) و وجه هذا الظهور: انه لولاه، لزم كثرة الاستثناءات منه، اذ عبادات الصبى، و كثير من غير العبادات محكومة باحكام شرعية.

مع ان الظاهر اباء الحديث عن الاستثناء (و لذا) الّذي ذكرنا من ظهور الحديث فى المؤاخذة، لا الاحكام (بنينا كالمشهور على شرعية عبادات الصبى) لا التمرينية.

و اذ كان المراد من: الرفع، المؤاخذة كان الحديث غير دال على عدم صحة معاملات الصبى.

اقول، قد ذكرنا فى الفقه ان الظاهر من الحديث: جميع الامور التى جاء بها الشارع، فحاله حال المجنون، و النائم، لا كما ذكره المصنف ره، و التفصيل موكول الى هناك.

(و ثانيا) لو سلمنا ان الحديث ليس ظاهرا فى المؤاخذة، نقول (ان المشهور على الالسنة: ان الاحكام الوضعية ليست مختصة بالبالغين) فالصبى ينجس جسده اذ لاقى النجاسة، و يكون مالكا و يجرى عليه بعض مراتب القصاص و الحدود، كما لو سرق، فانه تقطع اصابعه، و هكذا (فلا

ص: 235

مانع من ان يكون عقده سببا لوجوب الوفاء بعد البلوغ او على الولى اذا وقع باذنه او اجازته كما يكون جنابته سببا لوجوب غسله بعد البلوغ، و حرمة تمكينه من مس المصحف.

و ثالثا: لو سلمنا اختصاص الاحكام حتى الوضعية بالبالغين، لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ موضوعا للاحكام المجعولة فى حق البالغين فيكون الفاعل كسائر غير البالغين خارجا عن ذلك الحكم الى وقت البلوغ.

______________________________

مانع من ان يكون عقده) اى العقد الّذي اجراه الصبى (سببا لوجوب الوفاء بعد البلوغ) كما قالوا: لو انه اجنب، وجب عليه الغسل بعد البلوغ، (او) وجوب الوفاء (على الولى اذا وقع) العقد (باذنه) سابقا (او اجازته) لاحقا (كما يكون جنابته سببا لوجوب غسله بعد البلوغ، و) سببا ل (حرمة تمكينه من مس المصحف) و المكث فى المساجد، و اللبث فى المسجدين الى غيرها من الاحكام المتعلقة بنفسه بعد البلوغ، او بالاولياء و البالغين فى هذا الحال.

(و ثالثا: لو سلمنا اختصاص الاحكام حتى الوضعية بالبالغين، لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ موضوعا للاحكام المجعولة فى حق البالغين)

فالعقد و ان لم يكن ذا حكم لغير البالغ، لكنه ذا حكم للبالغ (فيكون) الصبى (الفاعل) للعقد (كسائر غير البالغين خارجا عن ذلك الحكم الى وقت البلوغ) فاذا بلغ جرى عليه الحكم.

ص: 236

و بالجملة: فالتمسك بالرواية ينافى ما اشتهر بينهم من: شرعية عبادة الصبى، و ما اشتهر بينهم من: عدم اختصاص الاحكام الوضعية بالبالغين.

فالعمدة فى سلب عبارة الصبى، هو: الاجماع المحكى المعتضد بالشهرة العظيمة، و الا فالمسألة محل اشكال، و لذا تردد المحقق فى الشرائع فى اجارة المميز باذن الولى بعد ما جزم بالصحة فى العارية

و استشكل فيها فى القواعد، و التحرير، و قال فى القواعد: و فى صحة بيع المميز باذن الولى نظر.

______________________________

(و بالجملة: فالتمسك بالرواية) اى حديث رفع القلم، لاجل اثبات بطلان عقد الصبى (ينافى ما اشتهر بينهم من: شرعية عبادة الصبى و ما اشتهر بينهم من: عدم اختصاص الاحكام الوضعية بالبالغين) فلا يكون الحديث دليلا لعدم صحة عقد الصبى، و لا يتمكن المشهور ان يستدلوا بالحديث مع فتواهم بالشرعية و عدم الاختصاص

(فالعمدة فى سلب عبارة الصبى) و ان عقده، كلا عقد (هو: الاجماع المحكى المعتضد بالشهرة العظيمة، و الا) يكن الاجماع و الشهرة (فالمسألة محل اشكال، و لذا تردد المحقق فى الشرائع فى اجارة المميز باذن الولى بعد ما جزم بالصحة فى العارية) و لو كانت عبارته مسلوبة لم يكن وجه للجزم و التردد.

(و استشكل فيها) اى فى معاملات الصبى (فى القواعد، و التحرير، و قال فى القواعد: و فى صحة بيع المميز باذن الولى نظر) و لم يجزم

ص: 237

بل عن الفخر فى شرحه: ان الاقوى الصحة، مستدلا بان العقد اذا وقع باذن الولى كان كما لو صدر عنه، و لكن لم اجده فيه، و قواه المحقق الاردبيلى، على ما حكى عنه، و يظهر من التذكرة: عدم ثبوت الاجماع عنده، حيث قال: و هل يصح بيع المميز و شرائه؟ الوجه عندى انه لا يصح، و اختار فى التحرير: صحة بيع الصبى فى مقام اختبار رشده.

و ذكر المحقق الثانى: انه لا يبعد بناء المسألة على ان افعال

______________________________

بالبطلان (بل عن الفخر فى شرحه:) على القواعد (ان الاقوى الصحة، مستدلا بان العقد اذا وقع باذن الولى كان كما لو صدر عنه) لان عمل المولى عليه عمل الولى- عرفا- (و لكن لم اجده) اى هذا الكلام- و هو صحة عقد الصبى- (فيه) اى فى شرح القواعد (و قواه المحقق الاردبيلى على ما حكى عنه، و يظهر من التذكرة: عدم ثبوت الاجماع عنده) فلا اجماع على البطلان، كما ادعاه بعض من تقدم (حيث قال) العلامة (و هل يصح بيع المميز و شرائه؟ الوجه عندى انه لا يصح) فان هذا الكلام ظاهره عدم الاجماع و وجود المخالف، و الا لم يقل: عندى، (و اختار فى التحرير: صحة بيع الصبى فى مقام اختبار) و امتحان (رشده) لقوله سبحانه: وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ، فان الاختبار فى الولد بالبيع و الشراء- كما ذكروا-

(و ذكر المحقق الثانى: انه لا يبعد بناء المسألة على ان افعال

ص: 238

الصبى و اقواله شرعية أم لا؟.

ثم: حكم بانها غير شرعيّة، و ان الأصح بطلان العقد.

و عن المختلف: انه حكى فى باب المزارعة عن القاضى كلاما يدل على صحة بيع الصبى.

و بالجملة فالمسألة لا تخلو عن اشكال، و ان اطنب بعض المعاصرين فى توضيحه حتى ألحقه بالبديهيات فى ظاهر كلامه، فالانصاف ان الحجة فى المسألة هى: الشهرة المحققة، و الاجماع المحكى عن التذكرة

______________________________

الصبى و اقواله شرعية أم لا؟) فان قلنا بالشرعيّة نقول فى معاملاته بالصحة

(ثم حكم بانها غير شرعيّة و) ذكر (ان الاصح بطلان العقد) من الصبى.

(و عن المختلف انه حكى فى باب المزارعة عن القاضى كلاما يدل على صحة بيع الصبى) الى غير ذلك من كلماتهم التى تدل على التوقف او الصحة.

(و بالجملة فالمسألة لا تخلو عن اشكال، و ان اطنب بعض المعاصرين فى توضيحه) اى توضيح البطلان (حتى ألحقه بالبديهيات فى ظاهر كلامه).

(فالانصاف ان الحجة فى المسألة هى: الشهرة المحققة، و الاجماع المحكى عن التذكرة) و كلاهما لا يصح مستندا، اذ: الشهرة لا حجية فيها، كما حقق فى الاصول، و الاجماع محتمل الاستناد.

ص: 239

بناء على ان استثناء الاحرام الّذي لا يجوز الا باذن الولى، شاهد على ان مراده بالحجر ما يشمل سلب العبارة، لا نفى الاستقلال فى التصرف، و كذا اجماع الغنية بناء على: ان استدلاله بعد الاجماع بحديث: رفع القلم، دليل على شمول معقده للبيع باذن الولى، و ليس المراد نفى صحة البيع المتعقب بالاجازة، حتى يقال: ان الاجازة عند السيد غير مجدية فى تصحيح مطلق العقد الصادر من غير المستقل، و لو كان غير

______________________________

و انما يظهر من التذكرة الاجماع (بناء على ان استثناء الاحرام الّذي لا يجوز الا باذن الولى شاهد على ان مراده بالحجر ما يشمل سلب العبارة) فعبارة الصبى مسلوبة.

و عليه فلا وجه لصحة عقده، اذ العقد عبارة، فكيف يصح ممن لا عبارة له؟ (لا نفى الاستقلال فى التصرف) اذ: لو اريد نفى الاستقلال، لم يكن وجه لنفى الاحرام، فان الاحرام ليس الّا نية و عبارة فكان التذكرة قال: لا لفظ للصبى الا الاحرام (و كذا اجماع الغنية بناء على ان استدلاله) لنفى صحة عقد الصبى (بعد الاجماع بحديث رفع القلم دليل على شمول معقده) اى معقد الاجماع (للبيع باذن الولى) الظاهر فى انه لا اثر له اصلا، لا استقلالا، و لا مشاركة مع الولى- بان كان الاذن منه و العمل من الصبى- (و ليس المراد نفى صحة البيع المتعقب بالاجازة) لانه لو اراد نفى ذلك، لم يفهم من كلامه عدم صحة صورة المشاركة، بل يدل على نفى الاستقلال فقط (حتى يقال: ان الاجازة عند السيد غير مجدية) و غير مفيدة (فى تصحيح مطلق العقد الصادر من غير المستقل، و لو كان غير)

ص: 240

مسلوب العبارة، كالبائع الفضولى، و يؤيد الاجماعين ما تقدم عن كنز العرفان.

نعم: لقائل ان يقول: ان ما عرفت من المحقق، و العلامة، و ولده، و القاضى، و غيرهم خصوصا المحقق الثانى الّذي بنى المسألة على شرعية افعال الصبى، يدل على عدم تحقق الاجماع.

و كيف كان، فالعمل على المشهور.

و يمكن ان يستأنس له أيضا: بما ورد

______________________________

المستقل (مسلوب العبارة، كالبائع الفضولى، و يؤيد الاجماعين) من التذكرة و الغنية (ما تقدم عن كنز العرفان) الّذي نسب عدم الصحة الى الاصحاب.

(نعم لقائل ان يقول: ان ما عرفت من المحقق و العلامة و ولده) فخر المحققين (و القاضى و غيرهم، خصوصا المحقق الثانى الّذي بنى المسألة) اى صحة بيع الصبى و عدمها (على شرعية افعال الصبى) كما تقدم (يدل على عدم تحقق الاجماع).

(و كيف كان) الامر كان الاجماع أم لا؟ (فالعمل على المشهور.) و إن كان النظر ربما يؤيد الخلاف، خصوصا و ان المعاملات التى اجريها الصبى و رتّب احكام عليها، لا مجال للاحتياط فيها بالقول بالبطلان.

نعم الاحتياط عدم اجراء الصبى المعاملة.

(و يمكن ان يستأنس له) اى لبطلان معاملات الصبى (أيضا: بما ورد

ص: 241

فى الاخبار المستفيضة من: ان عمد الصبى و خطائه واحد كما فى صحيحة ابن مسلم و غيرها، و الاصحاب و ان ذكروها فى باب الجنايات الا انه لا اشعار فى نفس الصحيحة، بل و غيرها بالاختصاص بالجنايات.

و لذا تمسك بها الشيخ فى المبسوط، و الحلى فى السرائر: على ان اخلال الصبى المحرم بمحظورات الاحرام التى يختص حرمتها الكفارة فيها بحال التعمد لا يوجب كفارة على الصبى، و لا على الولى لان عمده خطاء

______________________________

فى الاخبار المستفيضة من: ان عمد الصبى و خطائه واحد، كما فى صحيحة ابن مسلم و غيرها) فانه اذا كان عمده كالخطإ لا يكون لعقده اثر، و انما قال يستأنس، لان هذا مجمل قدره المتيقن فى باب الجنايات (و الاصحاب و ان ذكروها) اى هذه الصحيحة (فى باب الجنايات، الا انه لا اشعار فى نفس الصحيحة، بل و غيرها) من الروايات الواردة فى هذا الباب (بالاختصاص بالجنايات) فاللازم القول لعمومها لفظا او مناطا لما نحن فيه أيضا

(و لذا تمسك بها الشيخ فى المبسوط، و الحلى فى السرائر: على ان اخلال الصبى المحرم بمحظورات الاحرام التى يختص حرمتها الكفارة فيها بحال التعمد لا يوجب كفارة على الصبى، و لا على الولى)

اما على الصبى، (لان عمده خطاء)

و اما على الولى، فلانه خلاف الاصل، اذ: لا يكلف الانسان بعمل غيره الا بدليل خاص.

اللهم الا ان يقال: ان شاهد الباب كاف فى تخصيص الرواية، و لذا

ص: 242

و حينئذ فكل حكم شرعى تعلق بالافعال التى يعتبر فى ترتب الحكم الشرعى عليها القصد بحيث لا عبرة بها اذا وقعت بغير القصد فما يصدر منها عن الصبى قصدا بمنزلة الصادر عن غيره بلا قصد فعقد الصبى و ايقاعه مع القصد، كعقد الهازل و الغالط و الخاطى، و ايقاعاتهم، بل يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الاخبار فى قتل المجنون و الصبى استظهار المطلب

______________________________

لو ذكر المحدث رواية وجوب الغسل، فى باب غسل الجنابة، استشعر منه الاختصاص و ان لم يكن لها قيد بالجنابة، و هكذا كما انه فرق بين باب الكفارات، و بين باب العقود خصوصا و فى بعض الروايات لفظ: تحمله العاقلة، (و حينئذ) اى حين قلنا بعموم الصحيحة لكل اعمال الصبى و افعاله (فكل حكم شرعى تعلق بالافعال) القصدية- مقابل الافعال التكوينية كصبغ الثوب و نحوه- (التى يعتبر فى ترتب الحكم الشرعى عليها) اى على تلك الافعال (القصد، بحيث لا عبرة بها اذا وقعت بغير القصد) كالعقود و ما اشبه (فما يصدر منها) اى من تلف الافعال (عن الصبى قصدا) اى عن قصد، فهو (بمنزلة الصادر عن غيره) اى غير الصبى (بلا قصد) لان عمده خطاء (فعقد الصبى و ايقاعه مع القصد، كعقد الهازل و الغالط) الّذي يقول العقد غلطا عمدا (و الخاطى) الّذي يخطى، فيقول: لفظا مكان لفظ آخر (و ايقاعاتهم) اى ايقاع الصبى بمنزلة ايقاع هؤلاء (بل يمكن- بملاحظة بعض ما ورد من هذه الاخبار فى قتل المجنون و الصبى) لانسان (استظهار المطلب) اى ما نحن فيه من بطلان بيع الصبى

ص: 243

من حديث رفع القلم، و هو ما عن قرب الاسناد بسنده عن ابى البخترى، عن جعفر عليه السلام، عن ابيه عليه السلام عن على عليه السلام انه كان يقول: المجنون و المعتوه الّذي لا يفيق، و الصبى الّذي لم يبلغ عمدهما خطاء يحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم فان ذكر: رفع القلم، فى الذيل

______________________________

(من حديث رفع القلم) فحديث: رفع القلم، يدل على بطلان عقد الصبى بمعونة ما ورد فى باب الديات، فان العلة فى باب الديات عامة تشمل باب البيع أيضا (و هو ما عن قرب الاسناد بسنده عن ابى البخترى) معرب:

بهتر، (عن جعفر عليه السلام، عن ابيه عليه السلام، عن على عليه السلام انه كان يقول: المجنون و المعتوه الّذي لا يفيق) و هو اخف من المجنون و قيده بمن لا يفيق لاخراج الادوارى، الّذي يصدر العمل فى حال عقله (و الصبى الّذي لم يبلغ) قيد توضيحى (عمدهما خطاء يحمله العاقلة) و هى اقرباء الأب، كالاعمام و الاخوان، و انما تسمى عاقلة- من العقل بمعنى المنع- لان هؤلاء يمنعون المجنون و الصبى عن ارتكاب الآثام و القبائح.

و لا يخفى ان هذا لا ينافى: وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ)*، لان وزر الصبى و المجنون وزر الولى- عرفا-، و اما فى عقل الكبير الرشيد فذلك لمصلحة منع الاقرباء بعضهم بعضا عن ارتكاب الجرية بالإضافة الى ان هذا كما يعقل ذلك فكذلك يعقل ذلك هذا فليس الامر الا مبادلة، و التفصيل موكول الى محله (و قد رفع عنهما القلم) وجه الاستدلال بهذا الحديث لما نحن فيه ما ذكره بقوله (فان ذكر: رفع القلم، فى الذيل

ص: 244

ليس له وجه ارتباط، الا بان تكون علة لاصل الحكم، و هو: ثبوت الدية على العاقلة، او بان تكون معلولة لقوله: عمدهما خطاء، يعنى: انه لما كان قصدهما بمنزلة العدم فى نظر الشارع، و فى الواقع رفع القلم عنهما و لا يخفى ان ارتباطها بالكلام، على وجه العلية و المعلولية للحكم المذكور فى الرواية، اعنى عذم مؤاخذة الصبى، و المجنون، بمقتضى جناية العمد و هو القصاص و لا بمقتضى شبه العمد، و هو الدية فى مالهما، لا يستقيم

______________________________

ليس له وجه ارتباط) بالمقدم (الا بان تكون علة لاصل الحكم، و هو ثبوت الدية على العاقلة) كانه علل عدم ثبوت الدية عليهما، بان القلم مرفوع عنهما، و حيث لا بدّ من الدية فهى على العاقلة (او بان تكون) رفع القلم (معلولة لقوله: عمدهما خطاء، يعنى: انه لما كان قصدهما بمنزلة العدم فى نظر الشارع و فى الواقع) اذ: لا قصد لهما عن دراية و فكر (رفع القلم عنهما و) سواء كان رفع القلم، لاجل ذلك، او هذا، يفيد اطراد الامر الى معاملات الصبى، اذ: (لا يخفى ان ارتباطها) اى: رفع القلم، و تأنيث الضمير باعتبار العلية او المعلولية (بالكلام على وجه العلية) لثبوت الدية على العاقلة (و المعلولية) لكون عمدهما خطاء (للحكم المذكور فى الرواية اعنى) بذلك الحكم (عدم مؤاخذة الصبى، و المجنون بمقتضى جناية العمد) اى لا يحكم عليهما بالشي ء الّذي يقتضيه جناية العمد، فان جناية العمد تقتضى القصاص (و هو القصاص) الضمير عائد الى: مقتضى (و لا بمقتضى شبه العمد، و هو الدية فى مالهما) بل فى مال عاقلتهما (لا يستقيم) خبر: ان ارتباطها، اى لا يرتبط: و قد رفع عنهما القلم، بالكلام

ص: 245

الا بان يراد من: رفع القلم ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعا من حيث العقوبة الاخروية، و الدنيوية المتعلقة بالنفس، كالقصاص او المال كغرامة الدية و عدم ترتب ذلك على افعالهما المقصودة المتعمد إليها مما لو وقع من غيرهما، مع القصد و التعمد لترتب عليه غرامة اخروية، او دنيوية.

و على هذا: فاذا التزم على نفسه مالا باقرار، او معاوضة و لو

______________________________

(الا بان يراد من: رفع القلم ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعا) فمعنى: رفع القلم: رفع قلم المؤاخذة دنيا و آخرة، و يكون الارتباط هكذا: عمد الصبى خطاء، اذ لا مؤاخذة عليه.

و على هذا تكون العلة عامة شاملة لسائر امور الصبى، كمعاملاته، و اقاريره، و ما اشبه، فكلما لا اعتبار بها، فالصبى و المجنون مرفوع عنهما المؤاخذة شرعا (من حيث العقوبة الاخروية) اى العقاب (و الدنيوية المتعلقة) تلك العقوبة الدنيوية (بالنفس، كالقصاص) فلا يقتص منهما (او المال كغرامة الدية) فلا يغرمان فى شبه العمد (و عدم) عطف على:

ارتفاع، (ترتب ذلك) العقاب الدنيوى و الاخروى (على افعالهما المقصودة المتعمد إليها) اى الى تلك الافعال (ممّا) اى من الافعال التى (لو وقع) ذلك الفعل (من غيرهما، مع القصد و التعمد لترتب عليه غرامة اخروية) بالعقاب (او دنيوية) بالقصاص او الدية.

(و على هذا) المعنى لقوله: رفع عنهما القلم، (فاذا التزم) الصبى (على نفسه مالا باقرار، او معاوضة) بان اشترى شيئا و التزم بان يعطى الثمن (و لو) كان ذلك الالتزام

ص: 246

باذن الولى، فلا اثر له فى الزامه بالمال، و مؤاخذته به، و لو بعد البلوغ فاذا لم يلزمه شي ء بالتزاماته و لو كانت باذن الولى، فليس ذلك الا لسلب قصده، و عدم العبرة بانشائه اذ لو كان ذلك لاجل عدم استقلاله و حجره عن الالتزامات على نفسه لم يكن عدم المؤاخدة شاملا لصورة اذن الولى و قد فرضنا الحكم مطلقا فيدل: بالالتزام

______________________________

(باذن الولى، فلا اثر له) اى لالتزامه (فى الزامه بالمال، و مؤاخذته به) اى بالمال، فلا يحق للبائع ان يلزم الصبى بالمال الّذي جعل الصبى على عاتقه (و لو) كان الزامه (بعد البلوغ) اذ لو قدر البائع الزامه بعد البلوغ كان ذلك خلاف ما ذكرناه: من عدم ترتب الاثر على فعل الصبى (فاذا لم يلزمه) اى الصبى (شي ء بالتزاماته و لو كانت) تلك الالتزامات (باذن الولى فليس ذلك) عدم امكان الزامه (الا لسلب قصده، و عدم العبرة بانشائه) للبيع و نحوه (اذ لو كان ذلك) عدم امكان الزامه، و عدم الاعتبار بالتزاماته (لاجل عدم استقلاله و) لاجل (حجره) لا لاجل عدم الاعتبار مطلقا- اذ:

عدم الاعتبار، اما مطلقا و لو مع اذن الولى، و اما خاص بصورة الاستقلال (عن الالتزامات على نفسه) مستقلا (لم يكن عدم المؤاخذة شاملا لصورة اذن الولى، و قد فرضنا الحكم) بعدم اعتبار التزاماته (مطلقا) و لو مع اذن الولى

فتحصل: ان ظاهر: و قد رفع عنهما القلم، المرفع بالنسبة الى جميع انواع القصد- و لو قصد البيع- و بالنسبة الى حالى الاستقلال و الانضمام مع اذن الولى (فيدل:) رفع القلم (بالالتزام) اى بدلالة

ص: 247

على كون قصده فى انشاءاته و اخباراته مسلوب الاثر.

ثم: ان مقتضى عموم هذه الفقرة بناء على كونها علة للحكم عدم مؤاخذتهما بالاتلاف الحاصل منهما، كما هو ظاهر المحكى عن بعض، الّا ان يلتزم بخروج ذلك عن عموم: رفع القلم، و لا يخلو عن بعد.

و لكن هذا غير وارد على الاستدلال.

______________________________

الالتزام (على كون قصده) اى الصبى (فى انشاءاته و اخباراته مسلوب الاثر)

و انما قلنا الدلالة التزامية، اذ معنى: رفع القلم، مطابقة، عدم التكليف، و لازم عدم التكليف، كون قصده كلا قصد.

هذا و لكن عرفت من حاشيتنا الطويلة النظر فيه.

(ثم: ان مقتضى عموم هذه الفقرة) اى قوله: و قد رفع عنهما القلم (بناء على كونها علة للحكم) اى حمل العاقلة الدية (عدم مؤاخذتهما) الصبى و المجنون (بالاتلاف الحاصل منهما) فلو اتلفا مال انسان لم يكونا ضامنين، لان عمدهما خطاء (كما هو ظاهر المحكى عن بعض) و ذكره صاحب الحدائق فى كتاب الحجر (الا ان يلتزم بخروج ذلك) الضمان (عن عموم: رفع القلم) لان الضمان حكم وضعى، فكما ينجس- بدن الصبى إذا لاقى النجاسة، كذلك يضمن الصبى اذا تلف مال الغير (و لا يخلو) الالتزام بالخروج (عن بعد) اذ: لسان العلة يأبى عن التخصيص.

(و لكن) على فرض الخروج (هذا غير وارد على الاستدلال) بالعلة لسلب قصد الصبى فى باب المعاملات- الّذي هو مورد الكلام-

ص: 248

لانه ليس مبنيا على كون: رفع القلم علة للحكم.

لما عرفت من احتمال كونه معلولا لسلب اعتبار قصد الصبى و المجنون فيختص رفع قلم المؤاخذة بالافعال التى يعتبر فى المؤاخذة عليها قصد الفاعل، فيخرج مثل الاتلاف، فافهم و اغتنم.

______________________________

(لانه) اى الاستدلال (ليس مبنيا على كون: رفع القلم علة للحكم) اى الحكم بحمل العاقلة.

(لما عرفت من احتمال كونه) اى قوله: و قد رفع عنهما القلم، (معلولا لسلب اعتبار قصد الصبى و المجنون) فانه قد نقول: عمد الصبى خطاء لانه رفع عنه القلم، و قد نقول: رفع عن الصبى القلم، لان عمده خطاء

و على الاول: لا بد و ان يكون: قصده فى المعاملة، و: ضمانه للاتلاف، كلاهما مرفوعين: لان: رفع القلم- و هو علة- يقتضي الامرين معا، فاذا استثنينا: الضمان، بان قلنا: انه ضامن اشكل علينا، ان العلة عامة، فكيف تشمل: قصده المعاملى؟، و لا تشمل: ضمانه،

اما اذا قلنا بالثانى: بان: رفع القلم، معلول فلا يرد هذا الاشكال، لانه فى قوة ان يقال: رفع القلم عن الصبى، لان قصده كلا قصد، (فيختص رفع قلم المؤاخذة بالافعال التى يعتبر فى المؤاخذة عليها قصد الفاعل) لتلك الافعال (فيخرج مثل الاتلاف) لانه ليس الضمان امرا مربوطا بالقصد حتى يكون الصبى الّذي لا قصد له خارجا عن قاعدة الضمان (فافهم و اغتنم).

لكن لا يخفى ما فى هذا الكلام من البعد، خصوصا و الامر دائر مدار

ص: 249

ثم ان القلم المرفوع، هو قلم المؤاخذة الموضوع على البالغين، فلا ينافى ثبوت بعض العقوبات للصبى، كالتعزير.

و الحاصل: ان مقتضى ما تقدم من: الاجماع المحكى فى البيع و غيره من: العقود و الاخبار المتقدمة بعد انضمام بعضها الى بعض عدم الاعتبار بما يصدر من الصبى، من الافعال المعتبر فيها القصد الى مقتضاها، كانشاء العقود اصالة، و وكالة.

______________________________

الظهور العرفى، لا الاحتمال العقلى.

(ثم) لا يقال: ان مقتضى رفع القلم عدم المؤاخذة دنيا و آخرة فكيف تثبت فى حق الصبى بعض الحدود؟ كحد السرقة فى الجملة.

لانه يقال (ان القلم المرفوع، هو قلم المؤاخذة الموضوع على البالغين) لانه الظاهر من الانصراف (فلا ينافى) رفع القلم (ثبوت بعض العقوبات للصبى كالتعزير) فى ارتكابه المحرمات المجعولة لها الحدود، كما يظهر من مراجعة كتاب الحدود و التعزيرات.

(و الحاصل) مما تقدم (ان مقتضى ما تقدم من الاجماع المحكى فى البيع و غيره من العقود) على عدم اعتبار عقود الصبى (و الاخبار المتقدمة) الواردة فى شأن الصبى (بعد انضمام بعضها الى بعض) مما يكون بعضها شاهدا لبعضها الآخر (عدم الاعتبار بما يصدر من الصبى من الافعال المعتبر فيها) اى فى تلك الافعال (القصد الى مقتضاها) اى مقتضى تلك الافعال، فى مقابل الافعال التكوينية التى لا يعتبر القصد فيها (كانشاء العقود اصالة) بدون الاذن من الولى (و وكالة) عن الولى، او المالك

ص: 250

و القبض و الاقباض، و كل التزام على نفسه من: ضمان، او اقرار، او نذر، او ايجار و قال فى التذكرة: و كما لا يصح تصرفاته اللفظيّة، كذا لا يصح قبضه، و لا يفيد حصول الملك فى الهبة و ان اتهب له الولى، و لا لغيره و ان اذن الموهوب له بالقبض، و لو قال: مستحق الدين للمديون: سلّم حقى الى هذا الصبى فسلّم مقدار حقه إليه لم يبرأ عن الدين، و بقى المقبوض على ملكه

______________________________

(و القبض و الاقباض) الذين يعتبر فيهما القصد، و يترتب عليهما بعض الاحكام (و كل التزام) الصبى (على نفسه من ضمان، او اقرار، او نذر، او ايجار) فلو قال: ضمنت هذا الشي ء، اوله عليّ كذا، او نذرت ان اصوم مثلا او آجرت دارى بعشرة (و قال فى التذكرة) مما يؤيّد هذا العموم (و كما لا يصح تصرفاته اللفظيّة، كذا لا يصح قبضه، و لا يفيد) قبضه (حصول الملك فى الهبة) فان الهبة لا يملكها الموهوب له، الا بعد القبض، فلو وهب زيد صبيا دينارا او قبضه الصبى كان كلا قبض (و ان اتهب) اى وهب (له) اى للصبى (الولى) فان اذن الولى لا يجعل قبضه صحيحا (و لا) يصح قبض الصبى (لغيره) كما وهب زيد- بالغا- دينارا فامر الصبى ذلك البالغ بان يقبض الدينار عن قبله، فان قبض الصبى كلا قبض (و ان اذن الموهوب له) الصبى (بالقبض) هذه مسئلة القبض (و لو قال: مستحق الدين للمديون سلّم حقى الى هذا الصبى، فسلّم) المديون (مقدار حقه) اى حق الدائن (إليه) اى الى الصبى (لم يبرأ عن الدين، و بقى المقبوض على ملكه) اى ملك الدائن، لان الكلى لا يتشخص الا بالقبض الصحيح، و قبض الصبى ليس قبضا صحيحا حتى يوجب تشخيص الكلى

ص: 251

و لا ضمان على الصبى، لان المالك ضيّعه حيث دفع إليه، و بقى الدين لانه فى الذمة و لا يتعين الا بقبض صحيح، كما لو قال: ارم حقى فى البحر، فرمى مقدار حقه، بخلاف ما لو قال: للمستودع سلّم مالى الى الصبى، او القه فى البحر، لانه امتثل امره فى حقه المعين، و لو كانت الوديعة للصبى، فسلمها إليه ضمن، و إن كان باذن الولى اذ ليس له تضييعها باذن الولى و قال: أيضا لو عرض الصبى دينارا على الناقد.

______________________________

(و لا ضمان على الصبى) اذا تلف المال (لان المالك ضيعه) اى المال، بنفسه، حيث سلّمه الى من لا يضمن، كما لو سلّمه الى حيوان (حيث دفعه إليه) اى الى الصبى (و بقى الدين) على المديون (لانه فى الذمة و لا يتعين) ما فى الذمة (الا بقبض صحيح) و لا قبض صحيح- كما عرفت- (كما لو قال) المديون: (ارم حقى فى البحر، فرمى مقدار حقه) اذ لا يحق للمديون اتلاف المال، و لو كان بامر المالك (بخلاف ما لو قال) صاحب المال:

(للمستودع) الّذي كان مال المالك امانة عنده (سلّم مالى الى الصبى، او القه فى البحر) فانه يبرأ المستودع من المال (لانه امتثل امره) اى امر المالك (فى حقه المعين) الخارجى (و لو كانت الوديعة للصبى) بان استودعها الى زيد ولى الصبى، او وقعت فى يد زيد (فسلمها) اى الوديعة (إليه) اى الى الصبى (ضمن) زيد الوديعة (و ان كان) التسليم (باذن الولى) لانه كالاتلاف، فحاله: حال ما اذا امر الولى ان يلقى بمال الصبى فى البحر (اذ ليس له) اى للولى مثل هذا لاذن و (تضييعها باذن الولى).

(و قال) العلامة فى التذكرة: (أيضا لو عرض الصبى دينارا على الناقد)

ص: 252

لينقده، او متاعا الى مقوّم ليقوّمه فاخذه، لم يجز له ردّه الى الصبى، بل الى وليه إن كان، فلو امره الولى بالدفع إليه فدفعه إليه برء من ضمانه ان كان المال للولى، و إن كان للصبى، فلا، كما لو امره بإلقاء مال الصبى فى البحر، فانه يلزمه ضمانه.

و اذا تبايع الصبيان و تقابضا، و اتلف كل واحد منهما ما قبضه فان جرى باذن الوليين، فالضمان عليهما و الا فلا ضمان عليهما بل على الصبيين

______________________________

اى الصراف (لينقده، او متاعا الى مقوّم ليقوّمه) و يبين قيمته (فاخذه، لم يجز له) اى للآخذ (ردّه الى الصبى، بل) يجب على الآخذ ردّه (الى وليه إن كان) هناك وليه، و الّا فالى الحاكم الشرعى (فلو امره) اى الناقد و المقوم (الولى بالدفع إليه) اى الى الصبى (فدفعه) اى دفع الرجل المال (إليه) اى الى الصبى (برء) الرجل (من ضمانه إن كان المال للولى) لانه حصل باذنه، فكما لو قال: له ضع مالى فى هذا المكان، فوضعه هناك فانه لو سرق او تلف لم يكن ضامنا، لانه كان بامر مالكه (و إن كان) المال (للصبى فلا) برء للدافع فانه (كما لو امره) الولى (بإلقاء مال الصبى فى البحر فانه يلزمه) اى الملقى (ضمانه) اذ: لا يحق اطاعة الولى فى ما لا يجوز، فانه لا صلاحية للولى فى ذلك.

(و اذا تبايع الصبيان و تقابضا) بان قبض كل واحد منهما ما اشتراه من الآخر (و اتلف كل واحد منهما ما قبضه، فان جرى) البيع و القبض (باذن الوليين، فالضمان عليهما) لانهما سبب التلف (و الا) يجرى باذنهما (فلا ضمان عليهما) ان لم يقدر اعلى المنع (بل) الضمان (على الصبيين) يتبع

ص: 253

و يأتى فى باب الحجر تمام الكلام.

و لو فتح الصبى الباب و اذن فى الدخول على اهل الدار، او ادخل الهدية الى انسان عن اذن المهدى، فالاقرب الاعتماد لتسامح السلف فيه انتهى كلامه رفع مقامه.

ثم انه ظهر مما ذكرنا: انه لا فرق فى معاملة الصبى بين ان يكون فى الاشياء اليسيرة او الخطيرة، لما عرفت من: عموم النص و الفتوى، حتى ان العلامة فى التذكرة لما ذكر حكاية ان أبا الدرداء اشترى عصفورا من صبى، فارسله

______________________________

بعد البلوغ (و يأتى فى باب الحجر تمام الكلام) فى المقام.

(و لو فتح الصبى الباب و اذن فى الدخول على اهل الدار، او ادخل) الصبى (الهدية الى انسان) و كان ذلك (عن اذن المهدى) بصيغة الفاعل (فالاقرب الاعتماد) على اذنه، و ايصاله للهدية (لتسامح السلف فيه) اى فى ذلك، مما يدل على وجود السيرة، و الا فمقتضى القاعدة: العدم لأصالة عدم جواز دخول دار الغير الّا باذنه، و أصالة عدم جواز اخذ مال الغير، الا باذنه (انتهى كلامه رفع مقامه) و لا يخفى مواقع النظر فى كلامه.

(ثم انه: ظهر مما ذكرنا انه لا فرق فى معاملة الصبى بين ان يكون فى الاشياء اليسيرة) كشربة ماء او عود كتاب او ما اشبه (او الخطيرة) كالدار و، البستان (لما عرفت من: عموم النص و الفتوى) على عدم الجواز غير فارقين بين القسمين (حتى ان العلامة فى التذكرة لما ذكر حكاية ان أبا الدرداء اشترى عصفورا من صبى فارسله) مما يدل على جواز معاملة الصبى فى

ص: 254

ردها بعدم الثبوت.

و عدم الحجية

و توجيهه بما يخرجه عن محل الكلام.

و به يظهر: ضعف ما عن المحدث الكاشانى، من: ان الاظهر جواز بيعه و شرائه فيما جرت العادة به من الاشياء اليسيرة دفعا للحرج انتهى

______________________________

الاشياء الحقيرة.

(ردها بعدم الثبوت) للقصة أولا.

(و عدم الحجية) فى فعل ابى الدرداء على تقدير الثبوت. ثانيا.

(و توجيهه بما يخرجه عن محل الكلام) ثالثا، كان يقال: كان هذا العمل من ابى الدرداء لحفظ مال الصبى، لانه علم ان العصفور يطير فبدر فى حفظ ماله بهذه الكيفية، و قد قال سبحانه: مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، او ما اشبه ذلك من التوجيهات.

(و به) اى بما ذكرنا من عدم الفرق بين الاشياء الخطيرة (يظهر:

ضعف ما عن المحدث الكاشانى، من ان الاظهر جواز بيعه و شرائه فيما جرت العادة به من الاشياء اليسيرة).

و انما نقول بالجواز (دفعا للحرج، انتهى) فانه اذا لم يجز بيعه و شرائه فى الاشياء الحقيرة، لزم الحرج المنفى، اذ كثير من المعاملات الحقيرة تتوقف على الصبيان فى العرف و العادة.

و انما يضعف هذا الوجه لان الحرج قد يكون علة لرفع الحكم شرعا، مثل عدم الامر بالسواك، و قد يكون شخصيا كالتيمم لمن يضره الماء و

ص: 255

فان الحرج ممنوع، سواء اراد ان الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة فى المحقرات، و التزام مباشرة البالغين لشرائها، أم اراد انه يلزم من التجنب عن معاملتهم بعد بناء الناس على نصب الصبيان للبيع و الشراء فى الاشياء الحقيرة.

ثم لو اراد استقلاله فى البيع و الشراء لنفسه بماله من دون اذن الولى

______________________________

القسم الاول يحتاج الى دليل خاص، و القسم الثانى لا يفيد حكما كليا،

هذا بالإضافة الى ما ذكره المصنف بقوله (فان الحرج ممنوع، سواء اراد ان الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة فى المحقرات، و) يلزم من (التزام) الفقيه (مباشرة البالغين لشرائها) اى شراء المحقرات فانه لا حرج فى ذلك.

كيف و انا نشاهد كثيرا من الناس لا يدخلون الصبيان فى معاملاتهم و لا يلزمهم حرج من ذلك؟ (أم اراد) الكاشانى (انه يلزم من التجنب عن معاملتهم) اى الصبيان (بعد بناء الناس) غير المبالين (على نصب الصبيان للبيع و الشراء فى الاشياء الحقيرة).

اذ كيف يلزم الحرج و المتاع يوجد عند الصبى؟ كما يوجد عند غيره.

لكن الانصاف لزوم الحرج فى الجملة و انما الكلام فى كون مثل هذا الحرج موجبا لحكم كلى بالجواز.

(ثم) ان فى كلام الكاشانى احتمالا آخر، فانه (لو اراد استقلاله) اى الصبى (فى البيع و الشراء لنفسه بماله من دون اذن الولى) يعنى:

اراد الكاشانى من الحرج، ان الصبى مستقل فى المعاملة، فى الاشياء

ص: 256

ليكون حاصله: انه غير محجور عليه فى الاشياء اليسيرة، فالظاهر كونه مخالفا للاجماع.

و اما ما ورد فى رواية السكونى عن ابى عبد الله عليه السلام قال: و نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن كسب الغلام الصغير الّذي لا يحسن صناعة بيده، معللا: بانه ان لم يجد سرق، فمحمول على عوض كسبه

______________________________

الحقيرة، لانه لو لم يكن مستقلا، و احتاج كل معاملة حقيرة الى اذن وليه، لزم الحرج (ليكون حاصله: انه غير محجور عليه فى الاشياء اليسيرة، فالظاهر كونه مخالفا للاجماع) اذ: لا احد يقول بالاستقلال- اطلاقا- و انما من قال: بالجواز، قال به مع الاذن.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 6، ص: 257

(و) ان قلت: يدل على الجواز الرواية الآتية، فكيف تقولون بانه لا دليل على جواز معاملة الصبى اطلاقا؟

قلت: (اما ما ورد فى رواية السكونى عن ابى عبد الله عليه السلام قال: و نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن كسب الغلام الصغير الّذي لا يحسن صناعة بيده) المفهوم منه جواز الكسب اذا عرف الصناعة (معللا: بانه ان لم يجد سرق) الظاهر كون الوجه احتمال السرقة، لا ان معاملته فى نفسها محظورة (فمحمول على عوض كسبه) لا على معاملته.

فالحديث لا يريد اثبات جواز الكسب له، و انما يريد نفى اخذ الانسان عوض ما اكتسبه الصبى، فلا يرتبط الحديث بما نحن فيه.

لكن لا يخفى ما فى هذا الحمل، فانه خلاف الظاهر.

و كيف كان فالذى يراه المصنف ره انه محمول على عوض كسبه

ص: 257

من التقاط او اجرة عن اجارة اوقعها الولى او الصبى بغير اذن الولى او عن عمل امر به من دون اجارة فاعطاه المستأجر او الآمر اجرة المثل، فان هذه كلها مما يملكه الصبى، لكن يستحب للولى و غيره اجتنابها اذا لم يعلم صدق دعوى الصبى فيها لاحتمال كونها من الوجوه المحرمة نظير رجحان الاجتناب عن الاموال غيره ممن لا يبالى بالمحرمات

______________________________

(من التقاط) فاذا التقط الصبى مباحا ثم باعه، لا يأخذ الانسان هذا العوض، لانه لا يعلم هل حصل العوض من المعاوضة، او انه سرق، و انما يقول كذبا انه عوض التقاطه (او اجرة عن اجارة اوقعها الولى او الصبى بغير اذن الولى) مثلا آجر الولى الصبى لاجل عمل، ثم جاء الصبى بمال قائلا انه عوض اجارته، فانه لا يجوز للانسان ان بأخذ هذا المال لاحتمال كونه سرقة، و انما يقول الصبى كذبا انه عوض اجارته (او) اجرة (عن عمل امر به) اى بذلك العمل، و: امر، بصيغة المجهول، اى امر به الصبى (من دون اجارة) كما لو قال زيد للصبى: اعمل هذا العمل و اعطيك كذا، ثم جاء الصبى زاعما ان ما بيده من المال عوض عمله (فاعطاه) اى الصبى (المستأجر) الّذي آجر الصبى للخياطة- مثلا- (او الآمر) للصبى بالعمل، من دون اجارة (اجرة المثل فان هذه) الاموال (كلها مما يملكه الصبى لكن يستحب للولى و غيره اجتنابها اذا لم يعلم صدق دعوى الصبى فيها) بان احتمل ان المال الّذي بيد الصبى سرقة، لا اجرة، و عوض التقاط (لاحتمال كونها) اى تلك الاموال (من الوجوه المحرمة) و هذا الاستحباب (نظير رجحان الاجتناب عن الاموال غيره ممن لا يبالى بالمحرمات) فانه و ان جاز

ص: 258

و كيف كان فالقول المذكور: فى غاية الضعف، نعم ربما صحح سيّد مشايخنا فى الرياض هذه المعاملات، اذا كان الصبى بمنزلة الآلة لمن له اهلية التصرف من جهة استقرار السيرة، و استمرارها على ذلك.

و فيه اشكال من جهة قوة احتمال كون السيرة ناشئة عن عدم المبالات فى الدين كما فى سيرهم الفاسدة، و يؤيد ذلك ما يرى من استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين المميزين، و غيرهم و لا بينهم و بين المجانين

______________________________

التناول، لاصالة الصحة، لكن المستحب الاجتناب كاستحباب الاجتناب عن سؤر الحائض المتهمة.

(و كيف كان) معنى هذا الحديث (فالقول المذكور) للكاشانى (فى غاية الضعف، نعم ربما صحح سيّد مشايخنا فى الرياض هذه المعاملات) التى يجربها الصبيان (اذا كان الصبى بمنزلة الآلة لمن له اهلية التصرف) كالآلية للولى، و انما اجاز (من جهة استقرار السيرة و استمرارها على ذلك) فالمعاملة فى الحقيقة بين الكبيرين، و انما الصبى آلة الايصال، كما لو باع زيد عمروا شيئا ثم ارسل السلعة بواسطة آلة، او حيوان.

(و فيه اشكال من جهة قوة احتمال كون السيرة ناشئة عن عدم المبالات فى الدين) فلا تكشف عن رضى المعصوم بذلك، و عن تقريره (ع) (كما فى) كثير من (سيرهم الفاسدة، و يؤيد ذلك) و ان السيرة ناشئة عن عدم المبالات (ما يرى من استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين المميزين، و غيرهم) مع وضوح ان غير المميز لا تصح معاملته بالضرورة (و لا بينهم و بين المجانين.

ص: 259

و لا بين معاملتهم لانفسهم بالاستقلال بحيث لا يعلم الولى اصلا، و معاملتهم لاوليائهم على سبيل الآلية.

مع ان هذا مما لا ينبغى الشك فى فساده، خصوصا الاخير.

مع ان الاحالة على ما جرت العادة به، كالاحالة على المجهول فان الّذي جرت عليه السيرة، هو الوكول الى كل صبى ماهر فطن فيه بحيث لا يغلب فى المساومة عليه، فيكلون الى من بلغ ست سنين شراء باقة بقل، او

______________________________

و لا بين معاملتهم لانفسهم) اى الصبيان (بالاستقلال بحيث لا يعلم الولى اصلا و معاملتهم لاوليائهم على سبيل الآلية) المجردة.

(مع ان هذا) القسم من معاملات الناس (مما لا ينبغى الشك فى فساده، خصوصا الاخير) اى المعاملة المستقلة، هذا أوّلا.

(مع ان الاحالة) فى الجواز- لاجل السيرة- كما فعله الرياض (على ما جرت العادة به، كالاحالة على المجهول).

و ذلك لا يعرف حدوده فلم يعلم قيام السيرة على اى شي ء، فالاصل الفساد (فان الّذي جرت عليه السيرة) مختلف فى الصبيان، و الاولياء و السلع.

و من المعلوم: ان التفصيل غير صحيح، فالسيرة غير صحيحة.

و بيان ذلك ان ما جرت عليه السيرة (هو الوكول الى كل صبى ماهر فطن فيه) اى فى التعامل (بحيث لا يغلب فى المساومة عليه) اى المعاملة فى الشي ء (فيكلون الى من بلغ ست سنين شراء باقة بقل، او

ص: 260

بيع بيضة دجاج بفلس، و: الى من بلغ ثمانية سنين اشتراء اللحم، و الخبز و نحوهما و: الى من بلغ أربعة عشر سنة شراء الثياب بل الحيوان بل يكون إليه امور التجارة فى الاسواق و البلدان، و لا يفرقون بينه و بين من اكمل خمسة عشر سنة.

و لا يكلون إليه شراء مثل القرى، و البساتين، و بيعها، الا بعد ان يحصل له التجارب.

و لا اظن ان القائل بالصحة: يلتزم العمل بالسيرة على هذا التفصيل

______________________________

بيع بيضة دجاج بفلس، و) الوكول (الى من بلغ ثمانية سنين اشتراء اللحم، و الخبز، و نحوهما) بل يكلون اشتراء الخبز الى من بلغ عمره ثلاث و اكثر (و الى من بلغ أربعة عشر سنة شراء الثياب بل الحيوان) و نحو ذلك (بل يكلون إليه امور التجارة فى الاسواق) بل (و البلدان) القريبة، و احيانا البعيدة (و لا يفرقون بينه) فى هذه الامور (و بين من اكمل خمسة عشر سنة) الّذي بلغ البلوغ الشرعى.

(و لا يكلون إليه شراء مثل القرى، و البساتين، و بيعها، الا بعد ان يحصل له التجارب) و إن كان قد بلغ البلوغ الشرعى.

(و لا اظن ان القائل بالصحة: يلتزم العمل بالسيرة على هذا التفصيل) فالسيرة الموجودة لا تنفع، و غيرها لا سيرة عليها.

اللهم الا ان يقال: بوجود السيرة فى الجملة، فهى كافية فى اثبات الحكم فى الجملة.

ص: 261

و كيف كان فالظاهر: ان هذا القول أيضا مخالف لما يظهر منهم، و قد عرفت حكم العلامة فى التذكرة: بعدم جواز رد المال الى الصبى اذا دفعه الى الناقد لينقده، او المتاع الّذي دفعه الى المقوّم ليقوّمه، مع كونه غالبا فى هذه المقامات بمنزلة الآلة للولى.

و كذا حكمه بالمنع من ردّ مال الطفل إليه باذن الولى، مع انه بمنزلة الآلة فى ذلك غالبا.

______________________________

(و كيف كان) الامر سواء التزم القائل بالعمل بهذه السيرة أم لا؟

(فالظاهر: ان هذا القول أيضا مخالف لما يظهر منهم) ببطلان معاملات الصبى (و قد عرفت) شاهدا لمخالفة هذا القول (حكم العلامة فى التذكرة:

بعدم جواز ردّ المال الى الصبى اذا رفعه) اى الصبى المال (الى الناقد) الصراف (لينقده، او) رد (المتاع) الى الصبى (الّذي دفعه الى المقوّم ليقوّمه مع كونه) اى الصبى (غالبا فى هذه المقامات بمنزلة الآلة للولى) فاذا لم يجز بمثل هذه الامور فى حال كونه آلة كيف يجوز البيع، و الشراء؟ و ان كان آلة بلد الاستقلال.

(و كذا) عرفت (حكمه) اى العلامة (بالمنع من رد مال الطفل إليه باذن الولى) فى الرد، لان الاذن هنا باطل اذ: لا يصلح الطفل لاخذ مال نفسه، فهو كالالقاء فى البحر فى عدم فائدة اذن الولى فى جوازه (مع انه) اى الصبى (بمنزلة الآلة فى ذلك) الاخذ باذن الولى (غالبا).

و انما قال: غالبا لانه ربما كان له استقلال.

و الحاصل: انه يتبين من هذه الكلمات ان آلية الصبى أيضا لا تنفع

ص: 262

و قال كاشف الغطاء ره: بعد المنع عن صحة عقد الصبى اصالة، و وكالة ما لفظه: نعم ثبت الاباحة فى معاملة المميزين اذا جلسوا مقام اوليائهم، او تظاهروا على رءوس الاشهاد حتى يظن ان ذلك من اذن الاولياء، خصوصا فى المحقرات.

ثم قال: و لو قيل: بتملك الاخذ منهم لدلالة مأذونيته فى جميع التصرفات

______________________________

(و قال كاشف الغطاء: بعد المنع عن صحة عقد الصبى اصالة) لنفسه (و وكالة) لغيره (ما لفظه: نعم ثبتت الاباحة فى معاملة المميزين) من الصبيان الذين لهم قوة التميز بين الحسن و القبح، و الضرر و الربح، و الجميل و المشوه (اذا جلسوا مقام اوليائهم) فى الدكان (او تظاهروا) بالتعامل (على رءوس الاشهاد) جمع شاهد، مقابل الخفية و الاختلاس و هذه اللفظة كناية عن منتهى الظهور، لان ما كان فى طرف الرأس يراه كل احد (حتى يظن) من تظاهرهم (ان ذلك) التعامل (من اذن الاولياء خصوصا) تعاملهم (فى المحقرات).

و يظهر من هذه الكلمات جواز معاملاتهم باذن الاولياء.

(ثم قال) كاشف الغطاء (و لو قيل: بتملك الاخذ منهم) اى من الصبيان، بمعنى ان الآخذ كما يملك ولى الطفل، كذلك هو يتملك عن قبل ولى الطفل، فالآخذ يجرى طرفى العقد، و انما الصبى صورة و آلة فقط (لدلالة مأذونيته) اى الآخذ (فى جميع التصرفات) فان وضع الولى الصبى مكانه، دليل على انه اذن للآخذ ان يتملك من قبل الولى،

ص: 263

فيكون موجبا قابلا لم يكن بعيدا انتهى

اما التصرف، و المعاملة باذن الاولياء سواء كان على وجه البيع، او المعاطاة، فهو الّذي قد عرفت انه خلاف المشهور و المعروف، حتى لو قلنا: بعدم اشتراط شروط البيع فى المعاطاة، لانها تصرف لا محالة و ان لم يكن بيعا بل و لا معاوضة، و ان اراد بذلك ان اذن الولى و رضاه المنكشف

______________________________

كما ان الآخذ يملك من قبل نفسه (فيكون) الآخذ (موجبا) عن الولى (قابلا) لنفسه (لم يكن بعيدا) فالمعاملة مع الصبيان ليست معاطاة، و انما عقد يقوم طرفاه بالآخذ (انتهى) كلام كشف الغطاء.

اقول- (اما) ما ذكره من: (التصرف، و المعاملة باذن الاولياء سواء كان على وجه البيع) و العقد (او المعاطاة فهو الّذي قد عرفت انه خلاف المشهور، و المعروف) بين الفقهاء (حتى لو قلنا: بعدم اشتراط شروط البيع فى المعاطاة) فانه خلاف فى المعاطات، بانه يشترط فيها شروط البيع، و انما تفقد المعاطاة الصيغة فقط، او لا يشترط كثير من الشروط، و كلمة: حتى، وصلية.

و انما نقول بانه خلاف المشهور حتى على هذا القول (لانها) اى المعاملة الصادرة عن الصبى و لو معاطاة (تصرف) من الصبى (لا محالة، و ان لم يكن بيعا، بل و لا معاوضة) لانك قد عرفت ان المشهور: عدم جواز تصرف الصبيان، فلا يتوقف عدم الجواز على صدق البيع، و المعاوضة.

(و ان اراد) كشف الغطاء (بذلك) الكلام الّذي ذكره من جواز تعاملهم باذن الولى (ان اذن الولى، و رضاه المنكشف) ذلك الاذن

ص: 264

بمعاملة الصبى، هو المفيد للاباحة، لا نفس المعاملة كما ذكره بعضهم فى اذن الولى فى اعارة الصبى.

فتوضيحه: ما ذكره بعض المحققين من تلامذته، و هو: انه لما كان بناء المعاطاة على حصول المراضاة كيف اتفقت، و كانت مفيدة لاباحة التصرف خاصة، كما هو المشهور، و جرت عادة الناس بالتسامح فى الاشياء اليسيرة و الرضاء باعتماد غيرهم فى التصرف فيها على الأمارات المفيدة للظن بالرضا فى المعاوضات

______________________________

(بمعاملة الصبى) فان كونه فى مكان الولى و يعامل الناس، يكشف من اذن الولى (هو المفيد للاباحة، لا نفس المعاملة).

فالمعاملة كانها لا شي ء و انما يفيد الاباحة الاذن، و الكاشف للاذن هو تعامل الصبى (- كما ذكره بعضهم فى اذن الولى فى اعارة الصبى-) فان الصبى اذا اعطى شيئا اعارة، كشف ذلك عن اذن الولى، و هو يكفى فى تحقق الاعارة، و إن كان المباشر للاعطاء الصبى.

(فتوضيحه) اى توضيح كلام كاشف الغطاء (ما ذكره بعض المحققين من تلامذته، و هو: انه لما كان بناء المعاطاة على حصول المراضاة كيف اتفقت) المراضاة بين الجانبين (و كانت) المعاطاة (مفيدة لاباحة التصرف خاصة، كما هو المشهور) لا الملك، كما هو قول آخرين (و جرت عادة الناس بالتسامح فى الاشياء اليسيرة، و) ب (الرضاء باعتماد غيرهم) اى يتسامحون فى اعتماد غيرهم- كالمشترى- (فى التصرف فيها) اى فى الاشياء اليسيرة (على الامارات المفيدة للظن بالرضا فى المعاوضات).

ص: 265

و كان الغالب فى الاشياء التى يعتمد فيها على قول الصبى تعين القيمة او الاختلاف الّذي يتسامح به فى العادة.

فلاجل ذلك صح القول بالاعتماد على ما يصدر من الصبى من صورة البيع و الشراء مع الشروط المذكورة

______________________________

و الحاصل:

1- المعاطات المفيدة للاباحة تتوقف على الرضا.

2- و الناس يتسامحون للغير ان يكشف ذلك الغير رضاهم بالامارات الظنية اذا كانت الاشياء يسيرة.

3- و الصبى لا يفعل الا تعيين القيمة.

و هذا ما بينه بقوله (و كان الغالب فى الاشياء التى يتعمد فيها على قول الصبى) هو (تعين القيمة) بان يقول الصبى: هذا بكذا (او) مع (الاختلاف الّذي يتسامح به فى العادة) كان يعامل الصبى فى القيمة زيادة و نقيصة.

و الحاصل: يعتمد على قول الصبى سواء قال قيمة و لم يتنازل، او قال قيمة ثم تنازل تنازلا قليلا، كما لو قال بعشرة ثم تنازل الى تسعة، لا مثل ان يتنازل الى ثلاثة- مثلا-.

(ف) بعد تمامية هذه المقدمات الثلاثة (لاجل ذلك) الّذي ذكرناه من المقدمات الثلاثة (صح القول بالاعتماد على ما يصدر من الصبى من صورة البيع و الشراء) و ان لم يكن حقيقتهما، لما عرفت من: انها معاطاة تفيد الاباحة فقط (مع الشروط المذكورة) كون الشي ء يسيرا، و المعاملة كاشفة عن

ص: 266

كما يعتمد عليه فى الاذن فى دخول الدار، و فى ايصال الهدية اذا ظهرت أمارات الصدق، بل ما ذكرنا اولى بالجواز من الهدية، من وجوه

و قد استند فيه فى التذكرة الى تسامح السلف.

و بالجملة فالاعتماد فى الحقيقة: على الاذن المستفاد من حال المالك فى الاخذ، و الاعطاء، مع البناء على ما هو الغالب من كونه صحيح التصرف لا على قول الصبى

______________________________

الرضا، و المورد مما يتسامح به لكونه تعيين قيمة، او مع اختلاف يسير (كما يعتمد عليه فى الاذن فى دخول الدار، و فى ايصال الهدية اذا ظهرت) فى الاذن و الايصال (أمارات الصدق) و ان الولى اذن، و اعطاه الهدية (بل ما ذكرنا) من صحة المعاملة (اولى بالجواز من الهدية، من وجوه) فان الهدية تمليك، و هذا إباحة، و الهدية بدون عوض، و هذا مع العوض و الهدية لا أمارة للرضا فيها، و هذا فيه أمارة الرضا، حيث ان الطفل قائم فى مقام الولى، الى غير ذلك.

(و قد استند فيه) اى فى الجواز (فى التذكرة الى تسامح السلف) و هذا دليل على انه من باب الرضا، لانه الّذي يصح الاستناد فيه الى التسامح اما المعاملة فلا تستند الى التسامح- كما لا يخفى-.

(و بالجملة: فالاعتماد فى الحقيقة) فى صحة معاملة الصبى (على الاذن المستفاد من حال المالك فى الاخذ) من الصبى (و الاعطاء) له (مع البناء على ما هو الغالب من كونه) اى المالك (صحيح التصرف) لحمل فعل المسلم على الصحيح (لا) ان الاعتماد (على قول الصبى) فيما اذا اذن

ص: 267

و معاملته من حيث انه كذلك، و كثيرا ما يعتمد الناس على الاذن المستفاد من غير وجود ذى يد اصلا، مع شهادة الحال بذلك، كما فى دخول الحمام و وضع الاجرة عوض الماء التالف فى الصندوق، و كذا فى اخذ الخضر الموضوعة للبيع و شرب ماء السقائين، و وضع القيمة المتعارفة فى الموضع المعد لهما، و غير ذلك من الامور التى جرت العادة بها كما يعتمد على مثل ذلك فى غير انواع المعاوضات من انواع التصرفات.

______________________________

فى دخول الدار، او قال: هذه هدية من المالك (و معاملته) فيما اذا عامل بيعا، او غير بيع (من حيث انه كذلك) صبى اى بلا كشف عن اذن المالك (و) كيف لا يستكشف الاذن من عمل الصبى و قوله؟ و الحال انه (كثيرا ما يعتمد الناس على الاذن المستفاد من غير وجود ذى يد اصلا، مع شهادة الحال بذلك) الاذن (كما فى دخول الحمام) فى حال عدم وجود الحمامى (و وضع الاجرة عوض الماء التالف) و سائر التصرفات فى الحمام (فى الصندوق) حيث يشهد الحال برضى الحمامى بذلك (و كذا فى اخذ الخضر) جمع خضرة، بل و سائر الاشياء فى الحال الحاضر (الموضوعة للبيع) و جعل المال بإزائه مع عدم وجود المالك (و شرب ماء السقائين و وضع القيمة المتعارفة فى الموضع المعد لهما) اى للخضر و الماء (و غير ذلك من الامور التى جرت العادة بها) لوجود شاهد الحال الكافى فى التصرف، لكونه كاشفا عن الرضا (كما يعتمد على مثل ذلك) الشاهد للحال فى سائر التصرفات (فى غير انواع المعاوضات من انواع التصرفات) فالصديق يتصرف فى مال صديقه لوجود شاهد الحال بالرضا،

ص: 268

فالتحقيق ان هذا ليس مستثنى من كلام الاصحاب و لا منافيا له و لا يعتمد على ذلك أيضا فى مقام الدعوى، و لا فيما اذا طالب المالك بحقه، و اظهر عدم الرضا انتهى.

و حاصله: ان مناط الاباحة، و مدارها فى المعاطاة ليس على وجود تعاط قائم بشخصين او بشخص منزل منزلة شخصين بل على تحقق الرضا من كل منهما بتصرف صاحبه فى ماله

______________________________

فامثال هذه التصرفات معاوضيا و غير معاوضى انما تستند كشف رضى المالك بشاهد الحال، و مثله معاملة الصبيان.

(فالتحقيق ان هذا) التصرف (ليس مستثنى من كلام الاصحاب) الذين قالوا: بعدم صحة معاملة الصبى (و لا منافيا له) اى لكلامهم (و لا يعتمد على ذلك) التصرف (أيضا فى مقام الدعوى) و المرافعة بان قال المالك كانت القيمة كذا و انت اعطيت للصبى اقل- مثلا- (و لا فيما اذا طالب المالك بحقه، و اظهر عدم الرضا) بتصرف المعامل او غير المعامل، كما لو اخذ الشي ء من الصبى بعنوان الهدية، ثم قال المالك كذب الصبى و ليست هدية (انتهى) كلام تلميذ كاشف الغطاء.

(و حاصله: ان مناط الاباحة، و مدارها فى المعاطات) التى يعمل بها الصبى و طرف معاملته (ليس على وجود تعاط قائم بشخصين) الصبى و الكبير (او بشخص) واحد (منزل منزلة شخصين) كالامثلة المتقدمة فى وضع المال فى صندوق الحمامى و غيره (بل) المناط (على تحقق الرضا من كل منهما بتصرف صاحبه فى ماله) و ذلك يتحقق مع كون الصبى

ص: 269

حتى لو فرضنا انه حصل مال كل منهما عند صاحبه باتفاق كاطارة الريح، و نحوها، فتراضيا على التصرف باخبار صبى، او بغيره من الامارات كالكتابة و نحوها، كان هذه معاطاة أيضا، و لذا كان وصول الهدية الى المهدى إليه على يد الطفل الكاشف ايصاله عن رضى المهدى بالتصرف بل التملك كافيا فى إباحة الهدية، بل فى تملكها.

و فيه ان ذلك، حسن، الا انه موقوف أولا: على ثبوت حكم المعاطاة من دون إنشاء إباحة، و تمليك، و الاكتفاء فيها بمجرد الرضا.

______________________________

طرفا، كما يتحقق بلا طرف اصلا (حتى لو فرضنا انه حصل مال كل منهما عند صاحبه باتفاق) بلا وجود طرف واحد أيضا (كاطارة الريح، و نحوها، فتراضيا) المالكان (على التصرف) و كان التراضي (باخبار صبى او بغيره من الامارات) كوساطة الحيوان فى هذه الايام، فانه يضع النقد و يأخذ السلعة كما فى بعض البلاد الغربية و (كالكتابة، و نحوها، كان هذه) المعاملة (معاطاة أيضا و لذا) الّذي ذكرنا من كفاية الرضا المكشوف بايّة وسيلة كانت (كان وصول الهدية الى المهدى إليه على يد الطفل):

على، متعلق ب: وصول، (الكاشف ايصاله عن رضى المهدى بالتصرف) اى تصرف المهدى إليه، فى الهدية (بل) ب (التملك كافيا فى إباحة الهدية بل فى تملكها) هذا حاصل كلام المحقق، التلميذ لكاشف الغطاء.

(و فيه ان ذلك) الوجه فى تصحيح تصرف الصبى (حسن، الا انه موقوف أولا: على ثبوت حكم المعاطاة من دون إنشاء إباحة، و) إنشاء (تمليك، و الاكتفاء فيها) اى فى المعاطاة (بمجرد الرضا) و من المعلوم

ص: 270

و دعوى حصول الانشاء بدفع الولى المال الى الصبى.

مدفوعة: بانه إنشاء إباحة لشخص غير معلوم، و مثله غير معلوم الدخول فى حكم المعاطاة.

مع العلم بخروجه عن موضوعها.

و به يفرق بين ما نحن فيه، و مسئلة ايصال الهدية بيد الطفل، فانه يمكن فيه دعوى: كون دفعه إليه للايصال إباحة، او تمليكا كما ذكران اذن

______________________________

ان الرضا شي ء و المعاملة شي ء آخر.

(و دعوى حصول الانشاء بدفع الولى المال الى الصبى) و كذا باعداده الحمام للداخلين، و الخضر للمشترين.

(مدفوعة: بانه إنشاء إباحة لشخص غير معلوم، و مثله) الّذي ليس الطرف معلوما فيه (غير معلوم الدخول فى حكم المعاطاة).

(مع العلم) اى مع انا نعلم (بخروجه عن موضوعها) اذ ليس هذا معاطاة- قطعا- فانه ليس فيها اخذ و عطاء.

(و به) اى بكون هذا ليس معاطاة (يفرق بين ما نحن فيه) من معاملة الصبيان (و) بين (مسئلة ايصال الهدية بيد الطفل) الّذي نظّر المحقق المذكور مسئلتنا به (فانه يمكن فيه) اى فى ايصال الهدية (دعوى كون دفعه إليه) اى دفع الشي ء- الهدية- الى الطفل (للايصال) الى المهدى إليه (إباحة او تمليكا).

اما المعاملة فتحتاج الى معلومية طرف المعاملة فمع الجهل به لا يكون المعاطاة (كما ذكر) بصيغة المجهول (ان اذن

ص: 271

الولى للصبى فى الاعارة اذن فى انتفاع المستعير.

و اما دخول الحمام، و شرب الماء و وضع الاجرة، و القيمة، فلو حكم بصحتها بناء على ما ذكرنا من حصول المعاطاة بمجرد المراضاة الخالية عن الانشاء انحصر صحة وساطة الصبى فيما يكفى فيه مجرد وصول العوضين دون ما لا يكفى فيه.

و الحاصل: ان دفع الصبى و قبضه، بحكم العدم.

______________________________

الولى للصبى فى الاعارة) بان يعير الشي ء لشخص (اذن فى انتفاع المستعير) و هذا القدر كاف فى جواز تصرف المستعير.

(و اما) تمثيل ما نحن فيه ب (دخول الحمام، و شرب الماء) و اخذ الخضر (و وضع الاجرة، و القيمة) فى المحل المعد لهما (فلو حكم بصحتها) مما هو معاملة فتكون معاملة الصبى من قبيلها، و الصحة (بناء على ما ذكرنا من حصول المعاطاة بمجرد المراضاة الخالية عن الانشاء،) اى عن إنشاء المعاملة (انحصر صحة وساطة الصبى) فى معاملاته (فيما) اى فى المورد الّذي (يكفى فيه) ب (مجرد وصول العوضين) لوجود السيرة، كالسيرة فى الحمام، و شرب الماء (دون ما لا يكفى فيه) فيما لم تجد السيرة فلا يمكن ان نقول: بصحة معاملات الصبى مطلقا، و ننظّرها بالحمام و شرب الماء.

(و الحاصل: ان دفع الصبى و قبضه، بحكم العدم) لعدم ترتيب الشارع الاثر عليه.

ص: 272

فكلما يكتفى فيه بوصول كل من العوضين الى صاحب الآخر- باىّ وجه اتفق- فلا يضرّ مباشرة الصبى لمقدمات الوصول.

ثم ان ما ذكر مختص بما اذا علم اذن شخص بالغ عاقل للصبى، وليا كان أم غيره.

و اما ما ذكره كاشف الغطاء اخيرا من صيرورة الشخص موجبا و قابلا.

ففيه أولا: ان تولى وظيفة الغائب، و هو من اذن للصغير، ان كان باذن منه.

______________________________

(فكلما يكتفى فيه بوصول كل من العوضين الى صاحب) العوض (الاخر- باى وجه اتفق-) الوصول (فلا يضرّ مباشرة الصبى لمقدمات الوصول) لانه بدون الصبى أيضا صحيح.

و كلما لا يكتفى فيه بمجرد الوصول، لم يصح توسط الصبى.

(ثم ان ما ذكر) هذا المحقق فى تصحيح معاملة الصبى- مقدمة الوصول فقط- و انما التعامل بين الولى و المشترى (مختص بما اذا علم اذن شخص بالغ عاقل للصبى، وليا كان، أم غيره).

اما اذا لم يعلم و احتمل استقلال الصبى، او اذن غير المالك ممن لا مدخلية لاذنه، فلا يأتى وجه الجواز المذكور.

(و اما ما ذكره كاشف الغطاء اخيرا من صيرورة الشخص) الطرف للصبى (موجبا و قابلا، ففيه) عدم استقامة ذلك.

اذ: يرد عليه (أولا ان تولى) المشترى (وظيفة) الولى (الغائب و هو من اذن)- بصيغة الماضى- (للصغير ان كان) هذا التولى (باذن منه) اى،

ص: 273

فالمفروض انتفائه.

و ان كان بمجرد العلم برضاه فالاكتفاء به فى الخروج عن موضوع الفضولى مشكل، بل ممنوع.

و ثانيا ان المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الاطفال النيابة عمن اذن للصبى.

ثم انه لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الآلية بالصبى، و لا بالاشياء الحقيرة، بل هو

______________________________

من ذلك الغائب (فالمفروض انتفائه) اذ: لم يأذن الولى للمشترى ان يتولى الايجاب من قبله.

(و ان كان) التولى (بمجرد العلم برضاه) فان المشترى يعلم ان الولى راض بان يتولى هو الايجاب من قبله (فالاكتفاء به) اى بالرضا المجرد (فى الخروج عن موضوع الفضولى مشكل، بل ممنوع).

اذ: الرضا لا يوجب وكالة، و لا بيعا، و لا ما اشبه.

الا ترى انه اذ: علمنا ان زيدا راض بالبيع لم يتحقق البيع، الا بعد اظهاره البيع بعقد او معاطاة.

(و ثانيا ان المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الاطفال النيابة عمن اذن للصبى) فلا يمكن تصحيح معاملاتهم الخارجية بهذا الوجه.

(ثم انه) لو كان المناط فى صحة معاملة الصبى كونه آلة، و ان الايجاب و القبول يقعان بين الولى و المشترى، ف (لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الآلية بالصبى، و لا بالاشياء الحقيرة، بل هو) اى التصحيح بسبب الآلية

ص: 274

جار فى: المجنون، و السكران، بل البهائم فى الامور الخطيرة.

اذ المعاملة اذا كانت فى الحقيقة بين الكبار، و كان الصغير آلة، فلا فرق فى الآلية بينه و بين غيره.

نعم: من تمسك فى ذلك بالسيرة، من غير ان يتجشم لا دخال ذلك تحت القاعدة، فله تخصيص ذلك الصبى، لانه المتيقن من موردها، كما ان ذلك مختص بالمحقرات.

______________________________

(جار فى المجنون و السكران، بل البهائم فى الامور الخطيرة) أيضا.

(اذ: المعاملة اذا كانت فى الحقيقة بين الكبار) الولى و المشترى (و كان الصغير آلة) مجردة (فلا فرق فى الآلية بينه) اى بين الصغير (و بين غيره) من المجنون و البهيمة.

(نعم: من تمسك فى ذلك) الجواز لمعاملة الصبيان (بالسيرة، من غير ان يتجشم) و يتعب (لادخال ذلك تحت القاعدة، فله تخصيص ذلك) الجواز (بالصبى، لانه المتيقن من موردها) اى مورد السيرة (كما ان ذلك مختص بالمحقرات) لان السيرة فيها فقط.

كما انا لو استدللنا بالآلية و الرواية لنا ذلك أيضا، لان الابتلاء فى المحقرات، و كذلك بالنسبة الى ما تقدم من الروايات.

ص: 275

«مسئلة» و من جملة شرائط المتعاقدين، قصدهما لمدلول العقد الّذي يتلفظان به.

و اشتراط القصد بهذا المعنى فى صحة العقد، بل فى تحقق مفهومه مما لا خلاف فيه، و لا اشكال، فلا يقع من دون قصد الى اللفظ، كما فى الغالط او الى المعنى لا بمعنى عدم استعمال اللفظ فيه بل بمعنى عدم تعلق ارادته و ان اوجد مدلوله بالانشاء كما فى الامر الصورى فهو شبيه الكذب فى الاخبار

______________________________

(مسئلة: و من جملة شرائط المتعاقدين، قصدهما لمدلول العقد الّذي يتلفظان به) فيما اذا جريا صيغة العقد، اما اذا تعاملا بالمعاطاة فاللازم قصدهما مدلول التعاطى فى المعاطاة، لان الفعل كالقول له الدلالة، فقد يراد به الدلالة، و قد لا تراد به.

(و اشتراط القصد بهذا المعنى فى صحة العقد) حكما (بل فى تحقق مفهومه) موضوعا، حيث لا يسمى عقدا اذا لم يكن قصد (مما لا خلاف فيه و لا اشكال، فلا يقع) العقد (من دون قصد الى اللفظ، كما فى الغالط) الّذي يريد التكلم بلفظ آخر، فيسبق لسانه فيتكلم بلفظ ثان (او) من دون القصد (الى المعنى- لا بمعنى عدم استعمال اللفظ فيه-) اى فى المعنى (بل بمعنى عدم تعلق ارادته) بالمعنى القصدى (و ان اوجد مدلوله بالانشاء كما فى الامر الصورى) فانه قصد اللفظ، و قصد استعماله فى معناه، لكنه لا يريد تحقق معناه خارجا (فهو) فى الانشاء (شبيه الكذب فى الاخبار) فان الكاذب قصد اللفظ و قصد المعنى، لكنه لا تحقق للمعنى فى الخارج-

ص: 276

كما فى الهازل، او قصد معنى يغاير مدلول العقد، بان قصد الاخبار او الاستفهام، او إنشاء معنى غير البيع مجازا، او غلطا، فلا يقع البيع، لعدم القصد إليه، و لا المقصود اذا اشترط فيه عبارة خاصة.

ثم انه ربما يقال: بعدم تحقق القصد فى عقد الفضولى، و المكره كما صرح به فى المسالك، حيث قال: انهما قاصدان الى اللفظ دون مدلوله

و فيه انه: لا دليل على اشتراط ازيد من القصد المتحقق فى صدق مفهوم العقد

______________________________

اخبارا- (كما فى الهازل) الّذي ينشأ العقد هزلا لا جدا (او قصد) مجرى لفظ العقد (معنى يغاير مدلول العقد بان قصد من الاخبار) عن الماضى فى قوله: بعتك، (او الاستفهام) بان قصد من: بعت،: هل بعت، (او إنشاء معنى غير البيع مجازا) كما لو قصد بيع المنابع (او غلطا) بان اراد ان يقول: وهبت، فقال: بعت، (فلا يقع) فى هذه الصور (البيع، لعدم القصد إليه، و لا) يقع (المقصود) الّذي جاء بلفظ البيع له غلطا او اشتباها (اذا اشترط فيه) اى فى المقصود (عبارة خاصة) فاذا قال: بقصد النكاح: بعت لم يقع البيع، لعدم القصد إليه، و لا يقع النكاح: المقصود، لاشتراط النكاح بعبارة خاصة هى لفظ انكحت- مثلا-.

(ثم انه ربما يقال: بعدم تحقق القصد فى عقد الفضولى، و المكره) بالفتح (كما صرح به) اى بعدم القصد فيهما (فى المسالك، حيث قال:

انهما قاصدان الى اللفظ) فقط (دون مدلوله، و فيه انه: لا دليل على اشتراط ازيد من القصد المتحقق فى صدق مفهوم العقد) اما قصد كونه

ص: 277

مضافا الى ما سيجي ء فى ادلة الفضولى.

و اما معنى ما فى المسالك، فسيأتى فى اشتراط الاختيار.

و اعلم: انه ذكر بعض المحققين ممّن عاصرناه، كلاما فى هذا المقام فى انه هل يعتبر تعيين المالكين الذين يتحقق النقل و الانتقال بالنسبة إليهما أم لا؟.

و ذكران فى المسألة اوجها و اقوالا.

______________________________

هو المالك او قصد انه يعقد بالاختيار او اشتراط تحققهما- اى الملك و الاختيار- فى تحقق المفهوم، فلا (مضافا الى ما سيجي ء فى ادلة الفضولى) من صحة عقده و كيف يصح عقد لا قصد فيه؟

(و اما معنى ما فى المسالك فسيأتى فى اشتراط الاختيار) فى العقد، فان كلام المالك ليس على ظاهره- كما زعم- فاشكل عليه بما ذكرناه.

(و اعلم انه ذكر بعض المحققين ممن عاصرناه، كلاما فى هذا المقام) اى فى باب القصد (فى انه هل يعتبر تعيين المالكين الذين يتحقق النقل و الانتقال بالنسبة إليهما) اى الّذي ينتقل إليه السلعة و الّذي ينتقل إليه النقد (أم لا؟) يعتبر التعيين.

(و ذكران فى المسألة اوجها و اقوالا).

الاشتراط مطلقا.

و عدم الاشتراط مطلقا.

و الاشتراط فى صورة قصد احدهما الى خصوصية الطرف، مثلا: اذا قصد البائع انتقال ملكه الى زيد، لا الى غيره لا يصح ان يشتريه زيد، و

ص: 278

و ان المسألة فى غاية الاشكال، و انه قد اضطربت فيها كلمات الاصحاب قدس اللّه ارواحهم فى تضاعيف ابواب الفقه.

ثم قال: و تحقيق المسألة انه: ان توقف تعين المالك على التعيين حال العقد، لتعدد وجه وقوعه الممكن شرعا اعتبر تعيينه فى النية او مع اللفظ به أيضا كبيع الوكيل و الولى العاقد عن اثنين فى بيع واحد، و الوكيل عنهما و الولى عليهما فى البيوع المتعددة

______________________________

وكالة عن خالد.

و عدم الاشتراط فى صورة عدم القصد.

(و ان المسألة فى غاية الاشكال، و انه قد اضطربت فيها كلمات الاصحاب قدس اللّه ارواحهم) معنى تقديس الروح تنزيهه عن الشوائب الموجبة لتعذيبه (فى تضاعيف ابواب الفقه) اى اثنائه.

(ثم قال: و تحقيق المسألة انه ان توقف تعين المالك على التعيين حال العقد، لتعدد وجه وقوعه) اى وجه وقوع العقد (الممكن شرعا) ذلك التعدد (اعتبر تعيينه) اى المالك (فى النية) و القصد (او مع اللفظ به) اى يتلفظ به المالك (أيضا) اى بالإضافة الى النية، اذ لا يصح اللفظ بدون النية (كبيع الوكيل، و الولى العاقد عن اثنين فى بيع واحد و) ذلك فيما كان (الوكيل) وكيلا (عنهما و الولى عليهما) اى على المولى عليهما (فى البيوع المتعددة) مثلا كان زيد وكيلا عن خالد و بكر، لاشتراء دار لهذا و دار لهذا، فاشترى دارا واحدة لاحدهما، فانه يشترط ان يقصد انها لخالد او لبكر، و كذلك فيما اذا كان زيد وليا لطفلين، و اشترى شيئا لاحدهما

ص: 279

فيجب ان يعين من يقع له البيع او الشراء من نفسه، او غيره، و ان يميز البائع من المشترى، اذا امكن الوصفان فى كل منهما، فاذا عين جهة خاصة تعينت، و ان اطلق فان كان هناك

______________________________

فانه يشترط ان يقصد كون الاشتراء لهذا الطفل، او ذاك الطفل.

ثم لا يخفى: انما شرحنا عبارة الكتاب بحيث يكون قوله: و الوكيل الخ، من تتمة قوله: كبيع الوكيل، و يحتمل فى العبارة كون: و الوكيل، جملة مستقلة، لكن ما ذكرناه اظهر.

و على كل حال (فيجب ان يعين) الوكيل و الولى (من يقع له البيع او الشراء من نفسه، او غيره).

فاذا كان للوكيل دار، و لموكله دار، و قال: بعتك الدار، لزم ان يقصد دار نفسه، او دار موكله،

و كذلك اذا اراد شراء دار لنفسه و شراء دار لموكله، فقال: للبائع اشتريت الدار، لزم ان يقصد كون الاشتراء لنفسه او لموكله.

و كذلك فى الولى (و ان يميز البائع من المشترى اذا امكن الوصفان) اى وصف البائعية و المشتريئية (فى كل منهما) كما لو اراد بيع دار موكله زيد، بدار لموكله الآخر خالد، فانه اذا قال: هذه الدار فى مقابل تلك بيعا، لم يتميزان ايّهما البائع، و ايّهما المشترى، لصلاحية كل منهما لذلك،

و كون الانسان بائعا او مشتريا ينتج فى خيار الحيوان و نحوه، فان خيار الحيوان للمشترى فقط على المشهور (فاذا عين جهة خاصة تعينت) لان الامر بيده و القصد قصده (و ان اطلق) و لم يعين (فإن كان هناك

ص: 280

جهة يصرف إليها الاطلاق، كان كالتعيين، كما لو دار الامر بين نفسه، و بين غيره اذا لم يقصد الابهام، و التعيين بعد العقد. و الّا وقع العقد لاغيا

و هذا جار فى سائر العقود من: النكاح، و غيره.

و الدليل على اشتراط التعيين، و لزوم متابعته فى هذا القسم انه لو لا ذلك لزم بقاء الملك بلا مالك معين فى نفس الامر.

______________________________

جهة يصرف إليها الاطلاق، كان كالتعيين) و ذلك (كما لو دار الامر بين نفسه و بين غيره) فان الاطلاق منصرف الى نفسه.

و كذلك اذا كان وكيلا من اثنين، و كان احدهما هو الموكل.

العمدة الّذي ينصرف إليه، اطلاق اشترائه لموكله.

و لكن يشترط كون المنصرف هو مقصوده أيضا و لو اجمالا، بان يقصد ما يفهم العرف من عقده، و الا لم ينفع الانصراف كما لا يخفى.

فان الانصراف معتبر (اذا لم يقصد الابهام، و) يقصد (التعيين بعد العقد) بان يقول: انما اعقد الآن، ثم اعين هل البيع لنفسى او لموكلى؟

(و الّا) بان قصد الابهام (وقع العقد لاغيا) و ذلك لعدم صدق العقد.

(و هذا) الّذي ذكرناه، من لزوم التعيين فى البيع (جار فى سائر العقود من: النكاح، و غيره) فاذا انكح الزوجة، يلزم تعيين كونها لمن؟ و كذلك العكس.

(و الدليل على اشتراط التعيين، و لزوم متابعته) اى اتباع ما عينه (فى هذا القسم) من البيع، القابل الانطباق على المتعدد.

(انه لو لا ذلك) التعيين (لزم بقاء الملك بلا مالك معين فى نفس الامر)

ص: 281

و ان لا يحصل الجزم بشي ء من العقود التى لم يتعين فيه العوضان و لا بشي ء من الاحكام و الآثار المترتبة على ذلك.

و فساد ذلك ظاهر.

______________________________

لانه حين لم يقصد هذا الموكل، و لا ذاك الموكل، فان خرج الملك من البائع؟ لم يكن لهذا و لا ذاك، اذ: لم يقصد احدهما، و لا لكليهما لانه قصد الواحد دون الاثنين، فيبقى بلا مالك.

(و ان لا يحصل الجزم بشي ء من العقود التى لم يتعين فيه العوضان) هذه الجملة بالنسبة الى ما ذكره بقوله: و ان يميز البائع من المشترى، فانه اذا لم يعلم من البائع و من المشترى؟- فيما لو عاوض حيوانا بسلعة لزم ان لا يجزم بالعقد، و ان يكون مرددا بين ان يكون مالك الحيوان البائع، او مالك السلعة البائع.

و عدم الجزم خلاف المستفاد من الادلة على كون احكام العقود انما هى فى البائع و المشترى.

و الظاهر: ان مراده بعدم الجزم، عدم التعين واقعا، لان التعين يتبع التعيين.

(و) يلزم ان (لا) يحصل الجزم (بشي ء من الاحكام و الآثار المترتبة على ذلك) التعيين، فمثلا ايهما له الخيار فى بيع الحيوان؟

(و فساد ذلك) المحذور الّذي بيّنه من قوله: لو لا ذلك، الى قوله:

على ذلك (ظاهر) لانه خلاف العقد العقلائى المتعارف الّذي يشمله دليل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

ص: 282

و لا دليل على تأثير التعيين المتعقب، و لا على صحة العقد المبهم، لانصراف الادلة الى الشائع المعروف من الشريعة، و العادة، فوجب الحكم بعدمه.

و على هذا فلو اشترى الفضولى لغيره فى الذمة، فان عين ذلك الغير تعين، و وقف على اجازته، سواء تلفّظ بذلك، أم نواه؟ و ان ابهم

______________________________

(و) ان قلت: لا بأس بان يعين بعد تمام العقد فلا يضر الاجمال و الاهمال و الابهام حال العقد.

قلت: (لا دليل على تأثير التعيين المتعقب) فالاصل عدمه (و لا) دليل (على صحة العقد المبهم، لانصراف الادلة) الدالة على الوفاء بالعقد، و على اصالة صحة العقد (الى الشائع المعروف من الشريعة، و العادة) و ليس على ما سواه دليل، (فوجب الحكم بعدمه) كما لو باع سلعته فضولا من انسان، ثم اذا جاء شخص قال له: هل انت تقبل هذا البيع؟ او زوج بنته لانسان مجهول ثم اذا جاء رجل قال له: هل انت تقبل ان تكون زوجا؟ و هكذا.

(و على هذا) الّذي ذكرنا من اشتراط التعيين (فلو اشترى الفضولى لغيره فى الذمة) كما لو اشترى زيد دار الانسان بذمة ذلك الانسان الف دينار فى مقابل الدار (فان عين ذلك الغير) بان قال: اشتريت الدار لمحمد (تعين) محمد لكونه المشترى- فضولة- (و وقف) البيع (على اجازته) لكونه فضوليا (سواء تلفظ بذلك) التعيين (أم نواه) فى قلبه (و ان ابهم) بان اشتراها لانسان ما،

ص: 283

مع قصد الغير بطل و لا يوقف الى ان يوجد له مجيز.

الى ان قال و ان لم يتوقف تعين المالك على التعيين حال العقد بان يكون العوضان معينين، و لا يقع العقد فيهما على وجه يصح الا لمالكهما.

ففى وجوب التعيين، او الاطلاق المنصرف إليه، او عدمه مطلقا، او

______________________________

(مع قصد الغير) بان قصد كون الدار مشتراة لانسان، فى مقابل ما اذا قصد اشتراء الدار المنصرف الى كونها لنفسه (بطل) البيع (و لا يوقف) البيع (الى ان يوجد له مجيز) لما عرفت من بطلان غير المعين، و ان تعين بعد ذلك.

(الى ان قال) ذلك المحقق: يشترط تعيين المالكين (و ان لم يتوقف تعين المالك على التعيين) من العاقد (حال العقد) و يتصور عدم التوقف (بان يكون العوضان معينين، و) كان بحيث (لا يقع العقد فيهما) اى فى العوضين (على وجه يصح، الا لمالكهما) لعله فى قبال ما يصح العقد لغير المالك أيضا، كما اذا اذن المالك ان يعقد زيد على ملك المالك لنفس زيد، و قلنا: بصحة ذلك، بان يدخل العوض فى ملك من لم يخرج المعوض عن ملكه- و ان ادعى الشيخ ره سابقا عدم امكان ذلك- فتأمل.

(ففى وجوب التعيين) المالكين (او) كفاية (الاطلاق المنصرف إليه) اى الى التعيين (او عدمه) اى عدم كل من التعيين و الاطلاق فلا حاجة الى التعيين، و لا الى الاطلاق المنصرف، بل يكفى الاطلاق و ان لم يكن منصرفا (مطلقا) فى قبال التفصيل الآتى (او

ص: 284

التفصيل بين التصريح بالخلاف فيبطل، و عدمه فيصح اوجه، أقواها الاخير، و اوسطها الوسط، و اشبهها للاصول، الاولى

و فى حكم المعين ما اذا عين المال

______________________________

التفصيل بين التصريح بالخلاف) كان يقول: بعت هذا الكتاب الّذي لزيد عن عمرو، (فيبطل) العقد لان ما يصح لم يقصده، و ما قصده لا يصح (و عدمه) اى عدم التصريح بالخلاف (فيصح).

و لا يخفى ان القول بالصحة مطلقا يقول بالصحة حتى مع التصريح بالخلاف، لانه يرى ان قول العاقد: عن عمرو، فى المثال، زائد لا يخل بالعقد،

فحاله حال ما اذا باع زيد ماله يوم السبت، و قال: ابيعك هذا اليوم فى هذا اليوم و هو يوم الجمعة، فان قوله: يوم الجمعة، زائد لا يضر بالمعاملة (اوجه، أقواها الاخير) لان التصريح بالخلاف تقييد موجب للبطلان، لان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، (و اوسطها) فى القوة و الضعف (الوسط) اى ما اشار إليه بقوله: او عدمه، و ذلك لانه لا يشترط المالكان فى العقد و انما المهم العوضان، لانهما ركنا العقد- هذا الجانب الصحة-

و اما وجه الفساد: لان العقود تتبع القصود، و حيث لا قصد و امكن كل من الصحة عن المالك، و البطلان عن غير المالك، لم يكن وجه للصحة (و اشبهها للاصول، الاولى) و هو ما اشار إليه بقوله: وجوب التعيين او الاطلاق المنصرف إليه، لان التعيين او الاطلاق المنصرف هو المتعارف من العقود و إليه ينطبق: اوفوا بالعقود.

(و فى حكم المعين ما اذا عين المال) و ان لم يكن العوض معينا

ص: 285

بكونه فى ذمة زيد- مثلا-

و على الاوسط لو باع مال نفسه عن الغير وقع عنه، و لغى قصد كونه عن الغير.

و لو باع مال زيد عن عمرو، فإن كان وكيلا عن زيد صح عنه.

و الا وقف على اجازته.

و لو اشترى لنفسه بمال فى ذمة زيد، فان لم يكن وكيلا عن زيد، وقع عنه و تعلق المال بذمته، لا عن زيد ليقف على اجازته

______________________________

خارجا (بكونه فى ذمة زيد، مثلا) فانه تعيين للعوض الخاص و ان لم يكن عينا خارجية.

(و على الاوسط) اى عدم اشتراط التعيين مطلقا، لا لفظا و لا انصرافا (لو باع مال نفسه عن الغير) مثلا ما لو كانت الدار لزيد، فقال لخالد:

بعتك هذه الدار عن بكر، (وقع عنه) اى عن نفس المالك (و لغى قصد كونه عن الغير) لانه غير قابل.

(و لو باع) خالد (مال زيد عن عمرو) ليدخل العوض فى كيس عمرو (فان كان وكيلا عن زيد صح) البيع (عنه) اى عن الموكل، لا عن: عمرو.

(و الا) يكن البائع وكيلا عن زيد (وقف) البيع (على اجازته) اى اجازة زيد، لان البيع وقع فضوليا.

(و لو اشترى) خالد (لنفسه بمال فى ذمة زيد، فان لم يكن وكيلا عن زيد، وقع) البيع (عنه) اى عن نفس خالد (و تعلق المال بذمته، لا عن زيد) فالبيع منجز، لا فضولى (ليقف على اجازته) اى اجازة زيد، او

ص: 286

و ان كان وكيلا، فالمقتضى لكل من العقدين منفردا موجود، و الجمع بينهما يقتضي الغاء احدهما، و لما لم يتعين، احتمل البطلان للتدافع.

و صحته عن نفسه، لعدم تعلق الوكالة بمثل هذا الشراء، و ترجيح جانب الاصالة.

و عن الموكل،

______________________________

اجازة نفس البائع-

و عليه فقول البائع: بمال فى ذمة زيد، لغو.

(و ان كان) البائع (وكيلا) عن زيد (فالمقتضى لكل من العقدين) فان قوله: قبلت البيع لنفسى: على مال فى ذمة زيد، بمنزلة عقدين: عقد نفسه.

و: عقد على ذمة زيد، و الاول اصالة، و الثانى وكالة و حيث لا يمكن الجمع بين هذين العقدين نقول المقتضى لكل منهما (منفردا) لا مجتمعا مع الآخر (موجود) لانه اتى بهما فى قبوله (و الجمع بينهما) اى بين العقدين فى صيغة القبول (يقتضي الغاء احدهما) لعدم امكان الجمع بان يكون المال للعاقد و لزيد معا ملكا مستقلا لكل واحد منهما (و لما لم يتعين) احدهما لعدم اولوية هذا العقد من ذاك (احتمل البطلان) للبيع، اطلاقا (للتدافع) بين المقتضيين

(و) احتمل (صحته) اى العقد (عن نفسه) و بطلان قوله: على مال زيد، (لعدم تعلق الوكالة بمثل هذا الشراء) الّذي جمع العاقد نفسه الى موكله فى القبول (و) ل (ترجيح جانب الاصالة) فان النفس مقدم على الغير، اذ: الاصالة حاصلة تكوينا، و الوكالة طارئة.

(و) احتمل صحة العقد (عن الموكل) فالبيع له، دون نفس العاقد

ص: 287

لتعين العوض فى ذمة الموكل فقصد كون الشراء لنفسه لغو، كما فى المعين

و لو اشترى عن زيد بشي ء فى ذمته فضولا و لم يجز فاجاز عمرو لم يصح عن احدهما.

و قس على ما ذكر: حال ما يرد من هذا الباب.

و لا فرق على الاوسط فى الاحكام المذكورة بين النية المخالفة و التسمية

______________________________

(لتعين العوض فى ذمة الموكل) لان العاقد قال: فى ذمة زيد، (فقصد كون الشراء لنفسه لغو) و ذلك (كما فى المعين)- اى غير الذمى- كما لو قال: اشتريت هذه السلعة بهذه العين الخارجية التى هى لزيد، لنفسى، فكما ان لفظة: لنفسى، باطلة، كذلك فيما اذا كان المال: فى ذمة زيد، لا عينا خارجية.

(و لو اشترى عن زيد) الغائب بان صار زيد بائعا (بشي ء فى ذمته) اى ذمة نفسه (فضولا و لم يجز) بان صار الامر متوقفا على اجازة زيد (فاجاز عمرو) البيع بان تخرج السلعة عن ملك عمرو، فى مقابل الثمن الّذي يخرج عن مال البائع (لم يصح عن احدهما) اما عن زيد فلانه لم يجز، و اما عن عمرو، فلانه لم يكن طرف المعاملة.

(و قس على ما ذكر، حال ما يرد من هذا الباب) من الفروع.

(و لا فرق على) الاحتمال (الاوسط) و هو قوله: او عدمه مطلقا (فى الاحكام المذكورة) مثل قوله: و على الاوسط لو باع مال نفسه، (بين النية المخالفة) كان يبيع مال نفسه بنية: كونه عن الغير، (و التسمية) كما لو قال: ابيع مال نفسى عن زيد.

ص: 288

و يفرق بينهما على الاخير، و يبطل الجميع على الاول انتهى كلامه

اقول مقتضى المعاوضة، و المبادلة، دخول كل من العوضين فى ملك مالك الآخر.

و الا لم يكن كل منهما عوضا، و بدلا.

و على هذا فالقصد الى العوض و تعيينه يغنى عن تعيين المالك.

______________________________

(و يفرق بينهما على) الاحتمال (الاخير) و هو: التفصيل بين التصريح بالخلاف فيبطل، و عدمه فيصح (و يبطل الجميع على) الاحتمال (الاول) و هو وجوب التعيين، او الاطلاق المنصرف إليه، لانه اذا نوى الخلاف، او صرح بالخلاف لا تعيين، و لا انصراف (انتهى كلامه) اى كلام بعض المحققين ممن عاصرناه.

(اقول مقتضى المعاوضة) و كون شي ء عوضا عن شي ء آخر (و المبادلة) و كون شي ء بدلا عن آخر (دخول كل من العوضين فى ملك مالك) العوض (الآخر) فتدخل السلعة فى ملك مالك الثمن- كعلىّ- و يدخل الثمن فى ملك مالك السلعة- كمحمّد-

(و الّا) يدخل كل واحد فى ملك مالك الآخر (لم يكن كل منهما عوضا، و بدلا) و اذا انتفت المعاوضة انتفى البيع، لانه مبادلة مال بمال.

(و على هذا) المعيار (فالقصد الى العوض و تعيينه) بان يقصد البائع: هذا عوض ذاك، (يغنى عن تعيين المالك) لانه لا ركنية للمالك.

نعم فى النكاح الركن هو الزوج و الزوجة

ص: 289

الا ان ملكية العوض، و ترتب آثار الملك عليه قد يتوقف على تعيين المالك

فان من الاعواض، ما يكون متشخّصا بنفسه فى الخارج كالاعيان.

و منها ما لا يتشخص الا باضافته الى مالك، كما فى الذمم لان ملكية الكلى لا تكون الا مضافا الى ذمة.

و اجراء احكام الملك على ما فى ذمة الواحد المردّد بين شخصين فصاعدا

______________________________

(الا ان ملكية العوض، و ترتب آثار الملك عليه، قد يتوقف على تعيين المالك) لان العوض لا يتعين الا بالإضافة الى المالك الخاص.

و ذلك (فان من الاعواض) جمع عوض (ما يكون متشخصا بنفسه فى الخارج كالاعيان) الخارجية فلا تحتاج- حال المبادلة- الى الاضافة الى مالكها.

(و منها) اى من الاعواض (ما لا يتشخص الا باضافته الى مالك) ما (كما فى الذمم) مثلا هذا الدينار الخارجى له مالك خاص، اما: دينار، كلى، ليس له مالك خاص، الا اذا اضيف الى ذمة شخص خاص (لان ملكية الكلى) اى تحقق الملكية، فى الامر الكلى (لا تكون الا مضافا) و منسوبا (الى ذمة) خارجية.

(و) ان قلت: لا حاجة الى الاضافة الى ذمة خارجية، فانه يكفى الاضافة الى ذمة ما، فاذا قال: بعت هذا بدينار فى ذمة ما، ثم قبله لزيد كان البيع لزيد.

قلت: (اجراء احكام الملك على ما فى ذمة الواحد المردد بين شخصين فصاعدا) كثلاثة اشخاص، و أربعة، فالدينار الكلى فى ذمة ما

ص: 290

غير معهود.

فتعين الشخص فى الكلى، انما يحتاج إليه لتوقف اعتبار ملكية ما فى الذمم على تعيين صاحب الذمة.

فصح على ما ذكرنا: ان تعيين المالك مطلقا غير معتبر، سواء فى العوض المعين، او فى الكلى، و ان اعتبار التعيين فيما ذكره من الامثلة فى الشق الاول من تفصيله انما هو لتصحيح ملكية العوض بتعيين من يضاف الملك إليه، لا لتوقف المعاملة على تعيين ذلك الشخص- بعد

______________________________

له مالية، و قابلة لكونه ثمنا (غير معهود) فلا يشمله اطلاق: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

(فتعين الشخص) المضاف إليه: دينار، (فى الكلى، انما يحتاج إليه) اى الى الشخص (لتوقف اعتبار ملكية ما فى الذمم على تعيين صاحب الذمة) اذ: لو لا التعيين، لم تحصل الملكية التى هى ملاك المعاملة.

و على هذا ففى الكلى أيضا لا حاجة الى تعيين المالك فى المبادلة و انما الحاجة إليه لاجل توقف الملكية عليه.

(فصح على ما ذكرنا ان تعيين المالك) فى باب المعاملة (مطلقا) فسره بقوله: سواء، (غير معتبر، سواء) كان (فى العوض المعين، او فى) العوض (الكلى، و ان اعتبار التعيين فيما ذكره) هذا المحقق (من الامثلة فى الشق الاول من تفصيله) و هو اعتبار وجوب التعيين، او الاطلاق المنصرف إليه (انما هو لتصحيح ملكية العوض) الملكية الحاصلة (بتعيين من يضاف الملك إليه) اذ: لو لا الاضافة، لم يمكن ملك اصلا. (لا لتوقف المعاملة على تعيين ذلك الشخص- بعد

ص: 291

فرض كونه مالكا-.

فان من اشترى لغيره فى الذمة اذا لم يعين الغير لم يكن الثمن ملكا لان ما فى الذمة اذا لم يضف الى شخص معين، لم يترتب عليه احكام المال، من جعله ثمنا او مثمنا.

و كذا الوكيل، او الولى العاقد عن اثنين فانه اذا جعل العوضين فى الذمة، بان قال: بعت عبدا بالف، ثم قال: قبلت، فلا

______________________________

فرض كونه مالكا-) فانه لو لا الاضافة، لا ملك و لا مالك، لا انه يكون هناك ملك و مالك، و انما يحتاج المعاملة الى التعيين.

(فان من اشترى لغيره فى الذمة) بان اشترى زيد سلعة لانسان، بان يكون ثمنها فى ذمة ذلك الانسان (اذا لم يعين الغير) لفظا و لا قصدا (لم يكن الثمن ملكا) فلا يحصل الاشتراء اصلا (لان ما فى الذمة اذا لم يضف الى شخص معين لم يترتب عليه) اى على ما فى الذمة (احكام المال، من جعله ثمنا او مثمنا).

فكما لا يصح بيع داره بالف دينار فى ذمة ما، كذلك لا يصح اشتراء دار ما موصوفة بالف دينار عنده، لان: الألف، فى الاول و: الدار، فى الثانى، ليسا بمالين، اذا لم يكن لهما مالك خاص.

(و كذا الوكيل، او الولى العاقد عن اثنين) بان و كله كل واحد منهما بان يشترى عبدا له بالف، و يبيع عبدا له بالف (فانه اذا جعل العوضين فى الذمة، بان قال: بعت عبدا بالف) و لم يعين هل المراد عبد زيد، و الف عمرو، او العكس؟ (ثم قال: قبلت) لا يتحقق العقد (فلا

ص: 292

يصير العبد قابلا للبيع، و لا الألف قابلا للاشتراء به، حتى يسند كلا منهما الى معين، او الى نفسه من حيث انه نائب عن ذلك المعين، فيقول: بعت عبدا من مال فلان، بالف من مال فلان، فيمتاز البائع عن المشترى.

و اما ما ذكره من الوجوه الثلاثة فيما اذا كان العوضان معينين.

فالمقصود اذا كان هى: المعاوضة الحقيقة التى قد عرفت ان من لوازمها العقلية، دخول العوض فى ملك

______________________________

يصير العبد قابلا للبيع، و لا الألف قابلا للاشتراء به) اى بكونه ثمنا (حتى يسند كلا منهما الى معين) كان يقول:- او ينوى- عبد زيد بالف عمرو او عبد عمرو بالف زيد (او الى نفسه) كان يقول: عبدى بالف زيد، او عبد زيد بالف عن نفسى (من حيث انه نائب عن ذلك المعين): من حيث، متعلق ب: الى معين (فيقول: بعت عبدا من مال فلان، بالف من مال فلان، فيمتاز البائع عن المشترى) او عبدا من مالى بالف من مال فلان او عبدا من مال فلان بالف من مالى.

و بهذا كله تحقق ان اشتراط التعيين فى كلام المحقق صحيح.

لكنه لا لما ذكره، بل لعدم تحقق المالية فى الكلى الّذي لم يضف الى احد.

(و اما ما ذكره من الوجوه الثلاثة) اى وجوب التعيين، او عدمه، او التفصيل (فيما اذا كان العوضان معينين) لا كليين.

(فالمقصود اذا كان هى المعاوضة الحقيقة التى قد عرفت ان من لوازمها العقلية) حتى يتحقق صدق المعاوضة (دخول العوض فى ملك

ص: 293

مالك المعوض تحقيقا لمفهوم العوضية و البدلية، فلا حاجة الى تعيين من ينقل عنهما و إليهما العوضان.

و اذا لم يقصد المعاوضة الحقيقية، فالبيع غير منعقد، فان جعل العوض من عين مال غير المخاطب الّذي ملّكه المعوض، فقال: ملكتك فرسى هذا بحمار عمرو، فقال المخاطب: قبلت، لم يقع البيع لخصوص المخاطب، لعدم مفهوم المعاوضة معه.

______________________________

مالك المعوض) و ذلك (تحقيقا) اى لاجل ان يتحقق (لمفهوم العوضية و و البدلية، فلا حاجة الى تعيين من ينقل عنهما و إليهما العوضان) اى البائع و المشترى.

اذ: قد عرفت ان الركن فى المعاوضة تعيين العوضين، لا المالكين نعم: فى النكاح الركن تعيين المالكين.

(و اذا لم يقصد المعاوضة الحقيقية فالبيع غير منعقد) اصلا، فلا حاجة الى التعيين.

و الحاصل ان الاوجه الثلاثة، لا وجه لها على كلا التقديرين (فان جعل العوض) و الثمن (من عين مال غير المخاطب) الّذي هو طرف البيع، المخاطب (الّذي ملّكه) المتكلم (المعوض فقال:) للمخاطب (ملكتك فرسى هذا بحمار عمرو، فقال المخاطب: قبلت) حيث خرج من كيس عمرو الحمار، بدون ان يدخل فى كيسه شي ء و دخل فى كيس المخاطب الفرس، بدون ان يخرج من كيسه شي ء.

فعليه (لم يقع البيع لخصوص المخاطب، لعدم مفهوم المعاوضة معه) اذ: لم

ص: 294

و فى وقوعه اشتراء فضوليا لعمرو كلام يأتى.

و اما ما ذكره من مثال: من باع مال نفسه عن غيره.

فلا اشكال فى عدم وقوعه عن غيره، و الظاهر وقوعه عن البائع، و لغوية قصده عن الغير، لانه امر غير معقول، لا يتحقق القصد إليه حقيقة، و هو: معنى لغويته.

و لذا

______________________________

يخرج من كيسه شي ء (و فى وقوعه) اى البيع (اشتراء فضوليا لعمرو) بان يكون كاف: ملكتك، لغوا، و انما يبدل الفرس بالحمار، فاذا خرج الحمار عن كيس عمرو دخل الفرس فى كيسه (كلام يأتى) من حيث احتمال عدم الفضولية، لان عمرو أ ليس مقصودا بالمعاملة، و احتمال الفضولية، لان مقتضى التبديل بماله، كونه طرف المعاملة فضوليا.

(و اما ما ذكره من مثال: من باع مال نفسه عن غيره) كان يقول: بعتك فرسى عن زيد فى مقابل حمارك، حتى يدخل الحمار فى كيس زيد، لا فى كيس صاحب الفرس.

(فلا اشكال فى عدم وقوعه عن غيره) كزيد فى المثال (و الظاهر وقوعه عن البائع) فيدخل الحمار فى ملك العاقد الّذي هو صاحب الفرس (و لغوية قصده) اى البائع (عن الغير) كزيد (لانه) اى كونه عن الغير (امر غير معقول، لا يتحقق القصد إليه حقيقة، و هو) اى عدم تحقق القصد حقيقة (معنى لغويته) فان ما لا يقصد لغو.

(و لذا) الّذي ذكرنا من عدم معقولية المبادلة، اذا خرج المعوض

ص: 295

لو باع مال غيره عن نفسه، وقع للغير، مع اجازته كما سيجي ء، و لا يقع عن نفسه ابدا.

نعم لو ملكه، فاجاز، قيل بوقوعه له، لكن لا من حيث ايقاعه أولا لنفسه فان القائل به لا يفرق حينئذ بين بيعه عن نفسه او عن مالكه فقصد وقوعه

______________________________

من كيس غير من دخل العوض فى كيسه (لو باع مال غيره عن نفسه) كما لو قال: بعتك دار زيد عن نفسى، حتى يدخل ثمن الدار فى كيس البائع لا فى كيس زيد (وقع) البيع (للغير، مع اجازته) اى اجازة ذلك الغير، فالدار تخرج عن ملك زيد ليدخل المثمن فى ملكه (كما سيجي ء) الكلام فيه لانه باع داره فضولة فاذا اجاز صاحب الدار جاز البيع.

اما قول البائع: عن نفسى، فذلك لغو، لانه غير معقول كما مر مرارا (و لا يقع) البيع (عن نفسه) نفس البائع (ابدا)، و قطعا.

(نعم لو ملكه) اى ملك المالك ما باعه عن نفسه، كما لو باع فرس زيد عن نفسه، فملك زيد الفرس للبائع (فاجاز) البائع- بعد تملكه الفرس- البيع الّذي اوقعه سابقا (قيل بوقوعه) البيع (له) اى لنفسه (لكن لا من حيث ايقاعه أولا) البيع (لنفسه) بل هو من قبيل: من باع ثم ملك، (فان القائل به) اى بوقوع البيع- بعد تمليك المالك المتاع المباع للبائع- (لا يفرق حينئذ) اى حين تمليك المالك السلعة للبائع (بين بيعه عن نفسه) بان باع أولا فرس زيد عن نفسه (او عن مالكه) فضولة.

و على كل حال (فقصد) البائع- غير المالك- (وقوعه) اى البيع

ص: 296

عن نفسه لغو دائما، و وجوده كعدمه.

الا ان يقال: ان وقوع بيع مال نفسه لغيره انما لا يعقل اذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقية، لم لا يجعل؟ هذا قرينة على عدم ارادته من البيع المبادلة الحقيقية.

او على تنزيل الغير منزلة نفسه فى مالكية

______________________________

(عن نفسه لغو دائما) سواء اجاز المالك البيع، و حينئذ يكون البيع للمالك، او ملك المالك البائع السلعة ثم اجاز البائع ما باعه أولا، و حينئذ يكون البيع للبائع، لكن بعد تحقق تملكه (و وجوده) اى: عن نفسه، (كعدمه) لا ينفع فى الصورتين.

ثم حيث تصورنا امكان وقوع البيع عن المالك البائع فى مثال: بعتك فرسى عن زيد، اراد المصنف نفى هذا التصور، و ان البيع باطل اطلاقا، فلا يمكن ان نصححه عن نفس البائع أيضا.

فقال: (الا ان يقال: ان وقوع بيع مال نفسه لغيره) اى عن غيره (انما لا يعقل اذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقية) لما عرفت من لزوم التبادل فى العوضين.

لكن (لم لا يجعل هذا؟) اى قوله: عن زيد، (قرينة على عدم ارادته من البيع، المبادلة الحقيقية) و انما يريد ان يقول للمخاطب:

اعطيك فرسى لتعطى حمارك لزيد، و هذا ليس بيعا، و لا يترتب عليه احكام البيع.

(او) يحمل (على تنزيل الغير) كزيد فى المثال (منزلة نفسه فى مالكية

ص: 297

المبيع كما سيأتى: ان المعاوضة الحقيقية فى بيع الغاصب لنفسه، لا يتصور الا على هذا الوجه.

و حينئذ فيحكم ببطلان المعاملة، لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقى.

و من هنا ذكر العلامة و غيره فى عكس المثال المذكور انه لو قال المالك

______________________________

المبيع) كالفرس فى المثال- و هذا أيضا باطل، اذ ليس غير المالك مالكا و ان نزل منزلة المالك (كما سيأتى) مثل هذا التنزيل- عكسيا- (ان المعاوضة الحقيقية فى بيع الغاصب لنفسه، لا يتصور الا على هذا الوجه) اى تنزيل الغاصب نفسه منزلة المالك.

ففى ما نحن فيه ينزل المالك نفس زيد، منزلة المالك، و فى بيع الغاصب ينزل الغاصب نفسه منزلة المالك، و فى الاول يجعل مال نفسه كانه مال غيره، و فى الثانى يجعل مال غيره كانه مال نفسه.

(و حينئذ) اى حين التنزيل المذكور (فيحكم ببطلان المعاملة، لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقى) و المالك التنزيلى لا ينفع فى صحة المعاوضة، اذ: التنزيل لا يجعل غير المالك مالكا، سواء فى بيع مال نفسه عن زيد، او فى بيع الغاصب مال زيد عن نفسه.

(و من هنا) الّذي ذكرنا انه لا يصح بيع المال عن الغير- بالتنزيل- (ذكر العلامة و غيره فى عكس المثال المذكور) المثال المذكور هو بيع الانسان مال غيره عن نفسه (انه لو قال المالك) للدار المرهونة عند زيد،

ص: 298

للمرتهن: بعه لنفسك، بطل.

و كذا لو دفع مالا الى من يطلبه الطعام و قال: اشتر به لنفسك طعاما

هذا و لكن الاقوى: صحة المعاملة المذكورة، و لغوية القصد المذكور لانه راجع الى إرادة ارجاع فائدة البيع الى الغير، لا جعله احد ركنى المعاوضة.

______________________________

«المرتهن» (للمرتهن: بعه لنفسك) حتى يكون الدار مبيعة عن المرتهن- لا عن الراهن- (بطل) لان المرتهن ليس مالكا حتى يكون البيع عن نفسه، و انما اللازم ان يبيع عن المالك ثم ليستوفى دينه من الثمن الّذي هو للمالك.

(و كذا) يبطل (لو دفع مالا الى من يطلبه الطعام) كما لو طلب الفقير من زيد خبزا، فدفع الى الفقير عشرة (و قال: اشتر به لنفسك طعاما).

اذ لا يمكن ان يخرج العشرة من كيس المعطى ليدخل الخبز فى كيس الفقير.

نعم يصح ان يهبه العشرة، او يشترى الخبز للمعطى ثم يهبه الخبز- مثلا-.

(هذا) تمام الكلام فى وجه البطلان (و لكن الاقوى صحة المعاملة المذكورة) و هى ما لو باع مال نفسه عن زيد (و لغوية القصد المذكور) اى قصد كونه عن الغير (لانه) اى القصد المذكور (راجع الى إرادة) البائع المالك (ارجاع فائدة البيع الى الغير) الّذي هو زيد فى المثال (لا جعله) اى الغير (احد ركنى المعاوضة) بمعنى كون المال يدخل فى كيسه- ابتداءً

ص: 299

و اما حكمهم ببطلان البيع فى مثال الرهن و اشتراء الطعام.

فمرادهم عدم وقوعه للمخاطب، لا ان المخاطب اذا قال: بعته لنفسى او اشتريته لنفسى، لم يقع لمالكه اذا اجازه.

و بالجملة: فحكمهم بصحة بيع الفضولى، و شرائه لنفسه، و وقوعه للمالك يدل

______________________________

بعد خروج المثمن من كيس البائع.

(و اما حكمهم ببطلان البيع فى مثال الرهن) فيما لو قال الراهن للمرتهن:

بعه لنفسك، مع انه لو صح: بعت فرسى عن زيد، لصح فى الرهن أيضا لان كليهما من واد واحد (و) مثال: (اشتراء الطعام) فيما لو قال له: اشتر بهذه العشرة خبزا لنفسك.

(فمرادهم) بالبطلان (عدم وقوعه) اى البيع (للمخاطب) فلا يدخل بدل الرهن فى كيس المرتهن، و لا الخبز فى كيس الفقير (لا) ان مرادهم البطلان حقيقة، فليس مرادهم (ان المخاطب اذا قال) فى باب الرهن (بعته لنفسى، او) فى باب الخبز (اشتريته لنفسى، لم يقع) البيع (لمالك) صاحب الوثيقة، و صاحب العشرة (اذا اجازه) اى اجاز البيع لان البيع لنفس المخاطب يقع فضوليا، اذ له، لا يقع، و للمالك لم يكن مأذونا فان المالك اذن البيع للمخاطب، لا انه اذن البيع لنفسه.

(و بالجملة فحكمهم بصحة بيع الفضولى، و شرائه لنفسه) فيما اذا اخذ الغاصب دار زيد، ثم باعها لنفسه او غصب دراهم زيد و اشترى بها سلعة لنفسه (و وقوعه) اى البيع (للمالك) ان اجاز بيع الغاصب الفضول (يدل،

ص: 300

يدل على عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك.

ثم ان ما ذكرنا كله حكم وجوب تعيين كل من البائع و المشترى، من يبيع له و يشترى له.

و اما تعيين الموجب لخصوص المشترى المخاطب و القابل لخصوص البائع فيحتمل اعتباره، الا فيما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب

______________________________

على عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك) لا انه يوجب البطلان.

ففيما نحن فيه أيضا من مثال الفرس و نحوه يقع البيع، و يلغو قصد انه عن الغير.

(ثم ان ما ذكرنا كله) من الاحكام السابقة الدائرة حول لزوم التعيين فى كل من البائع و المشترى (حكم وجوب تعيين كل من البائع و المشترى، من يبيع له و يشترى له) حتى لا يعين البائع نفسه عوض المالك للمثمن، او لا يعين المشترى نفسه عوض المالك للثمن، فلا يقول: بعت فرس زيد لنفسى، او: اشتريت فرسك بمال زيد.

(و اما تعيين الموجب لخصوص المشترى المخاطب) بان يعرف المشترى ان المعوض لمن؟ (و) تعيين (القابل لخصوص البائع) بان يعرف البائع ان الثمن لمن؟ حتى ان الرجل اذا ذهب الى دكان العطار ليشترى السكر، عرف العطاران القابل مالك الثمن، او هو وكيل عن الغير، و عرف القابل ان العطار هو المالك للسكر، او وكيل عنه (فيحتمل اعتباره) فيجب ان يعرف كل منهما المالك للمثمن و الثمن (الا فيما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب

ص: 301

لكل من المتخاطبين كما فى غالب البيوع و الاجارات فحينئذ يراد من ضمير المخاطب فى قوله ملكتك كذا، او منفعة كذا بكذا هو المخاطب بالاعتبار الاعم، من كونه مالكا حقيقيا او جعليا كالمشترى الغاصب او من هو بمنزلة المالك باذن او ولاية و يحتمل عدم اعتباره الا فيما علم من الخارج إرادة، خصوص الطرفين، كما

______________________________

لكل من المتخاطبين) البائع و المشترى (كما فى غالب البيوع و الاجارات) حيث ان مهم البائع، بيع سلعته سواء كان القابل اصيلا او وكيلا، و كذلك فى المشترى، و هكذا فى باب الاجارة.

(فحينئذ) اى حين كان المراد البيع و الاجارة فى الجملة دون خصوصية للموجب و القابل (يراد من ضمير المخاطب فى قوله) فى البيع (ملكتك) او بعتك (كذا او) فى الاجارة ملكتك (منفعة كذا) كالدار (بكذا) من الثمن- فى الاول- و من الاجرة- فى الثانى- (هو المخاطب) لا باعتبار انه المشترى، او الّذي يريد اجارة الدار لنفسه، بل (بالاعتبار الاعم، من كونه مالكا حقيقيا او جعليا) اى من جعل نفسه مالكا، و ليس بمالك (كالمشترى الغاصب) و الغاصب للاجرة فى اجارة الدار (او من هو بمنزلة المالك باذن) كما لو وكل عبده فى ان يشترى السكر، فقول العطار للعبد: بعتك، يراد بالكاف انه مخاطب، و طرف للكلام، لا انه مالك الثمن (او ولاية) على الصغير و المجنون و ما اشبه (و يحتمل عدم اعتباره) اى تعيين المشترى و البائع- و هذا عطف على قوله: يحتمل اعتباره، (الا فيما علم من الخارج إرادة خصوص الطرفين، كما) فى ما لو علمنا ان البائع انما يريد بيع سلعته لزيد، لا لغيره، او

ص: 302

فى النكاح، و الوقف الخاص، و الهبة، و الوكالة و الوصية، الاقوى هو الاول، عملا بظاهر الكلام الدال على قصد الخصوصية، و تبعية العقود، للقصود.

و على فرض القول الثانى، فلو صرح بإرادة خصوص المخاطب اتبع قصده فلا يجوز للقابل

______________________________

ان صاحب الدار يريد ايجارها لعمرو، و كما (فى النكاح) حيث يقصد الزوج الخاص و الزوجة الخاصة، فلا يصح ان تقول المرأة: زوجتك نفسى و تريد بالكاف انه طرف الخطاب، و لا تعلم انه الزوج او غيره (و الوقف الخاص) فيما لو قال: وقفت هذا لك و لذريتك (و الهبة) فان الواهب يريد الهبة للمخاطب، لا لكل احد (و الوكالة، و الوصية) عملا و ملكا، بان يريد الوصى الخاص، و يريد الوصية بالمال لشخص خاص.

(الاقوى: هو الاول) و انه يعتبر تعيين الموجب لخصوص المشترى و القابل لخصوص البائع، الا فيما علم من الخارج عدم إرادة الخصوصية (عملا بظاهر الكلام) اى كاف الخطاب (الدال) هذا الظاهر (على قصد الخصوصية، و) ذلك لاجل (تبعية العقود للقصود) لان العقد إنشاء بصورة خاصة، فاذا لم تتحقق تلك الصورة الخاصة لم يكن عقد، فلا يشمله دليل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(و على فرض القول الثانى) و هو عدم اعتبار الخصوصية الا فيما خرج (فلو صرح بإرادة خصوص المخاطب) بان قال البائع: انما اريد ان ابيع هذا الشي ء لك، لا لغيرك (اتبع قصده فلا يجوز) اى لا يصح (للقابل

ص: 303

ان يقبل عن غيره.

قال فى التذكرة: لو باع الفضولى، او اشترى مع جهل الآخر، فاشكال ينشأ من ان الآخر انما قصد تمليك العاقد.

و هذا الاشكال و إن كان ضعيفا، مخالفا للاجماع، و السيرة، الا انه مبنى على ما ذكرنا من مراعات ظاهر الكلام.

و قد يقال: فى الفرق بين البيع و شبهه، و بين النكاح

______________________________

ان يقبل عن غيره) لان غيره ليس مقصودا.

(قال فى التذكرة: لو باع الفضولى، او اشترى مع جهل الآخر) بانه فضول (فاشكال) فى صحة البيع (ينشأ من) جهة (ان) الطرف (الآخر) للفضول (انما قصد تمليك العاقد) و لم يعلم انه فضولى يتوقف بيعه على اجازة غيره، مثلا باع زيد داره من عمرو فى مقابل الف دينار، و كان عمرو فضولا لا يملك الألف، و انما اخذ الألف من مال خالد، فلزيد الحق فى ان يسحب داره، لانه باعها لعمرو، و لم يعلم بانه فضول يوجب توقف المعاملة على الاجازة، قال الشيخ:

(و هذا الاشكال) من العلامة (و إن كان ضعيفا، مخالفا للاجماع، و السيرة) لصحة بيع الفضولى عند الفقهاء (الا انه) اى الاشكال (مبنىّ على ما ذكرنا من مراعاة ظاهر الكلام) الدال على ان المقصود هو المخاطب لا غيره.

(و قد يقال: فى الفرق بين البيع و شبهه) الّذي لا يعتبر فيه العلم بكون طرف الكلام هو الاصيل او الوكيل و شبهه (و بين النكاح) المعتبر

ص: 304

ان الزوجين فى النكاح، كالعوضين فى سائر العقود، و يختلف الاغراض باختلافها فلا بد من التعيين

______________________________

فيه العلم (ان الزوجين فى النكاح، كالعوضين فى سائر العقود) البيع، و الاجارة، و الرهن، و غيرها.

(و يختلف الاغراض باختلافها) فان اجارة الدار غير اجارة الدكان و بدل الايجار اذا كان عشرة غير ما اذا كان عشرين.

و هكذا فى النكاح، فان تزويج بنت زيد الصغيرة، غير تزويج بنته الكبيرة، كما ان تزويج بنته بزيد، غير تزويج بنته بعمرو (فلا بد من التعيين) فى العوضين فى سائر العقود، و فى الزوجين فى باب النكاح.

قالوا و المراد: بالمعين، فى النكاح فى مقابل امور ستة- و ان امكن ادراج بعضها فى آخر-

المهم كان يزوج بنته من احدهما.

و الكلى كان يزوجها من انسان ما.

و المردّد كان يقول لزيد: زوجتك بنتى، و لا يعلم ان المخاطب هو الزوج، او وكيله- كما لو قال: بعتك الكتاب و لم يعلم انه المشترى او غيره لم يضر.

و غير الموجود كما لو زوج بنته لابن زيد، و هو بعد ليس بموجود، كما يصح الوقف لمثله فى الجملة.

و المشترك كزوجة لزوجين، او زوجتين لزوج اشتراكا بمعنى ان يكون نكاح واحد له آثار واحدة من النفقة و الاطاعة و القسم للزوجتين.

و من لم يعلم صحة النكاح بالنسبة إليه كتزويج نفسها لخضر عليه السلام،

ص: 305

و توارد الايجاب و القبول على امر واحد، و لان معنى: قوله: بعتك كذا بكذا، رضاه بكونه مشتريا للمال المبيع، و المشترى يطلق على المالك و وكيله.

و معنى قولها: زوجتك نفسى، رضاها بكونه زوجا، و الزوج لا يطلق على الوكيل، انتهى.

و يرد على الوجه الاول من وجهى الفرق: ان كون الزوجين كالعوضين، انما يصح وجها

______________________________

فانه لا يعلم حتى وقوعه فضوليا ليسبب تعطيل المرأة- على ما ذكروا فى باب الفضولى-

و ذلك لانصراف الادلة عن مثله، و كيف كان فتفصيل الكلام فى كتاب النكاح (و) لا بدّ من (توارد الايجاب و القبول على امر واحد) اما اذا باع المالك ماله لزيد- القابل- بزعم انه المشترى و قبل زيد المال لعمرو، لم يرد الايجاب و القبول على اى واحد.

(و) أيضا يقال: فى الفرق بين النكاح و البيع (لان معنى قوله بعتك كذا بكذا، رضاه) اى البائع (بكونه) اى كون طرفه القابل (مشتريا للمال المبيع و المشترى يطلق على المالك) الّذي يخرج من كيسه الثمن (و وكيله) او وليه و من اشبه.

(و معنى قولها زوجتك نفسى، رضاها بكونه) اى المخاطب (زوجا) لها (و الزوج لا يطلق على الوكيل، انتهى) كلام القائل بالفرق.

(و يرد على الوجه الاول) و هو كون الزوجين كالعوضين (من وجهى الفرق) بين الزواج و بين البيع (ان كون الزوجين كالعوضين انما يصح وجها

ص: 306

لوجوب التعيين فى النكاح، لا لعدم وجوبه فى البيع، مع ان الظاهر: ان ما ذكرنا من الوقف و اخوته، كالنكاح فى عدم جواز قصد القابل القبول فيها على وجه النيابة او الفضولى، فلا بد من وجه مطّرد فى الكل.

و على الوجه الثانى: ان معنى: بعتك فى لغة العرب- كما نصّ عليه فخر المحققين و غيره- هو: ملّكتك بعوض، و معناه: جعل المخاطب مالكا و من المعلوم: ان المالك لا يصدق

______________________________

لوجوب التعيين فى النكاح) حتى اذا لم يعينا بطل النكاح (لا لعدم وجوبه) اى وجوب تعيين البائع و المشترى (فى البيع).

و كلامنا الآن فى انه هل يجب تعيين المالكين فى البيع أم لا؟

هذا (مع ان الظاهر: ان ما ذكرنا من الوقف و اخوته) كالوصية و الوكالة و الهبة (كالنكاح فى عدم جواز قصد القابل القبول فيها على وجه النيابة او الفضولى) فلا يختص حكم لزوم التعيين بالنكاح (فلا بد) للذى يريد الفرق بين النكاح و بين البيع (من) ذكر (وجه مطرد فى الكل) اى كل من النكاح و الوصية و اخوتها

لكن يمكن ان يقال: ان هذا الوجه- و هو الركنية العرفية- مطرد فى الكل: فكل ما رآه العرف ركنا، كان اللازم تعيينه، و كلما لم يره العرف ركنا لم يلزم تعيينه.

(و) يرد (على الوجه الثانى) و هو ما ذكرناه بقوله: لان معنى قوله بعتك الخ، ان ما ذكره من المعنى غير صحيح ف (ان معنى بعتك فى لغة العرب- كما نص عليه فخر المحققين و غيره- هو ملّكتك بعوض، و معناه) اى معنى ملكتك (جعل المخاطب مالكا، و من المعلوم: ان المالك لا يصدق

ص: 307

على الولى، و الوكيل، و الفضولى.

فالاولى فى الفرق ما ذكرنا من ان الغالب فى البيع و الاجارة هو قصد المخاطب، لا من حيث هو، بل بالاعتبار الاعم من كونه اصالة، او عن الغير، و لا ينافى ذلك عدم سماع قول المشترى فى دعوى كونه غير اصيل

______________________________

على الولى، و الوكيل، و الفضولى) اذ هؤلاء لا يملكون بالبيع، و انما يملك الموكل، و المولى عليه، و صاحب المال.

(فالاولى فى الفرق) بين النكاح المحتاج الى التعيين، و البيع الّذي لا يحتاج الى التعيين (ما ذكرنا من ان الغالب فى البيع و الاجارة هو قصد المخاطب) اى قصد كل من الطرفين مخاطبه (لا من حيث هو) مخاطب (بل بالاعتبار الاعم من كونه اصالة، او عن الغير) فلا يهم كل منهما ان يكون طرفه وكيلا، او وليا، او فضوليا (و لا ينافى ذلك) الّذي ذكرنا من عدم قصد الخصوصية (عدم سماع قول المشترى فى دعوى كونه غير اصيل) فان المشترى اذا قال: لم اكن اصيلا، و موكلى رفض المعاملة بحجة انه لم يأذن لى فى هذه المعاملة، و قد نسيت عدم اذنه، لم يقبل قوله الا اذا اتى بالبينة.

وجه توهم المنافات انه لو كان اعم من الاصيل و الوكيل، لزم سماع قوله، لان قوله حينئذ ليس مخالفا للاصل حتى يحتاج الى البينة.

و من هذا يتبين: ان الاصل فى المشترى كونه اصيلا.

و وجه عدم المنافات: ان ظهور كونه اصيلا كاف فى عدم سماع دعواه

ص: 308

فتأمّل، بخلاف النكاح، و ما اشبهه فان الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث انه ركن للعقد.

بل ربما يستشكل فى صحة ان يراد من القرينة المخاطب من حيث قيامه مقام الاصيل، كما لو قال: زوجتك مريدا له باعتبار كونه وكيلا عن الزوج

و كذا قوله: وقفت عليك، و اوصيت لك، و وكلتك.

______________________________

(فتأمل) فانه منافات بين الامرين، اذ: البينة انما يؤتى بها لمن خالف قوله الاصل (بخلاف النكاح، و ما اشبهه) من الوقف و اخوته (فان الغالب قصد المتكلم للمخاطب) الخاص (من حيث انه) اى المخاطب (ركن للعقد).

و كذلك قصد المخاطب المتكلم من حيث انه ركن للعقد.

فلو قال: زوجتك، قصد الزوج ان المتكلمة هى الزوجة، لا انها وكيلة عن امرأة اخرى.

(بل ربما يستشكل فى صحة ان يراد من القرينة) الخارجية (المخاطب من حيث قيامه مقام الاصيل) و لو كان الاصل معروفا عند المتكلم.

(كما لو قال: زوجتك، مريدا له) اى للمخاطب (باعتبار كونه وكيلا عن الزوج).

فانه لا يصح اجراء اللفظ بهذه الصيغة، و ان علمت ان الزوج اخو المخاطب، و قصدت من الكاف مجرد الخطاب، لا انه الزوج.

(و كذا قوله: وقفت عليك، و اوصيت لك، و وكلتك) بل فى مثل

ص: 309

و لعل الوجه: عدم تعارف صدق هذه العنوانات على الوكيل فيها فلا يقال للوكيل الزوج، و لا الموقوف عليه، و لا الموصى له، و لا الموكل بخلاف البائع و المستأجر، فتامل حتى لا يتوهم رجوعه الى ما ذكرنا سابقا.

و اعترضنا عليه

______________________________

المزارعة، و المساقات، و المسابقة، و غيرها أيضا.

(و لعل الوجه) فى الاستشكال المذكور (عدم تعارف صدق هذه العنوانات على الوكيل فيها) بخلاف البيع.

(فلا يقال للوكيل الزوج، و لا) يقال له (الموقوف عليه، و لا الموصى له، و لا الموكل) فاذا قال: وكلتك، لم يقل: لوكيل الوكيل وكيل.

(بخلاف البائع و المستأجر) و المشترى و الموجر، فانها تصدق على الوكلاء، فاذا اشترى الوكيل عن الموكل، صدق على كل من الوكيل و الموكل المشترى.

و هكذا (فتامل) فى هذا الجواب (حتى لا يتوهم رجوعه الى ما ذكرنا سابقا) من قولنا: و قد يقال فى الفرق.

(و اعترضنا عليه) فى الرد الاول: بقولنا: و يرد على الوجه الاول

و خلاصته: الفرق بين جواب الشيخ، و جواب: قد يقال، ان جواب الشيخ مبنى على اطلاق: البائع و المستأجر، على الوكيل تسامحا عرفيا، و لذا قال: عدم تعارف و جواب ذلك القائل مبنى على كون الاطلاق، على الوكيل حقيقة، لا تسامح.

ص: 310

مسئلة و من شرائط المتعاقدين: الاختيار،

و المراد به القصد الى وقوع مضمون العقد عن طيب نفس فى مقابل الكراهة، و عدم طيب النفس، لا الاختيار فى مقابل الجبر.

و يدل عليه قبل الاجماع، قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ

و قوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه.

______________________________

(مسئلة) (و من شرائط المتعاقدين: الاختيار، و المراد به القصد الى وقوع مضمون العقد عن طيب نفس) و ذلك (فى مقابل الكراهة) لمضمون العقد (و عدم طيب النفس، لا الاختيار فى مقابل الجبر) كحركة المرتعش.

و انما قال المصنف ذلك: لانه يريد الاستدلال لاشتراط الاختيار بحديث الرفع- كما سيأتى-

و المراد بالكراهة فى الحديث: عدم طيب النفس، لا معنى الجبر الّذي هو عبارة عن الالجاء و فقد الاختيار.

(و يدل عليه) اى على اشتراط الاختيار بهذا المعنى (قبل الاجماع قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) فما لم يكن رضى، و طيب نفس يكون اكلا للمال بالباطل.

(و قوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه) و الظاهر ان القيد بالمسلم لاخراج المحارب، لا الذمى و المعاهد.

ص: 311

و قوله صلى الله عليه و آله: فى الخبر المتفق عليه بين المسلمين:

رفع او وضع عن امتى تسعة اشياء او ستة.

و منها: ما اكرهوا عليه.

و ظاهره: و ان كان رفع المؤاخذة، الا ان استشهاد الامام عليه السلام به فى رفع بعض الاحكام الوضعية، يشهد لعموم: المؤاخذة فيه، لمطلق الالزام عليه بشي ء.

______________________________

(و قوله صلى الله عليه و آله: فى الخبر المتفق عليه بين المسلمين:

رفع او وضع عن امتى تسعة اشياء، او ستة) كما فى خبر آخر.

(و منها: ما اكرهوا عليه) و ما اضطروا إليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و الطيرة، و الحسد ما لم يظهر بيد و لا لسان، و الوسوسة فى التفكر فى الخلق، و الخطاء، و النسيان.

(و ظاهره: و إن كان رفع المؤاخذة) لدلالة الاقتضاء على ذلك، و هى عبارة عما يتوقف صدق الكلام او صحته على ذلك.

فان هذه الاشياء بوجودها التكوينى ليست مرفوعة، فلا بد و ان يراد رفع المؤاخذة الاخروية، او الاعم منها و من الاحكام التكليفية الدنيوية

و الاول اظهر عرفا، لكنه ليس بمحل شاهد لنا فى هذا الباب.

و لذا قال المصنف (الا ان استشهاد الامام عليه السلام به) اى بهذا الحديث (فى رفع بعض الاحكام الوضعية، يشهد لعموم: المؤاخذة) المرفوعة (فيه) اى فى الحديث (لمطلق الالزام عليه) اى على الاكراه (بشي ء) لا المؤاخذة الاخروية، و لا التكليف الالزامى الحكمى، و لا الوضعى

ص: 312

ففى صحيحة البزنطى، عن ابى الحسن عليه السلام فى الرجل، يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق، و العتاق و صدقة ما يملك، أ يلزمه ذلك؟

فقال عليه السلام: لا، قال رسول الله صلى الله عليه و آله: وضع عن امتى ما اكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا، و ما أخطئوا.

و الحلف بالطلاق، و العتاق و ان لم يكن صحيحا عندنا

______________________________

و الحاصل: ان كل شي ء يأتى من قبل الشارع سواء كان حكما تكليفيا كالوجوب، او وضعيا، كالكفارة، او اخرويا كالعقاب، مرفوع عن المكره.

(ففى صحيحة البزنطى، عن ابى الحسن عليه السلام) اى موسى بن جعفر (فى الرجل يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق و العتاق) اى ان تكون زوجته مطلقة و عبده عتقا ان كان كذا، او فعل كذا (و صدقة ما يملك) اى جميع امواله صدقة (أ يلزمه ذلك؟) و الحال ان الحلف مكره عليه

(فقال عليه السلام: لا) يلزمه ذلك، لانه (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: وضع عن امتى ما اكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا)

و المراد ما هو فى آخر الطاقة بان كان عسرا شديدا، لا عدم القدرة اطلاقا، اذ: لا اشكال فى ان ذلك ليس خاصا بالامة

فهو كقوله سبحانه: لٰا تُحَمِّلْنٰا مٰا لٰا طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ، (و ما أخطئوا)

(و) وجه الاستدلال بهذا الحديث على: عموم رفع الاكراه ان (الحلف بالطلاق، و العتاق و ان لم يكن صحيحا عندنا) معاشر الشيعة

ص: 313

من دون الاكراه أيضا.

الا ان مجرد استشهاد الامام عليه السلام فى عدم وقوع آثار ما حلف به بوضع ما اكرهوا عليه، يدل على ان المراد بالنبوى ليس خصوص المؤاخذة، و العقاب الاخروى.

______________________________

(من دون الاكراه أيضا) اذ: هذا الحلف باطل، فى مذهب الشيعة فان الطلاق لا يقع الا بالصيغة الخاصة، و العتق لا يكون الا بلفظ خاص.

(الا ان مجرد استشهاد الامام عليه السلام فى عدم وقوع آثار ما حلف به) الآثار التى هى الطلاق، و العتق، و الصدقة (بوضع ما اكرهوا عليه) بوضع، متعلق ب: استشهاد، (يدل على ان المراد ب) الحديث (النبوى ليس خصوص المؤاخذة، و العقاب الاخروى).

اذ: لو كان المراد من الرفع، خصوص العقاب كان: لمخاطب الامام ان يقول لا ربط لحديث الرفع بما تذكرون من: عدم طلاق المكره.

و الحاصل: ان تطبيق الصغرى على الكبرى ان كان نقية، لا يلزم ان تكون الكبرى بنفسها أيضا تقية.

فكلام الامام عليه السلام هكذا: الحلف مكره عليه، و الاكراه مرفوع.

فقد اراد الامام تطبيق: الحلف بالطلاق، فى الكبرى تقية.

مع انه لا حاجة الى ذلك، لان الحلف بالطلاق باطل بنفسه.

اما الكبرى- اى ان الاكراه يوجب رفع الحكم الوضعى و التكليفى- فلا وجه لان نجعلها تقية، لما تقرر من ان الاصل فى الكلام عدم التقية.

و مهما دار الامر بين تقية، و تقيتين كان الاول اولى.

ص: 314

هذا كله مضافا الى الاخبار الواردة فى اطلاق المكره بضميمة عدم الفرق.

ثم انه يظهر من جماعة، منهم الشهيدان: ان المكره قاصد الى اللفظ غير قاصد الى مدلوله، بل يظهر ذلك من بعض كلمات العلامة و ليس مرادهم انه لا قصد له الا الى مجرد التكلم.

كيف و الهازل الّذي هو دونه فى القصد قاصد للمعنى قصدا صوريا و الخالى عن القصد الى غير التكلم

______________________________

(هذا كله) وجه الاستدلال بالآيات و الروايات لاجل اشتراط طيب النفس فى المعاملة (مضافا الى الاخبار الواردة فى طلاق المكره بضميمة عدم الفرق) بين الطلاق و غيره لوحدة المناط.

اذ لا يفهم العرف خصوصية للطلاق بما هو طلاق.

(ثم انه يظهر من جماعة، منهم الشهيدان) و غيرهما (ان المكره قاصد الى اللفظ غير قاصد الى مدلوله، بل يظهر ذلك) اى عدم قصد المكره الى مدلول اللفظ (من بعض كلمات العلامة، و) لكن من الواضح انه (ليس مرادهم انه لا قصد له) اى للمكره (الا الى مجرد التكلم) و اللفظ

(كيف) يقصد هؤلاء الاعلام هذا المعنى (و) الحال ان (الهازل الّذي هو دونه) اى دون المكره (فى القصد) اذ المكره قاصد فى الجملة، لكن قصده اكراهى، و الهازل لا قصد له الا الهزل (قاصد للمعنى قصدا صوريا) لا انه يقصد عن اعماق نفسه.

(و) اما من لا قصد له اطلاقا اى (الخالى عن القصد الى غير التكلم)

ص: 315

هو من يتكلم تقليدا او تلقينا كالطفل الجاهل بالمعانى،

فالمراد بعدم قصد المكره، عدم القصد الى وقوع مضمون العقد فى الخارج، و ان الداعى له الى الانشاء ليس قصد وقوع مضمونه فى الخارج

لا ان كلامه الانشائى مجرد عن المدلول.

كيف و هو معلول الكلام الانشائى؟ اذا كان مستعملا غير مهمل.

______________________________

الى، متعلق: بالقصد، اى لا قصد له الا مجرد الكلام و اللفظ (هو من يتكلم تقليدا) خصوصا فيمن لا يعرف معنى الكلام كالببغاء (او تلقينا كالطفل الجاهل بالمعانى)

و ليس المكره مثلهما قطعا، فلا بد ان يكون مراد العلامة و الشهيدين شيئا معقولا.

(فالمراد بعدم قصد المكره) فى كلامهم (عدم القصد الى وقوع مضمون العقد فى الخارج).

اذ المكره يتكلم و لا يريد ان يقع فساد كلامه- كالطلاق- فى الخارج (و ان الداعى له الى الانشاء ليس قصد وقوع مضمونه فى الخارج) لانه لا يريده، و انما هو مكره عليه.

(لا ان كلامه الانشائى) كلفظ: طلقت، (مجرد عن المدلول) حتى يكون مثل: طلقت، الصادر عن الببغاء.

(كيف) يكون انشائه مجردا عن المدلول؟ (و) الحال (هو) اى المدلول (معلول الكلام الانشائى)

فالكلام علة، و المعنى معلول (اذا كان) الكلام (مستعملا غير مهمل،

ص: 316

و هذا الّذي ذكرنا، لا يكاد يخفى على من له ادنى تامل فى معنى الاكراه لغة و عرفا، و ادنى تتبع فيما ذكره الاصحاب فى فروع الاكراه التى لا تستقيم مع ما توهمه من خلو المكره عن قصد مفهوم اللفظ، و جعله مقابلا للقصد.

و حكمهم بعدم وجوب التورية فى التفصي عن الاكراه.

و صحة بيعه بعد الرضا.

______________________________

و هذا الّذي ذكرنا) من ان مرادهم عدم إرادة المكره، وقوع المضمون فى الخارج، لا على المدلول لكلامه (لا يكاد يخفى على من له ادنى تامل فى معنى الاكراه، لغة و عرفا).

فان معنى الاكراه فيهما: التلفظ باللفظ و إرادة معناه لكن عن كره، بحيث لا يريد وقوع المضمون فى الخارج (و ادنى تتبع فيما ذكره الاصحاب فى فروع الاكراه التى لا تستقيم) تلك الفروع (مع ما توهمه) عبارة العلامة و الشهيدين (من خلو المكره عن قصد مفهوم اللفظ) من، بيان:

ما، (و جعله) اى الاكراه (مقابلا للقصد): و جعله، عطف على: خلو، اى ما توهمه العبارة من جعل الاكراه مقابلا للقصد، بحيث توهم عبارة الشهيدين: ان المكره لا قصد له، و غير المكره له قصد.

(و) من (حكمهم بعدم وجوب التورية فى التفصي عن الاكراه) و لو كان المكره بلا قصد لم يكن وجه لهذا الكلام، و انه هل يحتاج الى التورية أم لا؟

(و) من حكمهم ب (صحة بيعه بعد الرضا) فانه لو لم يكن للفظه معنى، لم يكن معنى لصحة بيعه، اذ لا بيع يحصل بمجرد اللفظ.

ص: 317

و استدلالهم له بالاخبار الواردة فى طلاق المكره.

و انه لاطلاق الا مع إرادة الطلاق، حيث ان المنفى صحة الطلاق لا تحقق مفهومه لغة و عرفا و فيما ورد فيمن طلق مداراة باهله الى غير ذلك،

______________________________

(و) من (استدلالهم له) اى للمكره فى باب البيع، و انه لا يصح بيعه (بالاخبار الواردة فى طلاق المكره) بوحدة المناط، فانه لا وجه لهذا الاستدلال، اذا اريد: لفظ البيع المجرد عن المعنى.

اذ: طلاق المكره انما هو مع قصد المعنى.

(و) من استدلالهم (انه لاطلاق الا مع إرادة الطلاق) و لذا لا طلاق للمكره، لعدم ارادته الطلاق.

و حال البيع، حال الطلاق، لوحدة المناط (حيث ان المنفى) فى كلامهم- فى باب طلاق المكره- (صحة الطلاق لا) ان المنفى (تحقق مفهومه لغة و عرفا).

و لو كان لفظ المكره بلا معنى، كان اللازم ان يقولوا: انه لاطلاق للمكره- اذ: اللفظ بدون معنى، لا يسمى طلاقا- لا ان يقولوا انه طلاق و لكنه ليس بصحيح (و فيما ورد فيمن طلق مداراة باهله الى غير ذلك) لهذا عطف على قوله: فيما ذكره الاصحاب، فان الطلاق مداراة لا يصح، لانه لم يقصد وقوع الطلاق خارجا، لا انه لا يقع لانه لم يقصد المعنى، و باب الاكراه و باب المداراة واحد.

فكما ان المراد فى باب المداراة: اللفظ مع المعنى غير مقصود التحقق فى الخارج.

ص: 318

و فى ان مخالفة بعض العامة فى وقوع الطلاق اكراها، لا ينبغى ان تحمل على الكلام المجرد عن قصد المفهوم الّذي لا يسمى خبرا، و لا إنشاء، و غير ذلك مما يوجب القطع بان المراد بالقصد المفقود فى المكره هو القصد الى وقوع اثر العقد و مضمونه فى الواقع، و عدم طيب النفس به

لا عدم إرادة المعنى من الكلام.

و يكفى فى ذلك ما ذكره الشهيد الثانى من: ان المكره، و الفضولى

______________________________

كذلك المراد فى باب الاكراه.

(و فى ان مخالفة بعض العامة) للشيعة (فى وقوع الطلاق اكراها) و انه بمنزلة طلاق المختار (لا ينبغى ان تحمل) مخالفتهم (على الكلام المجرد عن قصد المفهوم الّذي لا يسمى خبرا، و لا إنشاء) فانهما فيما للكلام معنى و مفهوما و قوله: فى ان، عطف على قوله: فيما ذكره الاصحاب، (و غير ذلك مما) من الشواهد التى (يوجب القطع بان المراد بالقصد المفقود) ذلك القصد (فى المكره، هو القصد الى وقوع اثر العقد، و) وقوع (مضمونه) اى العقد (فى الواقع) اى الخارج (و عدم طيب النفس به): و عدم، عطف على: القصد الى وقوع اثر.

فمعنى قولهم: المكره لا قصد له انه: لا يريد الاثر، و: لا يطيب نفسه بالاثر،

(لا) ان مرادهم (عدم إرادة) المكره (المعنى من الكلام) حتى يكون كالببغاء.

(و يكفى فى ذلك) الّذي ذكرنا انهم يريدون: عدم الاثر، لا: عدم القصد، (ما ذكره الشهيد الثانى من: ان المكره، و الفضولى

ص: 319

قاصدان الى اللفظ، دون مدلوله.

نعم ذكر فى التحرير، و المسالك فى فروع المسألة ما يوهم ذلك

قال فى التحرير: لو اكره على الطلاق، فطلق ناويا فالاقرب وقوع الطلاق، اذ: لا اكراه على القصد، انتهى.

و بعض المعاصرين بنى هذا الفرع على تفسير القصد بما ذكرنا من متوهم كلامهم.

______________________________

قاصدان الى اللفظ، دون مدلوله) فان الفضول لا شبهة فى انه يقصد المعنى، و انما لا يقصد الاثر، الا باجازة المالك.

فاقتران الفضول- فى كلام الشهيد- بالمكره، يدل على انه يريد:

عدم الاثر، فى المكره لا: عدم المعنى.

(نعم ذكر فى التحرير، و المسالك فى فروع المسألة) اى مسئلة المكره (ما يوهم ذلك) اى عدم قصد المكره للمعنى، لا عدم قصده الاثر.

(قال فى التحرير: لو اكره على الطلاق، فطلق ناويا) لمعنى اللفظ (فالاقرب وقوع الطلاق، اذ لا اكراه على القصد، انتهى) فحيث انه قصد الطلاق كان صحيحا.

(و بعض المعاصرين) الجواهر (بنى هذا الفرع على تفسير القصد بما ذكرنا من متوهم كلامهم) متوهم كلامهم، هو: انه لا قصد للمعنى فى المكره فقال صاحب الجواهر: ان قول التحرير: لو قصد المكره صح طلاقه دليل على ان مرادهم: من عدم قصد المكره،: عدم قصد المعنى، ليمكن الجمع بين كلامهم فى هذا الفرع، و بين كلامهم: ان طلاق المكره باطل،

ص: 320

فرد عليهم بفساد المبنى.

و عدم وقوع الطلاق فى الفرض المزبور.

لكن المتأمل يقطع بعدم ارادتهم لذلك.

و سيأتى ما يمكن توجيه الفرع المزبور به.

______________________________

لانه لا قصد له- و فى عبارة المصنف مسامحة كما لا يخفى-

(فرد عليهم) اى رد الجواهر على من قال بصحة طلاق المكره، اذا قصد المعنى (بفساد المبنى) و ان كلامهم فى انه لا قصد للمكره فاسد، فلا يصح ان يبنى عليه انه اذا قصد المكره صح الطلاق.

(و) اذا فسد المبنى فاللازم ان نقول: ب (عدم وقوع الطلاق فى الفرض المزبور) اى ما اذا قصد المعنى، لان قصد المعنى لا يلازم قصد الاثر، و قصد وقوع الاثر فى الخارج هو الّذي يوجب وقوع الطلاق فى الخارج، و المكره لا يقصد الاثر كما لا يخفى.

(لكن المتأمل يقطع بعدم ارادتهم لذلك) الّذي ذكره الجواهر من ان قولهم: المكره لا قصد له، لا يريدون به عدم القصد، و انما يريدون به عدم قصد الاثر.

(و) ان قلت: فكيف قالوا: اذا قصد المكره صح.

قلت: (سيأتى ما يمكن توجيه الفرع المزبور به) اى بذلك التوجيه، و ان مرادهم انه لو قصد المكره الطلاق واقعا، بان صار الاكراه داعيا كما لو صار سوء خلق المرأة داعيا للطلاق، فانه يقع الطلاق، و ان صدق الاكراه- فى الجملة-

ص: 321

ثم ان حقيقة الاكراه لغة و عرفا: حمل الغير على ما يكرهه.

و يعتبر فى وقوع الفعل من ذلك الحمل اقترانه بوعيد منه مظنون الترتب على ترك ذلك الفعل، مضر بحال الفاعل، او متعلقه نفسا او عرضا، او مالا.

فظهر من ذلك: ان مجرد الفعل لدفع الضرر المترتب على تركه، لا يدخله فى المكره عليه.

______________________________

(ثم ان حقيقة الاكراه لغة و عرفا: حمل الغير على ما يكرهه، و يعتبر فى) تحقق الاكراه (وقوع الفعل من ذلك الحمل اقترانه بوعيد منه) اى من المكره- بالكسر-

اما توعيدا لفظيا، او توعيدا واقعيا (مظنون الترتب) ذلك الوعيد (على ترك ذلك الفعل) المكره عليه (مضر) ذلك الوعيد (بحال الفاعل، او متعلقه) اى بحال متعلقه سواء كان تعلقا بالقرابة، او بالصداقة، او بالارتباط، كتوعيد السلطة العالم بانه ان لم يفعل كذا اضرت بالمسلمين (نفسا، او عرضا) الاعم من الاهل، و الاحترام فان السب خلاف احترام العرض (او مالا) حاصل له فعلا، او مستقبلا، كان يهدده ان فعلت كذا قتلت ابنك الّذي سيولد لك- مثلا-

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 6، ص: 322

(فظهر من ذلك) التعريف (ان مجرد الفعل لدفع الضرر المترتب على تركه لا يدخله) اى لا يدخل الفعل (فى المكره عليه).

مثلا ترك بيع الدار يوجب تسلط السلطة عليها فيبيعها المالك، دفعا لهذا الضرر المترتب على ترك البيع، فلا يكون البيع بذلك مكرها عليه،

ص: 322

كيف و الافعال الصادرة من العقلاء كلها، او جلها ناشئة عن دفع الضرر.

و ليس دفع مطلق الضرر الحاصل من ايعاد شخص يوجب صدق المكره عليه، فان من اكره على دفع مال و توقف على بيع بعض امواله، فالبيع الواقع منه لبعض امواله و إن كان لدفع الضرر المتوعد به على عدم دفع ذلك المال.

و لذا يرتفع التحريم

______________________________

و كذا ان باع اثاثه لاجل اشتراء الدواء لولده المريض، فانه دفع ضرر متوقع لو لا البيع.

و (كيف) يكون مجرد الفعل لدفع الضرر داخلا فى المكره عليه (و) الحال ان (الافعال الصادرة من العقلاء كلها، أو جلها ناشئة عن دفع الضرر) فان من يشترى الاكل، انما هو لدفع ضرر الجوع، و من يبنى الدار انما هو لدفع ضرر البقاء بلا مأوى، و هكذا فى غالب الافعال.

(و) كذلك (ليس دفع مطلق الضرر الحاصل من ايعاد شخص) له (يوجب صدق المكره عليه) ما لم ينصب الضرر على نفس الفعل (فان من اكره) من طرف الظالم (على دفع مال، و توقف) دفع ذلك المال (على بيع بعض امواله فالبيع الواقع منه لبعض امواله) لاجل ايفاء ذلك المال الى الظالم المكره (و إن كان) ذلك البيع (لدفع الضرر المتوعد به على عدم دفع ذلك المال): على، متعلق ب: المتوعد.

(- و لذا) الّذي ذكرنا انه مضطر لبيع المال (يرتفع التحريم) فى بيع

ص: 323

عنه، لو فرض حرمته عليه لحلف، او شبهه- الا انه ليس مكرها.

فالمعيار فى وقوع الفعل مكرها عليه سقوط الفاعل- من اجل الاكراه المقترن بايعاد الضرر- عن الاستقلال فى التصرف، بحيث لا يطيب نفسه بما يصدر منه و لا يتعمد إليه عن رضا، و ان كان يختاره لاستقلال العقل بوجوب اختياره دفعا للضرر، او ترجيحا لاقل الضررين، الا ان هذا المقدار.

______________________________

المال (عنه لو فرض حرمته) اى بيع المال (عليه لحلف، او شبهه-)

لان بيع المال داخل فى: ما اضطروا إليه، المخصص للعمومات الاولية (الا انه ليس مكرها) على بيع ذلك المال، فجملة: لذا، الى: او شبهه، معترضة، و انما ليس بيع المال عن اكراه، لان الظالم يكرهه على بيع المال، و انما اكرهه على دفع المال.

(فالمعيار فى وقوع الفعل مكرها عليه) انصباب الاكراه على نفس الفعل، كان يقول له: بع مالك، ب (سقوط الفاعل- من اجل الاكراه المقترن) ذلك الاكراه (بايعاد الضرر-) على تقدير عدم الفعل (عن الاستقلال فى التصرف): عن، متعلق ب: سقوط، (بحيث لا يطيب نفسه بما يصدر منه) اى من الفاعل (و لا يتعمد) الفاعل (إليه) اى الى الفعل (عن رضى) اى لا يقصد الفعل راضيا بالفعل (و إن كان يختاره) اى الفعل (لاستقلال العقل بوجوب اختياره) اى الاتيان بالفعل، و عدم تركه (دفعا للضرر) المتوعد به (او ترجيحا لاقل الضررين) من ضرر الفعل، و ضرر الوعيد (الا ان هذا المقدار) من طيب النفس، الّذي يحصل من اجل دفع الضرر، او ترجيح اقل الضررين، و الاول فيما لم يكن فى الفعل ضرر

ص: 324

لا يوجب طيب نفسه به فان النفس مجبولة على كراهة ما يحمله غيره عليه، مع الايعاد عليه بما لا يشق تحمله.

و الحاصل: ان الفاعل قد يفعل لدفع الضرر، لكنه مستقل فى فعله و مخلى و طبعه فيه بحيث يطيب نفسه بفعله، و إن كان من باب علاج الضرر، و قد يفعل لدفع ضرر ايعاد الغير على تركه.

و هذا مما لا يطيب النفس به، و ذلك معلوم بالوجدان.

______________________________

و الثانى فيما كان فيه ضرر، الا انه اقل من ضرر الوعيد.

فهذا المقدار من طيب النفس (لا يوجب طيب نفسه به) اى بالفعل (فان النفس مجبولة على كراهة ما يحمله غيره عليه مع الايعاد) من ذلك الغير (عليه) اى على الفعل (بما لا يشق تحمله) فكيف بما يشق تحمله؟ فان الغير لو حمل الانسان على ان يحرك يده كان فيه مشقة عليه، و ان لم يكن فى نفس التحريك صعوبة اذ الامر ينافى رفعة النفس و انفتها.

(و الحاصل: ان الفاعل قد يفعل لدفع الضرر، لكنه مستقل فى فعله و مخلى و طبعه فيه) كما لو باع داره لعلاج ولده، و كان البيع باختياره (بحيث يطيب نفسه بفعله، و إن كان) الفعل (من باب علاج الضرر و قد يفعل) الفعل (لدفع ضرر ايعاد الغير على تركه) كما لو جبره الجابر أن يبيع داره و يعالج ولده.

(و هذا مما لا يطيب النفس به، و ذلك معلوم بالوجدان).

و كذا قد يبيع داره لاعطاء ثمنها للظالم الّذي جبره على دفع هذا

ص: 325

ثم انه هل يعتبر فى موضوع الاكراه او حكمه، عدم امكان التفصي عن الضرر المتوعد به بما لا يوجب به ضرر آخر كما حكى عن جماعة أم لا؟

الّذي يظهر من النصوص و الفتاوى: عدم اعتبار العجز عن التورية

______________________________

المقدار من المال، فهذا بيع عن طيب النفس، و إن كان البيع لعلاج الضرر المتوجه إليه من ايعاد الغير، و قد يبيع داره لان الظالم جبره على بيع داره.

(ثم انه هل يعتبر فى موضوع الاكراه او حكمه) اى دفع حكم الموضوع و ان لم يكن اكراها واقعا- كما فى موضوع: التورية، فانه مع امكان التورية لا اكراه، و مع ذلك، المشهور وجود حكم الاكراه (عدم امكان التفصي عن الضرر المتوعد به بما لا يوجب به) اى بسبب ذلك التفصي مع (ضرر آخر كما حكى عن جماعة) فانهم اعتبروا فى صدق: الاكراه: موضوعا او رفع الاكراه للحكم، عدم امكان التفصي و التخلص حتى انه اذا امكن التخلص لا يسمى اكراها، او لا يكون له حكم الاكراه و ان سمى اكراها (أم لا؟) يعتبر عدم الامكان، بل يصدق الاكراه موضوعا، او يرتب حكم الاكراه: و ان لم يسم بالاكراه، فيما امكن التفصي.

(الّذي يظهر من النصوص و الفتاوى: عدم اعتبار العجز عن التورية) فى صدق الاكراه و وجود حكمه- مع ان التورية تفصى-

فلو قدر على التفصي بالتورية و لم يورّ كان اكراها، و لو قدر على التفصي بغير التورية، لم يكن اكراه، مثلا لو قال له المكره: طلق زوجتك فامكنه ان يقصد بلفظ: الطلاق،: الانطلاق، لا الطلاق المصطلح، و لم

ص: 326

لان حمل: عموم رفع الاكراه.

و خصوص: النصوص الواردة فى طلاق المكره و عتقه.

و معاقد الاجماعات، و الشهرات المدعاة فى حكم المكره، على صورة العجز عن التورية، لجهل، او دهشة، بعيد جدا، بل غير صحيح فى

______________________________

يفعل، بل قصد الطلاق المصطلح كان مكرها- موضوعا، او حكما- و لم يتحقق الطلاق.

و لو امكنه ان يفر عن محضر المكره، حتى لا يجرى صيغة الطلاق و مع ذلك لم يفر لم يتحقق موضوع الاكراه، و لا حكمه، بل حدث الطلاق صحيحا فالعجز بالتفصى عن التورية، غير معتبر فى صدق الاكراه، بخلاف سائر اقسام العجز.

و انما قلنا: لا يعتبر العجز عن التورية.

(لان حمل: عموم رفع الاكراه) فى قوله صلى اللّه عليه و آله: رفع ما استكرهوا عليه.

(و) حمل (خصوص النصوص الواردة فى طلاق المكره و عتقه) بانهما لا يقعان.

(و) حمل (معاقد الاجماعات و الشهرات المدعاة فى حكم المكره) و انه لا يقع منه ما اكره عليه (على صورة العجز عن التورية) عجزا كان (لجهل) عن التورية، بان لم يعرفها (او دهشة) و خوف، اوجب ان ينسى التورية (بعيد جدا) اذ: ظاهر الفتاوى و النصوص، ان الطلاق و العتق الاكراهى، لا يقع و ان تمكن من التورية (بل غير صحيح) هذا الحمل (فى

ص: 327

بعضها من جهة المورد كما لا يخفى على من راجعها.

مع ان القدرة على التورية لا يخرج الكلام عن حيز الاكراه عرفا.

هذا و ربما يستظهر من بعض الاخبار عدم اعتبار العجز عن التفصي بوجه آخر غير التورية أيضا

______________________________

بعضها من جهة المورد كما لا يخفى على من راجعها) كقوله عليه السلام:

انما الطلاق ما اريد به الطلاق من غير استكراه و لا اضرار، فان ظاهر قوله عليه السلام: ما اريد به، انه لو اراد الطلاق عن كره لم يتحقق اطلاق، اذ:

الإرادة ليست خاضعة للكره.

فالمراد إرادة الطلاق واقعا، لكنها حادثة عن اكراه باجراء صيغة الطلاق لان الصيغة هى الداخلة تحت الاكراه.

(مع ان القدرة على التورية لا يخرج الكلام عن حيز الاكراه عرفا) فانه يصدق الاكراه، و ان قدر على التورية.

فمن قال لشيعى: سب الامام عليه السلام قدر ان يقصد بلفظ: الامام امام جماعة، و مع ذلك لو سب صدق الاكراه، و لو كان التفصي بالتورية يخرج الكلام عن الاكراه، لعلم رسول الله صلى الله عليه و آله عمارا حين قال له: و ان عادوا فعد، و علم امير المؤمنين عليه السلام حين قال لاصحابه: اما السب فسبّونى، و علم الائمة عليهم السلام من يكره على الطلاق و العتق و ما اشبه.

(هذا و ربما يستظهر من بعض الاخبار عدم اعتبار العجز عن التفصي بوجه آخر) كالفرار من المكره (غير التورية أيضا)

ص: 328

فى صدق الاكراه مثل رواية ابن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام، قال:

لا يمين فى قطيعة رحم، و لا فى جبر و لا فى اكراه.

قلت: اصلحك الله، و ما الفرق بين الجبر و الاكراه؟ قال: الجبر من السلطان، و يكون الاكراه من الزوجة، و الام، و الأب، و ليس ذلك بشي ء، الخبر، و يؤيده: انه لو خرج عن الاكراه عرفا بالقدرة على التفصي بغير التورية خرج عنه بالقدرة عليها.

______________________________

فكما يصدق الاكراه و ان قدر على التورية، كذلك يصدق الاكراه و ان قدر على الفرار (فى صدق الاكراه) متعلق ب: عدم اعتبار العجز، (مثل رواية ابن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: لا يمين فى قطيعة رحم) فلو حلف ان يقاطع رحمه كانت حلفه باطلة، بل يجب عليه الصلة و لا توجب الصلة عليه كفارة (و لا فى جبر و لا فى اكراه) فاليمين اذا كانت عن جبر او اكراه لا يترتب على حنثها الكفارة.

(قلت: اصلحك الله، و ما الفرق بين الجبر و الاكراه؟ قال: الجبر من السلطان) الّذي يعاقب الانسان الّذي لم يطعه (و يكون الاكراه من الزوجة، و الام، و الأب، و ليس ذلك) الاكراه (بشي ء) فلا يوجب مخالفة اليمين كفارة، فانه من المعلوم امكان التفصي من الزوجة و الابوين و مع ذلك لا يترتب على اليمين التى جاء بها خوفا منهم شي ء، اذا حنث (الخبر و يؤيده) اى عدم اعتبار العجز عن التفصي فى صدق الاكراه (انه لو خرج) الشخص المكره (عن الاكراه عرفا ب) سبب (القدرة على التفصي بغير التورية خرج عنه) اى عن الاكراه (بالقدرة عليها) اى على التورية

ص: 329

لان المناط حينئذ، انحصار التخلص عن الضرر المتوعد به فى فعل المكره عليه.

فلا فرق بين ان يتخلص عنه بكلام آخر، او فعل آخر او بهذا الكلام مع قصد معنى آخر.

و دعوى ان جريان حكم الاكراه مع القدرة على التورية تعبدى، لا

______________________________

أيضا.

فان عدم التفصي إن كان معتبرا فى صدق الاكراه، لزم عدم امكان التورية أيضا، و ان لم يعتبر عدم امكان التفصي فى باب التورية لم يعتبر فى سائر الابواب أيضا.

و انما كان هذا مؤيدا (لان المناط حينئذ) اى حين اشترطنا عدم امكان التفصي- فى صدق الاكراه- (انحصار التخلص عن الضرر المتوعد به فى فعل المكره عليه): عن، متعلق ب: التخلص، و: فى، متعلق ب: انحصار

(فلا فرق) فى عدم صدق الاكراه- اذا كان المناط ذلك- (بين ان يتخلص عنه) اى عن الضرر (بكلام آخر) غير التورية (او فعل آخر)

فاذا لم نشترط التخلص بالتورية، لم نشترط التخلص بفعل آخر أيضا (او بهذا الكلام مع قصد معنى آخر) بالتورية.

(و) ان قلت: هناك فرق بين التفصي بالتورية و بين التفصي بفعل آخر، اذ: ان الشارع حكم بحكم الاكراه و ان امكن التورية، و لم يحكم بحكم الاكراه فيما اذا امكن التفصي بغير التورية.

قلت: (دعوى ان جريان حكم الاكراه مع القدرة على التورية تعبدى لا

ص: 330

من جهة صدق حقيقة الاكراه، كما ترى.

لكن الانصاف ان وقوع الفعل عن الاكراه لا يتحقق الا مع العجز عن التفصي بغير التورية لانه يعتبر فيه ان يكون الداعى عليه هو خوف ترتب الضرر المتوعد به على الترك.

و مع القدرة على التفصي لا يكون الضرر مترتبا على ترك المكره عليه

______________________________

من جهة صدق حقيقة الاكراه.)

فمع امكان التورية: لا اكراه، و لكن الشارع حكم بحكم الاكراه،

و هذا الحكم من الشارع غير متحقق فى باب سائر انحاء التفصي (كما ترى) اذ لم نجد موضعا حكم الشارع بانه مع امكان التورية يتحقق حكم الاكراه لا موضوعه.

بل ظاهر الادلة عدم تحقق موضوع الاكراه- مطلقا- الشامل لصورة امكان التورية أيضا.

هذا غاية ما يمكن ان يقال فى وجه تحقق الاكراه، و ان امكن التفصي بغير التورية.

(لكن الانصاف ان وقوع الفعل عن الاكراه لا يتحقق) و لا يصدق الاكراه عرفا (الا مع العجز عن التفصي بغير التورية) فاذا لم يكن عجز لم يكن اكراه (لانه يعتبر فيه) اى فى باب الاكراه (ان يكون الداعى عليه) اى على الفعل (هو خوف ترتب الضرر المتوعد به على الترك) اى ترك الفعل الاكراهى.

(و) من المعلوم انه (مع القدرة على التفصي لا يكون الضرر مترتبا على ترك المكره عليه) فانه مع امكان الفرار عن الطلاق، لا يكون الضرر مترتبا على

ص: 331

بل على تركه و ترك التفصي معا.

فدفع الضرر يحصل باحد الامرين، من فعل المكره عليه، و التفصي فهو مختار فى كل منهما، و لا يصدر كل منهما الا باختياره فلا اكراه.

و ليس التفصي من الضرر، احد فردى المكره عليه، حتى لا يوجب تخيير الفاعل فيهما سلب الاكراه عنهما.

كما لو اكراهه على احد الامرين حيث يقع كل منهما حينئذ مكرها.

______________________________

ترك الطلاق (بل على تركه و ترك التفصي معا) فانه اذا لم يطلّق و لم يفر تضرر، لا انه اذا لم يطلّق تضرر.

(فدفع الضرر يحصل باحد الامرين من فعل المكره عليه) بان يطلق (و) من (التفصي) بان يفر (فهو مختار فى كل منهما) ان يفر، او يطلّق (و لا يصدر كل منهما الا باختياره) لهذا الفرد الخاص (فلا اكراه).

(و) ان قلت: الاكراه على احد شيئين اكراه على كل منهما، فكما انه لو قال له: طلق او اعتق، كان وقوع احدهما منه اكراها، كذلك اذا:

اكره على الطلاق او الفرار، فاذا طلق و الحال هذا كان طلاقا اكراهيا.

قلت: (ليس التفصي من الضرر احد فردى المكره عليه حتى لا يوجب تخيير الفاعل فيهما) اى فى الفردين (سلب الاكراه عنهما) فانه اذا كان احد فردى المكره، كان كل منهما مكرها عليه.

(كما لو اكرهه على احد الامرين) بان قال له: بع دارك او طلق زوجتك.

فانه ايا منهما اوقعه كان مكرها عليه (حيث يقع كل منهما حينئذ) اى حين كان الاكراه على احدهما (مكرها) عليه.

ص: 332

لان الفعل المتفصى به مسقط عن المكره عليه، لا بدل له.

و لذا لا يجرى عليه احكام المكره عليه اجماعا، فلا يفسد اذا كان عقدا.

و ما ذكرناه و ان كان جاريا فى التورية الا ان الشارع رخص فى ترك التورية، بعد عدم امكان التفصي بوجه آخر.

______________________________

و انما قلنا: التفصي ليس مكرها عليه، (لان الفعل المتفصى به مسقط عن المكره عليه، لا بدل له).

و فرق بين ان يقول المكره بع دارك، او طلق زوجتك، حيث يقع كل منهما مكرها عليه، و بين ان يقول طلق زوجتك، فيفر المكره عليه ببيع داره و الانتقال منها كيلا يعرف المكره مكان الزوجة- مثلا- فيجبره على الطلاق.

(و لذا) الّذي ذكرنا ان المتفصى به ليس احد فردى المكره عليه (لا يجرى عليه احكام المكره عليه اجماعا) فاذا باع داره، ليقول للمكره: طلقت زوجتى، لم يكن بيع الدار مكرها عليه، و باطلا بل يقع صحيحا (فلا يفسد اذا كان) المتفصى به (عقدا).

و لذا لا يكون الفرار عن الاكراه، احد شقى المكره عليه، حتى يكون الاكراه- الممكن فيه الفرار- اكراها على الشي ء، اذا امكنه الفرار و لم يفر.

(و ما ذكرناه) من ان امكان الفرار يوجب عدم تحقق الاكراه- اذا لم يفر، و اوقع المكره عليه- (و إن كان جاريا فى التورية) اذ: امكان التورية يوجب عدم صدق الاكراه على اللفظ، اذا لم يورّ فيه (الا ان الشارع رخص فى ترك التورية) حيث اطلق الاكراه، و إن كان امكن التورية، و لم يقل ان الاكراه انما هو اذا لم يتمكن من التورية (بعد عدم امكان التفصي بوجه آخر) كالفرار

ص: 333

لما ذكرنا من ظهور النصوص، و الفتاوى، و بعد حملها على صورة العجز عن التورية.

مع ان العجز عنها لو كان معتبرا لأشير إليها فى تلك الاخبار الكثيرة المجوزة للحلف كاذبا عند الخوف و الاكراه، خصوصا فى قضية عمار، و ابويه، حيث اكرهوا على الكفر فابى ابواه فقتلا، و اظهر لهم عمار ما ارادوا فجاء باكيا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فنزلت الآية:

______________________________

من عند يد المكره.

و الحاصل: انه ان دار الامر بين الفعل و الفرار، لم يكن اكراه على الفعل، و ان دار الامر بين اللفظ و التورية، كان اكراه على اللفظ- و ان امكن التورية و لم يورّ-

و انما قلنا: ان الشارع رخص (لما ذكرنا من ظهور النصوص و الفتاوى) فى تحقق الاكراه، و ان امكن التورية (و بعد حملها) اى النصوص و الفتاوى (على صورة العجز عن التورية) حتى نقول: بعدم تحقق الاكراه، اذا امكن التورية و لم يورّ.

(مع ان العجز عنها) اى عن التورية، و هذا من تتمة الدليل، لا دليل آخر (لو كان معتبرا) فى تحقق الاكراه (لأشير إليها فى تلك الاخبار الكثيرة المجوزة للحلف كاذبا عند الخوف و الاكراه) لو لم يحلف (خصوصا فى قضية عمار، و ابويه، حيث اكرهوا على الكفر) من جانب كفار مكة (فابى ابواه) التلفظ بالكفر (فقتلا، و اظهر لهم عمار ما ارادوا) من التلفظ بالكفر (فجاء باكيا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله) خائفا من تلفظه بالكفر (فنزلت الآية:)

ص: 334

مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ان عادوا عليك، فعدو لم ينبّهه على التورية فان التنبيه فى المقام و ان لم يكن واجبا الا انه لا شك فى رجحانه خصوصا من النبي صلى اللّه عليه و آله باعتبار شفقته على عمار، و علمه بكراهة تكلم عمار بألفاظ الكفر من دون تورية، كما لا يخفى.

______________________________

لتبرير ساحة عمار (مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ) يعفى له كذا من العقاب (إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ) فانه لا يضرّه التلفظ بالكفر (فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ان عادوا عليك) و طلبوا منك التلفظ بلفظ الكفر (فعد) و قل ما شاءوا: فانه لا يضرك (و لم ينبّهه) الرسول صلى اللّه عليه و آله (على التورية).

ان قلت: ليس التنبيه واجبا لانه من الموضوعات.

قلت: (فان التنبيه فى المقام و ان لم يكن واجبا الا انه لا شك فى رجحانه خصوصا من النبي صلى اللّه عليه و آله) الّذي كان يرشد الناس، حتى الى امور دنياهم بالاخص (باعتبار شفقته على عمار، و علمه بكراهة تكلم عمار بألفاظ الكفر من دون تورية، كما لا يخفى).

بل ربما يقال: بوجوب الارشاد لانه من ارشاد الجاهل و كيف يقول له النبي صلى اللّه عليه و آله: ان عادوا فعد،؟ مع انه لا يجوز له ان يعود، و الحال انه قادر على التورية فهو كان يقول: اشرب الخمر، بدون ان يقيده بعدم امكان الفرار.

بل يظهر أيضا من قول على عليه السلام: اما السبّ فسبّونى.

ص: 335

هذا و لكن الاولى ان يفرق بين امكان التفصي بالتورية، و امكانه بغيرها بتحقق الموضوع فى الاول، دون الثانى لان الاصحاب- وفاقا للشيخ فى المبسوط- ذكروا من شروط تحقق الاكراه ان يعلم، او يظن المكره بالفتح- انه لو امتنع ما اكره عليه وقع فيما توعد عليه.

و معلوم ان المراد: ليس امتناعه عنه فى الواقع و لو مع اعتقاد المكره- بالكسر-

______________________________

(هذا و لكن الاولى ان يفرق بين امكان التفصي بالتورية، و امكانه بغيرها) من الفرار، او نحو ذلك (بتحقق الموضوع) للاكراه (فى الاول) اى التورية (دون الثانى) اى التفصي بغيرها.

فلو تمكن من التورية و لم يورّ صدق الاكراه.

و لو تمكن من الفرار و لم يفر لم يصدق الاكراه.

فالفرق بينهما فى تحقق الموضوع و عدمه، لا فى ان كليهما ليسا من موضوع الاكراه، و انما الحكم يختلف فيهما، فاحدهما يحكم بحكم الاكراه دون الآخر (لان الاصحاب- وفاقا للشيخ فى المبسوط- ذكروا من شروط تحقق الاكراه) موضوعا (ان يعلم، او يظن المكره- بالفتح- انه لو امتنع ما اكره عليه وقع فيما توعد عليه) من المحذور.

(و معلوم) ان هذا الميزان يصدق و ان تمكن من التورية، و لا يصدق فيما اذا تمكن من التفصي بغيرها.

و ذلك ل (ان المراد) للشيخ (ليس امتناعه) اى المكره- بالفتح- (عنه) اى عن المكره- بالكسر- (فى الواقع و لو مع اعتقاد المكره- بالكسر-

ص: 336

عدم الامتناع.

بل المعيار فى وقوع الضرر اعتقاد المكره لامتناع المكره.

و هذا المعنى يصدق مع امكان التورية، و لا يصدق مع التمكن من التفصي بغيرها لان المفروض تمكنه من الامتناع مع اطلاع المكره عليه، و عدم وقوع الضرر عليه.

و الحاصل ان التلازم بين امتناعه و وقوع الضرر الّذي هو المعتبر

______________________________

عدم الامتناع).

اذا فالتورية امتناع فى الواقع، و ذلك لا ينافى الاكراه.

لما عرفت من ان المناط: الامتناع ظاهرا.

فكلما تحقق الامتناع الظاهرى و اوجب الوقوع فى المحذور صدق الاكراه.

(بل المعيار فى وقوع الضرر اعتقاد المكره)- بالكسر- (لامتناع المكره)- بالفتح-.

(و هذا المعنى يصدق مع امكان التورية، و لا يصدق مع التمكن من التفصي بغيرها) كالفرار من الظالم (لان المفروض تمكنه من الامتناع مع اطلاع المكره عليه، و عدم وقوع الضرر عليه) فانه لو فرّ علم الظالم بامتناعه و لم يتمكن مع وقوع الضرر عليه، فلا يتحقق موضوع الاكراه فى صورة التمكن- مثلا-

(و الحاصل) من الفرق بين التمكن بالتفصى بسبب التورية، او بسبب غيرها (ان التلازم بين امتناعه) اى المكره- بالفتح- (و وقوع الضرر الّذي هو المعتبر

ص: 337

فى صدق الاكراه موجود، مع التمكن بالتورية، لا مع التمكن بغيرها، فافهم.

ثم ان ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي: انما هو فى الاكراه المسوغ للمحرمات، و مناطه توقف دفع ضرر المكره على ارتكاب المكره عليه

______________________________

فى صدق الاكراه موجود، مع التمكن بالتورية).

لان المراد بالامتناع الظاهرى (لا مع التمكن بغيرها) فان الفرار يوجب عدم وقوع الضرر (فافهم) اذ: الامتناع فى كل من التورية و الفرار ممكن، و لا يوجب الضرر، فالامتناع فى التورية واقعى لا يعرفه المكره- بالكسر- و الامتناع فى الفرار ظاهرى يعرفه المكره.

و من المعلوم ان عرفان المكره- بالكسر- لا مدخلية له.

الا ترى انه لو جبره بشرب الخمر، لكنه يتمكن ان يشرب الماء بحيث يزعم الظالم انه خمر، لم يجز له شرب الخمر، و إن كان الظالم يظنه خمرا، فان الامتناع هنا ليس بظاهرى، و مع ذلك لا يصدق الاكراه.

فصدق الاكراه متوقف على عدم امكان التفصي باى وجه كان- واقعا او ظاهرا- فلو امكن التفصي و لو واقعا لم يصدق الاكراه.

(ثم ان ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي) فى صدق الاكراه، و ترتب حكم الاكراه (انما هو فى الاكراه المسوغ للمحرمات، و مناطه) اى مناط تحقق هذا الاكراه (توقف دفع ضرر المكره) بالكسر (على ارتكاب المكره عليه) بحيث لو لم يأت المجبور بما اجبر تضرر من الجابر.

ص: 338

و اما الاكراه الرافع لاثر المعاملات، فالظاهر ان المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة.

و قد يتحقق مع امكان التفصي، مثلا من كان قاعدا فى مكان خاص خال عن الغير متفرغا لعبادة، او مطالعة فجائه من اكرهه على بيع شي ء مما عنده، و هو فى هذه الحال، غير قادر على دفع ضرره، و هو كاره للخروج عن ذلك المكان لكن لو خرج كان له فى الخارج خدم يكفونه شر المكره.

فالظاهر: صدق الاكراه حينئذ بمعنى عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي ء، بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده، و توقف دفع ضرر اكراه الشخص على امر خدمه.

______________________________

(و اما الاكراه الرافع لاثر المعاملات، فالظاهر ان المناط فيه عد طيب النفس بالمعاملة) و ان امكن التفصي و لو يتفصّ.

(و قد يتحقق) عدم طيب النفس (مع امكان التفصي، مثلا من كان قاعدا فى مكان خاص خال عن الغير) فى حالكونه (متفرغا لعبادة، او مطالعة فجائه من اكرهه على بيع شي ء مما عنده) بحيث لو لم يبع اضره باخذ دينار منه اعتباطا- مثلا- (و هو فى هذه الحال) الّذي يريد فيها البقاء فى ذلك المكان (غير قادر على دفع ضرره، و هو كاره للخروج عن ذلك المكان لكن لو خرج كان له فى الخارج خدم يكفونه شر المكره) بالكسر.

(فالظاهر: صدق الاكراه حينئذ) فى هذه المعاملة (بمعنى عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي ء) فالبيع باطل و ان امكن التفصي (بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده، و توقف دفع ضرر اكراه الشخص على امر خدمه

ص: 339

بدفعه و طرده.

فان هذا لا يتحقق فى حقه الاكراه، و يكذب لو ادعاه.

بخلاف الاول اذا اعتذر فكراهة الخروج عن ذلك المنزل، و لو فرض فى ذلك المثال، اكراهه على محرم، لم يعذر بمجرد كراهة الخروج عن ذلك المنزل و قد تقدم الفرق بين الجبر و الاكراه، فى رواية ابن سنان.

______________________________

بدفعه و طرده) و لم يكن فى ذلك محذور.

(فان هذا) الشخص (لا يتحقق فى حقه الاكراه، و يكذب لو اعاده) بان قال: انى كنت مكرها، و لا طيب لنفسى فى هذه المعاملة التى اجريتها، فهى باطلة.

(بخلاف الاول) الّذي كان خدمه خارجا، و هو لا يريد الخروج (اذا اعتذر، فكراهة الخروج عن ذلك المنزل، و لو فرض فى ذلك المثال) و هو ما اذا اراد المطالعة او العبادة فى المحل المخلى (اكراهه على محرم) فارتكبه اعتذارا بانه لم يرد الخروج (لم يعذر) فى ذلك المحرم (بمجرد) انه ارتكبه ل (كراهة الخروج عن ذلك المنزل).

فتحقق الفرق بين الاكراه على المعاملة، و انه يتحقق بكراهة الخروج لعدم طيب النفس حينئذ.

و بين الاكراه على المحرم، و انه يتوقف على عدم امكان التفصي.

(و) الّذي يؤيّد الفرق المذكور هو ما (قد تقدم) من (الفرق بين الجبر و الاكراه، فى رواية ابن سنان) حيث ذكر الجبر من السلطان، و الاكراه من المرأة، و الأب، و الام.

ص: 340

فالاكراه المعتبر فى تسويغ المحظورات هو الاكراه بمعنى الجبر المذكور، و الرافع لاثر المعاملات، هو: الاكراه الّذي ذكر فيها انه قد يكون من الأب، و الوالد، و المرأة، و المعيار فيه: عدم طيب النفس فيها، لا الضرورة، و الالجاء، و ان كان هو المتبادر من لفظ الاكراه.

و لذا يحمل الاكراه فى حديث: الرفع، عليه، فيكون الفرق

______________________________

فان هذه الرواية تؤيّد تحقق الاكراه من الزوجة.

و من المعلوم ان المراد اكراهها له على المحرم، بل على ايقاع معاملة او نحوها.

(فالاكراه المعتبر فى تسويغ المحظورات) سواء كان ترك واجب، او فعل حرام (هو الاكراه بمعنى الجبر المذكور، و) اما الاكراه (الرافع لاثر المعاملات هو: الاكراه الّذي ذكر فيها) اى فى تلك الرواية (انه قد يكون من الأب، و الوالد، و المرأة، و المعيار فيه) اى فى الاكراه الرافع لاثر المعاملات (عام طيب النفس فيها) اى فى المعاملات (لا الضرورة و الالجاء) بحيث لا يمكن التفصي (و إن كان هو) اى الالجاء و الضرورة (المتبادر من لفظ الاكراه) بقول مطلق.

و الحاصل انا حيث نعلم بان الكره الموجب لفعل المحرم لا يتحقق بسبب الزوجة نحمل الكره فى الرواية على الكره فى المعاملة الحاصل بعدم طيب النفس، و ان امكن الفرار.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان المتبادر من الاكراه، الاضطرار، و الالجاء (يحمل الاكراه فى حديث: الرفع، عليه) اى على الجاء (فيكون الفرق

ص: 341

بينه و بين الاضطرار المعطوف عليه فى ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل، لا من فعل الغير كالجوع، و العطش، و المرض.

لكن الداعى على اعتبار ما ذكرنا فى المعاملات، هو: ان العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب النفس حيث استدلوا على ذلك بقوله تعالى:

تجارة عن تراض، و: لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه، و عموم

______________________________

بينه) اى بين الاكراه (و بين الاضطرار) الوارد فى حديث الرفع (المعطوف عليه فى ذلك الحديث، اختصاص الاضطرار بالحاصل، لا من فعل الغير كالجوع، و العطش، و المرض) سواء كانت مقدمات ذلك من فعل الغير كان يمنعه عن طعامه حتى يضطر جوعا أم لا؟

(لكن) استدراك عن قوله: هو المتبادر، اى ان المتبادر من: الاكراه الالجاء.

و انما قلنا لا يعتبر فى المعاملات الالجاء، و انما يكفى بعض الاكراه و ان امكن التفصي عنه.

لما ذكره بقوله: ان (الداعى على اعتبار ما) اى معنى الاكراه الّذي (ذكرنا فى المعاملات، هو: ان العبرة فيها) اى فى المعاملات (بالقصد) الى المعاملة (الحاصل عن طيب النفس) و مع الكره لا طيب للنفس.

و انما اعتبرنا فيها طيب النفس (حيث استدلوا على ذلك بقوله تعالى:

تجارة عن تراض، و) قوله عليه السلام: (لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه، و عموم) ما دل على

ص: 342

اعتبار الإرادة فى صحة الطلاق.

و خصوص ما ورد فى فساد طلاق من طلق للمداراة مع عياله.

فقد تلخص مما ذكرنا ان الاكراه الرافع لاثر الحكم التكليفى، اخص من الرافع لاثر الحكم الوضعى، و لو لوحظ ما هو المناط فى رفع كل منهما من دون ملاحظة عنوان الاكراه كانت النسبة بينهما العموم من وجه، لان المناط فى رفع الحكم التكليفى، هو: دفع الضرر، و

______________________________

(اعتبار الإرادة فى صحة الطلاق).

فان العموم شامل لسائر العقود و الايقاعات، بل المناط كاف، و ان لم يكن عموم.

(و خصوص ما ورد فى فساد طلاق من طلق للمداراة مع عياله) و ليس ذلك الا لاجل عدم طيب النفس، و الا فالمداراة تقابل الاكراه.

(فقد تلخص مما ذكرنا ان الاكراه الرافع لاثر الحكم التكليفى) بان يسقط الحرام عن حرمته، و الواجب عن وجوبه (اخص من الرافع لاثر الحكم الوضعى) بان يوجب بطلان البيع و الطلاق و ما اشبه.

و وجه الاخصية ان الرافع للحكم التكليفى: هو الاكراه بدون مناص، و الرافع للحكم الوضعى: هو الاكراه مطلقا، اى و لو كان هناك مناص.

اذ عدم طيب النفس كاف فى بطلان المعاملة (و لو لوحظ ما هو المناط فى رفع كل منهما) اى من الحكم التكليفى و الحكم الوضعى (من دون ملاحظة عنوان الاكراه، كانت النسبة بينهما: العموم من وجه).

و ذلك (لان المناط فى رفع الحكم التكليفى، هو: دفع الضرر و)

ص: 343

فى رفع الحكم الوضعى، هو: عدم الإرادة، و طيب النفس.

و من هنا لم يتأمل احد فى انه اذا اكره الشخص على احد الامرين المحرمين لا بعينه، فكل منهما وقع فى الخارج، لا يتصف بالتحريم، لان المعيار فى دفع الحرمة، دفع الضرر المتوقف على فعل احدهما.

______________________________

المناط (فى رفع الحكم الوضعى، هو: عدم الإرادة و) عدم (طيب النفس) فيجتمعان فى مورد دفع الضرر، و عدم طيب النفس، كما لو اجبره على طلاق زوجته و لا مناص له فى الفرار.

و يكون الاكراه التكليفى فقط دون الوضعى فى مورد دفع الضرر مع طيب النفس، كما لو اجبره على شرب الخمر بحيث يقتله لو لم يشرب، و لا مناص له، لكنه يرضى بالشرب.

و يكون الاكراه الوضعى فقط دون التكليفى فى مورد كره النفس مع امكان التفصي كما لو اكرهته زوجته بطلاق الضرة مع امكانه عدم طلاقها.

(و من هنا) اى وجود الفرق بين الاكراهين التكليفى و الوضعى، و اختلاف مناطهما (لم يتأمل احد فى انه اذا اكره الشخص على احد الامرين المحرمين لا بعينه) كما لو اكرهه على شرب احد الإناءين، و هما خمر، او اكرهه على خمر، او نجس (فكل منهما وقع فى الخارج، لا يتصف بالتحريم).

و ذلك (لان المعيار فى رفع الحرمة دفع الضرر المتوقف على فعل احدهما)، فالاكراه موجود فى الجامع بينهما.

ص: 344

اما لو كانا عقدين او إيقاعين كما لو اكره على طلاق احدى زوجتيه فقد استشكل غير واحد فى ان ما يختاره من الخصوصيين بطيب نفسه و يرجحه بدواعيه النفسانية الخارجة عن الاكراه مكره عليه باعتبار جنسه أم لا؟ بل افتى فى القواعد: بوقوع الطلاق، و عدم الاكراه.

و ان حمله بعضهم على ما اذا قنع المكره بطلاق

______________________________

و ذلك يكفى فى اتصاف كل منهما بالاكراه فانه اذا لم يفعل احدهما تضرّر.

(اما لو كانا) الامران المكره على احدهما (عقدين) كنكاحين او بيعين (او ايقاعين) كطلاقين و عتقين (كما لو اكره على طلاق احدى زوجتيه فقد استشكل غير واحد) من الفقهاء (فى ان ما يختاره من الخصوصيين) كطلاق هند مثلا (بطيب نفسه) اذ الاختيار لهذه على تلك بطيب النفس، و انما الاكراه على الجامع (و يرجحه) على الآخر ترجيحا (بدواعيه النفسانية الخارجة عن الاكراه).

مثلا انه يرجح زينب على هند، و لذا اذا دار الامر بينهما يرجح بقاء زينب تبعا لداعيه النفسانى، و إن كان فى اصل الطلاق مكرها (مكره عليه باعتبار جنسه أم لا؟) هذا خبر قوله: ان ما يختاره، (بل افتى فى القواعد: بوقوع الطلاق، و عدم الاكراه).

لان المعيار فى الاكراه فى هذا الباب عدم طيب النفس، و هاهنا يوجد طيب النفس، لانه بطيب نفسه يرجح طلاق هند على طلاق زينب.

(و ان حمله) اى كلام القواعد (بعضهم على ما اذا قنع المكره بطلاق

ص: 345

إحداهما مبهمة.

لكن المسألة عندهم غير صافية عن الاشكال، من جهة مدخلية طيب النفس فى اختيار الخصوصية و إن كان الاقوى- وفاقا لكل من تعرض للمسألة- تحقق الاكراه لغة و عرفا.

مع انه لو لم يكن هذا مكرها عليه لم يتحقق الاكراه اصلا.

______________________________

إحداهما مبهمة).

كما لو اكرهه الظالم بان يطلق احدى زوجتيه، و كان قانعا بان يقول الزوج: طلقت إحداهما، مما لا يقع طلاق معه، فباختياره قال: طلقت هندا فانه يقع الطلاق اذ لم يكن مجبورا فى الطلاق، بل كان له المناص.

(لكن المسألة) اى مسئلة الاكراه على إحداهما (عندهم غير صافية عن الاشكال، من جهة مدخلية طيب النفس فى اختيار الخصوصية) فلا اكراه و من جهة الاكراه على الجامع بحيث لولاه لم يطلق، فهو اكراه (و إن كان الاقوى- وفاقا لكل من تعرض للمسألة- تحقق الاكراه لغة و عرفا) فان كل واحد من المكره و المكره عليه قد يكون واحد او قد يكون احد الشخصين او الامرين، كما لو اكرهه زيد او عمرو، او اكره زيد خالدا او بكرا، او اكره زيد عمرو اعلى بيع الثبوت او الدار، او اكره احد شخصين، زيدا او عمروا، على بيع الثوب او الدار- فى صورة التعدد فى كل الجوانب-.

(مع انه لو لم يكن هذا) المجبر على طلاق احدى زوجتيه (مكرها عليه لم يتحقق الاكراه) فى الخارج (اصلا) الا نادرا.

ص: 346

اذ الموجود فى الخارج دائما احدى خصوصيات المكره عليه.

اذ لا يكاد يتفق الاكراه بجزئى حقيقى من جميع الجهات.

نعم: هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية، و إن كان مكرها عليه من حيث القدر المشترك بمعنى ان وجوده الخارجى ناش عن اكراه و اختيار.

و لذا لا يستحق المدح و الذم باعتبار اصل الفعل، و يستحقه باعتبار الخصوصية.

______________________________

(اذ الموجود فى الخارج دائما احدى خصوصيات المكره عليه) و انما الاكراه على الجامع.

(اذ لا يكاد يتفق الاكراه بجزئى حقيقى من جميع الجهات).

مثلا لو اجبره على طلاق زوجته، فان خصوصيات الزمان و المكان، و كيفية اجراء الصيغة و ما اشبه، كلها تكون باختياره، اذ المكره لا يجبر الا على اصل الطلاق.

(نعم: هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية، و إن كان مكرها عليه من حيث القدر المشترك) فيجتمع فى هذا الفرد الخارجى الاكراه و الاختيار (بمعنى ان وجوده الخارجى ناش عن اكراه) بالجامع (و اختيار) للخصوصية.

(و لذا) الّذي كان هذا الفرد جامعا للامرين (لا يستحق المدح و الذم باعتبار اصل الفعل) لانه ليس باختياره (و يستحقه باعتبار الخصوصية) التى اختارها على ما سواها، فاذا طلق هندا، بعد ان اجبره على طلاق هند او زينب ليسأل عن انه لما اختار طلاق هند على طلاق زينب؟ فقد يكون

ص: 347

و تظهر الثمرة فيما لو ترتب اثر على خصوصية المعاملة الموجودة فانه لا يرتفع بالاكراه على القدر المشترك مثلا لو اكرهه على شرب الماء او شرب الخمر، لم يرتفع تحريم الخمر، لانه مختار فيه و إن كان مكرها فى اصل الشرب

______________________________

ذلك لاجل انطباق الكلى فقط، و قد يكون لترجيح فى طلاقها.

و المدح و الذم انما هما فى صورة الترجيح لا مجرد وجود الكلى فيها كما لا يخفى

(و تظهر الثمرة) فى كون الخصوصية غير مكرهة (فيما لو ترتب اثر على خصوصية المعاملة الموجودة، فانه لا يرتفع بالاكراه على القدر المشترك مثلا) لو اكرهه على طلاق زوجته، او طلاق اجنبية- زاعما انها زوجته أيضا فطلق الزوجة كان الطلاق صحيحا، اذ: لا اكراه على طلاقها، و امكان التفصي باجراء صورة طلاق الاجنبية ان لم يكن هناك محذور آخر، او كان بحيث لم يعلم ذلك، حتى صدر منه طلاق الزوجة كرها.

و كذا (لو اكرهه على شرب الماء او شرب الخمر، لم يرتفع تحريم الخمر، لانه مختار فيه) اى فى هذا الشرب (و إن كان مكرها فى اصل الشرب).

فان الحرام لا يحل، اذا كان طرفه حلالا.

نعم يحل اذا كان طرفه حراما آخر مساويا له، او اقل حرمة منه.

و تفصيل الكلام انه لو كان المكره عليه احد شيئين،

فإن كان كلاهما حراما لوحظ اقلهما حرمة- إن كان بينهما اقل- و الّا جاز ارتكاب ايهما شاء.

و إن كان احدهما حلالا فإن كان فى الحلال ضرر على نفسه، لوحظ

ص: 348

و كذا لو اكرهه على بيع صحيح او فاسد، فانه لا يرتفع اثر الصحيح، لانه مختار فيه، و إن كان مكرها فى جنس البيع.

لكنه لا يترتب على الجنس اثر يرتفع بالاكراه.

و من هنا

______________________________

الاهم من الضرر المرفوع و الحرام، كما لو اكرهه على طلاق زوجته او شرب الخمر.

و ذلك لان الشارع رفع الضرر فليس يقدّم الحلال و الحال هذه- اى ان الحلال اكثر ضررا فى نفسه من حرمة الحرام- على الحرام.

و ان لم يكن فى الحلال ضرر كمثال الماء و الخمر، قدم الحلال قطعا.

(و كذا لو اكرهه على بيع صحيح او فاسد، فانه لا يرتفع اثر الصحيح لانه مختار فيه، و إن كان مكرها فى جنس البيع).

و ذلك فيما اذا لم يكن فى البيع الفاسد ضرر خارجى، كما انه لو اجرى البيع الفاسد كان موجبا لحرام آخر، مثلا خيّره بين بيع داره او بيع دار زيد، فيما لا يرضى زيد بالبيع، و كان بيعه لدار زيد ضررا على زيد لان الغاصب يجعل البيع ذريعة لاغتصابها منه.

(لكنه لا يترتب على الجنس اثر يرتفع) ذلك الاثر (بالاكراه).

مثلا لو نذر ان لا يجرى لفظ البيع لا صحيحا و لا فاسدا، لم يلزمه الحنث و الكفارة.

لان الجامع مكره عليه، و المفروض ان الجامع هو ذو الاثر.

(و من هنا) الّذي ذكرنا من ان اكراه احد امرين لا يكون اكراها

ص: 349

يعلم انه لو اكره على بيع مال، او ايفاء مال مستحق لم يكن اكراها لان القدر المشترك بين الحق و غيره، اذا اكره عليه لم يقع باطلا.

و الا لوقع الايفاء أيضا باطلا.

فاذا اختار البيع صح، لان الخصوصية غير مكره عليها، و المكره عليه و هو القدر المشترك- غير مرتفع الاثر.

و لو اكرهه على بيع مال، او اداء مال غير مستحق، كان اكراها.

______________________________

لخصوص احدهما (يعلم انه لو اكره على بيع مال، او ايفاء مال مستحق) كما لو قال له اما بع دارك، او اعطنى المطلب الّذي استحقه منك (لم يكن اكراها) على بيع المال.

و ذلك (لان القدر المشترك بين الحق و غيره، اذا اكره عليه لم يقع باطلا) اذ: لو صح احد الفردين لم يكن الجامع باطلا.

(و الا) يكن كذلك، بل كان اكراه الجامع اكراها لكل من الفردين (لوقع الايفاء أيضا باطلا).

و الحال ان الايفاء ليس بباطل، فالبيع ليس بمكره عليه.

(فاذا اختار البيع) فى المثال السابق (صح لان الخصوصية) الموجودة فى البيع (غير مكره عليها، و المكره علية و هو القدر المشترك-) بين البيع و الايفاء (غير مرتفع الاثر).

و ذلك لعدم اثر محرّم للنجس، فهو من قبيل السابقة بانتفاء الموضوع.

(و لو اكرهه على بيع مال، او اداء مال غير مستحق، كان اكراها).

ص: 350

لانه لا يفعل البيع الا فرارا من بدله او وعيده المضرين، كما لو اكرهه على بيع داره، او شرب الخمر فان ارتكاب البيع للفرار عن الضرر الاخروى ببدله، او التضرر الدنيوى بوعيده.

ثم ان اكراه احد الشخصين على فعل واحد، بمعنى الزامه عليهما كفاية و ايعاد هما على تركه.

______________________________

فكل من الفردين مكره عليه، فاذا باع كان باطلا.

(لانه لا يفعل البيع الا فرارا من بدله) الّذي هو اعطاء مال غير مستحق (او) فرارا من (وعيده المضرين) صفة: بدله، او: وعيده.

فيكون حال هذا المثال (كما لو اكرهه على بيع داره او شرب الخمر) فباع الدار، كان البيع باطلا (فان ارتكاب البيع) فى هذا الحال انما هو (للفرار عن الضرر الاخروى ببدله) اى شرب الخمر (او التضرر الدنيوى بوعيده) باخذ المال منه.

(ثم ان اكراه) المكره (احد الشخصين على فعل واحد، بمعنى الزامه عليهما كفاية).

كما لو قال: لزيد و عمرو، لا بد و ان يشرب احد كما الخمر، او قال: لا بد و ان يبيع داره، او قال: لا بدّ لاحد كما اما ان يشرب الخمر او يبيع داره بإلزامه عليهما كفاية (و ايعاد هما على تركه).

سواء كان الايعاد لهما، كما لو قال: فان لم تفعلا قتلتكما.

او الايعاد لاحدهما، كما لو قال: قتلت احدكما

اذ العقاب المردد أيضا محل خوف الضرر الموجب لجواز الارتكاب

ص: 351

كاكراه شخص واحد على احد الفعلين فى كون كل منهما مكرها.

و اعلم: ان الاكراه قد يتعلق بالمالك و العاقد كما تقدم.

و قد يتعلق بالمالك، دون العاقد، كما لو اكره على التوكيل فى بيع ماله فان العاقد قاصد مختار، و المالك مجبور، و هو داخل فى العقد الفضولى، بعد ملاحظة عدم تحقق الوكالة مع الاكراه

______________________________

للحرام، و ارتفاع الاثر (كاكراه شخص واحد على احد الفعلين فى كون كل منهما مكرها) يجوز ارتكاب الحرام معه.

كما انه لو اوقع العقد، و الايقاع لم يكن له اثر.

(و اعلم: ان الاكراه قد يتعلق بالمالك و العاقد كما تقدم) سواء كان اثنين، او واحدا؟

(و قد يتعلق بالمالك، دون العاقد، كما لو اكره على التوكيل فى بيع ماله) او اكرهه على البيع فوكّل هو باختياره شخصا ليجرى عقد البيع (فان العاقد) فى الصورتين (قاصد مختار، و المالك مجبور، و هو داخل فى العقد الفضولى) لانه بيع بدون رضى المالك.

اذ الفضولى اعم من عدم علم المالك، او نهيه و عدم رضاه.

نعم عدم الاجازة اللاحق للعقد الفضولى رافع. لاثره، كما حقق فى باب الفضولى (بعد ملاحظة عدم تحقق الوكالة مع الاكراه).

اذ: الاكراه فى الوكالة يوجب عدم تحقق الوكالة، بل و كذا لا تتحقق الوكالة فيما اذا اكره على البيع، و ان وكل اختيارا.

اذ متعلق الوكالة باطل، فهو كما لو و كل فى بيع مال غيره، حيث تقع

ص: 352

و قد ينعكس.

كما لو قال: بع مالى، او طلّق زوجتى، و الا قتلتك.

و الاقوى هنا: الصحة لان العقد هنا- من حيث انه عقد- لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود فى المكره اذا كان عاقدا، و الرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض فهذا اولى من المالك المكره على العقد اذا رضى لاحقا.

______________________________

الوكالة باطلة.

(و قد ينعكس) بان يكون الوكيل مجبورا دون الموكل.

اذ: قد يكونان مختارين، و قد يكونان مجبورين و قد يكون الموكل مجبورا دون الوكيل، و قد يكون الوكيل مجبورا دون الموكل.

(كما لو قال) الجابر- لمن يريد توكيله- (بع مالى، او طلق زوجتى و الا قتلتك) فطلق او باع مجبورا، فى اجراء العقد و الايقاع.

(و الاقوى هنا: الصحة لان العقد هنا- من حيث انه عقد) فى قبال العقد الّذي وقع على الشي ء المجبور فيه، كما لو كان المالك مجبورا على البيع (لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود فى المكره) بالفتح (اذا كان) المكره (عاقدا، و الرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض) لفرض كونه راضيا (فهذا) العقد (اولى) بالصحة (من) عقد (المالك المكره على العقد اذا رضى لاحقا) بعد العقد.

و وجه الاولوية واضح، اذ: فى المالك المكره، لا رضى بالمضمون و لا باجراء العقد، و هنا يوجد الرضا بالمضمون و انما لا يوجد الرضا بالاجراء

ص: 353

و احتمل فى المسالك: عدم الصحة نظرا الى ان الاكراه يسقط حكم اللفظ.

كما لو امر المجنون بالطلاق، فطلقها.

ثم قال: و الفرق بينهما ان عبارة المجنون مسلوبة بخلاف المكره فان عبارته مسلوبة لعارض تخلف القصد، فاذا كان الامر قاصدا لم يقدح اكراه المأمور انتهى، و هو حسن.

______________________________

فقط.

(و احتمل فى المسالك: عدم الصحة) لما اذا كان العاقد كارها لاجراء العقد، و إن كان المالك راضيا، (نظرا الى ان الاكراه يسقط حكم اللفظ) لاطلاق دليل: رفع ما استكرهوا عليه.

(كما لو امر المجنون بالطلاق فطلقها).

فكما ان لفظ المجنون لا اثر له، كذلك لفظ المكره- بالفتح.

(ثم قال) المسالك (و الفرق بينهما) اى المكره و المجنون (ان عبارة المجنون مسلوبة) ذاتا، فهى كعبارة الببغاء، لا مقتضى لها (بخلاف، المكره، فان عبارته مسلوبة لعارض تخلف القصد).

فهنا المانع موجود، لا ان المقتضى مفقود (فاذا كان الامر) الّذي امر المكره باجراء صيغة العقد (قاصدا) للمعاملة (لم يقدح اكراه المأمور) اى المكره الحاصل فى جريان اللفظ (انتهى) كلام الشهيد (و هو حسن) و إن كان يرد عليه ان دليل رفع الاكراه منصرف عن مثل اللفظ، فاللفظ اثر، و إن كان المكره حاصلا فى اجرائه.

ص: 354

و قال: أيضا لو اكره الوكيل على الطلاق، دون الموكل ففى صحته وجهان أيضا، من: تحقق الاختيار فى الموكل المالك، و من: سلب عبارة المباشر، انتهى.

و ربما يستدل على فساد العقد فى هذين الفرعين بما دل على رفع حكم الاكراه.

و فيه ما سيجي ء من انه: انما يرفع حكما ثابتا على المكره، لو لا الاكراه

______________________________

(و قال) الشهيد (أيضا لو اكره الوكيل على الطلاق، دون الموكل) كما لو اجبر الزوج زيدا على ان يطلق زوجته، فاجرى زيد صيغة الطلاق (ففى صحته وجهان أيضا) كالوجهين فى باب البيع (من: تحقق الاختيار فى الموكل المالك) للفرج، فيصح الطلاق (و من سلب عبارة المباشر) لانه لا قصد له (انتهى) كلام الشهيد.

(و ربما يستدل على فساد العقد فى هذين الفرعين) البيع و الطلاق و كذا سائر العقود- او المراد بالفرعين، فرع الكره لفظا، و فرع الكره لفظا و معنى- فى المالك المكره على اجراء العقد- حيث قلنا سابقا انه اذا لحقه الرضا، صحّ (بما دل على رفع حكم الاكراه) فلا يصح الطلاق او البيع اذا كان الوكيل فى اجراء الصيغة مكرها و كذلك لا يصح اذا اكره المالك ثم رضى، لعموم دليل: الاكراه.

(و فيه ما سيجي ء من انه) اى الاكراه (انما يرفع حكما ثابتا على المكره) بالفتح (لو لا الاكراه).

مثلا لو اكره المالك على البيع رفع اثر الانتقال الثابت لو لا الاكراه

ص: 355

و لا اثر للعقد هنا بالنسبة الى المتكلم به لو لا الاكراه.

و مما يؤيّد ما ذكرنا حكم المشهور، بصحة بيع المكره بعد لحوق الرضا، و من المعلوم انه انما يتعلق بحاصل العقد الّذي هو امر مستمر، و هو النقل و الانتقال.

و اما التلفظ بالكلام الّذي صدر مكرها فلا معنى للحوق الرضا به، لان ما مضى و انقطع لا يتغير عما وقع عليه، و لا ينقلب.

______________________________

(و لا اثر للعقد هنا بالنسبة الى المتكلم به) المكره بالفتح (لو لا الاكراه) اى لا اثر لو لا الاكراه فسواء كان مجرى اللفظ مكرها أم لا؟ لا اثر له.

(و مما يؤيّد ما ذكرنا) من ان اللفظ لا اثر له، و لذا الاكراه عليه غير ضار (حكم المشهور، بصحة بيع المكره بعد لحوق الرضا).

وجه التأييد ما ذكره بقوله (و من المعلوم انه) اى الرضا اللاحق (انما يتعلق بحاصل العقد) و هو الامر الاعتبارى (الّذي هو امر مستمر) من حين العقد الى وقت الرضا (و هو النقل) من المالك (و الانتقال) الى المشترى.

(و اما التلفظ بالكلام الّذي صدر مكرها) حيث كان اللافظ مكرها فى اجراء اللفظ (فلا معنى للحقوق الرضا به).

و ذلك (لان ما مضى و انقطع لا يتغير عما وقع عليه، و لا ينقلب).

اللهم الا ان يقال: بان العرف يرى الكلام حقا للمتكلم، فاذا تلفظ به مكرها كان اضاعة لحقّه، فاذا رضى كان بنظرهم ارجاعا للحق الى مستحقه، و حيث ان الامر تابع للاعتبار لم يفرق بين اثر العقد، و

ص: 356

نعم ربما يستشكل هنا فى الحكم المذكور بان القصد الى المعنى و لو على وجه الاكراه، شرط فى الاعتناء بعبارة العقد و لا يعرف الا من قبل العاقد فاذا كان مختارا امكن احرازه باصالة القصد فى افعال العقلاء الاختيارية دون المكره عليها.

اللهم الا ان يقال:

______________________________

بين استمرار الاكراه للفظ فى امكان الانقلاب.

(نعم ربما يستشكل هنا فى الحكم المذكور) اى صحة العقد اذا كان اللفظ مكرها (بان القصد الى المعنى و لو على وجه الاكراه، شرط فى الاعتناء بعبارة العقد).

اذ لو لا القصد، لم يكن عقد (و لا يعرف) القصد الى المعنى (الا من قبل العاقد).

فان القصد من الامور القلبية المربوطة معرفتها بنفس الانسان (فاذا، كان) العاقد (مختارا امكن احرازه) اى احراز القصد (باصالة القصد فى افعال العقلاء الاختيارية).

اذ: الظاهر من كل فاعل مختاراته يقصد ما فعله، سواء كان تكلما، او عملا (دون المكره عليها).

فان اصالة القصد ليست من بناء العقلاء.

و عليه فلا يعلم قصد اللفظ المكره، و لا يصح العقد حينئذ بمعنى انه لا يمكن ان يترتب عليه اثر الصحة.

(اللهم الا ان يقال) فى وجه تصحيح عقد اللافظ المكره على التلفظ

ص: 357

ان الكلام بعد احراز القصد، و عدم تكلم العاقد لاغيا او مورّيا، و لو كان مكرها.

مع انه يمكن اجراء اصالة القصد هنا أيضا فتأمل

فرع

______________________________

(ان الكلام بعد احراز القصد، و) بعد (عدم تكلم العاقد لاغيا) بان لا يقصد معنى اصلا (او مورّيا) بان يقصد معنى بغير المعنى الظاهر من اللفظ، فاذا احرزنا ذلك لم يكن وجه لبطلان العقد من جهة كراهة اللافظ فى اجراء اللفظ (و لو كان) العاقد (مكرها): لو، وصلية.

(مع انه يمكن اجراء اصالة القصد) للافظ (هنا) فى صورة اكراهه على اللفظ (أيضا) كما يجرى اصالة القصد فى صورة عدم الاكراه (فتامل)

اذ: ليس بناء العقلاء على اجراء الاصالة فى صورة الاكراه و ليس اصل شرعى يتمسك به كذلك.

(فرع)

الاكراه اما على الجنس او على الفرد.

و لو كان على الجنس.

فاما احد فرديه مستحق، نحو: اعط دينى، او بع دارك.

او احد فرديه حلال غير مرفوع، نحو: بع دارك او اشرب الماء.

او احد فرديه حلال مرفوع نحو اشرب الخمر او بع دارك.

و لو كان كلا فرديه حلالا، او مستحقا، او حلالا غير مرفوع، فالاكراه،

ص: 358

و لو اكرهه على بيع واحد غير معين من عبدين، فباعهما، او باع نصف احدهما، و فى التذكرة اشكال.

______________________________

انما يكون على الاخف.

ثم لو اكره على بيع احد الشيئين، فباعهما.

ففيه احتمالات، الاكراه مطلقا، و العدم مطلقا، و الاكراه بالنسبة الى احدهما.

و لو باعهما تدريجا ففى كون الاول اكراها مطلقا، او ايهما قصد كونه مكرها عليه، او كون الاول مطلقا الا اذا قصد كون الثانى اكراها.

احتمالات.

و لو اكره على بيع النصف، فباع الكل.

او اكره على بيع الكل فباع النصف.

او اكره على البيع، فصالح

او اكره على البيع نسية فباع نقدا.

فالظاهر: فإن كان تفصيا عن الاكراه صح، و إن كان بالاكراه لم يصح

و كذا اذا اكره على البيع صباحا فباع مساء، او العكس، او باختلاف سائر الشرائط و الخصوصيات.

هذه بعض الفروع التى ذكرناها فى حاشية المكاسب فلنرجع الى الشرح (و لو اكرهه على بيع واحد غير معين عن عبدين، فباعهما، او باع نصف احدهما و) قال (فى التذكرة) فيه (اشكال) حيث انه لم يفعل المكره عليه، فلا اكراه، و حيث ان البيع صدر عن الاكراه بحيث انه لو لم

ص: 359

اقول: اما بيع العبدين فإن كان تدريجا، فالظاهر وقوع الاول مكرها دون الثانى.

مع احتمال الرجوع إليه فى التعيين سواء ادعى العكس أم لا؟

و لو باعهما دفعة احتمل صحة الجميع لانه خلاف المكره عليه.

و الظاهر انه لم يقع شي ء منهما عن اكراه.

و بطلان الجميع لوقوع احدهما مكرها عليه

______________________________

يكره لم يبع فهو من مصاديق الاكراه.

(اقول: اما بيع العبدين فإن كان تدريجا، فالظاهر) من صدق، الاكراه عرفا (وقوع الاول مكرها، دون الثانى) فانه لما باع الاول انتهى، الاكراه، فلا اكراه فى بيع الثانى.

(مع احتمال الرجوع إليه) اى الى البائع المكره (فى التعيين) و ان قصد الاكراه بالاول او بالثانى، و يؤخذ بقوله لانه اعرف بقصده (سواء ادعى العكس) بان قال: قصدت الاكراه بالثانى دون الاول (أم لا) بان ادعى قصده الاكراه بالاول.

(و لو باعهما دفعة) حالكون الاكراه كان على احدهما (احتمل صحة الجميع لانه) اى البيع دفعة (خلاف المكره عليه) فان الاكراه، على احدهما لا على كليهما.

(و الظاهر) من حال البائع، عرفا (انه لم يقع شي ء منهما عن اكراه) فيصح البيع فيهما معا.

(و) يحتمل (بطلان الجميع لوقوع احدهما مكرها عليه) لانه اراد بيع

ص: 360

و لا ترجيح.

و الاول اقوى.

و لو اكره على بيع معين فضم إليه غيره، و باعهما دفعة، فالاقوى الصحة فى غير ما اكره عليه.

و اما مسئلة النصف، فان باع النصف بقصد بيع النصف الآخر امتثالا للمكره، بناء اعلى شمول الاكراه لبيع المجموع دفعتين.

______________________________

احدهما بدون الاكراه فبيع الثانى اكراهى (و لا ترجيح) حتى نقول: ان البيع يصح فى احدهما دون الآخر.

(و الاول) و هو صحة الجميع (اقوى).

و ربما يقال: ان الحافز له على بيع الجميع ان كان هو الاكراه، بطل فيهما و الاصح فيهما.

(و لو اكره على بيع) عبد (معين) مثلا (فضم إليه غيره) كعبد ثان (و باعهما دفعة) فى صفقة واحدة (فالاقوى الصحة فى غير ما اكره عليه) لانه صدر عن قصد و اختيار، و لا مانع فى صحة بعض العقد، دون بعض كما لو باع الخمر و الخل، او ما يملكه و ما لا يملكه.

(و اما مسئلة النصف) فيما لو اكره على بيع تمام العبد فباع نصفه (فان باع النصف) بعد الاكراه على الكل (بقصد بيع النصف الآخر) او فرارا عن النصف الاخر بزعم اكتفاء المكره ببيع النصف فقط (امتثالا للمكره بناء على شمول الاكراه لبيع المجموع دفعتين) حتى يكون بيع النصف صادرا عن الاكراه.

ص: 361

فلا اشكال فى وقوعه مكرها عليه، و ان كان لرجاء ان يقنع المكره بالنصف، كان أيضا اكراها.

لكن فى سماع دعوى البائع ذلك مع عدم الامارات نظر.

بقى الكلام فيما وعدنا ذكره من الفرع المذكور فى التحرير، قال فى التحرير: لو اكره على الطلاق، فطلق ناويا، فالاقرب وقوع الطلاق انتهى و نحوه فى المسالك بزيادة احتمال عدم الوقوع، لان الاكراه اسقط اثر اللفظ.

______________________________

(فلا اشكال فى وقوعه) اى بيع النصف (مكرها عليه، و ان كان) بيع النصف (لرجاء ان يقنع المكره) بالكسر (بالنصف، كان أيضا اكراها) لانه بعث على البيع.

(لكن فى سماع دعوى البائع ذلك) و انه انما باع النصف ليبيع النصف الآخر مرة ثانية او لرجاء اكتفاء المكره بالنصف فقط (مع عدم الامارات) العرفية الدالة على صحة دعواه (نظر) لان النصف ليس مكرها عليه و انما المكره عليه الكل، و لم يفعله.

(بقى الكلام فيما وعدنا ذكره من الفرع المذكور فى التحرير، قال فى التحرير: لو اكره على الطلاق، فطلق ناويا) وقوع الطلاق (فالاقرب وقوع الطلاق) لانه لم يكن مكرها على النية، فاذا نوى كان طلاقا اختياريا (انتهى، و نحوه فى المسالك بزيادة احتمال عدم الوقوع) للطلاق (لان الاكراه اسقط اثر اللفظ) فكانه لا لفظ.

ص: 362

و مجرد النية لا حكم لها.

و حكى عن سبطه فى نهاية المرام انه نقله قولا.

و استدل عليه بعموم ما دل من النص و الاجماع: على بطلان عقد المكره،

و الاكراه يتحقق هنا اذ: المفروض انه لو لاه لما فعله.

ثم قال: و المسألة محل اشكال انتهى، و عن بعض الاجلة انه لو علم انه لا يلزمه الا اللفظ و له تجريده عن القصد

______________________________

(و مجرد النية) للطلاق المقارنة لاجراء اللفظ الاكراهى (لا حكم لها) اذ: لا بدّ فى العقود، و الايقاعات، من اللفظ.

(و حكى عن سبطه) اى سبط الشهيد الثانى (فى) كتاب (نهاية المرام انه نقله) اى عدم وقوع الطلاق اذا كان اللافظ مكرها (قولا) لبعض الفقهاء، لا مجرد الاحتمال كما فى كلام المسالك.

(و استدل عليه بعموم ما دل من النص و الاجماع: على بطلان عقد المكره) مثل حديث: رفع الاكراه.

(و الاكراه يتحقق هنا) فلا يقال: انه لا اكراه، اذ: الزوج غير مكره فى طلاق زوجته (اذ: المفروض انه لو لاه) اى لو لا الاكراه فى اجراء اللفظ (لما فعله) اى لما اجرى اللفظ، المكره لفظ الطلاق.

(ثم قال) السبط: (و المسألة محل اشكال، انتهى، و عن بعض الاجلة انه لو علم) مجرى لفظ الطلاق (انه لا يلزمه الا اللفظ و) يمكن (له تجريده) اى اللفظ (عن القصد) بان لا يقصد الطلاق باللفظ

ص: 363

فلا شبهة فى عدم الاكراه.

و انما يحتمل الاكراه مع عدم العلم بذلك سواء ظن لزوم القصد و ان لم يرده المكره أم لا؟ انتهى، ثم ان بعض المعاصرين ذكر الفرع عن المسالك، و بناه على ان المكره لا قصد له اصلا فرده بثبوت القصد للمكره، و جزم بوقوع الطلاق المذكور مكرها عليه.

و فيه ما عرفت سابقا من: انه لم يقل احد بخلو المكره

______________________________

(فلا شبهة فى عدم الاكراه) لانه يتمكن من عدم اجراء لفظ الطلاق، و مع التمكن من الفرار عن المكره لا وجه لصدق الاكراه.

(و انما يحتمل الاكراه مع عدم العلم) من اللفظ (بذلك) اى بانه لا يلزمه الا اللفظ (سواء ظن لزوم القصد) الى وقوع الطلاق (و ان لم يرده) اى لم يرد القصد (المكره) بالكسر (أم لا) بان لم يلتفت الى ذلك اصلا (انتهى، ثم ان بعض المعاصرين ذكر الفرع) اى فرع الاكراه على التلفظ بلفظ الطلاق (عن المسالك، و بناه) اى بنى كلام المسالك الّذي قال: احتمال عدم الوقوع، (على ان المكره) بالفتح (لا قصد له اصلا).

فقد زعم المعاصر ان الشهيد يريد عدم تمشى القصد من المكره اطلاقا.

(فرده) اى رد المعاصر، المسالك (بثبوت القصد للمكره) بالفتح (و جزم) المعاصر (بوقوع الطلاق المذكور) الّذي كان مجريه مكرها فى الاجراء (مكرها عليه) فيبطل، فلا وجه لاحتمال الصحة.

(و فيه) اى فى كلام هذا المعاصر (ما عرفت سابقا من: انه لم يقل احد بخلو المكره) بالفتح

ص: 364

عن قصد معنى اللفظ.

و ليس هذا مرادا من قولهم: ان المكره غير قاصد الى مدلول اللفظ

و لذا شرك الشهيد الثانى بين المكره و الفضولى، فى ذلك كما عرفت سابقا، فبناء هذا الحكم فى هذا الفرع على ما ذكر ضعيف جدا.

______________________________

(عن قصد معنى اللفظ) حتى يكون هذا هو مراد الشهيد فى المسالك

(و ليس هذا) اى الخلو عن القصد (مرادا من قولهم: ان المكره غير قاصد الى مدلول اللفظ).

بل مرادهم ان المكره لا يقصد وقوع المفهوم عن اللفظ.

اذ: هناك لفظ، و معنى، و إرادة وقوع المنشأ بهذا اللفظ.

و الّذي يقول ان المكره لا قصد له يريد نفى الشي ء الثالث، لا الشي ء الثانى.

(و لذا) الّذي ذكرنا، من انه: ليس مرادهم، عدم قصد المدلول فى المكره- (شرك الشهيد الثانى بين المكره) بالفتح (و) بين (الفضولى، فى ذلك) اى فى عدم إرادة المعنى، مع وضوح انه لا يقصد ان الفضولى لا يريد المعنى، بل قصد الشهيد انّ الفضولى لا يقصد قصدا جبريا كقصد الملاك.

فهذا شاهد على ان مراده من نفى القصد عن المكره، نفى قصد الجدية لا نفى المعنى (كما عرفت سابقا، فبناء) المعاصر (هذا الحكم) اى بطلان الطلاق (فى هذا الفرع) اى فرع الاكراه فى اجراء لفظ الطلاق (على ما ذكر) من عدم قصد المعنى من اللفظ (ضعيف جدا).

اذ: القصد موجود سواء قلنا: بالصحة أم بالبطلان؟.

ص: 365

و كذا ما تقدم عن بعض الاجلة من انه: ان علم بكفاية مجرد اللفظ المجرد عن النية فنوى اختيارا صحّ، لان مرجع ذلك الى وجوب التورية على العارف بها المتفطن لها اذ: لا فرق بين التخلص بالتورية و بين تجريد اللفظ عن قصد المعنى بحيث يتكلم به لاغيا.

و قد عرفت ان ظاهر

______________________________

(و كذا) فى الضعف (ما تقدم عن بعض الاجلة من انه: ان علم) المكره على لفظ الطلاق (بكفاية مجرد اللفظ المجرد عن النية) اى كفايته فى التخلص من الاكراه (فنوى) الطلاق (اختيارا) فى قصده (صحّ) الطلاق.

و انما قلنا: بضعف هذا الكلام (لان مرجع ذلك) الكلام (الى وجوب التورية على العارف بها) اى بالتورية (المتفطن لها) حال اجراء اللفظ

اذ: مفاد كلام هذا البعض انه ان تمكن من التورية و لم يورّ كان اختيارا منه فى ايقاع الطلاق فيوجب ذلك صحة الطلاق.

و انما قلنا: بان كلام بعض الاجلة ضعيف ككلام المعاصر (اذ: لا فرق بين التخلص) عن الاكراه (بالتورية) بان يقصد غير المعنى المتعارف من اللفظ (و بين) التخلص ب (تجريد اللفظ) اى لفظ الطلاق (عن قصد المعنى) بان يقول: اللفظ بدون قصد المعنى اطلاقا (بحيث يتكلم) المكره (به) اى باللفظ (لاغيا).

فكلاهما يقولان: بصحة الطلاق ان تمكن من التصرف فى اللفظ و لم يتصرف، اما تصرفا بالتورية او تصرفا بتجريد اللفظ عن المعنى.

(و) انما كان كلا القولين ضعيفا، لما (قد عرفت) من (ان ظاهر

ص: 366

الادلة، و الاخبار الواردة فى طلاق المكره و عتقه، عدم اعتبار العجز عن التورية.

و توضيح الاقسام المتصورة فى الفرع المذكور: ان الاكراه الملحوق بوقوع الطلاق قصدا إليه راضيا به.

اما ان لا يكون له دخل فى الفعل اصلا بان يوقع الطلاق قصدا إليه عن طيب النفس، بحيث لا يكون الداعى إليه هو الاكراه لبنائه على تحمل الضرر المتوعد به.

______________________________

الادلة، و الاخبار الواردة فى طلاق المكره و عتقه، عدم اعتبار العجز عن التورية) و بطريق اولى لا يعتبر العجز عن التجريد.

و عليه: فطلاق المكره باطل، و ان لم يورّ و لم يلغى الكلام و قد كان عارفا بهما.

(و توضيح الاقسام المتصورة فى الفرع المذكور) اى فرع الاكراه، على اجراء لفظ الطلاق (ان الاكراه الملحوق) اى الّذي يلحق (بوقوع الطلاق قصدا إليه) اى الى الطلاق (راضيا به) اى بالطلاق بمعنى ان: الطلاق المقصود المرضى، إذا لحقه الاكراه.

(اما ان لا يكون له) اى للاكراه (دخل فى الفعل) اى فعل الطلاق (اصلا بان يوقع) اللافظ (الطلاق قصد إليه عن طيب النفس بحيث لا يكون الداعى إليه) اى الى الطلاق (هو الاكراه) و انما ليس داعيه الاكراه (لبنائه) اى مجرى لفظ الطلاق (على تحمل الضرر المتوعد به) فلا يكون طلاقه عن خوف، اذ لا يبالى بالضرر اصلا.

ص: 367

و لا يخفى بداهة وقوع الطلاق هنا، و عدم جواز حمل الفرع المذكور عليه فلا معنى لجعله فى التحرير اقرب.

و ذكر احتمال عدم الوقوع فى المسالك، و جعله قولا فى نهاية المرام، و استشكاله فيه، لعموم النص و الاجماع.

و كذا لا ينبغى التأمل فى وقوع الطلاق لو لم يكن الاكراه مستقلا فى داعى الوقوع، بل هو بضميمة شي ء اختيارى للفاعل.

______________________________

(و لا يخفى بداهة وقوع الطلاق هنا) فى صورة عدم اهتمامه بالضرر (و عدم جواز حمل الفرع المذكور) اى فرع بطلان الطلاق بسبب الاكراه (عليه) اى على هذا الحال، و هو حال عدم اهتمام المكره بالاكراه و انما يجرى الطلاق عن اختياره و ارادته (فلا معنى لجعله) اى وقوع الطلاق (فى التحرير اقرب) اذ: لا وجه لعدم الوقوع اصلا.

(و) كذلك لا معنى له (ذكر احتمال عدم الوقوع) للطلاق (فى المسالك) اذ لا وجه لاحتمال عدم الوقوع (و) لا معنى ل (جعله) اى وقوع الطلاق (قولا) حيث قال: قيل بوقوع الطلاق (فى نهاية المرام، و استشكاله فيه) فى وقوع الطلاق (لعموم النص و الاجماع) علة للاستشكال فى الوقوع، من جهة النص و الاجماع، ببطلان ما اكره عليه.

(و كذا لا ينبغى التأمل فى وقوع الطلاق لو لم يكن الاكراه مستقلا فى داعى الوقوع، بل) كان (هو) اى الاكراه (بضميمة شي ء اختيارى للفاعل) بان سبب الطلاق امران، الاكراه و إرادة الزوج التخلص من ثقل النفقة مثلا.

و انما يصح الطلاق، لان الاكراه لم يكن داعيا، و انما هو جزء الداعى.

ص: 368

و إن كان الداعى هو: الاكراه.

فاما ان يكون الفعل لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به بل من جهة دفع الضرر اللاحق للمكره بالكسر، كمن قال له ولده: طلق زوجتك، و الا قتلتك، او قتلت نفسى، فطلق الوالد خوفا من قتل الولد نفسه او قتل الغير له اذا تعرض لقتل والده.

او كان الداعى على الفعل شفقة دينية على المكره بالكسر، او على المطلقة او

______________________________

و الظاهر من الادلة ان الاكراه الموجب للبطلان هو: ما اذا كان مجرد الاكراه (و إن كان الداعى) الى الطلاق (هو: الاكراه) فقط بدون ضميمة شي ء إليه.

(فاما ان يكون الفعل) الّذي يأتى به اكراها (لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به، بل من جهة دفع الضرر اللاحق للمكره بالكسر كمن قال له ولده: طلق زوجتك، و الا قتلتك، او قتلت نفسى) على سبيل منع الخلو (فطلق الوالد) زوجته (خوفا من قتل الولد نفسه) اذا لم يطلق (او قتل الغير) الاجنبى (له) اى للولد (اذا تعرض لقتل والده).

فالطلاق انما وقع فى هذه الصورة لخوف ضرر يلحق بالمكره بالكسر لا لخوف ضرر يلحق بالمكره بالفتح، و هذا المثال لما يلحق الضرر بالمكره بالفتح فى النتيجة، و إن كان الضرر ابتداءً لاحقا بالمكره بالكسر.

ثم جاء المصنف بمثال ثان لما يكون الضرر محضا للمكره بالكسر بقوله:

(او كان الداعى على الفعل) كالطلاق (شفقة دينية) من المكره بالفتح (على المكره بالكسر، او على المطلقة او

ص: 369

على غيرهما ممن يريد نكاح الزوجة لئلا يقع الناس فى محرم.

و الحكم فى الصورتين لا يخلو عن اشكال، و إن كان الفعل لداعى التخلص من الضرر، فقد يكون قصد الفعل لاجل اعتقاد المكره ان الحذر لا يتحقق الا بايقاع الطلاق حقيقة لغفلته عن ان التخلص غير متوقف على القصد الى وقوع اثر الطلاق و حصول

______________________________

على عيرهما) انسان ثالث (ممن يريد نكاح الزوجة) بعد طلاق الرجل لها (لئلا يقع الناس فى محرم).

مثلا علم ان المكره يفع فى الحرام بتزوجه اخته الرضاعية اذا لم يطلق زوجته، فيأخذها المكره بالكسر، او علم انه اذا لم يطلقها قتلت نفسها او زنت مع صديق لها، او علم انه اذا لم يطلقها، لتكون فى دارها مشرفة على اخوانها، فسد الاخوان لعدم رقيب عليهم، مثلا.

(و الحكم) ببطلان الطلاق الاكراهى (فى الصورتين) صورة كون الداعى الى الطلاق الخوف على المكره، و صورة كون الداعى شفقة دينية بان لا يقع الناس فى الحرام (لا يخلو عن اشكال).

فمن جهة انه لا ضرر على المكره بالفتح، يلزم القول لصحة الطلاق.

و من جهة صدق الاكراه فى الجملة يلزم القول بالبطلان (و إن كان الفعل) الاكراهى صادرا (لداعى التخلص من الضرر، فقد يكون قصد الفعل لاجل اعتقاد المكره ان الحذر لا يتحقق الا بايقاع الطلاق حقيقة) بان ينوى الطلاق عند اجراء لفظه، اكراها (لغفلته عن ان التخلص) عن الحذر (غير متوقف على القصد الى وقوع اثر الطلاق و) القصد الى (حصول

ص: 370

البينونة فيوطن نفسه على رفع اليد عن الزوجة، و الاعراض عنها فيوقع الطلاق قاصدا.

و هذا كثيرا ما يتفق للعموم، و قد يكون هذا التوطين و الاعراض من جهة جهله بالحكم الشرعى او كونه رأى مذهب بعض العامة فزعم ان الطلاق يقع مع الاكراه فاذا اكره على الطلاق، طلق قاصدا لوقوعه لان القصد الى اللفظ المكره عليه بعد اعتقاد كونه سببا مستقلا فى وقوع البينونة يستلزم القصد الى وقوعها فترضى نفسه بذلك و يوطنها عليه.

و هذا

______________________________

البينونة) يكون غافلا عن هذا فيقصد الطلاق حقيقة (فيوطن نفسه على رفع اليد عن الزوجة و الاعراض عنها) زاعما انه مقتضى الاكراه (فيوقع الطلاق قاصدا) حصول البينونة حقيقة. (و هذا) الزعم (كثيرا ما يتفق للعوام، و قد يكون هذا التوطين) للطلاق حقيقة (و الاعراض) من الزوجة (من جهة جهله بالحكم الشرعى) بان لم يعلم انه اذا لم يقصد لم يقع الطلاق، بل زعم انه و ان لم يقصد يحكم الشارع بوقوع الطلاق (او كونه) اى المطلق (رأى مذهب بعض العامة فزعم ان الطلاق يقع مع الاكراه) و لذا يطلق قاصدا (فاذا اكره على الطلاق طلق قاصدا لوقوعه، لان القصد الى اللفظ المكره عليه) اى لفظ الطلاق، (بعد اعتقاد كونه) اى اللفظ (سببا مستقلا فى وقوع البينونة) و ان لم يقصد (يستلزم القصد الى وقوعها، فترضى نفسه بذلك) الطلاق (و يوطنها) اى النفس (عليه) اى على الطلاق.

(و هذا) اى الجهل بالحكم الشرعى او كونه راى مذهب بعض

ص: 371

أيضا كثيرا ما يتفق للعوام، و الحكم فى هاتين الصورتين لا يخلو عن اشكال.

الا ان تحقق الاكراه اقرب.

ثم المشهور بين المتأخرين: انه لو رضى المكره بما

______________________________

العامة الخ (أيضا كثيرا ما يتفق للعوام، و الحكم) ببطلان الطلاق (فى هاتين الصورتين) اى ما ذكره بقوله: لاجل اعتقاد، و ما ذكره بقوله:

و قد يكون هذا التوطين، (لا يخلو عن اشكال).

اذ: لم يكن مكرها واقعا، و انما جهله و غفلته سبّبا زعمه انه مكره.

(الا ان تحقق الاكراه اقرب) لان العرف يرى انه مكره، فالادلة الدالة على رفع الاكراه شاملة له.

ثم انه لو ظن الاكراه فيما لا اكراه واقعا، بطل، اذ: الفعل صدر عن غير الرضا، و ذلك موجب للبطلان، كما لو زعم ان زيدا جاء ليقتله اذا لم يطلق، و قد كان الجائى واقعا عمرو.

و لو ظن عدم الاكراه فيما كان اكراه واقعا صح كما انه لو لم يسمع التهديد، و انما طلقها بمحض ارادته.

و لو شك فى الاكراه، فان كان فى فعله منبعثا عن الاكراه فى المعاملة لم تصح، اذ: الباعث له الخوف، و الّا صحت.

ثم ان الباعث على الفعل على خمسة اقسام لانه اما اكراه فقط، او اختيار فقط، او كلاهما متساويين، او بزيادة الاكراه، او بزيادة الاختيار.

(ثم) ان (المشهور بين المتأخرين: انه لو رضى المكره) بالفتح (بما

ص: 372

فعله صح العقد.

بل عن الرياض تبعا للحدائق: ان عليه اتفاقهم، لانه عقد حقيقى فيؤثر اثره مع اجتماع باقى شرائط البيع، و هو طيب النفس.

و دعوى: اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد.

خالية عن الشاهد، مدفوعة بالإطلاقات.

و اضعف منها دعوى: اعتبارها فى مفهوم العقد اللازم منه

______________________________

فعله) حال الاكراه.

كما لو طلق زوجته اكراها ثم رغب بنفسه عن الزوجة حتى استحسن فعله السابق (صح العقد) او الايقاع.

(بل عن الرياض تبعا للحدائق: ان عليه) اى على ايجاب الرضا اللاحق، صحة العمل الاكراهى السابق (اتفاقهم، لانه) حال وقوعه (عقد حقيقى) و انما كان فاقدا لشرط الرضا، فاذا لحقه ثمّ الاركان و صح العقد (فيؤثر اثره مع اجتماع باقى شرائط البيع، و هو) اى باقى الشرائط الّذي كان مفقودا ثم وجد (طيب النفس).

(و دعوى: اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد) حتى يكون صحيحا- و فى بعض النسخ: لصحة العقد

(خالية عن الشاهد) و (مدفوعة بالإطلاقات) الدالة على ان العقد اذا كان معه طيب النفس كان صحيحا.

(و اضعف منها) اى من هذه الدعوى (دعوى: اعتبارها) اى الرضاية و طيب النفس (فى مفهوم العقد اللازم منه) اى من هذا الكلام و هذه الدعوى

ص: 373

عدم كون عقد الفضولى عقدا حقيقة.

و اضعف من الكل دعوى: اعتبار طيب نفس العاقد فى تاثير عقده اللازم منه عدم صحة بيع المكره بحق.

و كون اكراهه على العقد تعبديا لا لتأثير فيه.

و يؤيده فحوى صحة عقد الفضولى حيث ان المالك طيب النفس بوقوع اثر العقد، و غير منشئ للنقل بكلامه.

و امضاء إنشاء الغير ليس الا طيب النفس بمضمونه و ليس إنشاء مستأنفا.

______________________________

(عدم كون عقد الفضولى عقدا حقيقة) اذ لا طيب لنفس المالك حال العقد بل ربما لا يعرف بالعقد اصلا.

(و اضعف من الكل، دعوى: اعتبار طيب نفس العاقد فى تأثير عقده).

و حيث ان العاقد اللافظ لا طيب لنفسه فلا يصح عقده (اللازم منه عدم صحة بيع المكره بحق) كاكراه الكافر لبيع عبده المسلم، و ما اشبه ذلك.

(و) عطف على: عدم (كون اكراهه على العقد تعبديا) بان اراد الشارع ان يجرى المكره لفظ العقد فقط (لا لتأثير فيه) اى فى عقده، لانه على هذا القول لا تأثير لعقد المكره، اذ: لا طيب لنفسه.

(و يؤيده) اى كلام المشهور (فحوى صحة عقد الفضولى حيث ان المالك طيب النفس بوقوع اثر العقد، و غير منشئ للنقل بكلامه) اذ: لا كلام للمالك.

(و) من المعلوم ان (امضاء إنشاء الغير ليس الا طيب النفس بمضمونه) فان المالك يمضى ما انشأه الفضولى (و ليس إنشاء مستأنفا) اى ليس المالك ينشأ إنشاء جديدا

ص: 374

مع انه لو كان فهو موجود هنا فلم يصدر من المالك هنالك الا طيب النفس بانتقاله متأخرا عن إنشاء العقد، و هذا موجود فيما نحن فيه مع زائد و هو انشائه للنقل المدلول عليه بلفظ العقد.

لما عرفت من ان عقده إنشاء حقيقى

______________________________

وجه التأمل انه يدل على ان طيب النفس حيث لحق بالعقد كفى فى الصحة اذ: لا خصوصية للفضولى من هذه الجهة.

(مع انه لو كان) طيب نفس الفضولى إنشاء مستأنفا (فهو موجود هنا) فيما لو رضى المكره (فلم يصدر من المالك هنالك) فى الفضولى (الا طيب النفس بانتقاله) اى انتقال المال منه الى المشترى من الفضولى فى حالكون هذا الطيب (متأخرا عن إنشاء العقد، و هذا) الطيب المتأخر عن الانشاء (موجود فيما نحن فيه) فيما لو رضى المكره بعد اجراء العقد (مع) شي ء (زائد) عن الفضولى (و هو) اى الشي ء الزائد (انشائه) اى المكره (للنقل المدلول عليه بلفظ العقد).

فان المالك فى الفضولى لم ينشأ العقد، و المالك المكره قد إنشاء العقد.

و ان قلت: ان إنشاء المكره ليس عقدا.

قلت: ليس كذلك بل هو عقد.

(لما عرفت من ان عقده إنشاء حقيقى) اذ: لا يشترط فى الانشاء الرضا النفسى.

ص: 375

و توهم ان عقد الفضولى واجد لما هو به مفقود هنا و هو طيب نفس العاقد بما ينشئه.

مدفوع بالقطع بان طيب النفس لا اثر له.

لا فى صدق العقدية اذ يكفى فيه مجرد قصد الانشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه.

و لا فى النقل و الانتقال، لعدم مدخلية غير المالك فيه.

______________________________

(و توهم) الفرق بين الفضولى، و بين لحوق الرضا فى المكره حتى اذا قلنا: بالصحة فى الاول، لا يلزم منه الصحة فى الثانى ل (ان عقد الفضولى واجد لما هو به مفقود هنا) فى المكره (و هو طيب نفس العاقد) المجرى للفظ العقد (بما ينشئه) و فى المقام المفروض ان منشئ العقد لا يرضى بانشائه، لانه مجبور فى الانشاء مكره عليه.

(مدفوع بالقطع بان طيب النفس) من العاقد (لا اثر له) اطلاقا.

(لا فى صدق العقدية) عرفا (اذ يكفى فيه) اى فى صدق العقد عرفا (مجرد قصد الانشاء المدلول عليه) اى على هذا القصد (باللفظ المستعمل فيه) اى فى الانشاء.

(و لا فى النقل و الانتقال، لعدم مدخلية غير المالك فيه) اى فى النقل و الانتقال، و المفروض ان المالك راض، و انما المجبور هو العاقد فقط.

و على هذا فلا فرق بين الفضولى و بين اكراه العاقد.

ص: 376

نعم لو صح ما ذكر سابقا: من توهم ان المكره لا قصد له الى مدلول اللفظ اصلا، و انه قاصد نفس اللفظ الّذي هو بمعنى الصوت كما صرح به بعض، صح انه لا يجدى تعقب الرضا، اذ لا عقد حينئذ.

لكن عرفت سابقا انه خلاف المقطوع من النصوص و الفتاوى فراجع

فظهر مما ذكرنا ضعف وجه التأمل فى المسألة، كما عن الكفاية و مجمع الفائدة تبعا للمحقق الثانى فى جامع المقاصد

______________________________

(نعم لو صح ما ذكر سابقا: من توهم ان المكره لا قصد له الى مدلول اللفظ اصلا، و انه) اى المكره (قاصد نفس اللفظ الّذي هو بمعنى الصوت) فقط- (كما صرح به بعض، صح) كلام من قال: (انه لا يجدى) فى صحة عقد المكره (تعقب الرضا، اذ لا عقد حينئذ) اصلا، فان مجرد اللفظ ليس بعقد

(لكن عرفت سابقا انه) اى ان المكره لا قصد له (خلاف المقطوع من النصوص و الفتاوى) لظهورها فى ان عقد المكره فاقد للرضا، لا لمعنى العقدية (فراجع) النصوص و الفتاوى، لتظهر لك ذلك بالإضافة الى ما نجده بالوجدان من قصد المكره المعنى.

(فظهر مما ذكرنا) وجها لكلام المشهور المتأمّلين بصحة عقد المكره اذا لحقه الرضا (ضعف وجه التأمل فى المسألة، كما) نقل التأمل (عن الكفاية و مجمع الفائدة تبعا) تأمل (المحقق الثانى فى جامع المقاصد).

و قد استدل للبطلان، بقوله: الا ان تكون تجارة عن تراض، و بحديث رفع الاكراه، و بانه كالهازل. و بانه لا قصد له، و باصالة عدم الانعقاد، و بانه لو رفض الاصيل ما باعه الفضولى ثم اجاز لم ينفع مع ان الكراهة متوسطة

ص: 377

و ان انتصر لهم بعض من تأخر عنهم بقوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، الدال على اعتبار كون العقد عن التراضي.

مضافا الى النبوى المشهور الدال على رفع حكم الاكراه مؤيدا بالنقص بالهازل.

مع انهم لم يقولوا بصحته بعد لحوق الرضا.

و الكل: كما ترى.

لان دلالة الآية على اعتبار وقوع العقد عن

______________________________

و هنا الكراهة فى الاول و الوسط (و ان انتصر لهم) للمتألمين فى المسألة الصحة عند لحوق الرضا (بعض من تأخر عنهم بقوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، الدال على اعتبار كون العقد عن التراضي).

و فى المقام لم يبن العقد على التراضي و انما لحقه التراضي، فالمسألة داخلة فى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ*.

(مضافا الى النبوى المشهور الدال على رفع حكم الاكراه) فالعقد المبنى على الاكراه لا يترتب عليه حكم سائر العقود (مؤيدا) عدم الصحة (بالنقض بالهازل) فانه اذا اجرى صيغة العقد هزلا، ثم رضى به جدّا لم ينفع بلا اشكال.

(مع انهم لم يقولوا بصحته بعد لحوق الرضا).

و ما نحن فيه قريب منه اذ لفظ المكره كلفظ الهازل.

(و الكل: كما ترى) لا دلالة فيها على بطلان العقد الّذي لحقه الرضا.

(لان دلالة الآية) الا ان تكون تجارة (على اعتبار وقوع العقد عن

ص: 378

التراضي، اما بمفهوم الحصر.

و اما بمفهوم الوصف.

و لا حصر كما لا يخفى.

لان الاستثناء منقطع غير مفرغ.

______________________________

التراضي، اما بمفهوم الحصر) حيث حصرت الآية الصحيح من العقد فيما انشأ عن الرضا، فحيث لا رضى هنا فلا صحة.

(و اما بمفهوم الوصف) حيث ان الآية بمنزلة ان يقال: العقد الناشئ عن التراضي صحيح، و مفهومه: ان ما لا ينشأ عن التراضي ليس بصحيح فالحصر مثل ان يقول: لا تكرم الا الرجل العالم، و الوصف مثل ان يقول:

اكرم الرجل العالم.

(و لا حصر كما لا يخفى).

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 6، ص: 379

اذ الحصر انما يتحقق مع كون الاستثناء متصلا، مثل ان يقول: ما جاءني احد الا زيد و ليست الآية كذلك، لانها نهت عن الاكل بالباطل.

و من المعلوم ان التجارة عن تراض ليست اكلا بالباطل.

(لان الاستثناء منقطع غير مفرغ) و لو كان مفرغا كان الاستثناء متصلا اذ لو كان بمنزلة ان يقال لا تأكلوا اموالكم، بوجه من الوجوه لانه باطل الا ان تكون تجارة عن رضاية.

لكن هذا خلاف ظاهر الآية فان ظاهرها النهى عن الاكل بالباطل و تجويز الاكل بالتجارة.

فالآية بمنزلة ما جاءني انسان إلا حمار و انما يستحسن هذا النحو من

ص: 379

و مفهوم الوصف على القول به، مقيّد بعدم ورود الوصف مورد الغالب، كما فى: رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ.

و دعوى وقوعه هنا مقام الاحتراز ممنوعة

______________________________

الاستثناء، لان السامع قد يتوهم عموم الحكم فى المستثنى منه الى المستثنى، فالاستثناء يدفع هذا التوهم.

و الحاصل انه: لا مفهوم للحصر فى المقام، حتى يدل على ان:

كل ما ليس تجارة عن تراض، فهو باطل، بل الآية تدل على ان: الا كل بالباطل حرام، و التجارة عن تراض صحيح.

اما التجارة التى يلحقها الرضا فليس داخلا فى احدهما فيتمسك لصحته بعموم العقود، و ما اشبه.

(و مفهوم الوصف على القول به) اى بان للوصف مفهوما (مقيد بعدم ورود الوصف مورد الغالب) و الا فلا مفهوم له (كما فى: رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ)

حيث ان الوصف وارد مورد الغالب، فلا مفهوم له، و الآية كذلك اذ الغالب فى التجارات كونها عن تراض، فلا تدل كلمة: عن تراض، على اعتبار الرضا السابق فى صحة المعاملة.

(و دعوى وقوعه) اى الوصف و هو: عن تراض، (هنا) فى الآية (مقام الاحتراز) عن التجارة التى لم يسبقها الرضا (ممنوعة).

اذ: لا ظهور للوصف فى ذلك.

ص: 380

و سيجي ء زيادة توضيح لعدم دلالة الآية على اعتبار سبق التراضي فى بيع الفضولى.

و اما حديث الرفع: ففيه أولا: ان المرفوع فيه هى المؤاخذة، و الاحكام المتضمنة لمؤاخذة المكره، و الزامه بشي ء.

و الحكم بوقوف عقده على رضاه، راجع الى انّ له ان يرضى بذلك و هذا حق له، لا عليه

______________________________

(و سيجي ء زيادة توضيح، لعدم دلالة الآية على اعتبار سبق التراضي) فى باب التجارة، بل يكفى الرضا اللاحق (فى بيع الفضولى) متعلق ب: سيجي ء.

(و اما حديث الرفع: ف) لا دلالة له على عدم صحة التجارة المكرهة الملحوقة بالرضا.

اذ: (فيه أولا: ان المرفوع فيه) اى فى الحديث (هى: المؤاخذة و الاحكام المتضمنة لمؤاخذة المكره، و الزامه بشي ء) و: الاحكام، عطف على قوله: المؤاخذة، اى لا مؤاخذة فى الآخرة على المكره اذا فعل حراما اكراها، كما لا حكم عليه من جهة العمل المكروه فيه، كوجوب التسليم فى البيع الاكراهى، و النفقة فى النكاح الاكراهى، و ما اشبه ذلك.

(و) لا يدخل فى ذلك توقف عقده الاكراهى على رضاه، حتى يقال: بان هذا الحكم أيضا مرفوع، اذ: (الحكم بوقوف عقده على رضاه راجع الى انّ له) اى للمكره (ان يرضى بذلك) العقد الاكراهى (و هذا حق له) اى للمكره (لا عليه) فلا يشمله: حديث الرفع، اذ: الحديث يرفع

ص: 381

نعم قد يلزم الطرف الآخر بعدم الفسخ، حتى يرضى المكره، او يفسخ و هذا الزام لغيره.

و الحديث: لا يرفع المؤاخذة، و الالزام عن غير المكره كما تقدم.

و اما الزامه بعد طول المدة باختيار

______________________________

الاحكام التى عليه، و لا يرفع الاحكام التى له.

(نعم قد يلزم الطرف الآخر) كالمشترى فيما لو باع زيد ماله اكراها (بعدم الفسخ حتى يرضى المكره، او يفسخ).

فاذا اكره الجابر زيدا على بيع داره من عمرو، يلزم على عمرو ان لا يفسخ البيع حتى يظهر ان زيدا يرضى بهذا البيع أم لا؟

فهذا الحكم الالزامى الّذي لزم على الطرف الآخر لم يرفعه: الحديث لكنه لا يضر بما قلنا: بان حديث الرفع يرفع الاحكام الالزامية.

(و) ذلك لان (هذا) الالزام، بان لا يفسخ (الزام لغيره) اى لغير المكره، و ليس الزاما له، حتى يستشكل بانه كيف لم يرفع هذا الالزام حديث الرفع؟

(و) من المعلوم انّ: (الحديث، لا يرفع المؤاخذة، و الالزام عن غير المكره) و انما يرفعهما عن المكره فقط (كما تقدم).

فان قلت: ذكر جماعة من الفقهاء انه يلزم المكره بان يفسخ ما اوقعه اكراها او يميضه، و هذا ينافى رفع الاكراه، لانه حق عليه، لا له.

قلت: (و اما الزامه) اى المكره (بعد طول المدة) مما يوجب ضرر الطرف الآخر، فى الصبر بدون معلومية ان المال انتقل إليه أم لا؟ (باختيار)،

ص: 382

البيع، او فسخه، فهو من توابع الحق الثابت له بالاكراه، لا من احكام الفعل المتحقق على وجه الاكراه.

ثم ان ما ذكرنا واضح على القول بكون الرضا ناقلا.

______________________________

متعلق ب: الزامه، (البيع) الّذي وقع اكراها (او فسخه، ف) ليس هذا حكما على المكره حتى يكون مرفوعا بحديث الرفع، بل (هو من توابع الحق الثابت له بالاكراه) فان الاكراه اوجب له حقا، و هو ان بيده اختيار الفسخ و الامضاء

و من توابع هذا الحق انه يكرهه الحاكم على احد الامرين (لا من احكام الفعل) اى العقد (المتحقق على وجه الاكراه) حتى يقال: ان الاكراه يرفع اثر العقد فكيف يترتب على هذا العقد ان عليه ان يمضى او يفسخ؟

فما يثبت بسبب الاكراه لا يرفعه الحديث، و انما يرفع آثار الشي ء المكره عليه، و ذلك كما لو قالوا ان الاضطرار انما يرفع الآثار التى لو لا الاضطرار كانت، امّا ما يترتب على نفس الاضطرار فلا، مثلا: اكل الميتة حرام، هذا الحكم يرفعه الاضطرار، اما الحلية المترتبة على نفس الاضطرار فلا يرفعها الاضطرار لان الموضوع لا يرفع حكمه.

(ثم ان ما ذكرنا) من ان المكره لا يلزم بشي ء، و انه يتوقف صحة العقد على رضاه (واضح على) كلا (القول) بكون الاجازة ناقلة او كاشفة.

اما على القول (بكون الرضا ناقلا) فلانه حين الاجازة راض، فلا اكراه و يصدق: تجارة عن تراض، و قبل الرضا لا ملكية للمنقول إليه فى مال المكره، فلا يلزم المكره بشي ء.

ص: 383

و كذلك على القول بالكشف بعد التأمل.

و ثانيا انه يدل على ان الحكم الثابت للفعل المكره عليه لو لا الاكراه يرتفع عنه اذا وقع مكرها عليه كما هو معنى: رفع الخطاء،

______________________________

(و كذلك على القول بالكشف بعد التأمل) اذ: قبل الرضا لا كاشف، فلا يلزم بشي ء، و اذا جاء الكاشف كان من: التجارة عن تراض.

و انما قال: بعد التأمل، لانه ربما يتوهم ان الكشف يقتضي الملكية السابقة على الرضا، فالمكره ملزم من حين العقد.

و الجواب ان الالزام الفعلى تابع للعلم، و لا علم قبل الرضا، اذ:

لا كشف،.

(و ثانيا) عطف على: أولا، فى مقام بيان ان: حديث الرفع، لا يدل على فساد البيع الاكراهى، بعد ان لحقه الرضا من المكره.

و حاصله ان اثر العقد اى النقل مرفوع بالاكراه، اما: بعض الاثر، اى قابلية العقد لان يلحقه الرضا، فلم يكن ثابتا للعقد حتى يرفع بالاكراه

اذ: الثابت للعقد تمام الاثر، لا بعضه، ف (انه) اى حديث رفع الاكراه (يدل على ان الحكم الثابت للفعل المكره عليه) اى العقد- و الحكم هو النقل و الانتقال- (لو لا الاكراه) فانه لو لم يكن مكرها ثبت النقل و الانتقال (يرتفع) ذلك الحكم (عنه اذا وقع) الفعل- اى العقد (مكرها عليه كما هو) أيضا (معنى رفع الخطاء) فانه لا يثبت الحكم على الفعل الخطئي، و إن كان ثابتا على الفعل اذا صدر عن عمد، مثلا: الحد الثابت على الشرب العمدى لا يثبت على الشرب الخطئي

ص: 384

و النسيان أيضا.

و هذا المعنى موجود فيما نحن فيه، لان اثر العقد الصادر من المالك- مع قطع النظر عن اعتبار عدم الاكراه- السببية المستقلة لنقل المال

و من المعلوم انتفاء هذا الاثر بسبب الاكراه.

و هذا الاثر الناقص المترتب عليه مع الاكراه، حيث انه

______________________________

(و) معنى: رفع (النسيان) فالشرب النسيانى لاحد عليه، بينما الشرب العمدى عليه الحد (أيضا) اى لا يثبت الحكم على الاكراه، كما لا يثبت على الخطاء و النسيان.

(و هذا المعنى) اى عدم ثبوت الحكم على الفعل الاكراهى (موجود فيما نحن فيه) عن العقد الاكراهى (لان اثر العقد الصادر من المالك) الّذي عقد مكرها (- مع قطع النظر عن اعتبار عدم الاكراه-) فان: رفع الاكراه يرفع اثر العقد، و نحن نلاحظ الاثر، ثم نلحقه بحديث: رفع الاكراه، لنرى ما هو الشي ء الّذي رفعه الاكراه

فاثر العقد (السببية المستقلة لنقل المال) و لو قال المصنف: لان العقد سبب، كان احسن اذ: الاثر، ليس سببا و انما: العقد سبب،

(و من المعلوم انتفاء هذا الاثر بسبب الاكراه) فان العقد الاكراهى لا يؤثر نقلا و انتقالا.

(و) ان قلت: ان للعقد الاكراهى بعض الاثر، و هو: انه قابل لان يلحقه الرضا، فيؤثر الاثر الكامل.

قلت: (هذا الاثر الناقص المترتب عليه مع الاكراه، حيث انه) اى هذا

ص: 385

جزء العلة التامة للملكية، لم يكن ثابتا للفعل، مع قطع النظر عن الاكراه ليرتفع به، اذ: المفروض ان الجزئية ثابتة له، بوصف الاكراه، فكيف يعقل ارتفاعه بالاكراه؟

و بعبارة اخرى: اللزوم الثابت للعقد، مع قطع النظر عن اعتبار عدم الاكراه، هو: اللزوم المنفى بهذا الحديث.

و المدعى ثبوته للعقد بوصف الاكراه، هو: وقوفه على رضى المالك، و هذا غير مرتفع بالاكراه

______________________________

الاثر الناقص (جزء العلة التامة للملكية) و جزئها الآخر الرضا اللاحق (لم يكن ثابتا للفعل) اى العقد (مع قطع النظر عن الاكراه ليرتفع) هذا الاثر الناقص (به) اى بالاكراه.

فان الاكراه انما يرفع الآثار التى هى للفعل، و ليس الاثر الناقص اثرا للفعل (اذ: المفروض ان الجزئية) اى جزئية العقد للنقل، و جزئه الآخر الرضا (ثابتة له) اى للعقد (بوصف الاكراه) فان: العقد الاكراهى، يؤثر اثرا ناقصا (فكيف يعقل ارتفاعه) اى الاثر (بالاكراه؟) فان الشي ء المترتب على الاكراه لا يرتفع بالاكراه، اذ: لا يعقل ان يكون الشي ء موجبا لازالة اثر نفسه. (و بعبارة اخرى) فى بيان ان الاكراه لا يرفع قابلية العقد للحوق الرضا به (اللزوم الثابت للعقد، مع قطع النظر عن اعتبار عدم الاكراه هو اللزوم المنفى بهذا الحديث) اى بحديث نفى الاكراه.

(و المدعى) اى الشي ء ندعى (ثبوته للعقد بوصف الاكراه، هو وقوفه) فى اعطاء الاثر (على رضى المالك، و هذا) الاثر (غير مرتفع بالاكراه) لانه اثر

ص: 386

لكن يرد على هذا: ان مقتضى حكومة الحديث على الاطلاقات هو تقيدها بالمسبوقية بطيب النفس، فلا يجوز الاستناد إليها، لصحة بيع المكره و وقوفه، على الرضا اللاحق، فلا يبقى دليل على صحة بيع المكره فيرجع الى اصالة الفساد.

و بعبارة اخرى ادلة صحة البيع: تدل على سببية مستقلة فاذا قيدت

______________________________

نفس الاكراه.

(لكن يرد على هذا) اى ترتب الاثر الجزئى على عقد المكره ثم تحميله بالرضا، لحصول النقل و الانتقال (ان مقتضى حكومة الحديث) اى حديث لا اكراه (على الاطلاقات) الدالة على تأثير العقد للنقل (هو تقيدها) اى الاطلاقات (بالمسبوقية بطيب النفس).

فالمعنى: انه لا اثر اطلاقا لا كليا و لا جزئيا اذا لم يكن طيب النفس (فلا يجوز الاستناد إليها) اى الى الاطلاقات (لصحة بيع المكره، و وقوفه) اى وقوف اثره اى النقل (على الرضا اللاحق).

و على هذا (فلا يبقى دليل على صحة بيع المكره) بعد سقوط الاطلاقات بسبب: حديث الرفع (فيرجع) عند الشك فى الصحة اذا لحقه الرضا (الى اصالة الفساد) لان الاصل عدم الانعقاد.

(و بعبارة اخرى) لبيان ان حديث: الاكراه لا يبقى مجالا لتأثير عقد المكره و لو اثرا جزئيا (ادلة صحة البيع) مثل: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و ما اشبه (تدل على سببية مستقلة) و ان البيع سبب مستقل لافادة الاثر و النقل (فاذا قيدت) ادلة: البيع

ص: 387

بغير المكره لم يبق لها دلالة على حكم المكره، بل لو كان هنا ما يدل على صحة البيع بالمعنى الاعم من السببية المستقلة كان دليل الاكراه حاكما عليه مقيدا له، فلا ينفع.

اللهم الا ان يقال: ان الاطلاقات المقيدة للسببية المستقلة مقيدة بحكم الادلة الاربعة المقتضية لحرمة اكل المال بالباطل و مع عدم طيب النفس

______________________________

(بغير المكره) بسبب دليل رفع الاكراه (لم يبق لها) اى لادلّة البيع (دلالة على حكم المكره بل لو كان هنا ما يدل على صحة البيع بالمعنى الاعم من السببية المستقلة كان دليل الاكراه حاكما عليه مقيدا له، فلا ينفع).

و عليه فلا تشمل الاطلاقات بيع المكره و يكون المرجع حينئذ اصالة الفساد

(اللهم الا ان يقال) فى بيان عدم حكومة ادلة: الاكراه على الاطلاقات، فتشمل الاطلاقات بيع المكره ببيان ان الاطلاقات تقول:

البيع المرضى به، صحيح، و لو كان الرضا لاحقا به.

و على هذا فدليل الاكراه لا يشمل البيع المرضى به اذ لا اكراه بعد الرضا

ف (ان الاطلاقات المقيدة للسببية المستقلة) اى سببية البيع للنقل بدون احتياج الى شي ء آخر (مقيدة) تلك الاطلاقات (بحكم الأدلة الاربعة) اى ان التقييد انما نشاء من الادلة الاربعة (المقتضية لحرمة اكل المال بالباطل و مع عدم طيب النفس) فان الكتاب و السنة و الاجماع و العقل: دلت على عدم جواز اكل اموال الناس بدون رضايتهم.

و عليه ف: احل الله البيع، مقيد ب: البيع عن طيب النفس، و قوله:

ص: 388

بالبيع المرضى به، سبقه الرضا، او لحقه؟

و مع ذلك فلا حكومة للحديث عليها.

اذ: البيع المرضى به سابقا لا يعقل عروض الاكراه له.

و اما المرضى به بالرضا اللاحق فانما يعرضه الاكراه من حيث ذات الموصوف، و هو اصل البيع.

و لا نقول بتأثيره بل مقتضى الادلة الاربعة مدخلية الرضا فى تأثيره، و

______________________________

(بالبيع المرضى به) متعلق ب: مقيدة، و قوله بحكم الخ بيان لوجه التقييد (سبقه الرضا) اى سبق البيع الرضا، بان رضى البائع ثم باع (او لحقه) بان باع مكرها ثم رضى به.

(و مع ذلك) اى بعد تقييد الاطلاقات بالبيع المرضى به (فلا حكومة للحديث) اى حديث الاكراه (عليها) اى على تلك الاطلاقات.

(اذ: البيع المرضى به سابقا) اى ما كان الرضا سابقا على العقد (لا يعقل عروض الاكراه له) فلا حكومة للاكراه على الاطلاق فى هذا القسم من البيع.

(و اما المرضى به بالرضا اللاحق) على العقد (فانما يعرضه الاكراه من حيث ذات الموصوف، و هو اصل البيع) قبل الرضا فان البيع قبل الرضا، مكره عليه.

(و لا نقول) نحن (بتأثيره) اى تأثير ذات البيع، قبل لحوق الرضا به (بل) بالعكس نقول بعدم تأثيره.

لان (مقتضى الادلة الاربعة مدخلية الرضا فى تأثيره، و) فى

ص: 389

وجوب الوفاء به.

فالاطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام لمجموع العقد- المكره عليه- و الرضا به لاحقا.

و لازمه بحكم العقل، كون العقد المكره عليه بعض المؤثر التام، و هذا لا يرتفع بالاكراه، لان الاكراه مأخوذ فيه بالفرض.

الا ان يقال: ان ادلة الاكراه، كما ترفع السببية المستقلة التى افادتها الاطلاقات قبل التقييد

______________________________

(وجوب الوفاء به) فالذى نقول بتأثيره هو الموصوف مع الوصف لا الموصوف المجرد

(فالاطلاقات) لادلة البيع (بعد التقييد) اى تقييدها بالأدلّة الاربعة الدالة على اشتراط الرضا (تثبت التأثير التام لمجموع العقد- المكره عليه- و الرضا به لاحقا) اى مجموع العقد و الرضا.

(و لازمه) اى لازم كون التأثير للمجموع من العقد و الرضا (بحكم العقل) الّذي يرى لكل جزء من اجزاء العلة مدخلية فى التأثير (كون العقد المكره عليه بعض المؤثر التام، و هذا) اى كون: العقد المكره عليه، بعض المؤثر (لا يرتفع بالاكراه، لان الاكراه مأخوذ فيه بالفرض) حيث انا فرضنا: العقد المكره عليه، فكيف يمكن ان يكون: الاكراه، جزءا من الموضوع و يكون حكما للموضوع.

(الا ان يقال) فى بيان رفع الاكراه لكون العقد جزءا من السبب (ان ادلة الاكراه، كما ترفع السببية المستقلة التى افادتها) اى افادت السببية المطلقة (الاطلاقات) لادلة البيع (قبل التقييد) لتلك الاطلاقات بالأدلّة

ص: 390

ترفع مطلق الاثر عن العقد المكره عليه لان التأثير الناقص أيضا استفيد، من الاطلاقات بعد تقييدها بالرضا الاعم من اللاحق.

و هذا لا يفرق فيه أيضا بين جعل الرضا، ناقلا او كاشفا اذ: على الاول يكون تمام المؤثر نفسه.

و على الثانى يكون الامر المنتزع منه العارض للعقد، و هو تعقبه للرضا

______________________________

الاربعة (ترفع) كذلك (مطلق الاثر عن العقد المكره عليه) حتى الاثر الجزئى.

فدليل الاكراه يقول: لا اثر للعقد المكره عليه لا اثرا كليا، و لا اثرا جزئيا.

و انما نقول بان ادلة الاكراه ترفع الاثر الجزئى أيضا (لان التأثير الناقص) للعقد المكره عليه (أيضا) كالتأثير الكامل (استفيد من الاطلاقات بعد تقييدها) اى الاطلاقات (بالرضا) المستفاد من الادلة الاربعة (الاعم من اللاحق).

فان الادلة الاربعة تقول: العقد المرضى به رضا سابقا او لاحقا، صحيح (و هذا) الّذي ذكرنا من عدم التأثير للعقد المكره عليه، حتى التأثير الناقص (لا يفرق فيه أيضا) كما لا يفرق فيه- على القول الآخر و هو التأثير الجزئى (بين جعل الرضا ناقلا، او كاشفا، اذ: على الاول) اى النقل (يكون) الرضا (تمام المؤثر نفسه): نفسه، اسم: يكون.

(و على الثانى) اى الكشف (يكون) تمام المؤثر (الامر المنتزع منه) اى من الرضا (العارض) ذلك الامر المنتزع (للعقد، و هو) اى الامر المنتزع (تعقبه) اى العقد (للرضا) فالمؤثر: الرضا، على النقل و العقد المتعقب

ص: 391

و كيف كان فذات العقد المكره عليه، مع قطع النظر عن الرضا او تعقبه له، لا يترتب عليه الّا كونه جزء المؤثر التام.

و هذا امر عقلى قهرى، يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام هو المجموع منه و من الرضا، او وصف تعقبه له، فتأمل.

______________________________

للرضا، على الكشف.

(و كيف كان) و هذا رجوع من المصنف عن حكم: الّا أن يقال، لتأييد ما ذكره قبل: يقال، من تأثير عقد المكره بعض الأثر.

و حاصله: أنّ العقد تأثيره الجزئى عقلى، فلا يمكن رفعه بدليل:

الاكراه (فذات العقد المكره عليه، مع قطع النظر عن الرضا) حين العقد (او تعقبه) اى الرضا (له) اى للعقد (لا يترتب عليه) اى على العقد (الّا كونه جزء المؤثر التام) فى النقل و الانتقال.

(و هذا) الجزئية للعقد (امر عقلىّ قهرى، يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام هو المجموع منه و من الرضا) المقارن له (او وصف تعقبه) اى العقد (له) اى للرضا (فتأمل) فانه و إن كان امرا عقليا، لا يمكن رفعه تشريعا بالاصالة، الّا أنه يمكن رفعه برفع الكل، بان يقول الشارع:

العقد المكره عليه المعقب بالرضا، لم اجعله مؤثرا، كما يمكن الشارع رفع الزوجية برفع الاربعة، و ان لم يكن رفع الزوجية وحدها مع بقاء الاربعة موجودة.

و لا يخفى ان المصنف ره خرج عن المسألة بالاشكال، و انه متوقف فى انه لو تعقب عقد المكره الرضا، هل انه ينفع فى تأثير الاثر، أم لا؟

ص: 392

بقى الكلام فى: ان الرضا المتأخر ناقل، او كاشف.

مقتضى الاصل، و عدم حدوث: حل مال الغير الّا عن طيب نفسه هو الاول.

الّا أن الاقوى بحسب الادلة النقلية، هو الثانى، كما سيجي ء فى مسئلة الفضولى.

و ربما يدعى: ان مقتضى الاصل هنا، و فى الفضولى، هو: الكشف

______________________________

(بقى الكلام فى) انه بناء على صحة العقد الاكراهى المتعقب بالرضا فى (ان الرضا المتأخر) عن العقد (ناقل) حتى يكون الاثر من حين الرضا (او كاشف) حتى يكون الاثر من حين العقد.

(مقتضى الاصل) الّذي يقول: بعدم النقل و الانتقال الا حين اليقين بهما (و) مقتضى (عدم حدوث: حل مال الغير الا عن طيب نفسه) لانه شي ء لم يكن سابقا فاذا شككنا فيه و انه هل هذا الطيب المتأخر اثّر فى السابق أم لا؟ كان الاصل العدم (هو: الاول) اى النقل.

(الا ان الاقوى بحسب الادلة النقلية) الظاهرة فى: ان المالك انما يحدث بالعقد (هو: الثانى) اى الكشف (كما سيجي ء فى: مسئلة الفضولى) إن شاء الله تعالى.

(و ربما يدعى: ان مقتضى الاصل هنا) فى عقد الكاره المتعقب بالرضا (و فى الفضولى: هو: الكشف) فاذا اجاز المالك او الكاره، كشف ذلك عن تقدم النقل و الانتقال.

ص: 393

لان مقتضى الرضا بالعقد السابق هو الرضا بما افاده من نقل الملك حين صدوره فإمضاء الشارع للرضا بهذا المعنى، و هو النقل من حين العقد.

و ترتب الآثار عليه لا يكون الا بالحكم بحصول الملك فى زمان النقل.

و فيه ان مفاد العقد السابق، ليس النقل من حينه بل نفس النقل، الا ان انشائه لما كان فى زمان التكلم فان كان ذلك الانشاء مؤثرا فى نظر الشارع فى زمان التكلم حدث الاثر فيه.

و ان كان مؤثرا بعد حصول امر حدث الاثر بعده.

______________________________

(لان مقتضى الرضا) من المالك (بالعقد السابق) الّذي اوقعه الفضولى، او اوقعه المالك كارها (هو الرضا بما افاده) العقد (من نقل الملك حين صدوره).

و عليه (فإمضاء الشارع للرضا) من المالك (بهذا المعنى) اى من حين الصدور (و هو النقل من حين العقد) لا من حين الرضا و الاجازة.

(و ترتب الآثار عليه) اى على العقد (لا يكون الا بالحكم بحصول الملك فى زمان النقل) و هو حال العقد.

(و فيه) اى فيما ادعى من الكشف نظر ل (ان مفاد العقد السابق،

ليس النقل من حينه) اى من حين العقد (بل) مفاده (نفس النقل الا ان انشائه) اى إنشاء العقد (لما كان فى زمان التكلم) باللفظ (فان كان ذلك الانشاء مؤثرا فى نظر الشارع فى زمان التكلم) فى زمان، متعلق ب: مؤثرا (حدث الاثر فيه) اى فى زمان التكلم.

(و ان كان مؤثرا) فى نظر الشارع (بعد حصول امر حدث الاثر بعده)

ص: 394

فحصول النقل فى نظر الشارع يتبع زمان حكمه الناشئ من اجتماع ما يعتبر فى الحكم.

و لذلك كان الحكم بتحقق الملك بعد القبول

او بعد القبض فى الصرف و السلم، و الهبة.

او بعد انقضاء زمان الخيار على مذهب الشيخ.

______________________________

اى بعد ذلك الامر، و الامر هو الرضا فى المكره، و الاجازة فى الفضولى.

(فحصول النقل فى نظر الشارع يتبع زمان حكمه) اى حكم الشارع بالنقل (الناشئ) ذلك الحكم (من اجتماع ما يعتبر فى الحكم) من العقد، و الرضا.

(و لذلك) الّذي ذكرنا من: ان حصول النقل يتبع زمان حكم الشارع و حكمه تابع لاجتماع الشرائط بنظر الشارع (كان الحكم) من الشارع (بتحقق الملك بعد القبول) من المشترى.

(او بعد القبض فى الصرف) و هو بيع الاثمان اى الذهب و الفضة (و السلم) و هو: ما كان الثمن حالا و المثمن مؤجلا، عكس النسيئة (و الهبة) فان الموهوب لا يملك الهبة، الا بعد قبضها.

(او بعد انقضاء زمان الخيار، على مذهب الشيخ) الطوسى ره، فانه يرى ان الملك لا يحصل الا بعد انقضاء زمان الخيار.

مثلا: الطرفان ما داما فى المجلس الّذي هو زمان الخيار لا يملكان فاذا افترقا ملكا العوضين،

و هذا خلاف نظر المشهور القائلين بالملك فى زمان الخيار.

ص: 395

غير مناف، لمقتضى الايجاب و لم يكن تبعيضا فى مقتضاه بالنسبة الى الازمنة.

فان قلت: حكم الشارع بثبوت الملك، و إن كان بعد الرضا، الا ان حكمه بذلك لما كان من جهة امضائه للرضا بما وقع، فكانه حكم بعد الرضا بثبوت

______________________________

و انما الخيار فائدته التمكن من فسخ العقد.

فكان الحكم بتحقق الملك بعد هذه (غير مناف لمقتضى الايجاب) الّذي هو ظاهر فى الملك حين الايجاب.

و قوله: غير مناف، خبر لقوله: كان الحكم.

و الحاصل: ان حكم الشارع بالملك يتوقف على اجتماع الشرائط، لا انه بمجرد العقد.

و فيما نحن فيه حكم الشارع بالملك فى عقد المكره، انما هو بعد الرضا لا حين العقد (و لم يكن) الحكم بتأخر الملك عن العقد (تبعيضا فى مقتضاه) اى مقتضى الايجاب (بالنسبة الى الازمنة) حتى يقال: ان الايجاب لو كان مؤثرا، لأثّر من اوّل الازمنة، و لو لم يكن مؤثرا لم يؤثر حتى بعد مدة أيضا.

(فان قلت) لبيان ان الرضا كاشف، لا ناقل (حكم الشارع بثبوت الملك و إن كان) ذلك الحكم (بعد الرضا) من المكره (الا ان حكمه بذلك) بثبوت الملك (لما كان من جهة امضائه) اى امضاء الشارع (للرضا بما وقع) فان الشارع قال: ان رضاك ايها المكره بما وقع عن العقد ممضى لدى (فكانه حكم بعد الرضا بثبوت

ص: 396

الملك قبله.

قلت: المراد هو: الملك شرعا، و لا معنى لتخلف زمانه عن زمان الحكم الشرعى بالملك.

و سيأتى توضيح ذلك فى بيع الفضولى إن شاء الله تعالى و ان شئت توضيح ما ذكرنا فلاحظ: مقتضى فسخ العقد، فانه و إن كان حلا للعقد السابق، و جعله كان لم يكن الا انه لا يرتفع به الملكية السابقة على الفسخ لان العبرة بزمان حدوثه، لا بزمان متعلقه.

ثم على القول بالكشف هل للطرف غير المكره ان يفسخ قبل

______________________________

الملك قبله) اى قبل الرضا، فاللازم ان نقول بالكشف.

(قلت: المراد) من حصول الملك بعد الرضا (هو: الملك شرعا) لا الملك الّذي قصده المالك (و لا معنى لتخلف زمانه) اى زمان الملك الشرعى (عن زمان الحكم الشرعى بالملك) الّذي هو بعد الرضا.

(و سيأتى توضيح ذلك فى بيع الفضولى إن شاء الله تعالى، و ان شئت توضيح ما ذكرنا) من ان حكم الشارع بالملك، من حين الرضا، لا من حين العقد، و انه لا يستلزم تبعيضا فى مقتضى الايجاب (فلاحظ: مقتضى فسخ العقد، فانه) اى الفسخ (و إن كان حلا للعقد السابق، و جعله) اى العقد للسابق (كان لم يكن الا انه لا يرتفع به الملكية السابقة على الفسخ) بل الملكية من حين الفسخ (لان العبرة بزمان حدوثه، لا بزمان متعلقه) الّذي هو العقد السابق.

(ثم على القول بالكشف هل للطرف) الآخر (غير المكره ان يفسخ قبل

ص: 397

رضا المكره أم لا؟ يأتى بيانه فى الفضولى إن شاء الله تعالى.

______________________________

رضا المكره) و فسخه (أم لا) ليس له الفسخ (يأتى بيانه فى الفضولى إن شاء الله تعالى)

و سيصدر القسم الثالث من كتاب البيع عن قريب إن شاء الله تعالى

ص: 398

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

فى المقبوض بالعقد الفاسد 3

فى بيان قاعدة: ما يضمن بصحيحه 7

فى مدرك قاعدة: ما يضمن بصحيحه 11

فى عكس قاعدة: ما يضمن بصحيحه 38

فى وجوب: فورية الرد الى المالك 52

فى ما لو كان للعين المبتاعة منفعة 56

فى تعريف المثلى و القيمى 73

فى حكم ما اذا لم يوجد المثل الا باكثر من ثمن المثل 102

فى ما لو تعذر المثل فى المثلى 107

فى ضمان المثلى و تحقيق القول فيه 127

فى ما لو دفع القيمة فى المثل المتعذر مثله 139

فى ما لو كان التالف المبيع فاسدا 141

فى ذكر صحيحة ابى ولاد 153

فى تحقيق معنى الخبر الشريف 159

فى نقل الاقوال فى الضمان 185

ص: 399

الموضوع الصفحة

فى معنى ضمان العين 196

فى ان الغرامة هل تعود ملكه الى الغارم أم لا؟ 217

فى شروط المتعاقدين 228

فى عدم جواز تصرفات الصبى 246

فى لزوم قصد مدلول العقد 276

فى اعتبار تعيين الموجب و القابل و عدمه 307

فى شرطية الاختيار للمتعاقدين 311

فى صحة عقد المكره اذا تعقبه الرضا 381

محتويات الكتاب 399

ص: 400

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.